المتكلمات
حدَّث عمر بن يزيد الأسدي قال: مررت بخرقاء صاحبة ذي الرمة، فقلت لها: هل حججت قط؟ قالت: أما علمت أني منسك من مناسك الحج، ما منعك أن تسلم عليَّ؟ أما سمعت قول عمك ذي الرمة:
فقلت لها: لقد أثَّر فيك الدهر، قالت: أما سمعت قول العجيف العقيلي حيث يقول:
قال: ورأيتها وإن فيها لمباشرة، وإن ديباجة وجهها لطرية كأنها فتاة، وإنها لتزيد يومئذٍ على المائة، ولقد حدثت أنه شبب بها ذو الرمة وهي ابنة ثمانين سنة، وحدَّث رجل من بني أسد، قال: أدركت ميًّا صاحبة ذي الرمة وكان الرجل أعور، قال: ورأيتها في نسوة من قومها فقلت: أهذه مي؟ وأومأت إليها، فقلن: نعم. فقلت: ما أدري ما كان يعجب ذا الرمة منك، وما أراكِ على ما كان يصف. فتنفَّست الصعداء وقالت: إنه كان ينظر إليَّ بعينين، وأنت تنظرُ إليَّ بعين واحدة.
ورَوَى الأصمعي عن رجل من أهل الشام قال: قدمت المدينة فقصدت منزل ابن هرمة، فإذا بنية له تلعب، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد إلى بعض الإخوان. قلت: فانحري لنا ناقة فإنَّا أضيافك. قالت: يا عماه، والذي خلقك ما عندنا شيء. قلت: فباطل ما قال أبوك! قالت: فما قال؟ قلت: قال:
قالت: يا عماه، فذلك القول من أبي أصارنا إلى أنْ ليس عندنا شيء.
قال: وأتى زياد الأقطع باب الفرزدق — وكان له صديقًا — فخرجت إليه ابنة الفرزدق وكانت تُسمَّى مكية وأمها حبشية، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: مكية، قال: ابنة مَنْ؟ قالت: ابنة الفرزدق، قال: فأمك؟ قالت: حبشية، فأمسك عنها، فقالت: ما بال يدك مقطوعة؟ قال: قطعها الحرورية، قالت: بل قُطِعَت في اللصوصية، قال: عليك وعلى أبيك لعنة الله، وجاء الفرزدق فأُخْبِرَ بالخبر، فقال: أشهد أنها ابنتي، وأنشأ يقول:
وحدَّث سليمان بن عباس السعدي قال: كان كُثير يلقى حاج أهل المدينة بقديد على ست مراحل، ففعل عامًا من الأعوام غير يومهم الذي نزلوا فيه، فوقف حتى ارتفع النهار، فركب جملًا في يوم صائف ووافى قديدًا وقد كَلَّ بعيره وتعب، فوجدهم قد ارتحلوا وقد بقيَ فتى من قريش، فقال الفتى لكثير: اجلس، قال: فجلس كثير إلى جنبي ولم يسلِّم عليَّ، فجاءت امرأة وسيمة جميلة فجلست إلى خيمة من خيام قديد واستقبلت كثيرًا، فقالت: أنت كثير؟ قال: نعم، قالت: أنت ابن أبي جمعة؟ قال: نعم، قالت: أنت الذي تقول:
قال: نعم، قالت: فعلى هذا الوجه هيبة إن كنت كاذبًا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال: فضجر كثير، وقال: ومَنْ أنتِ؟ فسكتت ولم تجبه بشيء، فسأل الموالي التي في الخيام عنها فلم يخبرنه، فضجر واختلط عقله، فلما سكن قالت له: أنت الذي تقول:
أهذا الوجه جليل؟ إن كان كاذبًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فاختلط وقال: لو عرفتك لفعلت وفعلت، فلما سكن قالت له: أنت الذي تقول:
أهذا الوجه الذي يروق الناظرات؟ إن كنت كاذبًا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال: فازداد ضجرًا واختلط، وقال: لو عرفتك والله لقطعتك وقومك هجاءً، ثمَّ قام فأتبعته طرْفي حتى توارى عني، ثمَّ نظرت إلى المرأة فإذا هي قد غابت عني، فقلت لمولاة من بنات قديد: لكِ الله عليَّ إن أخبرتيني مَنْ هذه المرأة أن أطوي لك ثوبي هذين إذا قضيت حجي ثمَّ أعطيكهما، فقالت: والله لو أعطيتني زنتهما ذهبًا ما أخبرتك من هي، هذا كثيرٌ مولاي لم أخبره، قال القرشي: فرُحتُ وبي أشد مما بكثير، قيل: وقدم كثير الكوفة، وكان شيعيًّا من أصحاب محمد بن الحنفية، فقال: دلوني على منزل قطام، قيل له: وما تريد منها؟ قال: أريد أن أوبخها في قتل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فقيل له: عُد عن رأيك، فإن عقلها ليس كعقول النساء، قال: لا والله لا أنتهي حتى أنظر إليها وأكلمها، فخرج يسأل عن منزلها حتى دُفِعَ إليه، فاستأذن فأذِنَت له، فرأى امرأة برزة قد تخدَّدت وقد حنا الدهر من قناتها، فقالت: من الرجل؟ قال: كثير بن عبد الرحمن، قالت: التميمي الخزاعي؟ قال: التميمي الخزاعي، ثمَّ قال لها: أنت قطام؟ قالت: نعم، قال: أنت صاحبة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه؟ قالت: بل صاحبة عبد الرحمن بن ملجم، قال: أليس هو قتل عليًّا؟ قالت: بل مات بأجله، قال: والله إنِّي كنت أحب أن أراك، فلما رأيتك نَبَتْ عيني عنك وما ومقك قلبي ولا احلوليت في صدري، قالت: أنت والله قصير القامة صغير الهامة ضعيف الدعامة كما قيل، لأن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فأنشأ كثير يقول:
قالت: لله درك، ما عُرفت إلا بعزة تقصيرًا بك، قال: والله لقد سار لها شعري وطار بها ذكري، وقرب من الخلفاء مجلسي، وإنها لكما قلت فيها:
قالت: والله ما سمِعتُ شعرًا أضعفَ من شِعرك هذا. والله لو فُعِل هذا بزنجِيَّة طاب ريحُها. ألا قُلتَ كما قال امرؤ القيس:
قال: فلله درُّ بلادك، وخرج وهو يقول:
قال: وقال المُسيب راوية كُثَيِّر: انطلَقَ كُثَيِّر مرةً فقال لي: هل لك في عكرمة بن عبد الرحمن بن هشام، وهو يومئذٍ على حنظلة بن عمرو بن تميم. فقلت: نعم. قال: فخرجْنا نُريده حتى إذا صدَرْنا عن المدينة إذا نحنُ بامرأةٍ على راحلة تسير فسِرتُ حذاءها. فقالت: أتروي لكُثَيِّرٍ شيئًا؟ قلت: نعم. قالت: أنشِدْني، فأنشدتُها من شِعره. فقالت: أين هو؟ قلت: هو ذاك الذي تَرَين على غير الطريق. فقالت — بعد أن دلَّتْ منه: قاتل الله زَوج عزَّة حيث يقول:
فغضِب كثير وسار وتركها. ثمَّ نزل منزلًا فجاءت جارية لها تدعوه، فأبى كُثَيِّر أن يأتيها. فقلت: ما رأيتُ مِثلك قط! امرأة مثل هذه تُرسِل إليك فتأبى عليها! فلم أزل به حتى أتاها. قال: فسفرَتْ عن وجهِها فإذا هي أجمل الناس وأكملهم ظُرفًا وعقلًا، وإذا هي غاضرة أم وَلَد بِشر بن مروان، فصحِبناها حتى كُنَّا بزبالة، فمالَتْ بنا الطريق فقالت له: هل لك أن تأتي الكُوفة فأضمَن لك على بِشر الصِّلة والجائزة؟ فأبى، وأمرتْ له بخمسة آلاف دِرهم ولي بألفَين. فلمَّا أخذْنا الخمسة آلاف قال: ما أصنعُ بِعكرمة وقد أصبتُ ما ترى؟ فذلك قوله حيث يقول:
الشكيمة: العطية. والزناد: جمع زند، وهو عود يُقْدَح منه النار. قال الحكم بن صخر الثَّقفي: حججتُ فرأيتُ بأقرة امرأتَين لم أر كجمالِهما وظُرفِهما وثيابِهما. فلمَّا حججْتُ وصِرنا بأقرة إذا أنا بإحدى الجاريَتَين قد جاءت، فسألتُ سؤالَ مُنكرٍ فقلت: فلانة؟ قالت: فداك أبي وأمي، رأيتُك عام أوَّل شابًّا سُوقة، والعامَ شيخًا ملِكًا، وفي وقتٍ دون ذلك ما تُنكِر المرأة صاحِبها. فقلت: ما فعلتْ أختُك؟ فتنفَّسَت الصُّعَداء وقالت: قدِم علينا ابن عمٍّ لنا فتزوَّجها، فخرج بها إلى نجِد، فذاك حيث أقول:
فقلت: أما إنِّي لو أدركتُها لتزوَّجتُها. قالت: فداك أبي وأمي، فما يَمنعُك من شريكتِها في حُسنها وشقيقتها في حَسَبها؟ قلت: قول كُثَيِّر:
قالت: وكُثَيِّر بيني وبينَك. أليس هو الذي يقول:
قال: فتركتُ جوابَها ولم يَمنعْنِي منه إلَّا العَي.