محاسن النساء
قيل: أحسن النساء الرقيقة البَشرة النقيَّة اللون، يَضرِب لونُها بالغَداةِ إلى الحُمرة
وبالعَشيِّ إلى الصُّفرة. وقالت العرب: المرأة الحَسْناء أرقُّ ما تكون محاسنَ صبيحَةَ
عرسها وأيام نِفاسِها وفي البطن الثاني من حملِها. وقيل لأعرابي: أتُحسِن صِفة النساء؟
قال:
نعم، إذا عَذُبَ ثناياها وسهُل خدَّاها ونهَدَ ثدْياها وفَعُمَ ساعِداها والتفَّ فخْذاها
وعرُض وركاها وجَدِل ساقاها، فتلك همُّ النَّفس ومُناها. ووصف أعرابي امرأة فقال: كأنَّ
وجْهَها السَّقَم لمن رآها والبُرءُ لمن ناجاها. وذكر أعرابي امرأة فقال: أرسل الحُسن
إلى
خدَّيها صفائح نُور ورشَقَ السِّحر عن لحظِها بأسهُمٍ حِداد. ولقد تأمَّلتُ فوجدتُ للبدْر
نورًا من بعض نُورها. وذكر أعرابي امرأةً فقال: هي شمسٌ تُباهي بها شمسَ سمائها، وليس
لي
شفيعٌ إليها غيرها في اقتضائها، ولكنِّي كَتومٌ لفَيض النفس عند امتلائها. وذكر أعرابي
امرأة فقال: ما أُحسِنُ من حُبِّها نُعاسًا، ولا أنظرُ إليها إلَّا اختلاسًا، وكلُّ امرئٍ
منها يرى ما أحب. وذكر أعرابي امرأةً فقال: لها جِلدٌ من لؤلؤٍ رَطْب مع رائحة المِسك
الأذفَر. في كلِّ عضوٍ منها شمسٌ طالِعة. ومِمَّا جاء في الحُسن من الشِّعر: قال عبد
الله
بن المُعتز: أنشَدَني أبو سهل إسماعيل بن علي لأبي الصَّواعق:
ومَريضِ طرفٍ ليس يَصرِفُ طَرْفَهُ
نحوَ المَدى إلَّا رَماه بِحتفِهِ
ظبيٌ له نَظرٌ ضعيفٌ كلَّما
قَصَدَ القويَّ أتى عليه بِضَعفِهِ
قد قُلتُ لمَّا مرَّ يَخطُرُ مائسًا
والرِّدفُ يَجذِبُ خَصرَه من خَلْفِه
يا مَنْ يُسلِّم خَصْرَه مِنْ رِدْفه
سَلِّمْ فؤادَ مُحبِّه مِن طَرْفِهِ
فقلتُ في هذا المعنى وعلى هذا الوزن:
وحياةِ مَنْ جَرَح الفؤاد بطَرْفِه
لأُحَبِّرَنَّ قصائدي في وصِفِه
قمرٌ به قمرُ السَّماءِ مُتيَّمٌ
كالغُصْنِ يَعجَبُ نِصفُهُ من نِصفِه
إنِّي عَجِبتُ لخَصْرِه من ضُعفِه
ماذا تَحَمَّلَ من ثِقالةِ رِدْفِه
هذا وما أدري بأيَّةِ فِتنةٍ
جَرَحَ الفؤاد بِلُطفِه أم ظُرْفه
أم بالدَّلال أم الجمال أم الضِّيا
مِن وجهه أم بالقَفا من خَلفِهِ
وأنشَدَ أبو الحُسين بن فَهم لأبي نُواس:
كفاك ما مرَّ على رأسي
مِن شادنٍ قطَّعَ أنفاسي
أكثرُ ما أبلُغُ في وصفِه
تَحيُّري منِ قلبِه القاسي
أغارُ أنْ أنعَتَ منه الذي
ينعَتُهُ الناس من الناسِ
ولم أرَ العُشَّاق قبلي رأوا
بوَصْفِ مَنْ يَهوَون من باس
كلُّ أحاديثي نَعتٌ له
مُنكَشِفٌ منِّي لجُلَّاسي
فقلتُ في هذا المعنى وهذا الرَّوِيِّ والوزن:
لوْ عُشْرُ ما مَرَّ على رأسي
مرَّ بصَلْدِ حَجَرٍ قاسي
لانصدَعَتْ فيه صُدوعٌ كما
صدَّع قلبي طولُ وَسْواسي
يا غُصنَ آسٍ ومُحالٌ إذا
قَصَّرْتُ تَشبيهَك بالآسِ
ماذا على طَرْفِكَ لو أنَّه
أعارَ لحظًا منه قِرطاسي
ليتَك علَّلتَ بمطلٍ ولم
تقْطَعْ رجائي منك بالياسِ
وقال آخر:
وزائرةٍ يحتثُّها الشوقُ طارِقَه
أتتْنا من الفردوس لا شكَّ آبِقَه
إذا ما تثنَّت قال للريح قدُّها
كذا حرِّكي الأغصانَ إن كنتِ صادِقه
وقال آخر:
قد أقبل البدرُ في قَراطِقِه
يسلُبُ بالدَّلِّ قلبَ عاشِقِه
يسطو عليه بسيف مُقلَته
لا بالذي شُدَّ في مناطِقه
وقال آخر:
قل للمِلاح الحَدَقِ
وللحِسانِ الخِلَقِ
هل في فؤادي للقُوَى
أو جسدي شيءٌ بقي
إن لم تُرَوُّوا عطشي
بُخلًا فبُلُّوا رمَقي
يا مُقلةً أجفانُها
مَحشوَّةٌ بالأرَقِ
بقيتِ في رِقِّ الهوى
شقيَّةً فيمَن شَقى
وقال آخر:
يا مِلاحَ الدَّلال والاغتِناج
ما أري القلبَ من هواكُنَّ ناجي
أنتَ زَرْفَنتَ فوقَ خدَّيكَ صُدْغًا
مِن عَبيرٍ على صفائح عاجِ
أشرقتْ وجنتاك بالنُّور حتى
أغْنَتا الخلْقَ عن ضِياء السِّراجِ
فَعَلَتْ مُقلَتاك بالقلبِ منِّي
فَعْلةَ القَرْمَطي بالحُجَّاجِ
يا هِلالًا أنِسْتُ منه بضوءٍ
جُنحَ ليلٍ من الظلام الدَّاجي
وقال آخر:
نَشَرت غدائرَ فَرْعِها لتُظِلَّني
حَذَر العُيونِ من العُيونِ الرُّمَّقِ
فكأنَّها وكأنَّه وكأنَّني
صبْحانِ باتا تحتَ ليلٍ مُطْبِقِ
وقال آخر:
يا غزالًا وهِلالًا
وقَضيبًا وكثيبَا
كم وكم أُضمِرُ وجدًا
بك مكتومًا عجيبَا
كيف يُرجَى بُرءُ مَنْ قد
كتم الداءَ الطَّبيبا
وقال آخر:
شمسٌ مُمثَّلةٌ في خَلقِ جاريةٍ
كأنَّما بَطنُها طيُّ الطواميرِ
فالجِسم من جوهرِ والشعرُ من سَبَجٍ
والثَّغرُ من لؤلؤٍ والوجه من عاجِ
وقال آخر:
نَتيج دلالٍ حارَ في حُسنِه الطرْفُ
ففِكرَتُهُ قبرٌ ومَنطقُه لُطفُ
بديعُ جمالٍ زانَهُ العقل والظُّرفُ
سماويُّ لونٍ لا يُحيطُ به وَصْفُ
له ريقةٌ عُلَّت بماء قَرَنفُلٍ
يُمازِجُها التُّفَّاحُ والخمرَةُ الصِّرفُ
يجسَّمُ في جِسمٍ من النُّور ساطعٍ
تَمكَّنَ في دِعصٍ يَنوءُ به رِدفُ
على صَحْنِ خدَّيهِ بَهارٌ مُنوِّرٌ
ووردٌ جَنيٌّ لا يَليقُ به القَطفُ
تكاملَ فيه الحُسنُ والنور والبَها
كبدْر الدُّجى إذ تمَّ من شهرِه النِّصف
براه إلهي لي عَذابًا وفتنةً
فما عِنده عَدْلٌ ولا عندَهُ عَطفُ
وقال آخر:
لك من قلبي المكان المَصونُ
كلُّ لومٍ عليَّ فيكَ يهونُ
قدَّرَ اللهُ أن أكونَ شقيًّا
بكَ والصبرُ عنكَ ما لا يكون
يا غزالًا بِلَحظِه يَفتنُ النا
س وفي طرفِه الرَّدى والمَنون
لك صبرٌ وليس لي عنك صبرٌ
فأنا اليومَ هائمٌ مَحزُون
قد خلَعتُ العذار فيك حبيبي
ما أُبالي بما رَمتْني الظُّنون
وقال آخر:
يا نظرةً جاءت على ياسِ
من ساحرِ المُقلةِ مَيَّاسِ
أطرافُه تُعقَدُ من لينِها
وقلبه كالحَجَر القاسي
يلومُني الناسُ على حُبِّه
أعانَني الله على الناس
وقال آخر:
يا ويح جِسمٍ يذوب من قَلقِه
من حُبِّ مَنْ لم أقِفْ على خُلُقِهِ
من حُبِّ ظبيٍ مُهفْهفٍ لَبِقٍ
يهتزُّ مثلَ القضيب في وَرَقِه
لم ترَ عيني ولن ترى أبدًا
أحسنَ من نحرِه ومن عُنُقه
كأنَّما المِسكُ حين تسحَقُه
بماء وَردٍ يفوحُ من عَرَقِهِ
أو خَمرَةٌ في الزُّجاجِ صافيةٌ
شِيبتْ بماءِ السَّحاب في نَسقِه
وقال آخر:
أربعةٌ قَرَّحَت فُؤادي
فطالَ وجدي وعيلَ صبري
مُقلةُ خِشفٍ وقدُّ غُصنٍ
وطيبُ ورْدٍ وحُسْنُ بدرِ
نفْسي ومالي فِداءُ ظبيٍ
أذابَ جِسمي وليسَ يَدْري
فمن لِصَبٍّ أسيرِ شَوقٍ
قتيلِ صَدٍّ بِسيفِ هَجْر
وقال آخر:
وما ريحُ ريْحانٍ بمسكٍ وعنبرٍ
يُعَلُّ بكافورٍ ودُهنةِ بانِ
بأطيبَ من ريَّا حبيبي لو انَّني
وَجَدتُ حبيبي خاليًا بمكانِ