رسالة إلى ولدي
١
أي بني!
احرص على أن يكون لك مثل أعلى تنشده، وترمي إليه في حياتك، وليكن هذا المثل الأعلى مشتقًّا من شخصية عظيمة مصلحة تتفق ونفسك ومزاجك، فإني أعرف فيك الجد، والإفراط في عزة النفس، وقلة المجاملة، فليكن مثلك مناسبًا لهذا كله، إن تحديدك للمثل الأعلى يحدد سيرك، ويعيِّن ما يقرب منها وما يبعد، فأنت إذا قصدت إلى الهرم أمكنك أن تعرف منه الطريق المقرب والطريق المبعد، أما إذا أنت سرت سبهللًا ولم تحدد لك غاية، تخبطت في السير ولم تعرف ما يحسن وما لا يحسن.
والمثل الأعلى كثير التأثير، مريح للنفس من عناء التفكير في كل لحظة، فهو دائم الشخوص أمام الإنسان يجذبه نحوه، ويدعوه لأن يحققه. وإن أعمال الإنسان وطريقة سلوكه تدل على أن له مثلًا أو ليس له، وإذا كان، فماذا هو؟ وكل ما جرى من إصلاح للأفراد والأمم وتأليف لليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، فمنشؤه المثل الأعلى، وبدونه يكون الإنسان كالحيوان يعيش — دائمًا — على وتيرة واحدة لا تتحسن، وكل ما أستطيع أن أقوله لك إنه يحسن أن يكون مثلك وطنيًّا مصلحًا، وقد شاهدت ولله الحمد أمثلة صالحة في مصر، ثم شاهدت أمثلة خيرًا منها في إنجلترا، وستشاهد أمثلة أخرى في سويسرا والسويد، فيمكنك أن تشتق منها جميعًا المثل الأعلى الذي يصلح لك ويصلح لبلدك وأمتك، فكثيرًا ما يصلح الشيء لبلد ولا يصلح لآخر، وكثيرًا ما يصلح لزمن ولا يصلح لآخر، وقد يصلح مع مزاج ولا يصلح مع آخر. فليكن لك في اختيار المثل عينان: عين تنظر بها إلى أوروبا، وعين تنظر بها إلى مصر، ثم تختار المثل بالعينين، ولتكن مرنًا في اختيار المثل فكوِّنه مما شاهدته في مصر وإنجلترا، ثم عدِّله بما ستشاهده في سويسرا، ثم عدِّله أيضًا بما ستشاهده في السويد، وهكذا. ولا تحتقر شيئًا تقع عليه عينك، فقد تستفيد الكثير من الأمر الصغير.
ومع غناه وثروته التي تقدر بنحو ربع مليون كان شحيحًا على نفسه، فهو يذهب إلى عزبه إما بعربة الحكومة أو في شركة كافوري، وتحت إبطه رغيف وقطعة جبن يأكلهما إذا جاع، ولا يحدث نفسه بركوب جيد، أو أكل فاخر.
وهو مع إيمانه بالعلم مرض بالسكر، فلم يسمع للأطباء بالحمية والاستقرار، فمات بعد أيام رحمه الله.
وقاك الله شر المرض، وشر الشح، وشر الجهل مع العلم، أو ضعف الإرادة مع قوة العقل، والسلام.
٢
أي بني!
قرأت خطابك الذي تنكر فيه عليَّ كثرة نصحي، ولا زلت أعتقد أني محق كل الحق، فكما يتأثر المرء بالبيئة التي حوله كما ذكرت، يتأثر بالنصيحة أيضًا؛ ولذلك لا أزال أنصح لك، قبلت أو كرهت، وأنت حر في قبول النصيحة أو كرهها، وأحيانًا تجد النصيحة محلها فتعمل عملها، ولولا ذلك ما نصح القرآن ولا النبي المؤمنين، فأمرهم بالعدل والصدق والعفة وما إلى ذلك. وقد أذكرني ذلك ما كنت أقرأه بالأمس في رسالة خطية لابن خلدون في التصوف، فقد عقد فصلًا في الحوار بين رجل يرى ألا فائدة من الشيخ، بل يكفي القراءة في الكتب، وبين شيخ يرى الاعتماد على المشايخ، وحجة الأولين أن كل شيء موجود في كتب التصوف، وحجة الآخرين أن الشيخ الحقيق بلقب الشيخ يستطيع أن يدرك نفسية السامع ومزالقه فيوجهه الوجهة الصالحة التي قد تخفى على المريد نفسه، فما ينفع لأحد قد لا ينفع الآخر بل يضره؛ ولذلك لما كان كل يسأل الشيخ الماهر عن أحسن خلق كان يجيب إجابات مختلفة: أحيانًا الصدق، وأحيانًا العدل، وأحيانًا غير ذلك، باعتبار السائل.
ولأمر ما اتفقت الأمم وحكماؤها على العناية بالنصائح، فالحكيم قس بن ساعدة له نصيحته المشكورة، ولقمان الحكيم نصح ابنه كما هو مذكور في القرآن، وملوك الفرس نصحوا الناس بنصائحهم المسماة «جويدان خرد». ولست أذهب بعيدًا، ففي القصص العربي أن عبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وأبا جعفر المنصور تذكروا أبياتًا من الشعر، فتشجعوا ورموا بأنفسهم في حومة القتال بعد إنشادها. وأنا نفسي قد جربت وقد قرأت نصائح من وصايا الإمام علي بن أبي طالب، ومن كتاب مرشد المتعلم، ومن كتاب سر النجاح والأخلاق لسمايلز، فوقفت عند بعض النصائح لهم كان لها الأثر الكبير في نفسي. فقولك إن البيئة كل شيء مغالطة، بل هي شيء من أشياء، بل إن النصيحة التي أذكرها لك هي نفسها بيئة من البيئات؛ ولذلك فلن أعتمد على قولك، وسوف أستمر في النصيحة ما دمت ابنًا وما دمتُ أبًا، ولك الخيار في أن تقبل ما تقبل وترفض ما ترفض.
٣
أي بني!
سادت عند أمثالك من الشبَّان فكرةٌ خاطئةٌ، وهي شدَّةُ المطالبة بالحقوق، من غير التفاتٍ إلى أداء الواجبات مع تلازمها، فهما معًا ككفِّة الميزان، إن رجحت إحداهما خفَّتْ الأخرى، وهم يلجأون إلى كل الوسائل للمطالبة بحقوقهم: من إضراب، إلى اعتصام، إلى تخريب، إلى غير ذلك، ولا نسمع منهم أبدًا شيئًا عن فكرة أداء الواجب! فحذار من الوقوع في هذا الخطأ. فعلى كلِّ إنسان أن يؤديَ واجبه دائمًا كما يطالب بحقوقه. والإنسانُ في هذه الحياة لا يعيش لنفسه فحسبُ وإنما يعيش له وللناس، ولسعادته ولسعادة الناس. وأداءُ الواجب، يؤدي إلى تحقيق السعادة: فالطالب الذي يؤدي واجبه لأُسرته يُسعدها، والأغنياءُ بتأديتهم ما عليهم من بناءٍ للمستشفيات، وتبرع للخيرات، يزيدون في راحة الناس ورفاهيتهم. وعلى العكس من ذلك السارقون والسكيرون، فإنهم بإهمالهم الواجب عليهم وعدم إطاعتهم قوانين البلاد، يزيدون في شقاء الناس وتعاستهم، ومقياس رقيِّ الأمة إنما هو في أداء أفرادها ما عليهم من واجبات. فالذي يتقي الله في صناعته يُسعد الناس بإتقانه، ولا يبقى العالم ويرقى إلَّا بأداء الواجب. ولو أنَّ مجتمعًا قصَّر في أداء كل واجباته لَفَنِيَ في الحال. والأمة المتأخرة إنما بقيت لأن أفرادها قاموا بأداء أكثر الواجبات وتأخرت بالقسم الذي لم يُؤَدَّ. ويجب أن يؤَّدي الواجبُ لأنه واجبٌ، لا طمعًا في ربح ولا هربًا من خسارة، إنما نؤديه راحةً لوجداننا. والذين يؤدون واجبهم رغبة أو رهبة، إنما هم تُجَّارٌ يبيعون اليومَ ما يقبضون ثمنهُ غدًا. ومثلنا الأعلى أن نتلذذ من أداء الواجب كما نتلذذ من خير ينالُنا وشرٍّ يزول عنا، ويجبُ أن نُنشد مع أبي العلاء قوله:
ونقول مع البارودي:
وكثيرًا ما يكلفنا القيام بأداء الواجب مشقات كثيرة ينبغي أن نتحملها، أو يتطلب منا تضحية يلزمنا تقديمها؛ فالقاضي العادلُ قد يُضطر إلى الحكم على صديقه أو قريبه فيؤلمه ذلك، وقد يحمله حبُّ العدل على إغضاب أفراد عظام أو هيئاتٍ مختلفة، فيعرِّض بذلك نفسه لشتى الآلام، ومع ذلك يجب أن يتحملها بابتسام. بل أكثر من ذلك، الجندي، فقد يقف في ميدان القتال موقفًا قد يُعَرِّض فيه نفسه للموت، فيفعل ذلك على طيب خاطر فداءً لأمته. ورئيس السفينة إذا عطبت يجب أن يبقى فيها حتى ينتقل ركابها إلى قوارب النجاة، ثم يكون آخر من ينزل، وكثيرًا ما يكون إعلانُ الإنسان رأيه وتمسُّكه بمبدئه قد يبعده عن منصب ويحرمه من فائدة، ومع ذلك يجب أن يتحمل التضحية مهما آلمت عن رضًا وارتياح، ويجب أن يَعُدَّ مكافأةَ الضمير فوق كل مكافأة، ولكنْ يجبُ أن نُنَبِّه هنا إلى أمرين خطيرين، كثيرًا ما يخطئُ الناس فيهما:
أُولهما: إن بعض الناس يفهم أن التضحية واجبةٌ لذاتها، مع أنها لا تُستحب إلَّا حين يطلبها الواجبُ. فما يفعله بعض زُهَّاد الهنود من إيلامهم أنفسهم ولو من غير مقابل عملٌ لا يُسْتَحَبُّ. وكذلك من يحرم نفسه من التمتع بلذَّات الحياة، لا لغرض يُرتجى من ورائه إلا المثوبة عملٌ خاطئٌ، وقد نهى رسول الله ﷺ من نذر أن يصوم قائمًا في الشمس، فأمره بالصيام ونهاه عن القيام في الشمس، لأنه تعذيبٌ لا مُسَوِّغَ له. ومن الخطأ ما يدور على ألسنة الناس من قولهم الثوابُ على قدر المشقة، فهو ليس صحيحًا إطلاقًا، إنما يصح حين تُتَحَمَّل المشقة لعمل خيرٍ لا يمكن أن يُنال إلَّا بهذه المشقة.
والثاني، أن ليس لأداء أي واجب تبذل أية تضحية، بل لا بدَّ من الموازنة بين الواجب والتضحية، فمن تألم من أسنانه مثلًا لا يصحُّ أن يفرَّ من الألم بتضحيته بحياته، ولكن يصح أن يقلِّم أشجاره ليزيد في إثمارها. كالطبيب يهجرُ نومه ويتعرض للتعب لإنقاذ مريض، والعالم يهجر راحته من أجل إخراج كتابٍ أو فكرةٍ أو استكشافٍ ينفع الناس، ومتى اقتنع الإنسان بخيرية التضحية بعد هذه الموازنة وجبتْ عليه، إلَّا كان الفرار منها جبنٌ، وكلما عظم الواجبُ عظمتْ التضحية، كالذي نشاهده في الحروب الدفاعية: نبذلُ الكثيرَ من الأرواح في المحافظة على سلامة الوطن.
وسيرةُ عظماء الرجال مملوءةٌ بالشواهد على هذه التضحية، فلا نكاد نجد عظيمًا لم يُضَحِّ كثيرًا، والله يهديك ويُوَفِّقَك، فهذه التضحية هي التي تكوَّنك كما كوَّنت مَن قبلك. واحذر أن تستسلم للنعيم، وتُخْلِدَ للراحة، فمن استسلم للنعيم وأخلد للراحة لم يُرْجَ منه خيرٌ، ورحم الله شوقي بك إذْ يقول في وصف زملائك:
٢
أي بني، أقتصر في كتابي هذا على نصائحك في التعليم الجامعي. ليكن أهم ما تصبو إليه حبِّ الحقيقة فلا تقدس القديم لقدمه ولا الجديد لجدَّته، واطلب الحقيقة لذاتها، صادفت القديم أو الجديد، أعجب الناسُ بك أو كرهوك ومقتوك، وكن ذا شعورٍ علميٍّ دقيق، فإن الطبيعة لا توحي بحقائقها إلا لمن دقَّ حسُّه وتنبه عقلُه، وقد أعجبني ما ذكرت من أنهم في الجامعة يعلمونك العلم ويعلمونك بجانبه الصبر، فالصبر حقيقةً هو مفتاح العلم، فلا تمل منه ولا تستكبر أيَّ صبر يوصلُ إلى أية حقيقة.
عود نفسكَ النظام في العمل، والدقةَ فيه، وحسنَ الترتيب، ولأقصَّ عليك شيئًا من تجاربي في هذا الباب.
فقد بدأت حياتي في ترجمة كتاب مبادئ الفلسفة الذي تعرفه، فكنت أفهم معنى الجملة وأبحث لها عن ترجمة عربية، حتى إذا عثرت على الجملة أجَلْتُها في نفسي، وقد أجيلها على لساني لأعلم مبلغ دقتها في أداء المعنى، وهل يحسنُ وقعُها على القارئ والسامع، وقد أضطر في سبيل ذلك إلى رفضها بتاتًا أو تغييرها أو إحلال لفظة محل لفظة فيها، فلما بدأت أُؤلِّف فجر الإسلام كنت أعمِدُ إلى مظان البحث في الكتب التي أظن أنها تتعرض للموضوع الذي أريده، فإذا قرأتُها أعملتُ فكري فيها ثم كتبتُ الموضوع؛ فلما ترقيتُ بعض الشيء في ضحى الإسلام عمدت إلى طريقة أنظم، وهي أني فكرت في موضوع الكتاب وقسمته إلى فصول، وأعددت لكل فصل «دوسيهًا» وقرأتُ أُمَّهات الكتب، وكلما عثرت على فكرة قيمة لخصتها ووضعت التلخيص في «الدوسيه» المناسب وأشرت إلى الصحيفة والكتاب. فلما فرغت من ذلك بدأت في التأليف فاستخرجتُ «دوسيه» كل موضوع وقرأت ما فيه من وريقات ورتبتها وهضمتها ثم أخرجتها تأليفًا، وانتقلت: بعد ذلك إلى الذي يليه ثم الذي يليه وهكذا إلى نهاية الكتاب، ووجدت أن مثل هذه الطريقة أنظم وأفضل، فاعمد إلى مثل هذه الطريقة في بحثك.
ولخير لك أن تختار نقطة صغيرة تلقي عليها أضواء كثيرة حتى تتجلى للقارئ، من أن تعمد إلى مسألة كبيرة تلقي عليها أضواء قليلة تتشعَّعُ فيها نفسك ويتشعب فيها عقلك.
وأعود فأقول لك الصبر الصبر فيما تلجلج في صدرك، فإذا شككت في أمر فابحث عنه في كل مظانه واستفت أساتذتك فيه، وإذا كان لك جهاز أو أجهزة فجربها عمليًّا عليها لتعرف مقدار صدقها من كذبها، ولا تكتب إلا وأنت واثق مما تقول، مالئ يدك من البرهان عليه والحجة المقنعة لك ولمن يناقشك.
إن كثيرًا من إخوانك لا يرغبون في البحث للبحث، ولكن يرغبون في البحث للشهادة، فخالفهم واطلب البحث للبحث، والفرق بينك وبينهم إذًا أنهم إذا حصلوا على الشهادة ناموا وأنت إذا حصلت على الشهادة داومت بحثك وعشت طول عمرك باحثًا منقِّبًا متعلمًا.
إني أعلم أن استعدادك للنظريات كبير، واستعدادك للأعمال اليدوية من رسم وتصوير ونحو ذلك صغير فلا يغرينك حسن استعدادك للنظريات أن تمعن فيها حبًّا لها واستسهالًا لشأنها فتهمل الجانب الآخر، بل الأمر بالعكس، لا تعمد إلى الملكة القوية فتزيد في قوتها، وإلى الملكة الضعيفة فتهملها، بل اعمد إلى موضع نقصك فقوِّه، وليس يمكن مهندسًا أن يكون نظريًّا محضًا من غير إجادة رسم، فخير لك أن تكمل نقصك وتقوِّي ملكاتك جميعًا، من أن تقوي ملكة على حساب أخرى، كالذي يقوي إحدى يديه فيضعف الأخرى وهكذا.
ثم لا تكن مغرورًا تعتقد أنك على حق مطلق، وأن غيرك إن خالفك على باطل مطلق، بل وسِّع صدرك فاجعل حقك يحتملُ الخطأ وباطلَ غيرك يحتمل الصواب، وقلما يعرف أحدٌ الحق كلَّ الحق وَيقع أخوه في الباطل كلِّ الباطل، فحقُكَ مشوب بباطل كثير، وباطلُ غيرك مشوب بحق كثير؛ فاصغ إلى رأيه وأعمل عقلك فيه، واستخرج منه خير ما فيه، وإن أداك ذلك إلى أن تعدل عن رأيك إلى رأيه فافعل، ولا تشمئز من ذلك فالحق يعلو ولا يعلى عليه. إنك إن فعلت ذلك نجحت وأتتك أعراض الدنيا بعد ذلك تبعًا، والصوفية يقولون في أمثالهم: صاحب الخصوصية لا بد أن يظهر يومًا ما، فلا تتعجل المكافأة، ولا تغضب من عرض يفوتك، فتلذذك من الحقيقة والبحث عنها محسوبٌ عليك، وهي أكبرُ لذةٍ في الحياة، أتتك بعدها أعراض الدنيا أم لم تأت.
وكنتُ أعرف صديقًا، رحمه الله، ملأه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان وطنيًّا مخلصًا ومحبًّا للعلم مخلصًا، يفرغ من عمله فيكمل نفسه بحضور الدروس على الشيخ محمد عبده رحمه الله، ثم على الشيخ محمد رشيد رضا وغيرهما من العلماء، ويستفهم عما لا يفهم، ويعلم من يجهل، وضم إلى العلم الوطنية، وكانت وطنيته أرفع من أن تنغمس في حزب فكان فوق الأحزاب. وكان يعمل أكثر مما يقول، ويتبع قول المرحوم قاسم بك أمين: «إن الوطنية الصادقة تعمل في صمت». وجدَّ في تربية زوجه وأولاده على مبادئه، فكان يصلي بهم الفجر حاضرًا، ويلزمهم الصدق في كل ما يقولون والعدل في كل ما يفعلون، سواء عليه في ذلك بنته أو ابنه، فعوضه الله عن مجهوده بصلاح أبنائه وبناته ونجاحهم جميعًا في الحياة. كان إذا عُذِّب أو أُهين احتمل ذلك في ثبات، ومن الأسف أن استقامته أغضبت كثيرًا من إخوانه ورؤسائه فكانوا ينقلونه من القاهرة إلى أقصى الصعيد، ولكنه مع ذلك يحتمل ويحتمل، ويصلح ما فسد في أي مكان رحل إليه، فيزيدهم ذلك غيظًا وهو لا يبالي، حتى مات، رحمه الله، راضيًا عن نفسه مطيعًا ربه، ومثل ذلك قليل. فاعمل لتكون مثلَه، وفقك الله وأيَّدك وأمدَّك بروح منه والسلام.