الأنشودة العاشرة١
سار الشاعران بين أسوار مدينة ديس وقبور المعذبين، وعرف دانتي أنه أمام مقبرة الهراطقة من أتباع أبيقور. وسمع فجأةً صوتًا يناديه بالتسكاني الصادق الأمين، فتولاه الخوف. ولكن فرجيليو أوضح له أنه أمام فاريناتا، وأنه سيراه كله من وسطه حتى رأسه. سأل فاريناتا دانتي عن أصله، ولما عرف أنه من الجِلْف وقع بينهما فصلٌ من التراشق العنيف، يستند إلى ذكريات الصراع الحزبي في فلورنسا بين الجِلْف والجبلِّين، تناول نفي كلا الحزبين من فلورنسا، وعودة الجلف دون الجبلين إلى فلورنسا؛ لأنهم عرفوا فن الرجوع إلى الوطن. ثم قطع هذا الموقفَ العنيف ظهورُ كافالكانتي الجلفي الذي خرج من القبر باحثًا عن ابنه جويدو صديق دانتي، ولكنه لم يجده، واعتقد أنه مات، عندما تباطأ دانتي في إجابته، فاختفى داخل قبره، وعاد الموقف العنيف بين دانتي وفاريناتا. ثم تحوَّل الموقف بينهما إلى الهدوء واللين. قال فاريناتا إنه وإن كان قد حارب الجلف الفلورنسيين، إلا أنه دافع عن فلورنسا وحده عندما أراد الجبلين إزالة معالمها من الوجود. دعا دانتي لسلالة فاريناتا بالسلام، وسأله عن رؤية الموتى للمستقبل. قال فاريناتا إن الموتى يرَون الماضي والمستقبل دون الحاضر. وعندئذٍ أدرك دانتي خطأه في حق كافالكانتي، وسأل فاريناتا أن يخبره أن ابنه لا يزال حيًّا، وأنه كان قد أبطأ في إجابته لأنه كان يفكر في اللغز الذي فهمه الآن. تحرك الشاعران للمسير، وأخذ دانتي يفكر في حياة المنفى التي تنبَّأ له بها فاريناتا، ولكن فرجيليو ذكر له أن بياتريتشي سوف تشرح له كل شيء. وتقدم الشاعران إلى الحلقة السابعة.
Virg., Æn., VI, 548 …
وهناك بعض أوجُه شبه بين صورة مدينة ديس عند دانتي، وبين ما جاء في التراث الإسلامي:
Cerulli (op. cit.) pp. 188–191.
عبد الوهاب الشعراني، مختصر تذكرة القرطبي، القاهرة، ١٣٠٨ﻫ، ص٧٠.
ويوجَد حفر بارز يمثل الجحيم، ويبدو فيه المعذبون وهم يتصايحون ويتضاربون، ويلطمون صدورهم وخدودهم وتلدغهم الأفاعي، وهو من صنع مدرسة الحفر والنحت في سيينا، ويرجع إلى أوائل القرن ١٤، وهو في كاتدرائية أورفييتو.
Joel, III, 2, 12.
ألَّف سميث (١٧١٢–١٧٩٥)، صديق هيندل، ألحان أوراتوريو عن يوسافاط:
Smith, J. Chr.: Jehoshaphat, oratorio.
Inf., VI, 79 …
Inf., III, 76–81; IX, 86-87.
وتوجَد صورة صغيرة تمثِّل طرد الجلف من فلورنسا، وترجع إلى القرن ١٤، وهي في مكتبة كيدجي في روما.
هكذا كان رد دانتي على فاريناتا جافًّا قاسيًا، وبذلك بادله عنفًا بعنف. وهو في ذلك يطيع أستاذه في أن تكون كلماته متزنة ومناسبة للمقام. قال إن الجلف أعفوا أثر الهزيمة، على حين لم يتعلم الجبلين فن الرجوع إلى الوطن. وهكذا ألقى دانتي إلى فاريناتا بسهم عنيف، ولم يستطع فاريناتا سوى أن يضم هذا السهم المستقر بين جوانحه. وكان دانتي كمن يبسم ابتسامة ساخرة بهذه الكلمات القاسية المليئة بالسخرية. ومع ذلك فإن دانتي يحترم فاريناتا ويناديه بضمير الجمع، على حين ينادي فاريناتا دانتي بضمير المفرد. وقد تكون القسوة والسخرية دليل التقدير والإعزاز.
Inf., VI, 79–82.
Inf., V, 126; XXXIII, 9.
ويوجَد حَفر لخاتم كافالكانتي دي كافالكانتي، وهو في المتحف الوطني في فلورنسا.
استمد دانتي شخصية كافالكانتي الأب من ذكرى صلته بابنه جويدو. ولم يصور شخصية جويدو ذاته؛ ربما لأن نفسه لم تطاوعه على ذلك، وقد كان مشتركًا في قرار نفيه. واستمد دانتي شخصية كافالكانتي من ظروف حياته هو؛ فقد شعر دانتي منذ صغره بالحاجة إلى عطف الأم والأب، وخبَرَ بنفسه معنى الأبوة، وأدرك أثر الحرمان من أبنائه في حياة المنفى والتشريد. صوَّر دانتي شخصية كافالكانتي كإنسان هادئ رقيق وديع، وكأب بارٍّ عطوف، لا تهمه السياسة ولا الحزبية ولا الوطن، ولكن يعنيه مصير ابنه الحبيب، وهو يعبر في حركاته وأقواله عن الأبوة البارة الرحيمة. وهو واضح صريح متلهف على رؤية ابنه. ويمتزج فيه الرجاء والأمل باليأس والأسى والزفرات.
Inf., XIV, 43–75.
هكذا انتهت ثورة فاريناتا، واعتدل وتحول إلى الهدوء. يسأل فاريناتا دانتي لماذا كانت قوانين فلورنسا شديدة القسوة على آل أوبرتي، فاستُثنوا من قانون العفو العام عن الجبلين بعد موقعة بنيفنتو، وهُدمت قصورهم، ودُكَّت بيوتهم، وحُولَت أماكنها إلى ميادين عامة، ومنها ميدان السنيوريا في فلورنسا.
وتوجَد صورة صغيرة تمثل فردريك الثاني، وترجع إلى القرن ١٤، وهي في مكتبة كيدجي في روما. ويوجَد رأس من المرمر يمثل الإمبراطور فردريك، وربما كان جزءًا من تمثال كامل له على ظهر جواد، وهو في متحف بارليتا، في باري في جنوبي إيطاليا.
هكذا رسم دانتي صورة فاريناتا دلي أوبرتي، الإنسان البطل الذي تسيره قوته الجبارة. جعل دانتي من فاريناتا رجلًا لا يكاد يحس أن له قوة يفخر بها على أحد. هو يعرف أنه يحب حزبه ووطنه بكل قلبه، وهو يضحي بالمصلحة الحزبية في سبيل الوطن. والقوة عند فاريناتا ممتزجة بالأفكار والأهداف النبيلة التي يسعى إلى تحقيقها. إنها القوة التي تجعل الجسم الضئيل والإنسان الخجِل يبدو كالعملاق. وهذه صورة أخرى رسمها دانتي للإنسان الحديث. ووضعه دانتي إلى جانب شخصية كافالكانتي دي كافالكانتي، الذي يمثل الأبوة البارة الرحيمة. وقد أظهره دانتي وسط التراشق الذي حدث بين فاريناتا وبينه. وكان ظهور كافالكانتي المفاجئ أمرًا قطع ذلك الموقف العنيف بين دانتي وفاريناتا لكي يجعله أكثر عمقًا بعد قليل. وكان فاريناتا جبلينيًّا، بينما كان كافالكانتي جلفيًّا، وكانت تلك مفارقة في الأهواء والعواطف والأهداف. كانت شخصية كافالكانتي الهادئة الرقيقة أشبه بلحن هادئ رقيق، يسير إلى جانب فاريناتا الثائر العنيف تارة، والشاعر بالأسى والأسف طورًا، والهابط الساكت في قبره تارة أخرى، وأظهرت كلٌّ من الصورتين الصورة الأخرى. وتُعَد هذه القصيدة من أشهر قصائد الكوميديا.
وتوجَد صورة من عمل أندريا دل كاستانيو (١٤٢٣–١٤٥٧) لفاريناتا دلي أوبرتي، وتمثِّله واقفًا ومغطًّى بالدروع، وممسكًا بسيف مرتكز على الأرض، وهي في الدير السابق لسانتا أبولونيا في فلورنسا.
ويوجَد تمثال من المرمر لفاريناتا دلي أوبرتي خارج متحف الأوفيتزي في فلورنسا وفي مواجهة نهر الأرنو، يمثله واقفًا وقد تمنطق بالدروع، ويده على مقبض سيفه، وبدت على وجهه علائم القوة والعزم والتصميم، وهو من صنع فرنتشسكو بوتزي في ١٨٤٤.
Par., XVII, 7–30.