مغامرة هادئة جدًّا
لم يكن أمام الشياطين إلا المحاولة … وهكذا استعدُّوا للنزول إلى المياه الباردة … وقد حمل كلٌّ منهم كمية من كرات النوم … ومسدَّسًا موضوعًا في جراب من البلاستيك يَمنع تسرُّب الماء … ومادة خاصة لإفاقة النائم …
توقف الزورق في جانب من الجزيرة قريب من كهف الوطاويط … وغاص الشياطين الأربعة في المياه … وسبحوا بذراع واحدة، بينما الأخرى تحمل كرات النوم … وبدءوا يقتربون من كهف الوطاويط … دون علامة واحدة تدلُّ على وجود السفينة «ميلوس» … لم يكن هناك إلا صوت الوطاويط الضخمة تطير رائحة غادية داخل الكهف …
عندما وصلوا إلى فوَّهة الكهف استطاعوا رغم الظلام أن يروا شبح السفينة الضخم … وأضواءً خفيفة جدًّا تنعكس على المياه الساكنة داخل الكهف …
دخلوا الكهف في هدوء … كأنهم مجموعة من الأسماك لا يحسُّ بحركتها أحد … ثم اتجه اثنان يمينًا، واثنان يسارًا … وتركوا كرات النوم تطوف على سطح المياه فتتفاعَل معها بشدَّة وتُطلِق غازها المنوِّم … وأسرعوا يخرجون غائصين … تحت الماء حتى لا يتأثروا بالغاز …
سبحوا بعيدًا عن الكهف، واجتمعوا في المياه المُظلِمة … وأخذوا في الانتظار … كانوا في حاجة إلى ربع ساعة على الأقل حتى يبدأ تأثير الغاز … وحتى يتلاشى تأثير الغاز نفسه في الهواء، وأيضًا حتى لا يؤثِّر فيهم …
كانوا جميعًا مدرَّبين تدريبًا جيدًا على السباحة … وعلى كيفية الطفو فوق سطح الماء بحركة بسيطة من القدمين … وكانوا جميعًا يُفكِّرون في غرابة موقفهم الذي لم يحدث من قبل، وفي الساعات المقبلة، وما يفعلون فيها …
ومضت الدقائق بطيئة … وقالت «زبيدة»: إلى أين سنتجه بالسفينة إذا استطعنا الاستيلاء عليها؟
أحمد: إنه سؤال هام … وقد أنستْنا الأحداث السريعة هذه النقطة.
عثمان: إن معنا الصياد «براند»، وسنطلب منه أن يتجه بالسفينة إلى مكانٍ آمنٍ.
قالت «إلهام»: من الأفضل الاتصال برقم «صفر» وإخطاره … ونترك له حرية التصرف.
أحمد: هذا معقول … ومن الممكن الاتصال بمجموعة «نيويورك»؛ ففي إمكانهم الاتصال به بسهولة.
ضغط «عثمان» على زِرِّ الإضاءة في ساعته الرقمية، واستطاع أن يرى قفزات الأرقام الصغيرة …
وقال «عثمان»: لقد مضت ست عشرة دقيقة.
أحمد: هيَّا بنا.
واتجه الأربعة إلى مدخل الكهف مرة أخرى … كانت الوطاويط التي شمَّت رائحة الغاز المنوم تنطلق في سحابة هائلة خارجة من الكهف وهي تطلق صيحاتها المذعورة … كأنما قد وقعت غارة أو زلزال …
وعندما دخل الشياطين الأربعة، كانت رائحة الغاز ما زالت واضحة … ولكنهم يعرفون أنها ليست مؤثِّرة بعد ربع ساعة … لذا تسلَّقوا الجنازير الضخمة، وصعدوا إلى سطح السفينة … كان كل شيء هادئًا … كانت السفينة الضخمة قد تحوَّلَت إلى جزيرة صامتة …
أنزلوا السلالم إلى قاع السفينة … وشاهدوا كل شيء … الأسلحة … والأجهزة … وأدركوا أنهم نجحوا في العثور على «ميلوس» بشُحنتها الثمينة المدمرة … ولكن الجزء الأصعب من المهمَّة كان ما زال أمامهم …
كانوا يبحثون عن البحارة المساجين … وصاح «عثمان»: في هذه الناحية.
وأشار إلى باب مشبك بالقضبان … وأسرعوا إليه، ووجدوا مفتاح الباب مع الحارس الذي كان مُستغرقًا في النوم على كرسي صغير، وبين يدَيه مدفع رشاش …
فتح «عثمان» الباب … وكان المشهد الذي رأَوه من أغرب المَشاهد … الرجال على الأسرَّة الحديدية الصغيرة … وقد استغرقوا جميعًا في النوم … كأنهم نائمون منذ سنوات … وأخذوا يُطلقون غازات الإفاقة في السجن الحديدي … الضيق … وبدأ الرجال يسعلون أولًا … وبعضهم يَتَأوَّه … وبعضهم يَتَثَاءب … وكان أول مَن فتح عينيه بحارٌ شابٌّ مفتول العضلات … وهزَّه «أحمد» قائلًا: نحن أصدقاء … أين كابتن السفينة؟
أشار البحار إلى رجل غزير اللحية كان يجلس في فراشه وهو يَفرك عينيه وقال: الكابتن «لونجمان».
أسرع «أحمد» إلى الكابتن الذي أخذ ينظر إليه بدهشة …
قال «أحمد»: إننا أصدقاء جئنا لإنقاذكم.
اتسعت عينا الكابتن وهو يسأل: كيف وصلتم؟
أحمد: ليس هناك وقت للشرح … إننا كما قلتُ لك أصدقاء، ونُريد الخروج بالسفينة فورًا.
قفز «لونجمان» من فراشه وقال: لكن أين الذين استولوا على السفينة؟
أحمد: إنهم نائمون.
لونجمان: ولكن كيف نام الجميع هكذا؟
أحمد: سأشرح لك فيما بعد … المهم الآن أن تُصدِر أوامرك لرجالك للخروج بالسفينة إلى عرض البحر … فنحن جميعًا مُهدَّدون بخطرٍ شديدٍ.
أخذ الكابتن يُصدر تعليماته … وقفز الرجال وأخذوا يَخرُجون إلى سطح السفينة، ونزل «عثمان» مع المهندسين إلى عنبر الماكينات … بينما اتجه «أحمد» إلى السطح مع الكابتن … وارتجت السفينة بهدير الماكينات وهي تدور … وانطلقت الأضواء تكشف جوانب الكهف العجيب … كهف الوطاويط …
أخذت الماكينات تَرفع من سرعتها تدريجيًّا … ووقف الشياطين الأربعة وقد بدت على وجوههم علامات الانتصار … ثم أخذت السفينة تخرج بمؤخرتها من الكهف إلى المحيط … وعندما أصبحت خارج الكهف تمامًا أشار «أحمد» إلى حيث يقف القارب الذي به «براند» وطلب منه القبطان الاتجاه إليه …
أخذ «براند» ينظر مبهورًا إلى السفينة الضخمة … لم يُصدِّق أن هؤلاء الأولاد الأربعة يُمكنهم أن يستولوا عليها …
نزل «أحمد» إلى القارب وقال ﻟ «براند»: عُدْ أنت وصديقك الصياد إلى «زيكو» … قلْ له: إن المهمَّة انتهت على خيرٍ … واطلبْ منه أن يحتفظ بحاجياتنا لحين عودتنا …
ومنح «أحمد» للصياد «براند» مبلغًا من المال … ثم أخذ ثيابه وثياب زملائه من القارب وعاد إلى سطح السفينة …