محاسن المكاتَبات
قال: وكتَبَ عمرو بن مُسعَدَة إلى المأمون في رجلٍ من بني ضبَّة يَستشفع له بالزيادة في منزلتِه، وجعَلَ كتابه تعريضًا: أمَّا بعد، فقد استشفَعَ بي فلانٌ يا أمير المؤمنين لتَطوُّلك عليَّ في إلحاقِه بنُظرائه من الخاصَّة فيما يرتزقون به، وأعلمتُه أنَّ أمير المؤمنين لم يَجعَلْني في مَراتِبِ المُستشفِعين، وفي ابتدائه بذلك تَعدِّي طاعتِه والسَّلام. فكتَبَ إليه المأمون: قد عرَفْنا تَصريحك له وتعْريضَك لنفسِك، وأجَبْناك إليهما ووقَّفناك عليهما. قال: وكتَبَ عمرو بن مُسعدة إلى المأمون كتابًا يَستعطِفُه على الجُند: كِتابي إلى أمير المؤمنين، ومَنْ قِبَلي من أجنادِهِ وقُوَّادِه في الطاعة والانقِياد على أحسنِ ما تكون عليه طاعةُ جُندٍ تأخَّرتْ أرزاقُهم واختلَّت أحوالهم. فقال المأمون: والله لأقْضِينَّ حقَّ هذا الكلام. وأمرَ بإعطائهم لِثمانِيةِ أشهُر. قال: وقدِمَ رجلٌ من أبناء دَهاقين قُريش على المأمون لِعِدَةٍ سلفَتْ منه، فطال على الرجلِ انتظار خروج أمرِ المأمون، فقال لعمرو بن مسعدة: توصَّل في رُقعةٍ منِّي إلى أمير المؤمنين تكونُ أنتَ الذي تَكتُبها تكون لك عليَّ نِعمتان. فكتبَ إنَّ رأى أميرُ المؤمنين أنْ يَفُكَّ أسْرَ عبدِه مِن رِبْقةِ المَطْل بِقضاء حاجته، ويأذن له في الانصراف إلى بلدِه فَعَلَ إن شاء الله. فلَمَّا قرأ المأمون الرُّقعةَ دعا عمرًا فجعل يعجبه من حُسْن لفظها وإيجاز المراد. فقال عمرو: فما نَتيجتُها يا أمير المؤمنين؟ قال: الكِتاب له في هذا الوقتِ بما وَعَدْناه؛ لئلَّا يتأخَّر فضلُ استِحْساننا كلامَه، وبجائزة مائة ألف درهم صِلةً عن دَناءةِ المَطْل وسَماجة الإغفال. ففعل ذلك له. وحدَّثَنا إسماعيل بن أبي شاكر قال: لما أصاب أهلَ مكَّةَ السَّيل الذي شارَفَ الحِجْرَ ومات تحتَهُ خلْقٌ كثير، كتب عبيد الله بن الحَسَن العلوي — وهو والي الحرَمَين — إلى المأمون أنَّ أهل حرَم الله وجِيران بيته وأُلَّاف مَسجدِه وعَمَرَة بلاده، قد استجاروا بعزِّ معروفِك من سَيلٍ تراكمتْ أُخرَياتُه في هدْم البُنيان، وقتْل الرجال والنسوان واجتِياح الأصول وجَرْف الأبقال، حتى ما ترك طارفًا ولا تالِدًا للراجِعِ إليهما في مَطعمٍ ولا مَلْبس؛ فقد شغَلَهم طلبُ الغذاء عن الاستراحة إلى البُكاء على الأمَّهاتِ والأولاد والآباء والأجداد، فأَجِرْهُم يا أمير المؤمنين بِعطفِك عليهم وإحسانك إليهم تَجِدِ الله مُكافئَكَ عنهم ومُثيبَكَ عزَّ الشُّكر منهم. قال: فوجَّهَ إليهم المأمون بالأموال الكثيرة، وكتَبَ إلى عُبيد الله: أما بعد، فقد وصلتْ شَكيَّتُك لأهلِ حرَمِ الله أميرَ المؤمنين، فبَكاهُم بقلبِ رحمتِه، وأنجَدَهم بسَيبِ نِعمته، وهوَ مُتْبِعٌ ما أسْلَفَ إليهم بما يُخلِفُه عليهم عاجلًا وآجلًا إنْ أذِنَ الله في تَثبيتِ عَزْمِه على صِحَّةِ نِيَّتِه. قال: فصار كتابُه هذا آنَسَ لأهلِ مكَّةَ من الأموال التي أنفَذَها إليهم. قال: وكتَبَ جعفر بن محمد بن الأشعث إلى يحيى بن خالد يَستعْفِيه من العمل: شُكري لك على ما أُريد الخروج منه شُكر مَنْ سأل الدُّخول فيه. قال: وكتب عليُّ بن هشام إلى إسحاق بن إبراهيم الموصِلي: ما أدري كيفَ أصنعُ؛ أغِيبُ فأشتاق وألتقي ولا أشتَفِي، ثمَّ يُحْدِث لي اللقاءُ الذي طلبتُ منه الشِّفاء نَوعًا من الحُرقَة للَوْعَةِ الفُرقة؟ قال: وكتب معقل إلى أبي دلفٍ فُلان جميل الحال عند الكرام، فإنْ أنتَ لم تَرتَبِطْهُ بفَضلِك عليه فَعَل غيرُك. وكتَبَ أبو هاشم الحربي إلى بعض الأمراء: غرَضِي من الأمير مُعْوز، والصبر على الحِرمان مُعجِز. وكتَبَ آخر إلى صديقٍ له: أما بعد، فقد أصبحَ لنا من فضل الله ما لا نُحصيه مع كثرةِ ما نَعصيه، وما ندري ما نَشْكُر؛ أجميلَ ما نَشَرَ أم كثيرَ ما سَتَر؟ أم عَظيمَ ما أبلى؟ أم كثيرَ ما عَفى؟ غير أنه يَلزمُنا في كلِّ الأمور شُكره، ويجِب علينا حمدُه، فاستزِدِ الله في حُسنِ بلائه كشُكرِكَ على حُسنِ آلائه.
ضده
«قال الجاحِظ»: كتَبَ ابن المراكبي إلى بعض ملوك بغداد: جُعلْتُ فِداك برحمته. قال: وقرأتُ على عنوان كتابٍ لأبي الحسَن الشمري: للمَوتِ لنا قِبلة. وقرأتُ أيضًا على عنوان كتاب: إلى الذي كتَبَ إليَّ.