أشار دانتي إلى حركات الفرسان وسيرهم في الحرب والسلم، وقال إنه لم يرَ مثيلًا للبوق
الغريب الذي سار الشياطين بمصاحبته. ونظر دانتي إلى القطران، فرأى بعض الآثمين قد
رفع ظهره،
كالدرافيل في البحر، لكي يُخفِّفوا ألم الغليان. ورأى المعذبين في القطران مثل الضفادع
على
حافة المستنقع، وقد أظهرت خياشيمَها، وأخفت جسمها في الماء. ووجد الشيطان جرافيكاني
يلتقط
أحد المعذبين بخطافه، وأقبل بقية الشياطين للاشتراك في تمزيقه، ولكن محادثة فرجيليو
له
أوقفت ذلك التعذيب، وعرف دانتي أنه جامبولو من نافار، الذي استغل نفوذه في بلاط الملك
تيبالدو في الرشوة وجمع المال. وحاول بارباريتشا أن يحميه من اعتداء الشياطين حتى
ينتهي
فرجيليو من حديثه معه. سأله فرجيليو هل يوجَد معه رجل من اللاتين. قال جامبولو إن
معه في
القطران الراهب جوميتا، الذي استغل مركزه في سردينيا لجمع المال، وأصبح بذلك زعيمًا
للمرتشين. وعمل جامبولو على خداع الشياطين لكي يُفلِت منهم، وينجو من التمزيق. وطلب
أليكينو
الشيطان أن يجري بينه وبين جامبولو سباق، وكانت تلك مباراة عجيبة، بين شيطان ومعذَّب.
استطاع جامبولو أن يقفز في لحظة إلى القطران، ولم يستطع جناحا أليكينو أن يسبقا خوف
جامبولو، وهكذا أفلت من التعذيب، وعندئذٍ غضب كالكابرينا لنجاح خدعة جامبولو، وهاجم
أليكينو
المسئول عن هربه، واشتبك الشيطانان في معركة حامية، وسقطا معًا في القطران الآني.
وحاول
بقية الشياطين إنقاذهما بخطاطيفهم من جانبَي الوادي. انتهز دانتي وفرجيليو هذه الفرصة
وتابعا رحلتهما دون رُفقة الشياطين.
(١) مِن قبلُ رأيتُ الفرسان يتحركون، يبدءون الهجوم، ويعرضون صفوفهم، وأحيانًا
ينسحبون نجاةً بأنفسهم،
٢
(٤) ورأيتُ الطلائع في أرضكم يا أهل أريتزو،
٣ وشهدتُ هجمات المغيرين،
٤ ومبارزة الفرسان زرافاتٍ ووحدانًا،
٥
(٧) بالأبواق تارةً وطورًا بالأجراس، وبالطبول وبإشارات القلاع،
٦ وبأشياء لنا وأخرى أجنبية،
٧
(١٠) ولكني لم أرَ بمصاحبة هذا البوق الغريب
٨ فرسانًا ولا مشاةً يتحركون، ولا سفينةً تسير بإشارة من أرض أو نجم.
٩
(١٣) ذهبنا مع الشياطين العشرة، ويلاه من الرُّفقة الرهيبة! ولكن في الكنيسة يصحب
الإنسان القديسين، وفي الحانة ذوي النَّهم.
١٠
(١٦) اتجه انتباهي إلى القطران وحده، لكي أرى كل ما احتواه الوادي، والقومَ الذين
احترقوا بداخله.
١١
(١٩) وكالدرافيل، حينما تُشير للملاحين بظهرها المقوس، كي يستعدوا لإنقاذ سفينتهم؛
١٢
(٢٢) هكذا أبرز بعض الآثمين ظهره أحيانًا
١٣ لكي يخفف الألم، وأخفاه في أقل من ومضة البرق.
١٤
(٢٥) وكما تقف الضفادع عند حافة مياه خندق بخيشومها وحده في الخارج، حتى تُخفي
أقدامها وسائر الجسم؛
١٥
(٢٨) كذلك وقف الآثمون في كل جانب، ولكن ما إن أخذ بارباريتشا يقترب منهم، حتى
انسحبوا تحت الحميم الآني.
١٦
(٣١) رأيتُ، وهو ما لا يزال يرتجف منه قلبي، واحدًا ينتظر هكذا، كما يحدث أن يبقى
ضفدعٌ ويختفي آخر،
(٣٤) وجرافيكاني الذي كان أقرب إليه، شبك خُطافه في خصلات شعره اللزج،
١٧ وانتزعه إلى أعلى، فبدا لي ككلب البحر.
١٨
(٣٧) كنتُ قد عرفتُ أسماءهم جميعًا؛ لأني لاحظتهم بعناية حين اختيارهم،
١٩ وحينما نادى كلٌّ منهم الآخر، انتبهتُ، وكيف انتبهت!
٢٠
(٤٠) وصاح الملاعين كلهم معًا:
٢١ «يا روبيكانتي، احرص على أن تُنشِب مخالبَك في ظهره، حتى
تسلخه.»
(٤٣) قلت: «أستاذي، اعمل على أن تعرف، إن استطعت، مَن البائس الذي وقع في قبضة
أعدائه.»
(٤٦) اقترب دليلي إلى جانبه، وسأله من أين جاء، فأجاب: «لقد وُلدتُ في مملكة نافار.
٢٢
(٤٩) ووضعتني أمي خادمًا لسيد؛ إذ كانت قد ولدتني من وغدٍ هادمٍ لنفسه وأمواله،
٢٣
(٥٢) ثم صرتُ من خواصِّ تيبالدو
٢٤ الملك الطيب، وهناك عكفتُ على اصطناع الرشوة، التي أؤدي عنها الحسابَ
في هذا الوهج.»
(٥٥) وتشيرياتو، الذي خرج من كلا جانبَي فمه نابٌ، كما للخنزير، أشعره كيف يمزقه
أحد نابَيه.
٢٥
(٥٨) وقع الفأر
٢٦ بين قطط شريرة،
٢٧ ولكن بارباريتشا أطبق عليه ذراعيه، وقال: «ابقَوا هنا، بينما أعصره أنا.»
٢٨
(٦١) ثم التفت إلى أستاذي وقال: «سَلْه أيضًا، إذا رغبتَ أن تعرف منه مزيدًا،
وقبل أن يمزقه الآخرون إرْبًا.»
٢٩
(٦٤) عندئذٍ قال دليلي: «أخبرني الآن، أتعرف تحت القطران رجلًا من اللاتين بين
سائر الأشرار؟»
٣٠ فأجاب: «لقد رحلتُ
(٦٧) منذ قليل عن رجل، كان جارهم في ذلك الجانب،
٣١ وكنت أود أن أبقى مغطًّى معه، حتى لا أخشى مخلبًا ولا خطافًا!»
٣٢
(٧٠) فقال ليبيكوكُّو: «إننا قد احتملنا كثيرًا»، وأمسك ذراعيه بالمحجن، حتى إنه،
وهو يمزقه، حمل منه قطعة.
٣٣
(٧٣) وكذلك أراد دراجينياتزو أن يعقف ساقيه من أسفل، وعندئذٍ دار قائدهم حوله
٣٤ بوجه الشر.
(٧٦) وعندما هدءوا قليلًا، سأل دليلي دون أناة، ذلك الذي كان لا يزال ينظر إلى جرحه:
٣٥
(٧٩) «من كان ذلك الذي تقول إنك قد أسأتَ بالرحيل عنه، لتأتي إلى الشاطئ؟» فأجاب:
«كان هو الراهب جوميتا،
٣٦
(٨٢) من جالُّورا،
٣٧ وعاء كل خيانة، الذي استولت يده على أعداء سيده،
٣٨ ففعل لهم ما جعل كلًّا منهم يمدحه لذلك.
٣٩
(٨٥) لقد أخذ أموالهم، ثم تركهم أحرارًا، كما يقول، وفي المناصب الأخرى كان أيضًا
مرتشيًا، لا صغيرًا ولكن زعيمًا.
٤٠
(٨٨) ويتحدث إليه السيد ميكيل زانكي،
٤١ من لوجودورو،
٤٢ وفي الكلام عن سردينيا لا يشعر لساناهما بالكلال.
٤٣
(٩١) أواه! انظر إلى ذلك الآخر الذي تتحرق أسنانه الأُرَّم!
٤٤ وددت لو أطيل الحديث، ولكني أخشى أن يستعد لينزع مني جلدةَ
الرأس.»
(٩٤) وقال القائد الكبير
٤٥ وهو متجهٌ إلى فارفاريلُّو، الذي أدار عينيه لكي يطعن: «فلتذهب هناك،
أيها الطائر الخبيث.»
٤٦
(٩٧) واستأنف المرتعدُ بعدُ:
٤٧ «إذا أردتما أن تريا أو تسمعا قومًا من تُسكانا أو لمبارديا، فسآتيكما بهم،
٤٨
(١٠٠) ولكن فلتبقَ المخالب الشريرة بعيدةً قليلًا حتى لا يخشَوا انتقامها،
٤٩ وإني، إذ أجلس في هذا الموضع ذاته،
(١٠٣) ومهما كان من أمري، سأستقدم منهم سبعة
٥٠ حينما أُطلق صفيري،
٥١ كما هي عادتنا أن نفعل، عندما يضع أحدنا نفسه في الخارج.»
٥٢
(١٠٦) رفع كانياتزو فمه عند هذا الكلام، وهو يهز رأسه، وقال: «فلنسمع الخبثَ الذي
راوده، كي يُلقي بنفسه إلى أسفل!»
٥٣
(١٠٩) وعندئذٍ أجاب مَن امتلأت جَعبته بالمكائد:
٥٤ «حقًّا إني لشديد الخبث، حينما أدبِّر لرفاقي بؤسًا أشد.»
(١١٢) لم يُطِق أليكينو صبرًا، وبعكس الآخرين، قال له:
٥٥ «إذا أنت ألقيت بنفسك،
٥٦ فلن أتبعك عدوًا،
(١١٥) ولكني سأضرب بجناحيَّ فوق القطران،
٥٧ ولنترك المُرتفَع، وليكن الشاطئ حاجزًا لك، لنرى أتتفوق علينا أنت
وحدك!»
(١١٨) ستسمع مباراةً جديدة
٥٨ أيها القارئ، اتجهَ كلٌّ منهم بعينيه إلى الجانب الآخر، وأولهم مَن كان
أقل نُضجًا لأنْ يفعل ذلك.
٥٩
(١٢١) أحسن النافاري
٦٠ اختيار وقته، وثبَّت في الأرض عقبَيه، وفي لحظة قفز، وحرَّر نفسه من قصدهم.
٦١
(١٢٤) وحينئذٍ أحسَّ كلٌّ منهم بوخز الإثم،
٦٢ وعلى الأخص مَن كان سببًا في الخطأ؛
٦٣ ولذلك تحرك وصاح: «قد لحقتُ بك!»
(١٢٧) ولكن قليلًا نفَعه ذلك؛ لأن الجناحين لم يستطيعا للخوف سبقًا، وذهب ذلك إلى
أسفل، ورفع هذا صدره إلى أعلى وهو يطير.
٦٤
(١٣٠) غير هذا لا يفعل البط البري؛ إذ يغوص إلى أسفل حينما يقترب البازي، الذي
يعود صُعُدًا حانقًا منهزمًا.
٦٥
(١٣٣) وكالكابرينا، وقد غضب من هذه الخدعة، تبعه طائرًا، وهو شديد الرغبة أن يهرب
الآثم، لكي يدخل في المعركة.
٦٦
(١٣٦) وحينما اختفى المرتشي،
٦٧ حوَّل كالكابرينا مخالبه هكذا إلى رفيقه، واشتبك معه فوق
الخندق.
(١٣٩) ولكن الآخر كان في الحق صقرًا قارحًا، يجيد طعنه بالمخلب، وسقط الاثنان
معًا وسط المستنقع الآني.
٦٨
(١٤٢) وكانت الحرارة فاصلًا بينهما توًّا، ولكن استحال عليهما التحليق؛ إذ صارت
أجنحتهما منغمسة في القطران هكذا.
(١٤٥) وبارباريتشا الذي تولاه الحزن، مع رفاقه،
٦٩ جعل أربعةً منهم يطيرون إلى الشاطئ الآخر بكل الخطاطيف،
٧٠ وبسرعة فائقة
(١٤٨) هبطوا هنا وهناك إلى مواضعهم، ومدوا الخطاطيف إلى اللذين غمرهما اللزج،
٧١ وكانا قد نضجا داخل الجلد المحترق،
٧٢
(١٥١) وتركناهم مُرتبكين على ذلك النحو.
٧٣