محاسن التَّزويج
رُوِيَ أن رَجلًا أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنِّي أريدُ أن أتزوَّج، فادْعُ الله أن يرزُقني زوجةً صالحة، فقال: «لو دعا لك جبريل وميكائيل وأنا معهما ما تزوَّجتَ إلَّا المرأة التي كتَبَ الله لك؛ فإنه يُنادى في السماء ألا إنَّ امرأة فُلان بن فلان فُلانة بنت فلانة.» وقال ﷺ: «عليكم بالأبْكار، فإنَّهُنَّ أطيَبُ أفواهًا وأنتَقُ أرحامًا.» وقال عمر — رضي الله عنه: عليكم بالأبْكار، واستعيذوا بالله من شِرار النِّساء، وكونوا من خيارهنَّ على حذَر، قال الشاعر:
وقال آخر:
وقال الحارِث بن كلدة: لا تنكِحوا من النساء إلَّا الشابَّة، ولا تأكلوا من الحَيوان إلَّا الفتي، ولا من الفاكِهة إلَّا النَّضيج. وقال مُغيرة بن شُعبة: حصَّنتُ تِسعًا وتِسعين امرأة، ما أمسكتُ واحدةً منهنَّ على حُب، ولكني أحفَظُها لمنصِبها وولدِها. فكنت أسترضِيهن بالباهِ شابًّا، فلمَّا أنْ شِبْتُ وضعُفتُ عن الحركة استرضيتُهنَّ بالعطيَّة. وقال بعضهم: لذَّة المرأة على قدْر شَهوتِها، وغِيرتها على قدْر لذَّتها. ورُوِي عن رسول الله ﷺ أنَّهُ قال: «إنَّما النِّساء لُعَب، فإذا تزوَّج أحدُكم فليستحسِن.» ورُوِيَ عن عُمر بن الخطاب — رضي الله عنه — أنه قال: تزوَّجها سَمراء ذَلفاء عَيناء، فإنْ فركتَها فعليَّ صداقُها. وقال الحجَّاج بن يوسف: مَنْ تزوَّج قصيرةً فلم يجِدْها على ما يُريد فعليَّ صداقُها. ورُوِيَ عن علي — صلوات الله عليه — أنَّ رجُلًا أتاه فقال: إنِّي تزوجتُ امرأة مجنونة، فقالت المرأة: يا أمير المؤمنين، إنَّهُ يأخُذُني عند الجِماع غشية، فقال للرجل: قُم، ما أنت لها بأهل. وفي حديث رسول الله ﷺ: «إيَّاكم وخضراء الدِّمَن، وهي المرأة الحسناء في المَنبت السُّوء.» وقال بعضهم: لا تتزوَّجنَّ حنَّانة ولا أنَّانة ولا منَّانة ولا عُشبةَ الدار ولا كيَّةَ القفا. فأمَّا الحنَّانة فالتي قد تزوَّجَها رجل من قبل فهي تحنُّ إليه، والأنَّانة التي تئنُّ من غير عِلَّة، والمنَّانة التي لها مال تَمتنُّ به، وعُشبة الدَّار الحسناء في أصل السُّوء، وكيَّة القفا التي إذا قام زَوجها من المجلِس قال الناس: فعلتِ امرأة هذا كذا وفعلت كذا. وقال محمد بن علي — رضي الله عنهما: اللهم ارزُقني امرأة تَسرُّني إذا نظرْتُ، وتُطيعُني إذا أمرْت، وتحفظُني إذا غِبْت. ورُوِي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا خطب أحدُكم امرأةً فلا جُناح عليه أن ينظُر إليها وإن كانت لا تعلَم.» وقال بعض الشُّعراء في تزويج الشَّبَه:
وقال آخر:
وقال آخر:
قال خالد بن صفوان لدلَّال: اطلُب ليَ امرأةً بِكْرًا أو ثَيِّبًا كبكر، حصانًا عند جارِها ماجِنةً عند زوجها، قد أدَّبها الغِنى وذلَّلَها الفقر، لا ضرعة صغيرة ولا عجوزًا كبيرة، قد عاشت في نِعمة وأدركتْها حاجة، لها عقل وافِر وخُلق طاهر وجمال ظاهر، صَلتةُ الجبين سهلة العرنين، سوداء المُقلتَين خَدَلَّجَةُ الساقين لفَّاءُ الفخذَين نبيلة المِقعَد كريمة المَحتِد رَخيمة المنطِق، لم يُداخِلها صلف، ولم يشِنْ وجهها كلَف، رِيحُها أرَج ووجهُها بهَج، ليِّنة الأطراف ثقيلة الأرداف، لونُها كالرَّق وثديُها كالحُقِّ، أعلاها عَسيب وأسفلها كثيب، لها بَطنٌ مُخْطَف وخَصْر مُرْهَف وجِيد أتلَعُ ولبٌّ مُشبَّع، تتثنَّى تثنِّيَ الخَيزران، وتميل مَيل السَّكران، حَسَنة المَآق في حُسْن البُراق، لا الطول أزرى بها ولا القِصَر. قال الدلَّال: استفتِح أبواب الجِنان، فإنك سوف تراها. وقال أيضًا: لا تتزوَّج واحدة فتَحيض إذا حاضَتْ وتَنفس إذا نفَسَت وتعود إذا عادت وتمرَض إذا مرِضت، ولا تتزوَّج اثنتَين فتقَع فيما بين الجَمرتَين، ولا تتزوَّج ثلاثًا فتقَع بين أثافي، ولا تتزوَّج أربعًا فيحقُرنَك ويُهرمْنَك ويُفلِسْنَك. فقال له رجل: حرَّمتَ ما أحلَّ الله. فقال: طِمران وكُوزان ورغيفان وعبادة الرحمن. وعن صالحٍ بن حسَّان قال: رأيتُ امرأة بالمدينة يُقال لها: حوَّاء، وهي التي علَّمت نساء المدينة النَّقْع، وهو النَّخْر والحركة والغربلة والرَّهز. وكانت لها سقيفة تتحدَّث إليها رجالات قُريش، ولم يكن في المدينة أهل بيتٍ إلَّا وتأخُذ صِبيانَهم وتُمِصُّهم ثدْيَها أو ثَدْي إحدى بناتِها، فكان أهل المدينة يُسمُّونها حوَّاء، ولم يكن بالمدينة شريفٌ ممَّن يجلس في سقيفتِها إلا وأوصل إليها في السَّنة ثلاثين وسقًا وأكثر من طعامٍ وتمْر مع الدنانير والدراهم والخدَم والكِساء. فجاءها ذات يومٍ مُصعَب بن الزبير وعمرو بن سعيد بن العاص وابنٌ لعبد الرحمن بن أبي بكر، فقالوا لها: يا خالة، قد خَطبْنا نساءً من قُريش ولسْنا ننتفِع إلَّا بنظرك إليهنَّ، فأرشدينا بفضل عِلمك فيهنَّ. فقالت لمُصعَب: يا ابن أبي عبد الله، ومَنْ خطبتَ؟ قال: عائشة بنت طلْحة. قالت: فأنت يا ابن الصديق؟ قال: أم القاسِم بنت زكرياء بن طلحة. قالت: فأنت يا أبي أُحيحة؟ قال: زينب بنت عمرو بن عثمان. فقالت: يا جارية، عليَّ بمِنقليَّ — تعني خُفَّيها — فأتتْها بهما، فخرجَتْ ومعها خادِم لها، فأتت عائشة بنت طلحة، فقالت: مرحبًا بك يا خالة. فقالت: يا بُنيَّة، إنَّا كُنَّا في مأدبةٍ لقريش، فلم تبقَ امرأة لها جمال إلا ذُكِرَت، وذكرتُ جمالك فلم أدرِ كيف أصِفُك فتجرَّدي لأنظرك. فألقتْ درعها ثمَّ مشتْ، فارتجَّ كلُّ شيْءٍ منها، ثمَّ أقبلتْ على مِثل ذلك. فقالت: فداك أبي وأمي، خُذي ثَوبَيك. وأتتْهنَّ جميعًا على مثل ذلك، ثمَّ رجعتْ إلى السَّقيفة، فقالت: يا ابن أبي عبد الله، ما رأيتُ مِثل عائشة بنت طلحة قط، مُمتلِئة التَّرائِب زَجَّاء العَينين هَدِبة الأشفار مَخطوطة المَتنَين ضخمة العَجيزة لفَّاء الفَخذَين مُسروَلَة السَّاقين، واضِحة الثَّغر نقِيَّة الوَجه فرْعاء الشَّعر. إلَّا أنَّني رأيتُ خُلَّتَين هما أعْيَبُ ما رأيتُ فيها؛ أما إحداهما فيُواريها الخفُّ وهي عِظَم القدَم، والأُخرى يُوارِيها الخِمار وهي عِظَم الأُذن. وأمَّا أنت يا ابن أُحَيحة، فما رأيتُ مثل زينب بنت عمرو فراهَةً قطُّ إلَّا أنَّ في الوجه ردَّة، ولكنِّي مُشيرةٌ عليك بأمرٍ تستأنِس إليه وهي مَلاحة تعتزُّ بها. وأمَّا أنتَ يا ابن الصِّدِّيق، فوالله ما رأيتُ مِثل أمِّ القاسِم، ما شبَّهتُها إلَّا بِخَوط بانة تتثنَّى أو خشَفٍ يتقلَّب على رمل، ولم أرَها إلَّا فَوق الرجل، وإذا زادت على الرَّجُل المرأة لم تحسُن، لا والله إلَّا من يملأ المَنكِبَين فتزوَّجوهن. وقال أعرابي في أُختٍ له تزوَّجت بغَير كفؤ:
قال: وكان بالمدينة رجلٌ قد أُعطيَ جودة الرأي، ولم يكن فيها مَنْ يُريد إبرام أمرٍ إلَّا شاوَرَه، فأراد رجل من قريش أن يتزوَّج فأتاه، فقال: أنا أريد أن أضمَّ إليَّ أهلًا فأشِر عليَّ. قال: افعلْ تُحصِّن دينَك وتَصُن مُؤنتك، وإياك والجمال البارع. قال: ولمَ نَهيتَني وإنما هو نهاية ما يَطلُب الناس؟ قال: لأنه ما فاق الجمال إلَّا لَحِقَهُ قول. أما سمِعتَ قول الشاعر:
قيل: وكانت جارية من بنات الملوك تكرَه التَّزويج، فاجتمَع عندها نِسوة فتذاكرْنَ التزويج وقُلْنَ لها: ما يَمنعُك منه؟ قالت: وما فيه من الخير؟ قلْنَ: وهل لَذَّةُ العَيش إلَّا في التَّزويج. قالت: فلتَصِفْ كلُّ واحدة مِنكنَّ ما عِندها فيه من الخير حتَّى أسمع. فقالتْ إحداهنَّ: زَوجي عَوني في الشدائد، وهو عائدي دُون كلِّ عائد، إنْ غضبتُ عطَف، وإن مرضتُ لطَف. قالت: نِعْمَ الشَّيءُ هذا. قالت الأخرى: زَوجي لِمَا عَنانِي كافٍ، وَلِما أَسْقَمَني شافٍ، عرَقُهُ المِسْك المُداف وعِناقه كالخُلد، ولا يُمَلُّ طول العهد. قالت: هذا خَيرٌ منه. قالت الأخرى: زَوجي الشَّعار حِين أبرد، وأَنيسي حِين أُفرَد. فتزوَّجت فَقُلنَ لها: يا فلانة، كيف رأيت؟ قالت: أنعم النعيم، وسرورًا لا يُوصَف، ولذَّة ليس منها خُلْف.
أمثال في التزويج
قيل: إنَّ أول مَنْ قال: «لا هَنُكَ أنقَيْتِ ولا مَاءك أبقَيْتِ.» الضَّبُّ بنُ أروى الكلاعي؛ وذاك أنه خرج من أرضه، فلمَّا سار أيَّامًا حار في تلك المَفاوِز التي تَعسَّفَها وتخلَّف عن أصحابه، وبقيَ فردًا يَعْسَفُ فيها ثلاثة أيام حتى دُفِعَ إلى قومٍ لا يدري مَنْ هم، فنزل عليهم وحدَّثَهم، وكان جميلًا، وإنَّ امرأة من أفاضل أولائك هَوِيَتْه، فأرسلتْ إليه أن اخطُبْني فخَطَبَها، وكانوا لا يُزَوِّجون إلَّا شاعِرًا أو رجلًا يَزجُر الطير أو يَعرِف عُيون الماء، فسألوه فلمْ يُحْسِن شيئًا من ذلك فلم يزوِّجوه. فلمَّا رأتِ المرأةُ ذلك زوَّجتْه نفسها على كُرهٍ من قَومِها، فلبِثَ فيهم ما لَبِثَ، ثُمَّ إنَّ رجلًا من العَرَب أغار عليهم في خَيلٍ فاستأصَلَهم، فتطيَّروا بضَبٍّ وأخرجوه وامرأتَهُ وهي طامِث. فانطلقا واحتَمَل ضبٌّ شيئًا من ماءٍ ومَشَيا يومًا وليلةً إلى الغد حتى اشتدَّ الحرُّ وأصابهما عطَش شديد، فقالت له: ادفَعْ إليَّ السِّقاءَ حتَّى أغتَسِل بِه، فإنَّا نَنتَهي إلى الماء ونَستَقِي، فاغتَسلتْ بما في السِّقاء ولم يقَعْ منها مَوقِعًا، وأتَيَا العَين فوَجداها ناضِبة وأدْرَكَهُما العطَش، فقال ضب: «لا هَنُكِ أنقَيتِ، ولا ماءك أبقيتِ.» فذهبَتْ مَثلًا. ثمَّ استَظلَّا تحتَ شجرةٍ كبيرة، فأنشأ ضَبٌّ يقول:
فَلمَّا سمِعَتْ ذلك فرِحَتْ وقالت: قُمْ فارجِع إلى قَومي فإنَّك شاعر. فانطلَقا راجِعَين حتى انتَهَيا إليهم، فاستقبلوهم بالسَّيف والعصا، فقال لهم ضب: اسمَعوا شِعري، ثمَّ إنْ بدا لكم أن تَقتلوني بعدُ فافعلوا، فتركوه فصار فيهم عزيزًا. وقِيل: إنَّ أول مَنْ قال:
«في الصَّيف ضيَّعت اللبن.» قتول بنت عبد، وكانت تحت رجلٍ من قومها فطلَّقها. وإنَّها رَغِبَت في أن يُراجِعَها فأبى عليها، فلمَّا يئسِتْ خَطَبَها رجل يُقال له: عامِر بن يُثوذِب فتزوَّجها. فلمَّا بنى بها بدا للزَّوج الأول مُراجَعَتُها وهَوِيَ بها هوًى شديدًا، فجاء يَطلُبُها ويَرنو بنظرِه إليها ففطِنَتْ به، فقالت:
فذهَبَتْ مَثلًا، فقال لها زَوْجها الأول واسمه الأشق: فهل بَقِيَ شيء؟ قالت: نعم؛ فَاصِلْهُ عن جميع مالِك وطَلاقي، فإنْ فَصَلْتَهُ تزوَّجتُك. فرَضِيَ بذلك، ثُمَّ راجَعَ نفسه فقال لها ذلك. فقالت: أمَّا إذا ضَنَنْتَ بِمَالِك، فانطلِقْ إلى مكانٍ إذا أنتَ تكلَّمْتَ سَمِعَ زَوجي كلامي وكلامَك، ثمَّ اقعُد كأنَّك لا تشعر بِه، وقُل:
فانطلَقَ الأشقُّ ففعل ما أمرتْه به، فسمِعَه عامِر فوقَع في قلبه قوله، وقد كان عرَف حبَّها له، فصدَّق ذلك ودخل عليها فطلَّقها وتزوَّجها الأشق. وذكروا أن بَطنًا من قُريش اشتدَّت عليهم السَّنة، وكانت فيهم جارية يُقال لها: زينب من أكمل نِسائهم جمالًا وأتمِّهنَّ تمامًا، وأشرَفَتْ فرآها شابٌّ يُقال له: عُروة، فوقَعَتْ في قلبِه، فجعل يُطالِعُها ولا يَقدِر على أكثرَ من ذلك، فاشتدَّ وَجْدُه بها. فلمَّا انقضَتِ السَّنة وأرادوا الرجوع إلى مَنازلهم دعا بعض جواري الحي فقال: يا ابنة الكرام، هل لك في يدٍ تَتَّخِذين بها عندي شُكرًا؟ قالت: ما أحْوَجَني إلى ذلك! قال: تَنطلقِين إلى خَيمة فُلانة كأنَّك تَقتبِسين نارًا، فإذا أنت جلسْتِ فقولي حيث تَسمَع زينب:
فانطلقَتِ الجارية ففعلتْ ذلك، فلمَّا سمِعَتْ زينب قولَها وكانت تُفلِّي رأس زَوجِها وكان عِنده أخٌ له، فقالت مُجيبةً لها:
فَسِمَع أخو الزَّوج قولَ الجارية وجوابَ زينب، فقال:
فانْتبَهَ الزَّوج لأمرِهم وعرَف ما أرادت، فقال:
انطَلِقي يا زَينب فأنتِ طالِق، فخرَجَتْ من عنده وبعَثَتْ إلى عُروة فأعلمَتْهُ وأقامت حتى انْقَضَتْ عِدَّتُها ثمَّ تزوَّجتْه.