الأنشودة الخامسة١
هبط الشاعران إلى الحلقة الثانية، وهي بداءة الجحيم الحقيقية عند دانتي. ووجدا عند مدخلها مينوس قاضي الجحيم، الذي يعترف له الآثمون بما ارتكبوا، فيحكم بإرسالهم إلى الموضع الذي يناسبهم، بلفَّات ذَنَبه حول نفسه. اعترض مينوس على قدوم دانتي، ولكن فرجيليو أوضح له أن هذه هي إرادة السماء. وسمع دانتي عويل الآثمين الذين غلَّبوا العاطفة على العقل في أثناء الحياة، وعقابهم أن تدور بهم عاصفة هوجاء، دون أمل في راحة أو في أن تخف عنهم حدة الألم. وأشار فرجيليو إلى بعض المعذَّبين، مثل سميراميس وهيلانة وكليوباترا وتريستانو. ثم رأى دانتي اثنين يذهبان معًا، وقد ترفقت بهما العاصفة، وهما فرنتشسكا دا ريميني وباولو مالاتستا. دعاهما دانتي باسم الحب أن يَقدُما عليه، فلبَّيا النداء في شوق ولهفة، كفرخَي حمام ناداهما الهيام إلى العش الحبيب. أبدى دانتي عطفه على هذين الآثمين، فبادلته فرنتشسكا ذلك العطف، وتمنت أن تكون صلاتها عند الله مقبولة من أجل سلامه. قالت فرنتشسكا إن باولو أحبها، فلم تستطع إلا أن تبادله حبًّا بحب، وإن الحب قادهما معًا إلى موت واحد. سألها دانتي كيف أتاح لهما الحب أن يتعرفا على رغباتهما الخبيئة، فأجابته فرنتشسكا بأنهما كانا يقرآن يومًا وبلذةٍ قصة جينفرا ولانتشلوتُّو، فتأثرا بهما، وقبَّل باولو فرنتشسكا، وفاجأهما الزوج، وقتلهما معًا، ولم يقرآ منذ ذلك اليوم شيئًا. وبينما كانت فرنتشسكا تتكلم عن حبها بأسًى ولذة، بكى باولو بمرارة، ولم ينطق بكلمة واحدة. فأحس دانتي أنه يفقد الوعي من فرط الأسى، وهوى كجسم ميت يهوي إلى الأرض.
Virg., Æn., VI, 432.
Homerus, Odyssey, XI, 696 …
ولقي النبيُّ محمد وجبريل في المعراج المشار إليه حارس الجحيم:
Cerulli (op. cit.) pp. 156–159.
ويوجَد حفر لكائن ذي وجه بشع، وذَنَب ملفوف حول الجسد، وخُطاف في اليد، وجناحين، وربما يرجع إلى القرن ١٢، ويعطي فكرة عن صورة مينوس الرهيب، وهو في قصر ألباني في روما.
ووضع ميكلأنجلو (١٤٧٥–١٥٦٤) صورة لمينوس في صورة الحكم الأخير في كنيسة سيستو بالفاتيكان في روما، وهو ذو شكل يبعث على الرعب، وله نابان بارزان، ويلفُّ ذَنَبه حول جسمه.
Virg., Æn., VI, 440 …
وهناك شبه بين هذه العاصفة وما جاء في التراث الإسلامي:
Cerulli (op. cit.) pp. 156–159.
القرآن، الذاريات: ٤١.
أبو إسحاق محمد بن إبراهيم الثعلبي، كتاب قصص الأنبياء، المسمَّى العرائس، القاهرة، ١٣٤٥ﻫ، ص٤٣.
الخازن، تفسير القرآن (السابق الذكر)، ج٢، ص١٠٥.
وذكرهما برونيتو لاتيني، صديق دانتي وأستاذه الروحي، وأوفيديوس:
B. Latini, Trésor, I, 26.
Ov., Met., IV, 58, 88.
وتوجَد صورتان لسميراميس ونينو في كتاب جوستو دي مينابووي المشار إليه.
وضع روسيني (١٧٦٢–١٨٦٨) ألحان أوبرا سميراميس، التي تُصوِّر حياة العشق والمتعة التي عاشتها ملكة الآشوريين:
Rossini, G.: Semiramide, opera. Venezia, 1823 (Columbia).
وقد رسم جوتو (١٢٦٦ / ١٢٦٧–١٣٣٧) صورة لسلطان مصر وبعض رجاله، وهي الكنيسة العليا للقديس فرنتشسكو في أسيسي.
Virg., Æn., VI, 450 …
وتوجَد صورة من عمل روبنز (١٥٧٧–١٦٤٠) لديدو، وهي تغمد السيف في صدرها، وهي في متحف اللوفر في باريس. وكذلك رسم سيباستيان بوردون (١٦١٦–١٦٧١) صورة تمثِّل مصرع ديدو، وهي في متحف الإرميتاج في ليننجراد.
وضع برسل (١٦٥٩–١٦٦٥) ألحان أوبرا ديدو وإينياس، التي تُصوِّر قصة العاشقَين، وتوضح مأساة ديدوني:
Puncell, Henry: Aeneas and Dido, opera, Chelsea, 1689 (HMV).
Par., VI, 76–78.
ويوجَد رسم لكليوباترة في كتاب جوستو دي مينابووي المشار إليه.
Virg., Æn., I, 650.
Hom., Ill., II, 160 …; III, 164, etc.
وهناك حفر بارز يمثِّل زواج هيلانة، من العصر الروماني، وهو بالمتحف الوطني في نابلي. وتوجَد صورتان صغيرتان لخطف هيلانة، وإحراق طروادة، وترجعان إلى القرن ١٤، وهما في مكتبة كيدجي في روما. وقد رسم تييبولو (١٦٩٦–١٧٧٠) صورة تمثِّل اختطاف هيلانة، وهي في مجموعة بورليتي في ميلانو.
Ov., Met., XIII, 448 …
Virg., Æn., I, 30, 458, 468; II, 29, 197, 275; III, 87, 326; VI, 98, 168, 839; X, 581; XI, 404; XII, 352, 545, etc.
Hom., Ill., II, 684; XXII, 35–404, etc.
وقد ألَّف لولي (١٦٣٢–١٦٨٧) ألحان أوبرا عن أخيل وبوليكسانا، وهي غير مسجلة:
Lully, J.B.: Achille et Polyxène, opera, Paris, 1687 (P. Colasse termino L’opera dopo la morte di Lully).
Virg., Æn., I, 27; II, 602; IV, 215; V, 730; VI, 57.
Hom., Ill., III, 38–75, 443 … etc.
ورسم روبنز (١٥٧٧–١٦٤٠) صورة تمثِّل باريس وهو يصدر حكمه، والصورة في المتحف الوطني في لندن.
ووضع جلوك (١٧١٤–١٧٨٧) ألحان أوبرا باريس وهيلانة، التي تصوِّر الأساطير القديمة والبطولة والعشق في عهد طروادة:
Gluck, Chr., W.: Pâris et Hélène, opera, Vienna 1770 (ex. Decca).
أخذ فاجنر (١٨١٣–١٨٨٣) هذه المأساة وكتبها شعرًا، ووضع ألحانها الرائعة التي هي شعلة تتلظى بنيران الحب. يخرج فاجنر في أوبرا تريستانو وإيزوتا من عالم اللقاء والفراق، ومن دنيا الجسد والمادة، ومن قواعد المجتمع، إلى العاطفة المجردة الخالدة. عندما تموت إيزوتا فوق جثمان حبيبها تهوي إلى الأعماق وهي تذوب هناء ووجدًا، وبذلك تصوِّر هذه الموسيقى قلوب العاشقين. وإحساسنا بهذه الألحان يساعدنا على فهم مآسي الحب عند ديدوني وفرنتشسكا دا ريميني، وعند دانتي:
Wagner, Richard: Tristan und Isolde, opera, Monaco, 1865 (HMV).
ويوجَد رسم للآثمات بسبب شهوة الجسد في صورة الحكم الأخير التي تُنسب إلى فرنتشسكو تراييني، من القرن ١٤، وهي في الكامبوسانتو في بيزا.
كتب دانتي هذا الجزء عن فرنتشسكا فيما لا يزيد عن ٧٠ بيتًا، وبذلك أوجز ولم يفصِّل. جعل هذا الإيجاز — وهو صفة عامة عند دانتي — لكل كلمة وإشارة معناها الدقيق. ولا بد — لفهمه — من الوقوف بإمعان أمام ألفاظه. ويتساءل بعض النقاد عن سبب تخليد دانتي لهذين العاشقين، ويشك بعضهم في أن دانتي ربما مر بتجربة مشابهة، وأنه أراد أن يضع لنفسه وللناس عظة وعبرة، ولكن ليست هناك أدلة تؤيد هذا الرأي، ويستبعده أكثر النقاد.
تناول بعض أدباء إيطاليا هذا الموضوع ذاته. كتب بليكو (Pellico) مأساة فرنتشسكا دا ريميني في أوائل القرن التاسع عشر، صوَّر فيها الأبطال الثلاثة كنماذج للخلق والفضيلة. وعنده أن فرنتشسكا أحبت باولو دون خطيئة، وارتكب جانتشوتو القتل لأنه ظن خطأ أن هناك خطيئة قد وقعت. ووضع دانونتزيو (Dannunzio) مأساة فرنتشسكا دا ريميني التي يسودها العنف والقسوة والتمتع بملذات الحياة، تلك الصفات التي تغلب على أدبه. وكتب تشيزاريو (Cesareo) مأساة فرنتشسكا دا ريميني، وصوَّر فيها الود المتبادل بين الأخوين، وجعل فرنتشسكا امرأة عنيفة جامحة، ظلت تغري باولو بالتهكم والسخرية والرفق واللين، حتى وقعت الخطيئة والمأساة.
ويشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., V, 213-214.
توجَد صورة صغيرة لإينياس وديدو في بحيرة الأفرنو التي تؤدي إلى العالم السفلي، وترجع إلى القرن ١٤، وهي في مكتبة كيدجي في روما.
V.N., XX, 3.
Guinizelli, Canz., V, 1.
Inf., XXXII, 16–69.
ويوجَد حجَر محفور عليه كتابة لجانتشوتو مالاتستا، ويرجع إلى ١٢٨٥، وهو في متحف الفن في بيزارو، على ساحل البحر الأدرياتي.
Boethius, Philosophiae Consolationis, II, IV, 4.
Inf., XXXIII, 9.
Virg., Æn., VI, 1.
لم تسرع فرنتشسكا إلى إجابة سؤال دانتي، وتأخرت بكلامها السابق في الاعتراف له، كمن يريد أن يحتفظ بسر عزيز لديه، ثم فاض لسانها بما ضمته جوانحها، وكمن يمنع عبراته لحظة، ثم لا تلبث أن تفيض على الرغم منه.
Malory, Th.: The Death of King Arthur, Oxford, 1955.
وقد ألَّف برسل (١٦٥٩–١٦٦٥) ألحان أوبرا عن الملك أرتو:
Purcell, Henry: King Arthur, opera, London, 1691 (Oiseaux-Lyre).
Shakespeare, Othello, V, 2.
ورسم ديلاكروا (١٧٩٨–١٨٦٣) صورة لباولو وفرنتشسكا وهما ممسكان بالكتاب الذي يروي قصة جينفرا، بينما كان جانتشوتو يرقبهما خلسة من وراء ستار. والصورة موجودة في مجموعة خاصة في زوريخ.
يشبه هذا قول أوفيديوس:
Ov., Met., Xl, 457–460.
ويوجَد رسم يُقال إنه يمثِّل فرنتشسكا في صورة ترجع إلى القرن ١٤، وهي في كنيسة سانتا ماريا، في بورتو فووري في رافنا.
وعلى باب الجحيم الذي صنعه رودان نماذج من الحَفر البارز تمثِّل عذاب الآثمين، ومن بينهم فرنتشسكا وباولو وهما في حالة من الوجد والهيام.
وضع بعض الموسيقيين ألحانًا موسيقية استوحَوها من قصة فرنتشسكا والكوميديا، فوضع روسيني (١٧٩٢–١٨٦٨) قطعة موسيقية عنها. وألَّف ليست (١٨١١–١٨٨٦) سيمفونية دانتي التي تُصور عالم الجحيم، ودنيا المطهر، والتطلع إلى الفردوس. ووضع سوناتا دانتي التي تصوِّر حب هذين العاشقين وعذابهما. وألَّف تشايكوفسكي (١٨٤٠–١٨٩٣) افتتاحية سمفونية عن فرنتشسكا دا ريميني تَجاوَب في أنغامها عصفُ الرياح وأنين العاشقَين اللذين يذوبان وجدًا وهيامًا. وكذلك وضع تزاندوناي (١٨٨٣–١٩٤٤) ألحان أوبرا فرنتشسكا دا ريميني على أساس كتاب دانونتزيو عنها. كما ألَّف راحمانيوف (١٨٧٣–١٩٤٣) أوبرا عنها. وهناك كثيرون غيرهم قد استلهموا هذا الموضوع لوضع ألحانهم الموسيقية في إيطاليا والخارج، وسيأتي ذكر هذا في قائمة المراجع.