ما نطلب الإجابة عليه!
كان «روكو» شخصية نادرة … عاش في شوارع «نيويورك» وحواريها أغلب عُمْره … منذ كان طفلًا صغيرًا حتى تجاوز الخمسين … لم يخرج «روكو» من مدينته الكبيرة مُطلقًا … كما أنه لم يَنتظم في أي عمل على الإطلاق … فقد عمل شيَّالًا أحيانًا … وأحيانًا مُنَادِي سيارات … وشحَّاذًا وبائع جرائد … وبوَّابًا … وفي جميع الأحوال لم يستمرَّ «روكو» في أيِّ عمل أكثر من شهر … ثم يَختفي بضعة أيام أو أسابيع، ثم يظهر في الشارع الخامس بملابسِه البالية … وابتسامته البلهاء …
وكان «روكو» طويل القامة … ضخم البنيان … له قبضة حديدية يستطيع أن يُسْكِتَ بها أيَّ مخلوق يعاكسه … ويقول الذين يعرفون ماضيه: إنَّه تدرب في شبابه على الملاكمة … وأنه كان يُمكن أن يصبح بطلًا مشهورًا لولا أنه أُصيب في إحدى المباريات بضربةٍ قويةٍ في رأسه … أصابته بارتجاجٍ في المخ … وقرَّر الأطباء أن أي إصابة أخرى ستُصيبه بتلف في الرأس قد يؤدي به إلى الشلل أو الجنون …
ولم يكن «روكو» يؤكد أو ينفي الحكايات التي تُروى عنه … فهو يبتسم للجميع … ويضحك للجميع … ويأخذ البقشيش … ويتناول ساندويتشات الهامبرجر … التي يُحبها … ثم يختفي في الليل … ولا يعرف أحد أين ذهب حتى يظهر في صباح اليوم التالي …
و«روكو» لا يقصر نشاطه أو جولاته على شارع دون شارع؛ فهو يتنقل من «بروكلين» إلى «مانهاتن» … ومن «برودواي» إلى «الحي السابع» …
ولم يكن «روكو» يتردَّد إذا شعر بالجوع من دخول أي مطعم حتى ولو لم تكن معه نقود … أو الدَّق على بابِ أيِّ شخص … أو دخول أي مكان لطلب الطعام … بل إنه كثيرًا ما كان يطلب ثمن الطعام من رجال البوليس … ومن رجال العصابات أيضًا …
وكان الجميع يُعطون «روكو» ما يطلبه … ومن النادر أن يرفض له أحد طلبًا … فقد كان «روكو» هو الابتسامة الدائمة لكلِّ شارع … يرضى بأقل القليل، ويظلُّ مبتسمًا … لهذا أطلقوا عليه «روكو ذا اديوت» … أي «روكو العبيط» … وكان هذا يُسعده كثيرًا …
وفجأة اختفى «روكو» العبيط … اختفى أيامًا، وظنَّ الناس أنه كعادته سيَختفي ثمَّ يظهر … أو أنه ذهب إلى شارع بعيدٍ وسيعود … أو أنه مريض في مكانٍ ما، وعندما يُشْفَى سوف يعاود نشاطه وتجواله … في شوارع «نيويورك» … ولكن مضت الأيام والأسابيع دون أن يظهر «روكو»، وظنَّ الجميع أنه مات في مكان مجهول أو غرق في النهر … أو ضربته سيارة مجهولة ولم يتعرَّف أحد على شخصيته … فمات في إحدى المستشفيات ودُفن في مقابر الفقراء …
وكادت قصة «روكو» أن تختفي من أذهان الناس … ولكن مخابرات إحدى الدول العربية طلبت من الشياطين اﻟ ١٣ البحث عن مصيره.
كان الطلب غريبًا …
فلماذا تهتمُّ المخابرات بشخصية «روكو» العبيط؟
إنَّ «روكو» لم يكن في أي يوم من الأيام عبيطًا كما تصوَّر كلُّ من عرفه … لقد كان رجلًا مزدوج الشخصية … يعيش في الشوارع تحت اسم «روكو العبيط» … أمَّا الواقع فإنه يعيش تحت أسماء كثيرة مُستعارة … ويسكن في أكثر من شقة وفيلا في «نيويورك» … وخارج «نيويورك» أيضًا …
إنَّ «روكو» العبيط واحد من أخطر الجواسيس … وأكبر المهرِّبين … لا في أمريكا وحدها، بل في العالم كله … و«روكو» العبيط الذي يَرضى ببضعة بنسات ليشتري طعامه … يملك ملايين كثيرة من الدولارات موضوعة في حسابات سرية في أكبر بنوك العالم …
حتى ماضي «روكو» وما قيل عن أنه عاش طفلًا متشرِّدًا ليس صحيحًا … فقد تربَّى في أفضل المدارس … وأحسن الجامعات … ويحمل شهادات عليا في القانون … ولكنه اختار حياة الجاسوس والمهرِّب عندما كان في الثلاثين من عمره … عندما اتُّهم بالقتل الخطأ وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات … وفي السجن تَغيَّرتْ شخصيتُه تمامًا … وتَعرَّف على رجال العصابات والجواسيس، وخرج من السجن وقد عقد صلات مُختلِفة مع العالم السفلي … واختار شخصية «روكو» ليُخفيَ وراءها حقيقة نشاطه …
واستطاع «روكو» بذكائه وبمعرفته بالقانون أن يُقيم حياته ببساطة … فهو عبيط الشوارع الذي تضحك عليه الناس … وهو أيضًا الجاسوس المهرب الذي لا يعرفه أحد.
ويملك «روكو» طائرة خاصة من طراز «جيت ستار» النفاثة … ويَخْتًا من أفخر أنواع اليخوت يقضي فيه أغلب وقته. وقد اختار تهريب السلاح كأحد مجالات نشاطه، وجزءٌ كبيرٌ من الأسلحة التي تهرب إلى مختلف الدول … قام بتهريبها «روكو» … وقضية الأسلحة هي التي دفعت جهاز المخابرات في دولة عربية لأن تطلب من «ش. ك. س» البحث عن «روكو» …
وفي صفحة مستقلة، كتب جهاز المخابرات نوع الصفقة التي تمَّ الاتفاق عليها مع «روكو» ويصل ثمنها إلى ٤٠ مليون دولار …
ذهب مندوبنا إلى جزرية «بريادوس»، وهي جزيرة صغيرة تقع في الجنوب الشرقي للبحر الكاريبي … وكان «روكو» قد حدَّد هذا المكان لاستلام الشحنة، وكان أهمها أجهزة توجيه للمدفعية بأشعة الليزر … كان الموعد منذ ثلاثة أسابيع في الفجر عند الشاطئ الشمالي للجزيرة … وكان المتَّفق عليه أن يتم نقل الأسلحة والأجهزة من سفينة شحن تُدعى «ميلوس» إلى سفينة الشحن الخاصة بنا … ولكن «ميلوس» لم تظهر في موعدها … واستمر الانتظار أسبوعًا كاملًا دون أن تظهر … وعندما عاود مندوبنا الاتصال ﺑ «روكو» لم يجده … والمشكلة أن «روكو» تَسلَّم ربع ثمن الصفقة … أي عشرة ملايين دولار مقدمًا … لقد تعامَلنا من قبل مع «روكو» وكان دقيقًا في مواعيده، وفي حساباته … وهذه هي المرة الأولى التي يُخلِف فيها موعدًا للتسلُّم … وما نطلب الإجابة عليه هو: أين ذهب «روكو»؟ وهل هو حيٌّ أم ميت؟
إننا نطلب مساعدة الشياطين في الردِّ عن هذين السؤالين …