نيران على الشاطئ
صاح «أحمد» بالجميع: اختفوا خلف التلال … إنهم سيعودون مرة أخرى.
ولم يكد يَنتهي «أحمد» من جملته حتى سمعُوا دويَّ محرك السيارة، ثم زفات الرصاص وهي تطير في اتجاههم … وأخرج «عثمان» من حقيبته الصغيرة قُنبلة يدوية صغيرة … ثم أخذ نفسًا عميقًا، وأرسلها في الفضاء في شكل دائرةٍ سقطت فوق السيارة … وسمعوا الدويَّ، ثم اندلعت النيران …
وقف «أحمد» وهو يقول: لم تَقُل لي إنَّ معك قنابل يدوية!
عثمان: كثيرًا ما أحسُّ أنني مُحتاج لشيءٍ ما … وسرعان ما يتحقَّق إحساسي.
وصعدوا جميعًا إلى التل، بين ذهول «زيكو» و«براند»، واتجهوا إلى السيارة في محاولة لإنقاذ من فيها … ولكن لم يكن في الإمكان عمل شيء … فقد انفجر خزان الوقود وتحوَّلت السيارة إلى كتلة من النيران.
قال «أحمد»: سيلفت الانفجار الأنظار … علينا أن نغادر المكان مؤقتًا.
وركب الجميع السيارة، وقال «براند»: ما هي الحكاية؟
أحمد: نقدِّم أسفنا لإزعاجك يا سيد «براند» … إن هناك عصابة إجرامية تطاردنا.
براند: ولماذا لم تبلغوا الشرطة؟
أحمد: إن طبيعة مُهمتنا سرية، ونحن لا نعتدي على أحد إلا إذا اعتدى علينا.
عثمان: إلى أين نذهب؟
رد «زيكو»: إنكم قريبون من منزلي … وسيُشرِّفني أن تكونوا ضيوفًا في بيتنا المتواضع.
بعد مسيرة ربع ساعة … أشرفوا على مزرعة للقصب تمتد إلى الشاطئ، وأشار «زيكو» إلى كوخ أحمر وقال: هنا تسكن عائلتي.
اتَّجهت السيارة إلى الكوخ … كانت هناك سيدة سمراء بدينة في نحو الخمسين من عمرها، باسمة الوجه، تقف وبجوارها صبي نحيل، وقال «زيكو»: هذه هي عائلتي الصغيرة … إنَّ الأولاد الكبار تزوَّجوا وذهبوا بعيدًا.
وتبادل الجميعُ السلامَ … وأحضر «زيكو» بعض المقاعد القديمة وجلسوا في شبه حلقة على الشاطئ … بينما انصرفت السيدة السمراء لإعداد القهوة …
قال «أحمد»: يا أخ «براند»، لقد رأيت سفينة شحن تدعى «ميلوس» في مكان ما قرب «سانتا لوتشيا» … وقد قال صديقنا «مونديلا»: إنك ستتحدَّث إلينا.
براند: نعم … كنتُ أصطاد هناك، عندما شاهدت في مكان مهجور من الشاطئ هذه السفينة … وكانت شحنتها مُغطَّاة بالقماش، فلم أعرف ما فيها … ولكن السفينة كانت غاطسة في المياه إلى حدٍّ كبيرٍ … وإنني كصياد أعرف أن السفينة إذا غطست كثيرًا فمعناه أن الشحنة ثقيلة.
أحمد: هذه معلومات هامَّة.
براند: اقتربت من السفينة … كانت الماكينات متوقفة … وأشرتُ إليهم إذا كانوا في حاجة إلى بعض السمك فوافَقُوا … ولم أصعد إلى ظهر السفينة، فقد نزل لي واحد منهم واشترى كل ما معي من أسماك.
أحمد: ماذا كان لون السفينة؟
براند: من السطح حتى الغاطس بيضاء، أما الباقي فلونه أزرق داكن.
أحمد: هل يُمكن أن تقودنا إلى نفس المكان؟
براند: بالطبع … إنني أحفظ كل شبرٍ من المياه على شواطئ هذا المحيط.
أحمد: من الأسهل أن نذهب في زورق سريع حتى لا نَفقد كثيرًا من الوقت.
زيكو: إني أعرف صديقًا عنده لانش مُمتاز يُؤجِّره للنزهات.
أحمد: هذا هو مطلبنا.
عثمان: لنذهب الآن.
فكَّر «أحمد» لحظات ثم قال: أظن من الأفضل أن نذهب في المساء يا «عثمان»، فإنني أخشى أن يطاردنا أحد.
عثمان: ولكنَّكَ منذ لحظات كنت تقول إننا يجب أن نسرع.
أحمد: هذا صحيح … ولكن من الأفضل أن نتحرك ليلًا، وفي نفس الوقت حتى لا نترك «زبيدة» و«إلهام» وحدهما.
عثمان: معك حق.
التفت «أحمد» إلى «زيكو» وقال: أيها الأخ «زيكو»، نرجو أَلَّا تنسى أن تأتيَ ﺑ «براند» معك … وأنت الآن في إجازة حتى المساء.
وضع «أحمد» يده في جيبه، ودفع ﻟ «زيكو» مبلغًا من المال، وجاءت القهوة … وتناولها «عثمان» و«أحمد» على عَجَلٍ … ثم قفَز هو و«عثمان» إلى السيارة، وانطلقا بها مُسرعَين عائدَين إلى الفيلا …
لحُسْن الحظ وجد «أحمد» و«عثمان» كلَّ شيء على ما يرام … كانت «إلهام» و«زبيدة» قد قضيَتا وقتًا ممتعًا في حمام السباحة، ثم جلستا في الشمس الهادئة …
روى «عثمان» ﻟ «زبيدة» و«إلهام» تطورات الأحداث، بينما قام «أحمد» بالاتصال بمجموعة الشياطين في جزر «البهاما» وأخبرهم بما حدث تليفونيًّا … وطلب منهم إخطار مجموعة «نيويورك» وأن يتصلوا بهم باستمرارٍ، واتفقا على كلمة السر: «روكو».
ردَّ «رشيد»: أليس من الأفضل أن نأتي إليكم؟
أحمد: لا … ولكن إذا اختفَت أخبارنا لأي سبب؛ فهناك شخص يُدعى «زيكو» سيعرفكم أين ذهبت بالضبط … إنه حارس الفيلا التي نقيم فيها.
في المساء وصل «اللانش» … كان فعلًا زورقًا رائعًا، وركب الشياطين الأربعة ومعهم «براند» وطلب «أحمد» من «زيكو» أن يبقى، وقال له إنهم إذا تأخروا فإن هناك أصدقاء سيتصلون بهم … وستكون أول جملة في الحديث هي: هل «روكو» موجود؟
انطلق اللانش بقيادة «براند» الذي كان سعيدًا؛ لأنه يقود مثل هذا اللانش الفاخر … وفي نفس الوقت لأن «أحمد» أعطاه مبلغًا كبيرًا من المال …
بعد ساعة من الإبحار شمالًا … أخذ «براند» يقلل من سرعة الزورق وقال: إن المكان هنا خطر … هناك آلاف من الصخور ولا بد أن نسير على مهلٍ … وفجأة على ضوء اللانش شاهد الجميع نارًا تلمع على شاطئ قريب … كانت النار تَرتفِع وتنخفض بطريقة منتظمة …
قال «براند»: إنه شخص يطلب النجدة.
أحمد: وماذا ترى؟
براند: لا بدَّ أن نذهب إليه.
واتجه اللانش إلى الشاطئ، وقاده «براند» بمهارة حتى وصلوا إلى المكان الذي شاهدوا فيه النار … واستعد الشياطين الأربعة بالمسدسات، بينما قفز «براند» إلى البر، وبعد لحظات شاهدوا «براند» عائدًا ومعه رجل آخر … كان الرجل في منتهى الإعياء، ويسير مترنحًا …
وصاح «براند»: إنه صديق … إنه جاء لي.
أحمد: وماذا أتى به إلى هذا المكان؟
براند: لقد كان على سطح السفينة «ميلوس».
أحمد: «ميلوس» … هل هذا معقول؟