المُطلَّقات
قيل: كانت أم الحجَّاج بن يوسف الفارِعة بنت همام بن عُروة بن مسعود، وكانت عند المُغيرة بن شُعبة، فرآها يومًا تتخلَّل بكرة، فقال: أنت طالِق، والله لئن كان هذا من غَداء يومِك لقد شَرِهْتِ، وإن كان من عشاء أمسِك لقد أتِنْتِ. فقالت: لا يُبعِد الله غيرك، والله ما هو إلَّا من السِّواك. فخلَفَ عليها بعدَه يوسف أبو الحجَّاج، فأولَدَها الحجَّاج. وفيها أشعار منها:
وفي زينب أختِ الحجَّاج يقول النُّميري:
عوانة عن محمد بن زياد عن شَيخٍ من كندة، قال: خرج الحارث بن سليل الأسدي زائرًا لعلقمة بن حفصة الطائي، فلمَّا قَدِمَ عليه بصُرَ بابنةٍ له يُقال لها: الزباء — وكانت من أجمل نِساء أهل عصرها — فأُعجِب بها، فقال لأبيها: أتيتُك زائرًا، وقد يَنكَح الخاطب ويُكرم الطالب ويُفلِح الراغب. فقال: أنت امرؤ كريم يُقبَل منك الصفو ويُؤخَذ منك العَفو، فأقِم ننظُر في أمرك، ثمَّ انكفأ إلى أهله فقال: إن الحارث بن سليل سيِّد قومه مَنصبًا وحسَبًا وبيتًا، فلا ينصرفنَّ من عندِنا إلَّا بحاجتِه، فأريدي ابنتِك عن نفسها فَخَلَتْ بالزباء، فقالت: يا بُنية، أيُّ الرجال أحبُّ إليك: الكهْل الجَحجاح الفاضل المنَّاح أم الفتى الوضَّاح؟ قالت: الزمور الطمَّاح. قالت: يا بُنية، إنَّ الشيخ يَميرك ولا يغيرك، وليس الكهْل الفاضِل الكثير النائل كالحدَثِ السنِّ الكثير الظن. قالت: يا أمَّاه، أخشى الشيخ أن يُدنِّس ثِيابي ويُشمِت بي أترابي ويُبلي شبابي. قال: فلم تزلْ بها أمُّها حتى غلبتْها على رأيِها، فتزوَّجها الحارث بن سليل على خمسين ومائةٍ من الإبل وألف درهم وابتنى بها، ثمَّ رحل بها إلى قومه، فبَينا هو جالس ذات يومٍ وهي إلى جانبه إذ أقبل فِتية من بني أسدٍ نشاوى يتبخترُون، فلمَّا نظرتْ إليهم تنفَّست الصُّعَداء وبكَت، فقال: ما شأنُك؟ قالت: ما لي وللشُّيوخ الناهِضين كالفُروخ؟ قال: ثكِلتك أمُّك، تجوع الحُرَّة ولا تأكل بثديَيْها فذهبت مَثلًا، أما وأبيك لرُبَّ غارةٍ شهدتُها وخَيلٍ وزَعْتها وسبيَّة أردفتُها وخمرةٍ شربتُها. الحَقي بأهلِك فأنتِ طالِق. وقال:
قال: وقال الحجَّاج لابن القرية: ما تقول في التزويج؟ قال: وجدتُ أسعد الناس في الدنيا وأقرَّهم عينًا وأطيَبَهم عيشًا وأبقاهم سُرورًا وأرخاهم بالًا وأشبَّهم شبابًا مَنْ رَزَقه الله زوجةً مُسلمة أمينة عفيفة حسَنةً لطيفة نظيفة مُطيعة، إن ائتمنها زوجُها وجدَها أمينة، وإن قتَّر عليها وجدَها قانِعة، وإن غاب عنها كانت له حافظة، تجِدُ زَوجها أبدًا ناعمًا وجارَها سالمًا ومملوكها آمنًا وصبِيَّها طاهرًا، قد ستر حِلمُها جهلَها، وزيَّن دينُها عقلَها، فتلك كالرَّيحانة والنَّخلة لِمن يَجتنيها، وكاللؤلؤة التي لم تُثقَب والمِسكة التي لم تُفْتَق، قوَّامة صوَّامة ضاحكة بسَّامة، إن أيسرَتْ شكرَت، وإن أعْسَرَت صبرَت، فأفلحَ وأنجحَ مَنْ رزقه الله مثل هذه. وإنما مَثَل المرأة السُّوء كالحِمل الثقيل على الشَّيخ الضَّعيف، يَجرُّه في الأرض جَرًّا، فبَعلُها مشغول وجارُها مَتبول وصبيُّها مَرذول وقطُّها مهزول. قال: يا ابن القرية، قُم الآن فاخطُب لي هندًا بنت أسماء، ولا تزيدنَّ على ثلاثِ كلمات. فأتاهم فقال: جئتُ من عند مَنْ تعلمون، والأمير يُعطيكم ما تَسألون، أفتُنكِحون أم تدَعون؟ قالوا: أنكحْنا وغنِمنا. فرجَع إلى الحجَّاج فقال: أصلح الله الأمير صلاح مَنْ رضيَ عمَلَه ومدَّ في الخَيرات أجلَه وبلغَ به أمله، جمع الله شملك وأدام طَوْلك وأقرَّ عينك ووقاك حَيْنك، وأعلى كعبَك وذلَّل صَعْبك وحسَّن حالك على الرَّفاء والبنين والبنات والتيسير والبركة وأسعد السعود وأيمن الجُدود، وجعلها الله ودودًا ولودًا، وجمع بينكما على الخَير والبركة، فتزوَّجَها الحجَّاج ثمَّ إنه دخل ذات يومٍ عليها وهي تقول:
فخرَج من عندها مُغضبًا، ودعا ابن القرية فدفع إليه مائة ألف درهم، وقال: ادخُل على هندٍ وطلِّقها عنِّي، ولا تزِدْ على كلِمَتَين، وادفع إليها المال. فحمَل ابنُ القرية المال ودخل عليها، فقال: إن الأمير يقول: كُنتِ فبِنْتِ، وهذه المائة ألف صداقُك، فقالت: يا ابن القرية ما سُررتُ به إذ كان، ولا جزعتُ عليه إذ بان، وهذا المال بِشارة لك لِما جئتَنا به. فكان القول أشدَّ على الحجَّاج من فِراقها. وذكروا أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق — رضي الله عنه — كانت عنده عاتِكة بنت زيد بن عمرو بن نُفَيل، فأحبَّها حُبًّا شديدًا، فأمره أبوه بفِراقها وأن يُطلِّقها تطليقةً واحدة، ففعل ثمَّ ندِم على فِعله، فقال:
فسمِع أبو بكر ذلك فرقَّ له وأمره بمُراجَعَتها. وعن علي بن دعبل قال: حدَّثني أبي قال: خرجتُ ومعي أعرابي ونِبطي إلى موضعٍ يُقال له: بطياثا من أمصار دِجلة مُتنزِّهين، فأكلنا وشرِبنا، فقال الأعرابي: قُل بيتَ شعر، فقلت:
فقال الأعرابي:
فقال النبطي:
وما زال يبكي حتى الصَّباح، فقلتُ له: ما يُبكِيك؟ فقال: ذهبتِ امرأتي بقافِية. قال إسحاق بن إبراهيم المَوصلي: كنتُ أنا والحُسين بن الضحَّاك يومًا عند المُعتصِم، وحضرتْ قَينة تعرَض عليه فأُعْجِبَ بها، فقال للمدنيِّين: كيف ترَونها؟ فقال أحدهم: امرأتُه طالق إن كان رأى مِثلها، وقال آخر: امرأتُه طالِق إن لم وسكت. فقال المُعتصِم: إن لم … قال: لا شيء. فضحِك وقال له: ويحَك، ما دعاك إلى طلاق أهلِك بلا سبب؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كلنا قد طلَّق امرأتَه بلا سبب. وممَّا قيل في ذلك من الشعر:
وقال آخر: