في الناشِزة
ذكروا أنَّ الأخطل كانت عنده امرأة وكان بها مُعجَبًا، فطلَّقها وتزوَّج بمُطلَّقةِ رجلٍ من بني تغلِب، وكانت بالتَّغلبي مُعجَبَة، فبينا هي ذات يومٍ جالِسة مع الأخطل إذ ذكرتْ زَوجَها الأول، فتنفَّستِ الصُّعَداء ثمَّ ذَرَفَتْ دموعها فعرَفَ الأخطل ما بها، فذكر امرأتَهُ الأولى وأنشأ يقول:
قِيل: وَخاصمَتِ امرأة زَوجها إلى زياد، فجعلت تَعيبُه وتقعُ فيه، فقال الزَّوج: أصلحَ الله الأمير، إنَّ شرَّ المرأة كِبَرُها؛ إنَّ المرأةَ إذا كبُرَت عقُم رحِمُها وبَذا لسانُها وساء خُلقها، والرجل إذا كَبُر استحكَمَ رأيُه وقلَّ جَهْلُه. قال: صدقت، وحكَمَ له بِها. وذكروا أنَّ امرأةً أتتْ عبيد الله بن زياد، وكانت ذات شَحْمٍ وجِسمٍ وجمال، مُستعدِية على زَوجها، وكان أسودَ ذَميمَ الخِلقة، فقال: ما بال هذه المرأة تَشكوك؟ قال: أصلَحَ الله الأمير، سَلْها عمَّا ترى من جِسمِها وشحمِها، أَمِنْ طَعامي أم من طعام غَيري؟ قالت: من طعامك. أفتَمُنُّ عليَّ بطعام أطعَمْتَنِيه والكلاب تأكُل؟ قال: سَلْها عن كسوتها، من مالي هي أم من مال غَيري؟ قالت: من مالك. أفتمُنُّ عليَّ بثوبٍ كَسَوتَنِيه؟ قال: وَسَلْها عمَّا في بطنِها، مِنِّي هوَ أم من غَيري؟ قالت: منك. وَوَددتُ أنَّهُ في بَطْني من كلب. قال الرجل: أصلح الله الأمير، فما تُريد المرأة إلَّا أن تُطعَم وتُكسى وتُنكَح؟ قال: صدقتَ، فخُذْ بيدِها. قال: خرَج رجل مع قُتَيبة بن مُسلم إلى خُراسان وخلَّفَ امرأة يُقال لها: هِند من أجملِ نِساء زَمانها، فلَبِثَ هناك سِنين، فاشترى جاريةً اسمُها جُمانة، وكان له فرَس يُسمِّيه الوَرْد، فوقَعَتِ الجارية منه مَوقِعًا، فأنشأ يقول:
فبلَغَ ذلك هندًا فكتبتْ إليه:
فلمَّا قرأ كتابها أتى به إلى قُتيبَة فأعطاه إياه، فقال له: أبعدَك الله، هكذا يُفعَل بالحُرَّة! وأذِن له في الانصِراف. قال: وسمع عمر بن الخطاب امرأة تُنشِد وتقول:
فأمَرَ بإحضار زَوجِها، فوَجَدَه مُتغَيِّر الفم، فخيَّرَه جارية من المَغْنم أو خمسمائة دِرهم على طلاقها. فاختار الخمسمائة، فدُفِعَت إليه وخلَّى سبيلها. وحُكِيَ عن الفضل بن الرَّبيع أنَّهُ كان بمكة ومعه الفَرَج الرُّخجي، وكان الفضل صبيحًا ظريفًا والفَرَج ذَميمًا قَبيحًا، فخرجا إلى الطواف، ثمَّ انصرَفا إلى بعض طُرقات مكَّة وقعَدا يَتغدَّيان، فبينما هُما كذلك على طعامهم إذ وقفتْ عليهما امرأة جميلة بَهِيَّة حَسَنَةُ شَكِلَة وَعليها بُرقُع، فرفَعَتْهُ عن وجهها فإذا وجْهٌ كالدِّينار وَذِراع كالجُمَّار، فسلَّمتْ وقعَدَتْ وجعلتْ تأكل معهما. قال الفضل: فأعجبَني ما رأيتُ من جمالها وهيئتها، فقلت: هل لك من بَعْل؟ قالت: لا. قلت: فهل لك في بَعلٍ من أصحاب أمير المؤمنين حَسَن الخَلْق والخُلُق؟ قالت: وأين هو؟ فأشار إلى فَرَج. فقالت: جوابُك عند فراغِنا. فلمَّا أكلَتْ قالت للفضْل: تقرأ شيئًا من كتاب الله؟ قال: نعم. قالت: أَفَتؤمِن به؟ قال: نعم. قالت: فإنَّ الله يقول: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا، فضَحِكَ الفضْل ودخل على الرَّشيدِ فأخبَرَهُ فأمَرَ بإحضارها. فلمَّا نظَر إليها أُعجِبَ بها فتزوَّجَها وحمَلَها إلى مدينة السلام. قال: وَحجَّ إسماعيل بن طريح، فوقفَتْ عليه أعرابية جميلة. قال: فقال لها: هل لك أن تُزَوِّجِيني نفسك؟ فقالتْ مِن غَير توقُّف:
وانصرفَت. قال العتبي: كُنتُ كثير التزوُّج، فمررتُ بامرأةٍ فأعجبتْني فأرسلتُ إليها: ألَكِ زَوج؟ قالت: لا. فصِرتُ إليها فوصفتُ لها نفسي وعرَّفْتُها مَوضعي، فقالت: حسْبُك، قد عرفناك. فقلت لها: زَوِّجيني نفسك. فقالت: نَعم، ولكن ها هنا شيء تحتَمِله. قلت: وما هو؟ قالت: بَياض في مِفرَقِ رأسي. قال: فانصرفتُ، فصاحتْ بي ارجِعْ فرجَعتُ إليها، فأسفرَتْ عن رأسِها فنظرتُ إلى وجهٍ حسَنٍ وشَعْرٍ أسود. فقالت: إنَّا كرِهْنا منك — عافاك الله — ما كرهْتَ مِنَّا، وأنشدت:
وعن عطاء بن مُصعب قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — فقالت: يا أمير المؤمنين، لا أنا ولا زَوجي. فقال لها: وما لك من زوجك؟ قالت: مُرْ بإحضاره فأُحْضِرَ، فإذا رجل قذِر الثياب، قد طال شَعر جسده وأنفِه ورأسه، فأمر أن يُؤخَذ من شعره ويُدخل الحمام ويُكْسَى ثَوبَين أبيضَين ثمَّ يُؤتى به، ففُعِلَ به ذلك ودعا المرأة، فلمَّا رأت الزَّوج قالت: الآن. فقال لها عمر: اتَّقي الله وأطيعي زَوجك. قالت: أفعل يا أمير المؤمنين. فلمَّا ولَّت قال عمر: تصنَّعوا للنِّساء، فإنهنَّ يُحبِبن منكم ما تحبُّون منهن. ويُقال: إنَّ المرأة تُحبُّ أربعين سنةً وتَقوى على كِتمان ذلك، وتبغَض يومًا واحدًا فيظهَر ذلك بوجهِها ولِسانها. والرجل يَبغَض أربعين سنةً فيقوى على كِتمان ذلك، وإن أحبَّ يومًا واحدًا شهِدتْ جوارحه.