الرصاصة الصامتة!
عندما هبطت الطائرة الجامبو «٧٤٧» في مطار «ميامي» ليلًا فوجئ الشياطين بوجود «مونديلا» عميل رقم «صفر» في المطار … كان رجلًا قصير القامة … مُمتلئ الجسم، يضع وردة حمراء في عروة «الجاكت» ويمسك منديلًا أبيض في يده اليُمنى … وصحيفة في يده اليسرى، وكانت هذه هي العلامات المُتَّفق عليها إذا شاء الشياطين الأربعة مقابلة «مونديلا».
أخذ «مونديلا» يَمسح عرقه المتصبِّب بمنديله، وهو يُرحِّب بالشياطين قائلًا: يوم حار.
أحمد: هل طلب منك رقم «صفر» أن تقابلنا؟
مونديلا: نعم … فقد حدثت تطورات.
أحمد: خيرًا.
مونديلا: هناك صياد سمك شاهد السفينة «ميلوس» عند شاطئ جزيرة «سانتا لوتشيا»، وهي جزيرة صغيرة قرب «بربادوس»، وقد باع بعض السمك للسفينة … وقد قابلت هذا الصياد أمس عندما قمت بجولة أخيرة في «بردج تاون» عاصمة «بربادوس» … وقد أبلغت رقم «صفر» بذلك فطلب مني أن أبلغكم بمجرد وصولكم.
أحمد: هذه معلومات هامة فعلًا … وتؤكِّد أن الصفقة كانت ستتم في موعدها.
مونديلا: لقد طلبت من الرجل ألا يخبر أحدًا بهذه المعلومات ومنحته مبلغًا طيبًا.
أحمد: أين هو الآن؟
مونديلا: في «بربادوس» حيث يملك قاربًا لصيد السمك، وأنا أعرف الكوخ الذي يعيش فيه.
أحمد: إذن نُسافر فورًا إلى «بربادوس».
مونديلا: لقد استأجرتُ لكم فيلا على الشاطئ، و«بربادوس» جزيرة سياحية، فلن يُضايقكم أحد.
أحمد: هل نجدُ تَذاكر الآن إلى «بربادوس»؟
مونديلا: أعتقد أنه من المُمكن تدبير ذلك.
وقف الشياطين الأربعة في مطار «ميامي» يُناقشون المعلومات الجديدة التي حصل عليها «مونديلا».
وقال «عثمان»: أعتقد أن وجود «ميلوس» عند «سانتا لوتشيا» يعني أن «روكو» كان جادًّا في عقد الصفقة.
زبيدة: ولماذا لم تُفكِّر هل كانت شحنة السفينة جاهزة أم لا؟ … إن رجلًا ذكيًّا مثل «روكو» استطاع أن يخدع العالم، ويمكن أن يخدع الدولة العربية؛ إن في إمكانه مثلًا أن يرسل «ميلوس» فارغة … أو عليها شحنة ليست ذات قيمة.
إلهام: إن ذلك مُمكن … في التجارة السرية أو غير الشرعية كثيرًا ما يحدث خداع غريب … إن إغراء الملايين كثيرًا ما يكون أهمَّ وأخطر من الاتفاقات.
عثمان: ولكن هناك كلمة شرف بين اللصوص … كما يقولون.
زبيدة: كيف يُمكن أن يكون للصِّ شرف؟
أحمد: هذه مناقشة فلسفية … والمُهم الآن العثور على «روكو» أو «ميلوس».
زبيدة: لا بأس ببعض الفلسفة أحيانًا.
ووصل «مونديلا» وهو يُمسك بالتذاكر … وقد بدا وجهه مُتهلِّلًا كأنه حقَّق انتصارًا ضخمًا، واتجهوا جميعًا إلى الممر الفرعي حيث كانت تقف طائرة بوينج «٧٣٧» … وكان موعد الإقلاع بعد ساعة ونصف … وقرَّر الشياطين أن يذهبوا إلى الكافتيريا لتناول بعض المرطبات …
جلسوا ومعهم «مونديلا» على مائدة منعزلة … ولم يكن ف في المكان سواهم … ومجموعة من السيَّاح يجلسون على مائدة بعيدة … وكان «مونديلا» يفيض مرحًا وهو يتحدث إليهم …
لقد دُهش الشياطين لأنه أول عميل لرقم «صفر» يتمتع بهذا القدر من خفَّة الدم، وكان يتحدث عن «بربادوس».
إنَّ «بربادوس» آخر جزيرة في مجموعة جزر «البهاما» … بعدها المحيط … كأنَّها رجل وحيد في المياه … وقد انتعش اقتصاد الجزيرة كثيرًا بعد أن تدفَّق عليها السواح من كل مكان … لقد سهلت سلطات الجزيرة إجراءات الدخول … وخفَّضت النفقات … وأصبحت الفنادق تغصُّ بالسائحين على مدار السنة.
عثمان: شيء جميل.
مونديلا: إنَّ «بربادوس» يسمونها الجزيرة الحلوة … ففيها يُزرع قصب السكر … بل إن موردها الرئيسي هو زراعة قصب السكر وتكريره وتصدير السكر إلى جميع أنحاء العالم … ولكنَّهم فكَّروا أنَّ هذا لا يكفي … فأضافوا الأدوات الكهربائية ثمَّ السياحة … إنَّ السياحة هي الآن المصدر الرئيسي للدخل في الجزيرة.
وصمت «مونديلا» قليلًا ثم عاد يقول: إنَّ قصب السكر في «بربادوس» ليس مثل قصب السكر عندكم في البلاد العربية … إنه كثيف كثافة هائلة … وطويل … إنك تستطيع أن تُخفيَ فيه فيلًا إفريقيًّا دون أن يراه أحد …
ولم يكد يكمل «مونديلا» جملته حتى سمع الشياطين أزيز رصاصة صامتة … ثم شاهدوا «مونديلا» وهو يُحملِق في الفضاء في دهشة ويسقط على وجهه …
قفزت زبيدة بسرعة في الاتجاه الذي جاءت منه الطلقة … واستطاعت أن ترى رجلًا يمرق من خلال باب الخروج، يلبس قميصًا أحمر مخططًا بالأسود … وعندما وصلت إلى الباب كان الرجل يستقلُّ سيارة «شيفروليه» سوداء تنطلق به بسرعة … واستطاعت زبيدة أن تَلتقِط رقم السيارة … وعندما استدارت لتعود وجدت الشياطين الثلاثة قادِمِين ناحيتها … وأشارت إلى «إلهام» أن تُغادر المكان.
عندما اجتمع الشياطين الأربعة خارج الكافيتريا كان «أحمد» يتلفت حوله ثم قال: لم يكن أمامنا ما يمكن عمله ﻟ «مونديلا» … لقد أخذنا كل أوراقه والنقود … وسوف نواصل رحلتنا.
زبيدة: إنني أستطيع التعرف على القاتل، فقد شاهدته يركب السيارة … وهو شاب صغير السن ممَّن تستخدمهم العصابات في عمليات القتل. ولا يُهمُّها مصيره … إنه طويل القامة، نحيف، وفي قدمه اليُمنى عرج خفيف يمكن تمييزه … وقد التقطت رقم السيارة.
أحمد: هذه المعلومات سنتركها جانبًا الآن، لقد عرفنا بداية أن هناك مَن يُهمه تعويق مهمتنا؛ فقتل «مونديلا» هو نوع من الإنذار لنا، ومحاولة في نفس الوقت لشغلنا عند الهدف الرئيسي الذي جئنا من أجله.
عثمان: ولكن لو عثرنا على قاتل «مونديلا» فسوف يقودنا هذا إلى التنظيم الذي يعمل ضدنا.
أحمد: إننا لا نعرف خفايا وخبايا «ميامي»، وسوف يضيع وقتٌ طويلٌ في البحث عن هذا القاتل، ومن الأفضل أن نسافر إلى «بربادوس» لنقابل الصياد، ولحسن الحظ وجدت اسمه وعنوانه ضمن أوراق «مونديلا»، وعلى كل حال سوف يَكتشفون الجثة حالًا … وسيبدأ البوليس تحقيقاته، ومن الأفضل ألا نكون هنا حتى لا نخضع لاستجواب البوليس.