اجترأ اللص فانِّي فوتشي على الله، فهاجمته الزواحف والتفَّت حوله، حتى إنه لم يستطع
حراكًا. وبذلك أصبحت الزواحف صديقة لدانتي؛ لأنها صبَّت على اللص الجزاء الذي يستحق.
وأعلن
دانتي غضبه على بستويا لأنها أخرجت مثل هذا اللص المتغطرس. رأى دانتي كاكوس، اللص
المشهور
في الميتولوجيا اليونانية، الذي سكن بعض الوقت في جبل أفنتينو، حيث قتله هرقل جزاء
سرقة
ثيرانه. والتفَّ حول كاكوس أفاعٍ تفوق ما وُجد في ماريمَّا. وكان فوق كتفيه تنين يحرق
كل من
يلاقيه. رأى دانتي نبلاء فلورنسيين اشتهروا بأعمال السلب والنهب والاعتداء على الناس،
وهم
أنيلُّو برونلسكي، وبووزو دلِّي أباتي، وكاينفا دوناتي، وفرنتشسكو كافالكانتي، وبوتشو
تشانكاتو دي جاليجاي. وشهد كيف وثبت زاحفة على أنيلو والتفَّت حوله كالتفاف اللبلاب،
وامتزجا معًا، وتحوَّلا إلى كائن مسيخ له وجه واحد، واختفت فيه معالم الاثنين. ثم
رأى زاحفة
تهاجم بووزو دلي أباتي، وتلدغه في سرته. ووجد أن كلًّا منهما بدأ يتحول؛ الزاحفة إلى
إنسان،
والإنسان إلى زاحفة. وحدث هذا تدريجًا، وعلى توافق بالنسبة لكل الأعضاء؛ فتحوَّل ذَنَب
الزاحفة إلى قدمين، وقدما اللص إلى ذنب زاحفة، وتحول جلد الزاحفة إلى جلد إنسان، على
حين
أصبح جلد اللص جلد زاحفة، واندمجت القدمان الخلفيتان عند الزاحفة، ونشأ للِّص قدما
زاحفة،
ونبت الشعر على جانب، ونُزع من الآخر، وتحول رأس الزاحفة إلى رأس إنسان، وبالعكس،
وتقدمت
الزاحفة الجديدة وهي تُطلِق صفيرها، بينما أخذ الإنسان الجديد يبصق وهو يتكلم. تولى
دانتي
لذلك بعضُ الاضطراب والقنوط.
(١) حينما انتهى اللص من كلامه،
٢ رفع كلتا يديه على هيئة التين
٣ صارخًا: «خُذهما يا رب، فإليك أوجِّههما!»
٤
(٤) ومنذ ذلك اليوم كانت الزواحف صديقة لي؛
٥ لأن إحداها التفَّت حينئذٍ حول عنقه، وكأنها تقول: «لا أريد أن تقول مزيدًا»،
٦
(٧) وأحاطت أخرى بالذراعين، فضاعفت من قيده، وقد عقدت نفسها إلى الأمام،
٧ حتى لم يستطع أن يتحرك بهما.
(١٠) واهًا لك يا بستويا! يا بستويا، لِم لا تُقرِّرين أن تتحولي إلى رماد، فلا
يكون لك بقاءٌ بعد،
٨ ما دمتِ تسبقين نواتك في ارتكاب الشر؟
٩
(١٣) لَم أرَ في كل حلقات الجحيم المظلمة روحًا متعالية على الله هكذا، ولا حتى
مَن سقطت في طيبة عن الأسوار.
١٠
(١٦) لقد ولى هاربًا دون أن ينبس بكلمة، ورأيت قنطروسًا
١١ مليئًا بالغضب، يجيء صائحًا: «أين هو، أين الوغد؟»
١٢
(١٩) لا أعتقد أن ماريمَّا
١٣ حازت من الأفاعي، بقدر ما كان منها فوق ظهره، إلى حيث يبدأ وجهنا الآدمي.
١٤
(٢٢) وعلى الكتفين وخلف الرأس استلقى تنينٌ مفتوح الجناحين،
١٥ يحرق كل من يلاقيه.
١٦
(٢٥) قال أستاذي: «هو ذا كاكوس
١٧ الذي صنع مرات عديدة بحيرة دم،
١٨ تحت صخرة من جبل أفنتينو.
١٩
(٢٨) إنه لا يسير مع رفاقه
٢٠ في طريقٍ واحد، لسرقة ماكرة فعلها بالقطيع الكبير
٢١ الذي كان منه قريبًا؛
(٣١) ولذلك كفَّ عن أعماله الشريرة، تحت هراوة هرقل، الذي ربما ناوله منها مائة،
٢٢ ولم يشعر بعشر.»
٢٣
(٣٤) وبينما كان يتكلم هكذا، ومضى القنطروس
٢٤ إلى الأمام، جاء من تحتنا ثلاثة أشباح،
٢٥ لم أنتبه إليهم أنا ولا دليلي،
(٣٧) إلا عندما صاحوا: «من أنتما؟» فتوقف بذلك حديثنا، وأنصتنا بعدُ إليهم فحسب.
٢٦
(٤٠) لم أعرفهم،
٢٧ ولكن حدث، كما حدث عادةً في بعض الأحيان، أن نطق واحدٌ باسم
آخر.
(٤٣) وهو يقول: «أين وقف كايِنفا؟»
٢٨ ولكي يقف دليلي منتبهًا، أقمتُ أصبعي حينئذٍ بين الذقن والأنف.
٢٩
(٤٧) وإذا كنتَ الآن أيها القارئ متأخرًا عن تصديق ما سأقول، فلن يكون عجيبًا؛
لأني، أنا الذي رأيته، لا أكاد أجده مقبولًا.
(٤٩) وبينما أبقيتُ أهدابي مرفوعة إليهما،
٣٠ وثبتْ زاحفةٌ بست أقدام
٣١ أمام أحدهما،
٣٢ وعقدتْ نفسها على كل جسمه.
(٥٢) وأمسكتْ بطنه بقدميها الوُسطيين، وبالأماميتين قبضت الذراعين، ثم أنشبت
أسنانها في كلا الخدين،
(٥٥) ومدت الخلفيتين على الفخذين، ووضعَت الذَّنَب بين كلا الاثنين، ثم رفعته إلى
الخلف على الكليتين.
(٥٨) لم يتعانق لبلابٌ وشجرةٌ أبدًا كما لفَّ الوحش الرهيب أعضاءه حول أعضاء الآخر.
٣٣
(٦١) والتصقا بعدُ كما لو كانا من شمعٍ ساخن، وامتزج لوناهما، فلم يبدُ هذا ولا
ذاك على ما كان،
٣٤
(٦٤) كما يمتد أمام النار لونٌ داكنٌ على الورق، فلا يصير أسود بعد، ويختفي اللون
الأبيض.
(٦٧) نظر الآخران إليه، وصاح كلٌّ منهما: «أواه يا أنيلُّو، كيف تتبدل! انظر، إنك
لم تَعُد بعدُ الواحد ولا الاثنين.»
٣٥
(٧٠) كان الرأسان قد أصبحا واحدًا، حينما بدا لنا وجهان امتزجا في وجه واحد، ضاعت
فيه معالم الاثنين،
٣٦
(٧٣) وتكون ذراعان من الأطراف الأربعة،
٣٧ وتحول الفخذان والساقان والبطن والصدر إلى أعضاء لم يرها أحدٌ
أبدًا.
(٧٦) اختفى فيهما كل شكلٍ سابق، وبدا الوحش المسيخ اثنين،
٣٨ ولم يَعُد واحدًا منهما،
٣٩ وسار هكذا بطيء الخطو.
(٧٩) وكالعَظاية،
٤٠ تحت وطأة القيظ في أيام برج الكلب،
٤١ إذ تنتقل من عَوسَج لآخر، فتبدو كومض البرق إذا عبرت الطريق؛
(٨٢) كذلك بدت زُويحفةٌ غاضبة،
٤٢ وهي تتقدم نحو بطنَي الاثنين الآخرين،
٤٣ وكانت سوداء داكنة كحبات الفلفل،
(٨٥) وفي ذلك الموضع الذي نستمد منه الغذاء لأول مرة،
٤٤ لدغت واحدًا منهما،
٤٥ ثم سقطت ممددة أمامه إلى أسفل.
(٨٨) نظر الملدوغ إليها ولم يقل شيئًا، بل تثاءب ثابت القدمين، كمن هاجمه النعاس
أو الحُمى.
٤٦
(٩١) نظر الزاحفةَ ونظرت إليه، وأخرجا دخانًا كثيفًا، واحدٌ من جرحه والأخرى من
الفم، والْتقى الدخان بالدخان.
(٩٤) ألا فليسكت الآن لوكانوس؛ إذ يتناول البائس سابيلُّوس وناسيديوس،
٤٧ وليحرص على أن يسمع ما يُروى الآن.
٤٨
(٩٧) وليسكت أوفيديوس عن كادْموس وأريتوزا؛
٤٩ لأنه إذا كان، وهو يقرض الشعر، يُحوِّل ذلك إلى أفعى وهذه إلى ينبوع،
فإني لا أحسده؛
٥٠
(١٠٠) فإنه لم يحول أبدًا طبيعتين
٥١ وجهًا لوجه، حتى كان كلا الشكلين مُستعدًّا أن يُبادل الآخر مادته.
٥٢
(١٠٣) لقد استجابا معًا لمثل هذه الصورة، فشقَّت الزاحفة ذَنَبها إلى شوكتين،
٥٣ وضم الجريح قدميه معًا.
٥٤
(١٠٦) وتلاصق الساقان ومعهما الفخذان الواحد بالآخر، حتى إنه في لحظاتٍ قصار، لم
يترك الالتحام علامة بادية.
(١٠٩) والذَّنَب المشقوق أخذ الشكلَ
٥٥ الذي فقده الآخر،
٥٦ وأصبح جلد هذه لينًا،
٥٧ على حين جفَّ الجلد هناك.
٥٨
(١١٢) رأيت الذراعين يدخلان عند الإبطين،
٥٩ وقدما الوحش، اللتان كانتا قصيرتين، رأيتهما تستطيلان بقدر قِصر الذراعين.
٦٠
(١١٥) ثم اندمجت القدمان الخلفيتان معًا، وأصبحتا ذلك العضو الذي يُخفيه الرجل،
٦١ وظهر للبائس من عضوه قدمان.
٦٢
(١١٨) وبينما كان الدخان يكسو كليهما بلونٍ جديد،
٦٣ ويُنبت شعرًا على جانب، وينزعه من الجانب الآخر؛
(١٢١) نهض الواحد،
٦٤ وسقط الآخر إلى أسفل،
٦٥ ومع ذلك لم تتحول أبصارهما اللعينة، التي بدَّل كلٌّ منهما فمه أمامها.
٦٦
(١٢٤) وذلك الذي انتصب قائمًا، جذب فمه نحو صُدغَيه، ومن المادة الكثيرة التي
ذهبت هناك، خرجت الأذنان من الخدين الأملسين،
٦٧
(١٢٧) وما لم يذهب إلى الخلف وبقي من هذه الزيادة، جعل للوجه أنفًا، وتضخَّمت
الشفتان إلى الحجم المناسب.
(١٣٠) وذلك الذي كان مستلقيًا، يدفع فمه إلى الأمام، ويسحب الأذنين إلى الرأس،
كما يفعل القوقع بالقرنين،
(١٣٣) واللسان الذي كان من قبلُ واحدًا ومستعدًّا للكلام، ينقسم اثنين،
٦٨ وعند الآخر يُغلَق اللسان المشقوق،
٦٩ ثم ينقطع الدخان.
٧٠
(١٣٦) والروح التي تحولت إلى وحش، تهرب إلى الوادي وهي تُطلق صفيرها، ويبصق الآخر
من ورائه وهو يتكلم.
٧١
(١٣٩) ثم أدار له كتفيه الجديدتين،
٧٢ وقال للآخر:
٧٣ «أريد أن يجري بووزو زحفًا في هذا الطريق، كما فعلت أنا.»
(١٤٢) هكذا رأيت أثقال
٧٤ الوادي السابع تتغير وتتبدل، ولتكن غرابة المشهد هنا عذرًا لي، إذا طاش
القلم قليلًا.
٧٥
(١٤٥) ومع أن عينيَّ قد أصابهما بعض الاضطراب، وأصاب النفسَ القنوطُ، فلم يستطع
هذان أن يهربا في خفية مُحكَمة،
(١٤٨) حتى تبيَّنتُ جيدًا بوتشو تشانكاتو، ومن بين الرفاق الثلاثة الذين جاءوا
أولًا، كان هو وحده الذي لم يتغير،
٧٦
(١٥١) وكان الآخر هو من تبكينه يا قلعة جافيلِّي.
٧٧