استدراكات
-
(١)
سهوت أن أذكر في حاشية (الرسالة الأولى) أن لفظة دار الصناعة كانت مستعملة أيضًا في الديار المصرية، فخشيت أن يتصور القارئ أن مصرنا لم يكن لها شأن كبير في ذلك، فاخترت نقل ما أورده المقريزي في صحيفة ١٨٩ من الجزء الثاني من خططه المشهورة المطبوعة في بولاق سنة ١٢٧٠ هجرية تحت عنوان (ذكر المواضع المعروفة بالصناعة).
قال بعد أن عرَّف لفظ الصناعة من حيث اللغة: (وأما في العرف فالصناعة اسم لمكان قد أعد لإنشاء المراكب البحرية التي يقال لها: السفن، واحدتها سفينة، وهي بمصر على قسمين: نيلية وحربية، فالحربية هي التي تنشأ لغزو العدو، وتُشحن بالسلاح وآلات الحرب والمقاتِلة، فتمر من ثغر الإسكندرية وثغر دمياط وتنيس والفرما إلى جهاد أعداء الله من الروم والفرنج، وكانت هذه المراكب الحربية يقال لها الأسطول، ولا أحسب هذا اللفظ عربيًّا. وأما المراكب النيلية فإنها تنشأ لتمر في النيل صاعدة إلى أعلى الصعيد، ومنحدرة إلى أسفل الأرض لحمل الغلال وغيرها). ثم قال في صحيفة ١٩٠ ما نصه: (وأول ما أنشئ الأسطول بمصر في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم، عندما نزل الروم دمياط في يوم عرفة سنة ثمانٍ وثمانين ومائتين وأمير مصر يومئذ عنبسة بن إسحاق، فملكوها وقتلوا بها جمعًا كثيرًا من المسلمين، وسبوا النساء والأطفال، ومضوا إلى تنيس فأقاموا باشتومها فوق الاهتمام من ذلك الوقت بأمر الأسطول، وصار من أهم ما يُعمل بمصر، وأنشئت الشواني برسم الأسطول، وجعلت الأرزاق لغزاة البحر كما هي لغزاة البر إلخ.) وقال في صحيفة ١٩٥ ما نصه: (قال ابن أبي طي في تاريخه عند ذكر وفاة المعز لدين الله، إنه أنشأ بها دار الصناعة التي بالمقس، وأنشا بها ستمائة مركب لم يُرَ مثلها في البحر على مينا. وقال المسبحي:١ إن العزيز بالله بن المعز هو الذي بنى دار الصناعة التي بالمقس وعمل المراكب التي لم يُرَ مثلها فيما تقدم كبرًا ووثاقةً وحسنًا.) وقد ذكر المقريزي في صحيفة ١٩٦ و١٩٧ تفاصيل أخرى عند دار الصناعة بالجزيرة؛ أي جزيرة الروضة ودار صناعة مصر. -
(٢)
قلت في (الرسالة الثامنة): إن بهاء الدين العاملي وصف النساء في الأرجوزة الشهيرة التي كتبها على رحلته في بلخ، وأوردها في أوائل الجزء الثاني من الكشكول، وحقيقة الرحلة أنها كانت في هراة والأرجوزة اسمها الفاخرة، وهي واردة في الجزء الأول صحيفة ٧٢ و٧٣ و٧٤ من كشكوله المطبوع في بولاق سنة ١٢٨٨، وهذه هي الأبيات:
نساؤها مثل الظباء النافرةذوات ألحاظ مراض ساحرةيسلُبن حِلم الناسك الأواهيسلِمن جسمه إلى الدواهيمن كل خُوذ عذبة الألفاظتقتل من تشاء بالألحاظأضيق من عيش اللبيب ثغرهاأضعف من حال الأديب خصرهافاتكة قد شهدت خداهابما بنا تفعله عيناهاترنو بطرف ناعس فتاكيفسد دين الزاهد النساكوالصدغ واو ليس واو العطفوالثدي رمان عزيز القطفوالجسم في رقته كالماءوالقلب مثل صخرة صماءولفظها وثغرها والردفسحر حلال أقحوان حقفوقدها ونهدها والخدغصن ورمان طريٍّ وردوالشعر والرضاب والأجفانصوارم مدامة ثعبانغيد حميدات خصالهنطوبى لمن نال وصالهن -
(٣)
مسألة تساؤل الإنكليز بعضهم بعضًا عن الوجود والصلاة في الكنائس في يوم الأحد (الرسالة العاشرة)، تشابه تساؤل المصريين بعضهم بعضًا في شهر رمضان (أنت صايم والا فاطر؟) يريدون مفطرًا.
-
(٤)
يقول المغاربة في تعظيم السيدات: (لِلآ)، فربما كان ذلك أصلًا للعبارة المكتوبة في بورصة مدينة بورتو التي أوردتها في (الرسالة السادسة عشرة).
وقد راجعت مذكراتي فرأيت أن العبارة المكتوبة على زجاج البورصة هي (عزلانا السلطانة مريم ٢)، وإنني أورد هنا الأبيات التي رأيتها على طرازات الزجاج في دار البورصة المذكوره، وذلك بناءً على طلب أحد الأصدقاء الفضلاء وهي:
سعد الرجاء وساعد الإقبالودنا الهنا وأجابت الآمالوأقول: إن أصل هذا البيت بحسب ما أورده السعد في مقدمة شرح التلخيص هي:
سعد الزمان وساعد الإقبالودنا المنا وأجابت الآمالوهي أجود وأمتن في بابها.
ثم إنه يوجد في شبابيك البورصة المذكورة وردات من الزجاج وفي وسطها هذه العبارة: «عز نصره».
وبهذه المناسبة أورد هنا ما عندي من النصوص العربية المعتبرة، التي تدل على أن بورتو هي المعروفة عند العرب باسم برتغال، بالباء الموحدة والراء المهملة والتاء الفوقية والقاف يتلوها ألف ولام. والذي دعاني للتعجيل بإيراد هذه النصوص في هذا المقام مع أنني كنت وعدت في (الرسالة السادسة عشرة) بأنني سأوردها في الرحلة، أن بعض الأدباء قد طالبني بها، فلم أَرَ مندوحة عن تعجيل الجواب.
قال في الجزء الثاني من البيان المغرب في أخبار المغرب للمراكشي، الذي طبعه العلامة المحقق دوزي في مدينة ليدن سنة ١٨٤٩ ما نصه بالحرف: «إلى أن خرج الحاجب المنصور أبو عامر بموضوع برتغال على نهر دويرة … وقد كان المنصور تقدم في إنشاء أسطول كبير في الموضع المعروف بقصر أبي دانس من ساحل غرب الأندلس، وجهزه برجال البحريين وصنوف المترجلين، وحمل الأقوات والأطعمة والعدد والأسلحة استظهارًا على نفوذ العزيمة.»
وقال في الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس المطبوع في مدينة أوبسالا سنة ١٨٤٣ ما نصه بالحرف الواحد: «وفي سنة أربع وخمسين ومائة فتح الأمير سير بن أبي بكر سنتريش وبطليموس وبرتغال والإشبونة وجميع بلاد الغرب.»وفي هذا أكبر كفاية وأوفى غاية والله محيط بالمخلصين من عباده.
-
(٥)
يقول مؤرخو الإفرنج: إن الذي بقي مع بلاي أو بلايه أو بلايو Pélage أو Pelayo ٤٠٠ رجل فقط لا ٣٠٠، كما ذكرته عن مؤرخي العرب، ولكن الطرفين متفقان على تمام القصة المذكورة في (الرسالة السادسة عشرة).
-
(٦)
قد قلت في (كمالة الرسالة الأندلسية) أثناء الكلام على «ابن القوطية» أحد مشاهير كتاب الأندلس: «إن العرب أطلقوا اسم القوطية La Goda بالإسبانية وLa Gothe بالفرنساوية على سارة Sara حفيدة الملك القوطي ويتيز Witiza أو Vitiza المعروف عند العرب باسم غيطشة، وربما كان الرجل من نسلها.»والحمد لله فقد تحقق هذا الظن، وصار الآن من اليقينيات، فإليك أيها المحب للأبحاث التاريخية ما أورده بهذا الخصوص العلامة ابن خلكان في ترجمة أبي بكر محمد بن القوطية قال:
والقوطية، بضم القاف وسكون الواو وكسر الطاء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحتها، وبعدها هاء ساكنة، هذه النسبة إلى قوط بن حام بن نوح — عليه السلام — نسب إليه جدة أبي بكر المذكور … وهي أم إبراهيم بن عيسى بن مزاحم جد أبي بكر المذكور، وهي ابنة وبة بن غيطشة، وكان من ملوك الأندلس، وكانت القوطية المذكورة وفدت على هشام بن عبد الملك متظلمة من عمها أرطباس المذكور، فتزوجها بالشام عيسى بن مزاحم المذكور، وهو من موالي عمر بن عبد العزيز الأموي — رضي الله عنه — وسافر معها إلى الأندلس، فكان ذلك سبب انتقال عيسى بن مزاحم إلى الأندلس وإنساله بها … وغلب اسمها على ذريتها وعرفوا بها إلى اليوم إلخ.
-
(٧)
قلت في (كمالة الرسالة الأندلسية): إني لم أتعرف الأصل الإفرنكي في جملة أعلام أندلسية منها أنجلينو ومردنيش، وأقول الآن: إن أنجلينو مأخوذة من أنجيل Angel بمعنى الملك بفتح اللام في اللغة الإسبانية، وهم يقولون بالتصغير: Angelino، وعنه أخذ اللفظ العربي، ولا يزال هذا الاسم مستعملًا في التسمية عند الإفرنج عمومًا، وأما مردنيش فإني أظن أنه مأخوذ عن Martin مرتين و مرتينيس ثم صارت مردنيش Martinis.
-
(٨)
بمناسبة ما ذكرته في (كمالة الرسالة الأندسلية) من أن بعض الأندلسيين أضافوا إلى أسمائهم الواو والسين والياء والسين، وأن ذلك شبيه باللاتينية التي تنتهي الأعلام وأغلب الأسماء فيها بهذه الأداة Us أو IS، أقول الآن: إنه يوجد في نفس اللغة العربية ألفاظ تدخل عليها الواو والسين والياء والسين لزيادة التأكيد مثل: قديم وقدموس، والقط والقطوس، والأس والأسيس، والبقس والبقسيس، والقس والقسيس، وإني أورد لك الآن جملة كلمات من هذا القبيل ترى معناها محفوظًا فيها بعد حذف الحرفين الأخيرين منها، فاحرص على ذلك وراجع كتب اللغة بكل عناية وتدقيق وهي: نقوس. جعسوس. جعموس. حرقوس. حربسيس. مربسيس. حمقوس. حندوس. دحموس. خربسيس. خلبوس. خلبيس. خلنبوس. دردبيس. درعوس. دعبوس. درهوس. دلعوس. دلعبيس، ضبوس. طرطبيس. طرموس. طغموس. طلهيس. طمروس. عبقوس. عتريس. عنتريس. مرمريس. عرنسيس. عسطوس. عيطموس. عفروس. كعموس. علطيس. علطوس. عطميس. عمروس. فرطوس. فلطوس. فجليس. قربوس. فرطبوس. عرقوس. قرعوس. قرنوس. قنطريس. هيجوس. هلبسيس. هلطوس.
واعلم أن من تتبع كتب اللغة علم أن الكلمات التي في آخرها سين تدل في أغلب الغالب على القوة والشدة والصلابة.
-
(٩)
تكلمت في (ملخص ترجمة الخطبة المؤتمرية) على إقطاع تميم الداري، وأقول الآن: إني رأيت بعد ذلك في الكتبخانة الخديوية رسالة للسيوطي على هذا الإقطاع في مجموعة نمرة ٥٣، ولكن شتان بين كتابة السيوطي والمقريزي في هذا الموضوع الدقيق.
-
(١٠)
تكلمت في (ملخص ترجمة الخطبة المؤتمرية) على لغز الماء الذي أورد المقريزي حله، وأقول الآن: إني رأيت هذا اللغز تحت عنوان (لغز في ٣١٢) في صحيفتي ٢٣ و٢٤ من كتاب الكنز المدفون والفلك المشحون المطبوع في بولاق سنة ١٢٨٨، فليتنبه لذلك غواة الألغاز، وكذلك هو في الكشكول.
-
(١١)
فاتني أن أذكر أثناء الكلام على الكتب التي ترتبت فيها آيات القرآن الكريم، أن الحاج صالح ناظم بن محمد بن إسماعيل رتب كتابًا اسمه (ترتيب زيبا)، ورأيت نسخة منه مطبوعة على الحجر في القسطنطينية سنة ١٢٨٤، وفيه جدول يرمز به لاسم السورة، ثم جدول آخر للآيات مرتبة بحسب حروف الهجاء في أوائلها، ثم جدول ثالث لعدد الآية وهو كتاب مختصر مفيد.