الفصل الأول
في القصر
المشهد الأول
ملكتُ الرقاب وسُدت البشر
وذكري بين الأنام اشتهر
وخيَّمتُ فوق النجوم الزهر
إذا سُلَّ في الغرب سيفي الصقيل
يروع في الشرق صلد الحجر
وفوق الدُّنَى خفقت رايتي
ترفرف بين السُّهى والقمر
ودين ابن مريم عززته
بملكي حتى ازدهى وانتشر
ومن عبَد الجهل من أُمَّتي
نهضتُ إلى زجره فازدجر
فهدَّمت هيكل أوثانهم
وحطَّمت أصنامها والصور
وفي الشام للربِّ قد حوِّلت
وفي بعلبك لقد صيَّرت
يدي هيكل الشمس لابن البشر
٦
ودُسْت المصاعب فاستسلمَتْ
ولم أخشَ خصمًا بيوم الحذر
فدرعي الصليب إذا أقبلت
جموع العداة وفيه الظفر
أنال به كل ما أرتجي
وأبلغ بالله أقصى الوطر
فيا نفس سيري ولا تجزعي
على طرق الدين حتى المقر
نعم، سيظل هكذا توادوسيوس إلى الأبد متمسكًا بعُرى الدين المسيحي،
رافعًا أعلام العدل، برًّا برعيته، شفوقًا على شعبه، وبهذا يأمر ديننا الرعاة، فالراعي
الغيور من يبذل نفسه عن خرافه، ويقابل ذئاب الفساد بعصا من حديد.
المشهد الثاني
الملك – الوزراء – المستشار
(الوزراء يدخلون، ويحيون بإحناء الرءوس.)
توا
:
لقد استبطأت قدومكم أيها الوزراء، مع إني في انتظاركُم.
وزير١
:
إن أشغال المملكة يا سيدي الملك، قضت علينا بالتأخر هنيهة عن الاجتماع
بجلالتك.
توا
:
يسرني أن أراكم معشر الوزراء، منكبِّين على العمل، مهتمين بشئون الرعية؛
فالعمال الصادقون ركن المملكة، ومصدر الخير، فكم من ملك دهْورَه٨ في دركات الهوان تهاون عماله، فالدول بعمالها، والأمم
برجالها.
وزير٢
:
إذا كان الرأس حكيمًا استخدم الأعضاء في الأعمال النافعة للأمة والوطن،
ولمَّا كنت ذلك الرأس فما نحن إلا متمِّمو مشيئتك.
توا
:
مهلًا أيها الوزير! إن بين الملك وشعبه حاجزين حصينين، هما التاج والعرش؛
فالعرش يطلب أساسًا من الحكمة والعمل، والتاج يطلب رأسًا رصينًا ليستقر عليه
ولا يسقط؛ فلهذا نرى الملوك عاجزين عن دخول الأكواخ، ومخالطة الفقراء ليعلموا
ما ينزل بهم من المظالم، وما وقف بينهم وبين حقوقهم من الحواجز، فأستحلفكم
بالله العلي العظيم ألا تبهر أنوار عظمة الوزارة أبصاركم، فلا تكترثون للبؤساء،
وتأنفون من مقابلة ذوي الأطمار الرثة، ولا تهشُّون إلا لذي الثياب المزركشة،
فاعلموا وتحققوا أنه قد يوجد تحت تلك الأطمار البالية نفوس أبية، وبين طيات تلك
الحلل الحريرية نفوس نهِمة لا تشبع، ومطامع جهنمية تلتهم اليابس،
والأخضر.
المستشار
:
مولاي! لقد وقفنا نفوسنا على خدمة الرعية بإيصال ظلاماتها إليك، وعلى خدمتك
بكل ما يدور على الألسن من الثناء على أعمالك المنطبقة على روح الشريعة
والدين.
توا
:
لا يكفيني ذلك.
الجميع
:
مُر تُطَع.
توا
:
أسألكم، بل آمركم باسم السلطة — ولا سُلطة إلا من الله — أن تتنكروا من حين
إلى آخر وتجالسوا الشعب في المنتديات، وتسترسلوا في الحديث عن الملك، فلعل بين
أبناء رعيتنا من ظلمناه عن غير قصد فننصفه، ولا تكونوا مدلسين لملككم؛ فإنه
يسألكم الصدق، ألا إن آفة الملك المدلِّسون.
رجل
(من الخارج)
:
أين الملك؟
وزير١
:
ليس بين رعيتك إلا ألسنة ناطقة بحمدك، وأفواه تذيع آثار مجدك في الشرق
والغرب.
رجل
(من الخارج)
:
أُريد الملك.
توا
:
من هذا الصائح؟
المشهد الثالث
المذكورون – الحاجب
(الحاجب يدخل.)
توا
:
قل، ما وراءك؟
الحاجب
:
رجل يا مولاي يطلب الدخول عليك، فأبيت ذلك عليه، فملأ الرُّواق
صياحًا.
توا
:
ولماذا لم تستأذن له؟
الحاجب
:
لأنك في اجتماع مع الوزراء.
توا
:
إن اجتماعي بوزرائي لا يمنعني من مقابلة مظلوم من أبناء رعيتي، فما نحن إلا
خدم الرعية، عد وقل له يدخل.
وزير٢
:
يا له درسًا مفيدًا للملوك الذين يترفعون عن مقابلة شعبهم!
توا
:
هذا أصغر واجب أيها الوزير، يجب أن نحمل الشعب على حبنا لا على الخوف منا،
فالسُّلطة القائمة على أساس الرهبة يجرفها تيار الظلم، أما محبة الشعب للملك
فموطدة عرشه حيًّا، ومستمطرة غيوث الرحمة عليه ميتًا، ومن «أخذ بالسيف، فبالسيف يؤخذ.»٩
المشهد الرابع
المذكورون – رجل
رجل
(يدخل، ويركع ساجدًا)
:
سيدي الملك!
توا
:
انهض أيها الرجل انهض؛ إن السجود لله وحده.
(الرجل ينهض.)
توا
:
قل ما حاجتك؟
الرجل
:
مولاي! طلب مني أحد الأغنياء قطعة أرض لي مجاورة لملكه، فأبيتُ إعطاءه إياها،
فأخذها عنوة.
توا
:
ألم ترفع دعواك إلى المحكمة لتنصفك من خصمك.
الرجل
:
غنيٌّ هو، وأنا فقير، رفعت شكواي، فكان الحق في جانبه، ادَّعى أنه اشتراها
مني، ودفع لي ثمنها.
توا
:
أجاء بالبينة؟
الرجل
:
بينته الدينار، وثيابه المزركشة، فلو كنت على غير ما تراني لكان الحق بجانبي،
فارحمني أيها الملك، ارحمني، وأشفق على صبيتي، فمن تلك البقعة نعيش، ونحصل على
ضروريات الحياة.
توا
:
لا تتوسل، ولا تتذلل، فصاحب الحق سلطان.
الرجل
:
أبقاك الله يا سيدي.
توا
:
رافق أيها المستشار هذا الرجل إلى المحكمة، وخاطب القاضي بلسان داود الملك
قائلًا له: اعدلوا يا قضاة الأرض، ومن لم يعدل فليعتزل، فعار على توادوسيوس أن
يكون الضعفاء في عهده فرائس الأقوياء، والفقراء مأكلًا للأغنياء.
المستشار
:
فليكن ما أمرت.
توا
:
بل فليكن العدل، فما نحن إلا له منفذون.
وزير١
:
ما أعظم هذا الملك!
وزير٢
:
بل ما أعدله!
الحاجب
:
مولاي! على الباب رسول يحمل إليك كتابًا.
توا
:
هاته منه، وما ترى ولدت لنا الليالي من العجائب في مملكتنا المتراخية
الأطراف، الفسيحة الأرجاء.
(الحاجب يدخل ويناول الملك الرسالة.)
توا
(يفضها ويدفعها إلى الوزير الأول)
:
اقرأها على مسامعنا.
وزير١
(يقرأ)
:
لأعتاب مولاي صاحب الجلالة توادوسيوس
قيصر ملك الشرق والغرب
اسأل الله تأييد سرير ملككم، وأنحني أمام أعتاب سُدَّتكم بالإجلال، وبعد:
كان البارحة موعد سباق العجلات، فأتى إليَّ جماعة من الأهالي يطلبون
الإفراج عن دانتوس السائق الشهير المسجون في القلعة، فأبيت ذلك، فتألبوا
أمام دار الحكومة، وتجمهروا من كل صوب، فقتلوا ثلاثة من مأموري الحكومة،
ورجموا القلعة بالحجارة، فأصابني منها الحظ الأوفر، ولم يكفهم كل ذلك بل
كسروا تمثالك، وحطموا أبواب السجن، وأخرجوا السائق، مندفعين كالسيل الجارف،
حتى عجزت الجنود عن ردهم، ولمَّا كنت عاجزًا عن التنكيل بهم رفعت عريضتي
هذه لأعتاب مولاي القيصر الأكبر.
حاكم سلانيك والنتيان
توا
:
قد ضاق صدري والحسام ينادي
قد حان يوم الفتك بالأوغاد
يا أهل سالونيك لم أعهد بكم
هذي الجسارة فهي شرُّ عناد
أعليَّ قمتم ثائرين وإنني
ملك الورى والدهر من أجنادي!
فلأضرمنَّ اليوم نار جهنم
بين الضلوع تشبُّ والأكباد
مَن ذا يعاندني بتنكيلي بهم
والأرض أرضي والبلاد بلادي!
يا أيها الوزراء!
الوزراء
:
مُرنا.
توا
:
… … … جندوا
جيشًا يَدُك رواسي الأطواد
فدمار سالونيك
١٠ أمسى مطلبي
كي ترتوي بدمائها أحقادي
وزير١
:
أنت ابن من حكموا البلاد ببطشهم
وورثته عن أبسل الأجداد
ولعرشك العالي انحنت سمر القنا
١١
يا سيد الدنيا وخير عماد
نحن الألى نذروا الجسوم ضحية
لك والنفوس لما أمرت صوادي
١٢
وزير٢
:
جحد الأنام مليكهم
يا ويلهم يوم الرَّدى
فلسوف يمحى ذكرهم
متبدِّدًا مثل الصدى
إن اللئيم إذا رأى
عفو الكريم تمرَّدَا
مولاي صوتك إن علا
فالمشرفيُّ له صدى
وزير١
:
غرَّهم حلم مليك عادل
ونسوا ما قال من قبل المثل:
«جانِبِ السلطان واحذر بطشه
لا تعاند مَن إذا قال فعل»
توا
:
هذه إرادتي أيها الوزير (يريه الأمر الذي
كتبه) فاخرج بها إلى وزير الحربية، وقل له يزحف إلى تلك المدينة
المتمردة بجيش كالبحر الزاخر، فيقوِّض أركانها، ويقتل سكانها، فقد أبت نفسي
الحلم، وكرهت العفو الذي جرَّ الثورة والعصيان.
(وزير١ يخرج.)
توا
:
إن هذا التاج الذي يفتن بريق دراريه أبصار البشر، لهو أثقل من الجبال على
رءوس الملوك، والجلوس على هذا العرش المصفح بالذهب لأمرُّ من الرقاد على فراش
من قتاد،١٣ إذا التجأنا إلى الحلم لا نكبح جماح جهلة الشعب، وإذا أعملنا السيف
في الرقاب سلقتنا الناس بألسنة حداد، فما أصعب سياسة الرعية! (يقف) أنا ذاهب لأستريح قليلًا، فإذا جدَّ أمرٌ
هامٌّ، فلا تتأخر عن قرع بابي (يخرج).
المشهد الخامس
الوزير٢ – المستشار
(المستشار يدخل.)
وزير٢
:
أعلمت بما جرى؟
المستشار
:
عرفت كل شيء، فكن رجلًا، فالفرصة سانحة.
وزير٢
:
ما أسرع غضب هذا الملك، وأقربه للرضا!
المستشار
:
ما همنا، فليكن ما يريد.
وزير٢
:
إن غضبه اليوم لنارٌ آكلة، وضربة قاضية على أعدائنا في سلانيك، فلنغتنم هذه
الفرصة، فهي أحبولة نصطاد بها من عجزنا عن التنكيل بهم منذ زمان.
مستشار
:
ومن تعني؟
وزير٢
:
عنيتُ غراسيان، وعصابته الجهنمية التي لم تنفك عن تسويد صحيفتنا عند الملك
ليفصلنا عن هذه المناصب السامية، ويجعلهم في مناصبنا آمرين ناهين.
المستشار
:
يا له رأيًا سديدًا! فما علينا إلا أن نجتمع بالوزير، ونبدي له هذا الرأي،
ولا إخاله إلا موافقًا عليه، فسر بنا إليه.
وزير٢
:
هيا بنا إليه (ينهضان ويخطوان
قليلًا).
المشهد السادس
المذكوران – والوزير الأول
(وزير١ يدخل.)
وزير٢
:
لقد كنَّا ذاهبين إليك.
وزير١
:
أين الملك؟
المستشار
:
وماذا تريد منه؟
وزير١
:
لأخبره أن الجنود على أهبة الزحف، وقد أقبل القائد ليتزود التعليمات
الخصوصية.
مستشار
:
أهو صديق مخلص لك؟
وزير١
:
ولماذا؟
وزير٢
:
لنزوده تعليمات خصوصية يخدم بها أصحابه قبل الملك.
وزير١
:
وما تلك التعليمات؟
وزير٢
:
أن ينكل بخصمنا غراسيان، ويورده حتفه، ولا يشفق على أحد من أسرته، حتى على
ولديه الصغيرين.
وزير١
:
يا للقساوة!
المستشار
:
تدارك الفخ قبل الوقوع فيه، فغراسيان يسحقنا في الساعة التي ينوي علينا
بها.
وزير٢
:
انظر فهذه تقاريره، يلصق بها التهمات بنا، ويسمينا أعداء الوطن، والملك، ألم
تسمع حديث الملك لنا قبل وصول خبر الثورة؟!
وزير١
:
صدقتما، ومن الحزم أن نصنع كما قلتما.
وزير٢
:
عد إليه، وزوده هذه التعليمات وكفى.
(وزير١ يخرج.)
وزير٢
:
أفلحنا وسيكلل عملنا بالنجاح إن شاء الله.
المشهد السابع
المذكوران – إمبروسيوس
(إمبرو يدخل، ويحيي بغير كلام.)
الاثنان
(بكل احترام)
:
سلامًا أيها السيد الجليل إمبروسيوس.
إمبرو
:
فلتبارككما السماء، أين الملك؟
المستشار
:
في غرفته.
إمبرو
:
قل له غير مأمور إن إمبروسيوس يريد مقابلتك.
(المستشار يخرج.)
وزير٢
:
تفضل اجلس يا أبتِ ريثما يأتي الملك.
إمبرو
:
لقد أبت نفسي الجلوس، وكرهت الراحة، فأية راحة لي، والشعب مهدد بالخطر،
والرعية تُساق إلى الموت سَوْق النعاج إلى المجزر.
وزير٢
:
لقد احتدم الملك غيظًا، واضطرمت نار الغضب في فؤاده لما اتصلت به فعلة
السالونيكيين الشنعاء، فقد رجموا دار الحكومة بالحجارة، وقتلوا الموظفين،
وحطموا تمثاله.
إمبرو
:
أتجهل أيها الوزير أن الذين اقترفوا تلك الفظائع ما هم ملائكة؟ إن هم إلا بشر
مثلنا، انقادوا بأزِمَّة الهوس والجنون ممن تسلطت عليهم عوامل الجهل.
وزير٢
:
فيجب أن تسكن الرهبة حركاتهم ليقفوا عند حد.
إمبرو
:
ليس الذنب ذنب الملك وحده في تلك المجزرة، فأنتم تدانون أيضًا في اليوم
الأخير، أنتم يا من تدعمون مناصبكم المتداعية بجماجم البشر، وجثث الناس، فالويل
لكم يا من تستحمون بدماء إخوانكم.
المشهد الثامن
المذكورون – الملك
مستشار
:
هو ذا الملك مقبل.
إمبرو
:
وا حرَّ شوقي إلى لقياه العاجلة!
(توا يدخل.)
إمبرو
:
سلامًا يا جلالة الملك.
توا
(يجلس على عرشه)
:
وأذكى التحيات يا أبتِ، تفضل اجلس.
(إمبرو لا يجيب، وهو مطرق الرأس.)
توا
:
ما لك لا تجيب! طلبت مقابلتي فما حاجتك؟
إمبرو
:
لا إخالك تجهلها يا جلالة الملك.
توا
:
أهي العفو عن سالونيك؟ لا، يا أبتِ، إن هذا ضرب من المحال؛ قد عفوت عن أنطاكية١٤ بالأمس، فجنيت من ثمر العفو عوسج العصيان، وقتاد الثورة، أفي
عاصمتي يثور شعبي عليَّ، ولا يحسبون لسلطتي حسابًا! فوالله لأنكلن بهم أشد
تنكيل ليكونوا عبرة لسواهم، عزَّزتُ مدينتهم، وروَّجت تجارتهم، ونشرت العلوم
بينهم، ولم استطع عملًا مفيدًا إلا فعلته لهم، لكنهم كفروا بي، وغمطوا١٥ نعمي، فقتلوا ممثلي، ولم يكفهم حتى حطموا تمثالي، وها أنا أعاقبهم
على تمردهم وعصيانهم، فلا تلتمس لهم عفوًا أيها السيد الجليل.
إمبرو
:
مولاي! لا أجهل انعطافك إلى السالونيكيين، ومدينتهم المحبوبة، وما يزيدني
حزنًا أن يكونوا أساءوا إلى من أحسن إليهم، فاضرب، اقتل، احرق، افعل ما شئت
بهم، فذاك أقل عقاب يستحقونه، فالإثم الذي اقترفوه أفظع من الموت، وأمرُّ من
الحياة، ولو دمر البرابرة بلدهم لكان المصاب أخف من إسخاطهم لجلالتك؛ لأن جودك
يجدد وطنهم، ويرد عليهم ما خسروه، أما الآن، وقد أسخطوا أحلَم مولًى، وأحنَّ
أبٍ، فأيُّ ملجأ بقى لهم؟! إن خجلهم عظيم، حتى إنهم لا يجسرون أن ينظروا إلى
نور الشمس. قد حطم بعض الجهلة تمثالك، فيسيرٌ لنا أن نقيم لك تماثيل أثمن منه
في قلوب رعاياك، وقلب كلِّ مَن عاش من البشر على وجه البسيطة، فكلُّ من عرف
حلمك أعجب بك وأحبك.
رشق بعضهم تمثال قسطنطين١٦ بالحجارة، فأغراه البعض للانتقام منهم، قائلين له: لقد شجوا رأسك،
فوضع يده على رأسه وقال متبسمًا: لا تخافوا، فلا خدش في رأسي، فنسي الناس
انتصارات هذا الملك، وما برحت هذه الكلمة تدور على أفواه البشر يتناقلها
الأحفاد عن الآباء والأجداد.
ما لي أذكرك بمُثُل الآخرين! فأنت قلت في أمرك الذي عفوت به في عيد الفصح عن
المجرمين، إنك تتمنى لو كان لك سلطان على إقامة الموتى، فتبعثهم، ألا يسهل عليك
صنع هذه الآية! فما سالونيك إلا مدفن، وما أهلها إلا جثث فيها، فقد ماتوا قبل
أن ينزل بهم العقاب الذي استحقوه، فكلمة واحدة من فيك تحييهم.
لا تُصغِ يا مولاي إلى من يقولون أن الصفح عن هؤلاء يزيد غيرهم جسارة، فإنما
هذا يصدق إذا صفحت عن عجز، وها هم أموات لجزعهم، ويتوقعون الموت في كل ساعة،
ولو قطعت رءوسهم لكان عذابهم أخف، ولا أزيدك علمًا أن بعضهم افترستهم الضواري
وهم تائهون في الغابات والمغاور، وهم رجال وأحداث ونساء شريفات مخدرات، وقد بدأ
عمالك يذيقونهم العذاب.
إن تنكيل الملوك بعبيدهم المجرمين لسهل، ولكن صفح الملوك عن الإهانات، وهم
قادرون على العقاب، فمن أندر الفضائل، فدونك الآن فرصة تستطيع أن تُبدي بها
مثالًا يُقتدى به الدهورَ والأجيالَ، وكم يكون لك من الفخار إذا قيل إن مدينة
كبرى أسخطت ملكها فارتاع سكانها، ولم يجسر ولاتها ولا قضاتها ولا شعبها أن
يفوهوا ببنت شفة، إلا شيخًا موسومًا بكهنوت الله، امتثل أمام الملك، واستعطف
حنانه ورأفته، فكفاه للعفو عن أهلها انتصابه أمامه، وإلقاؤه على مسمعه خطبة
بسيطة، فلم يوفدني قومي إليك إلا ليقينهم أنك تُجِلُّ كهنة الله وإن كانوا
حقيرين مثلي، على أنني ما أتيتك من قبل الشعب وحده، بل من قبل رب الملائكة،
وسلطان السلاطين لأقول لضميرك النقي: إذا تركت للناس زلاتهم ترك لك أبوك
السماوي زلاتك، فإذا كان لك زلة ترغب في أن تكفِّر عنها، فكلمة واحدة من فيك
كافية لمحوها من أسفار الله.
غيري من الوفود يأتيك بذهب، وفضة، وتقدمات، أما أنا فلا أقدم لك إلا صليب
المسيح وسنته المقدسة، محرضًا إياك أن تقتدي به، فلا تخيب أملي، ولا تجعلني
أخلف وعدي لشعبك، فإن عفوت عن المدينة عدت إلى أهلها شاكرًا حاملًا إليهم أمر
العفو مطريًا إحسانك، وإلا فلا أرين أرضها ما حييت، وأتبرأ منها إلى
الأبد.
توا
(يتأثر ويذرف الدموع)
:
أيُّ عجب في أن نغفر للناس، ونحن بشر مثلهم! فالمسيح صار عبدًا لأجلنا، ونحن
إليه آثمون، وصلبه من غمرهم بإحسانه، وهو يصلي لأبيه من أجلهم. (إلى إمبروسيوس) عُدْ يا أبي مسرعًا إلى شعبك،
وأمِّن المدينة، فقد عفوت عنها.
اكتب أمر العفو حالًا.
وزير٢
(على حدة)
:
سيقطعون رأسه في الثورة الثانية إن شاء الله.
إمبرو
:
كذا فلتكن الملوك، فبلسان الإنسانية جمعاء أشكر لك حلمك، ومسيحيتك الصادقَين،
وأدعو لجلالتك بالنصر إلى الأبد.
(المستشار يدفع أمر العفو إلى الملك.)
توا
:
هذا هو أمر العفو، فاحمله إلى شعبك أيها الراعي الصالح، فليس أحق منك ببشارة
العفو والسلام.
إمبرو
:
أسأل رب الأرباب، وملك الملوك أن يباركك من سماه، ويجعل رايتك متوجة بإكليل
الظفر ما حييت، (يهم بالخروج).
(توا ينهض عن عرشه متأهبًا للذهاب.)
(يُرخى السِّتار.)