الأنشودة الثالثة١
وصل الشاعران إلى باب الجحيم، وقرأ دانتي في أعلاه وصف ما بداخله من العذاب، وعمل فرجيليو على تهدئة روع دانتي، ودخلا معًا إلى عالم الخفايا والأسرار. سمع دانتي صرخات المعذَّبين وعويلهم، وقد أحدث دويًّا أشبه بعاصفة هوجاء، فبكى من هول ما سمع. عرف دانتي أن هؤلاء هم الذين لم يكن لهم في الدنيا الشجاعة لسلوك طريق الخير أو الشر، فلم يعصوا الله ولم يطيعوه، ولم يعملوا في الدنيا إلا لمصلحتهم الذاتية؛ ولذلك طردتهم السماء حتى لا ينقصوا من جمالها، ولفظَتهم أعماق الجحيم حتى لا يكون لمرتكبي الآثام إلى جانبهم سبيل إلى التفاخر عليهم؛ ولهذا فإنهم يبقَون في مدخل الجحيم، وهم يحسدون الناس على الخير وعلى الشر، ويحسدون من هم أسوأ منهم حالًا؛ ولذلك فهم لا يستحقون الذِّكر في الدنيا، وتحتقرهم العدالة الإلهية. يطلب فرجيليو إلى دانتي أن يكف عن الكلام عنهم، ويسأله أن يتابع المسير. ورأى دانتي حشدًا من هؤلاء الطَّغام يجرون عُراة الأجسام في أوسع دوائر الجحيم، وقد أطبقت عليهم الحشرات، فتلسعهم وتُدمي وجوههم، ويختلط دمهم بدمعهم، ويسيل على الأرض، فتلتهمه ديدان كريهة مزعجة عند أقدامهم، وهذا هو جزاؤهم. ثم رأى دانتي حشدًا من الهالكين عند ضفة نهر أكيرونتي، ورأى كارون، أول حُراس الجحيم، يعبُر بهم النهر. واعترض كارون على وجود دانتي، الإنسان الحي، فأوضح له فرجيليو أن هذه هي إرادة السماء. وشعر دانتي بزلزال عنيف، وهبَّت ريح عاتية تخلَّلها برق ملتهب، ففقدَ مشاعره وسقط على الأرض كمن أخذه النوم.
D’Aq., Sum., Th., I., IX, al, XXXIX, 8.
استوحى رودان (١٨٤٠–١٩١٧) مصادر مختلفة قديمة وحديثة؛ استوحى الفن القوطي، واستوحى جحيم دانتي، وفن عصر النهضة، وفن ميكلأنجلو، واستوحى ديوان بودلير «أزهار الشر»، كما استوحى ذاته في صنع «باب الجحيم» الذي كلَّفَته بصنعه لجنة الفنون الجميلة في باريس في ١٨٨٠، ولم يكن قد تم صبه عند موته في ١٩١٧، ولكنه صُب من البرونز في ١٩٢٧. وكان رودان من بين الكثيرين من رجال الفنون التشكيلية المقدرين لأدب دانتي وفنه، وكان يحتفظ في جيبه بنسخة من ترجمة أ. ريفارول الفرنسية النثرية للجحيم. واتخذ رودان من جسم الإنسان في أوضاع مختلفة، ومن نوازعه وعواطفه ومآسيه وأحلامه مادةً لخلق نماذج من التماثيل البارزة والقائمة بذاتها، التي غطَّت كل أجزائه وعلَت ذروته. والباب موجود الآن في حديقة متحف رودان في باريس، ويبلغ ارتفاعه ٢٤٨سم، وعرضه ١٥٧، وعمقه ٣٤سم. وتوجَد له نماذج مصبوبة من البرونز في كلٍّ من متحف رودان في فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي متحف الفن في زوريخ، وفي متحف الفن الحديث في طوكيو.
Aris., Etica, VI.
Conv., II, XIII, 6 …
Virg., Æn., VI, 665 …
كما يشبه بعض ما جاء في التراث الإسلامي عن عواء أهل النار:
علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي، كتاب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، حيدر آباد، ١٣١٢ﻫ، ص٢٨٠، رقم ٣٠٨٩.
Virg., Æn., VI, 557.
توجَد صورة إسلامية ذات شبه بهذه الصورة، ربما عرفها دانتي وقت انتشار الثقافة الإسلامية في أوروبا في عصره:
أبو زيد عبد الرحمن بن مخلوف، كتاب العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة، القاهرة، ١٣١٧ﻫ، ج١، ٥٤، ج٢، ص٨ و١٤.
Inf., XIV, 94–120.
ويوجَد هذا النهر في الإنيادة:
Virg., Æn., VI, 295.
Virg., Æn., VI, 298–301.
ويشبه هذا بعض ما جاء في التراث الإسلامي عن خَزَنة الجحيم أو الزبانية، أو الملائكة أصحاب النار:
القرآن، المدثر: ٣١.
Cerulli (op. cit.), pp. 56-57.
Purg, II, 101 …; XXV, 86.
وألَّف إميليو بوتزانو (١٨٤٥–١٩١٨) لحنًا موسيقيًّا غنائيًّا عن هذه الأنشودة:
Bozzano, Emilio: II 3° canto dell’Inferno di Dante, musica su parole (1874).