علم التوليد
إنه لأمرٌ مُثير للعَجب — وكأنه مُفاجأة — أن نكتشف أن القرون الماضية كان فيها رجالٌ مُولِّدون كما كان فيها نساءٌ قابلات. وكان احتراف الرجل لهذه المهنة مَدعاة للزِّراية بوجهٍ عام، وفي كثير من المناطق كان اعتراض الناس قويًّا ضد الرجال المُولِّدين، مثلما صاروا — فيما بعد — مُتعصِّبين ضد النساء الطبيبات؛ إذ كان المعتقَد أنه مما يُنافي اللياقة والحياء أن يلمس النفساءَ ووليدها رجلٌ غريب. وحتى نهاية القرن التاسع عشر لم يكُن قد اعتُرف بالذكور أعضاءً في المهنة الطبية، لهم تَخصُّصهم في أمراض النساء وفن القبالة. وبالرغم من هذا الوضع فمنذ أقدم العصور ألَّف الرجال في الموضوع، وكانت جهودهم لرفع مستويات القبالة مُجْدية للجميع.
وهذه الصورة التي رسمها سورانوس لم يُكتَب لها أن تتحقق إلا في القرن السادس عشر، وما زالت الصورة المثالية لقابلته بعيدةً كل البعد عن قابلة اليوم، التي يسود الاعتقاد بأنها امرأة لا يكاد يتجاوز صنيعها أن تُساعد الأخريات في المخاض والولادة. وقد شهدت القرون ١٦ و١٧ و١٨ سلسلة من القابلات البارزات المكانة.
لويز بورجوا
وأخيرًا حصلت على ترخيصها، وسرعان ما ازداد عدد عميلاتها بين الأثرياء، ثم بين النبلاء.
وظلَّت مدام بورسييه متَّصِلة بالبلاط لمدة ٢٧ سنة. وفي سنة ١٦٢٧م ماتت دوقة أورليان بحُمَّى نفاس بريتونية خبيثة وهي تحت إشرافها، ثم قدَّموا تقريرًا تشريحيًّا مُنطويًا على انتقاد لها، فردَّت عليهم كتابةً ونشرَت ردَّها الذي بلغ من إفحامه أن أحدًا من الأطباء لم يجرؤ على قَبول تحدِّيها، ولكن عملها في البلاط انتهى، وكرَّسَت السنوات التسع الباقية من عمرها لكتابة مذكراتها.
وكانت مدام بورسييه أول قابلة تنشر عملًا عن فن القبالة، وكان ذلك في سنة ١٦٠٩م، ثم ظهرت طبعةٌ ثانية سنة ١٦١٧م، وثالثة (مُوسَّعة كثيرًا) في سنة ١٦٢٦م، وصدرت الطبعة السادسة سنة ١٦٣٤م مُذيَّلةً بمُلحَق («مجموعة من الأسرار») حددت فيه الخطوط العريضة لعلاج كثير من الأمراض طبيًّا. واستمرَّت الطبعات الجديدة في الظهور لأكثر من مائة سنة، وكان من مُبتكَراتها طريقة الوضع القسري قبل أوانه في حالات النزيف الحاد.
وفي مُؤلَّفها الذي نشرَته سنة ١٦٠٩م — وهو مُهدًى إلى ماري دي ميدتشي — ذكرَت ما لا يقلُّ عن ١٢ وضعًا يمكن أن يوجد فيه الجنين داخل الرحم، وحدَّدت قواعد مُعينة للتصدِّي لكل وضع منها.
وفي طبعة سنة ١٦٢٦م أضافت فصلًا عنوانه «نصيحة إلى ابنتي» — وكانت الابنة قابلة كذلك — وفيه وصفت بعض المواقف التي كان عليها أن تتصدى لها؛ فقد كانت القابلة مُطالَبة بأن تَبْقى مع المريضة خمسة أسابيع قبل مَولد الطفل، وكانت الأسرة في اللحظة الحاسمة تدخل الحجرة وتتمشى جيئةً وذَهابًا مع الحامل الوشيكة الوضع، والحامل من الممكن أن تضع وليدها واقفةً أو راكعةً أو على الفِراش أو على كرسي الولادة الذي يرجع تصميمه الأساسي إلى أبقراط. وذكرت كيف احتشد مائتا شخص في نفس حجرة الولادة بعد ولادة أحد الأمراء أبناء الملك.
وعندما كان يتعين عليها أن تردَّ إلى الحياة وليدًا يبدو عليه أنه فارَقها، كانت تصبُّ النبيذ الدافئ من فمها إلى فم المولود كي يخترق البلغم المُتراكم، وتُدلِّك جسمه بقوة، وتغسله بالنبيذ الدافئ والماء الدافئ.
وكانت مدام بورسييه تنال جزاء خدماتها ألف دوقية ذهبية عن مَولد الصبي، وستمائة عن مَولد الفتاة، وتَصِلها — فضلًا عن هذا — هدايا كثيرة، ولم يتحقق قطُّ ما وعدها به الملك من معاشٍ مدى الحياة، مع أنها أنقذت حياة عدد من أطفاله الملكيين.
وقبل وفاتها بسنة التمسَت قابلات باريس من كلية الطب أن تُكلِّفها بإلقاء دروس عامة في علم التوليد، ولكن أعضاء الكلية — الذين أزعجتهم المشاحنات بين الأطبَّاء والحلَّاقين والجرَّاحين — رفضوا مُلتمَسهن.
ولمدام بورسييه تلميذةٌ خاصة نجيبة هي مرجريت دي تير دي لا مارش (١٦٣٨–١٧٠٦م)، ظلَّت سنوات كثيرة مُشرِفةً على القابلات بمستشفى أوتيل دييه، حيث أنشأت دراسةً مدتها ثلاثة أشهُر من التعليم والتدريب تُعلِّمهن فيها — من بين أشياء أخرى — كيف يتصدَّين لحالاتهن بدون مساعدة جرَّاح. وفي سنة ١٦٧٧م نشرت كتابًا من التعليمات للقابلات، تبيَّن منه أنها أستاذة في ذلك الفن كما أنها مُعلمةٌ مرموقة.
قابلات إنجليزيات
وقد علِم ويلوجبي فن القبالة لإحدى ابنتَيه، ويبدو أنها نجحت نجاحًا عظيمًا في هذا الفن، وكانت تُساعد أباها في الحالات الصعبة وفي كثير جدًّا من الحالات. وبسبب التحامل الشديد ضد الممارسين الذكور كانت مس ويلوجبي هي القابلة المنشودة المثالية.
وأشهر قابلات تلك الفترة هما «جين شارب ومسز إليزابث سلير».
وبعد أن ظلَّت جين شارب تُمارِس مهنتها لمدة ثلاثين سنةً نشرت «الرفيق الكامل للقابلة» في سنة ١٦٧١م، وكانت تتمنَّى أن يضمن كتابها للعامة من الناس مخاضًا مأمونًا وسريعًا كالذي تتمتع به نساء الطبقة النبيلة الرقيقات التكوين. وكان واضحًا أنها مُتحاملة ضد زملائها المُولِّدين الذكور؛ لأنها نصحت قابلات إنجلترا أن يجعلن اعتمادهن على الله أكبر من اعتمادهن على جماعة الأطبَّاء.
وكانت «إليزابث سلير» مُولِّدةً مُمتازة؛ إذ إنها مُتعلمة تعليمًا حسنًا ومَركزها المالي متين. وقد عقدت العزم على ألا تدع الأمور على ما هي عليه، فناضلت في سبيل قضية القبالة، وفي اعتقادها أن مكانة المهنة لن تتحقق إلا إذا نظمت القابلات أنفسهن في الدراسة والعمل.
وجمعت إحصائيات تُبين أنه في المدة من ١٦٤٢ إلى ١٦٦٢م، قضت ٦٠٠٠ امرأة إنجليزية نَحبهن أثناء المخاض، ووُلِد ٥٠٠٠ طفل ميِّتين، كما وقع ١٣٠٠٠ إجهاض، وزعمت أن ثلثَي هذه الخسائر راجع إلى نقص مهارة القائمات بالقبالة.
ولكن حماسة إليزابث سلير لم تَفتُر عندما قصَّر الملك في البر بوعده، ولم تقلَّ حماستها عما كانت عليه في المناسبات الأخرى، وفي هذه المرة لم يشدُّوها إلى آلة التعذيب فحسب، بل أجبروها على أن تشهد بعينَيها إحراق كتبها، وهي عقوبةٌ بالغة القسوة في وقتٍ كان اقتناء مكتبة بذخًا عظيمًا.
وكان في إنجلترا قابلاتٌ مرموقاتٌ أخريات؛ فهذه هستر شو (التي لمعت سنة ١٦٣٤م) من أبروشية باركنج بلندن، تقاضت ألف جنيه تقريبًا في أغسطس سنة ١٦٦٦م أجرًا على براعتها من أبراهام باورت، وهو من النُّبلاء.
جوستن دتريشن سيجموندين
نمت القبالة في ألمانيا أبطأ من نموها في فرنسا وإنجلترا، ومع هذا أنجب القرن السابع عشر قابلةً مُمتازة في شخص جوستن دتريشن سيجموندين (١٦٥٠–١٧٠٥م).
وقد مات والد جوستن — وهو قس إنجيلي في رونستوك بسيليزيا — عندما كانت في الرابعة؛ فلم تتلقَّ من التعليم إلا القليل.
وفي سن السابعة عشرة تزوَّجت مُعلم فروسية، وبعد سنتَين شعرت بأنها حامل، فأرسلت تستدعي قابلة فقالت لها إنها في المخاض، ولكن شيئًا لم يَحدث. وأكَّدت تشخيصَ القابلة الأولى ثلاثُ قوابل أخريات، وأخيرًا فحصتها زوجة جندي واكتشفت أنها ليست في حالة مخاضهن على الإطلاق، وأنها ليست حاملًا أصلًا، فدفعتها هذه التجربة إلى ضرورة تعلم كل ما يمكن أن تتعلمه عن التكوين الجسدي والوظائف الخاصة بجنسها، فقرأت رسالتَين عن جنس الذكور وجنس الإناث كتبها رينيه دي جراف (١٦٤١–١٦٧٣م) من دلفت بهولندا، فكان لها تأثيرٌ كبير على قرارها بأن تغدوَ قابلةً علمية حقًّا.
وظلَّت اثنتَي عشرة سنة تُمارِس القبالة بين صفوف الفقراء المحليين، وعلَّمَت قابلاتٍ أخريات كنَّ كثيرًا ما يستدعينها للاستشارة. ولما اتَّسعت دائرة شهرتها استخدمتها سيدات الطبقة العليا في ليجنتز، فيما يُسمى الآن بولندا. وبمرور الوقت عُيِّنت قابلة لبلاط أمير براندنبرج المنتخب وقابلة للعائلة المالكة البروسية. وفي سنة ١٦٨٨م دُعيَت إلى برلين لتُشرِف على مخاض زوجة فردريك الأول ملك بروسيا (١٦٥٧–١٧١٣م).
وبعد سنة نشرت على نفقتها الخاصة مجلدًا عن القبالة به صورٌ كثيرة بالحفر على النحاس، وكثير منها رسومٌ تخطيطية بيدها شخصيًّا، تُصور حالات مريضاتها. وكانت تُفضل الكتابة بالألمانية على اللاتينية المألوفة في هذه الموضوعات؛ كي تكون مفهومة للقابلات (على نحوِ ما كتب «باريه» قبل ذلك بقرن من الزمان بفرنسيةٍ بسيطة ليفهمها الحلَّاقون الجرَّاحون الذين لا يستطيعون القراءة باللاتينية)، ووُوجِهت فراو سيجموندين بنقدٍ عنيف، ولكن الكتاب أُعيدَ طبعه ست مرَّات وتُرجِم إلى الهولندية.
ونادت فراو سيجموندين بإعطاء الطبيعة فرصة إتمام المخاض بدون تَدخُّل، ونصحت القابلات أن يَدرُسن كيف يَقلبن وضع الأطفال الذين يكون نزولهم في وضعٍ رديء؛ حتى لا يَلحق الأمهاتِ في أثناء الوضع إلا أقلُّ ضرر. وكانت أدواتها في هذه العملية أولية جدًّا؛ أنشوطة أو خيطٌ تلفُّه حول القدم كي تجذب به القدمَين إلى أسفل، وتستخدم أحيانًا خُطافًا غير حاد، وكانت تستخدم أسلوب تمزيق الكيس النخطي (أو قرن الماء) لإيقاف النزيف، وهي طريقةٌ استخدمها — في نفس الوقت تقريبًا — مُعاصرها الفرنسي موريسو (١٦٣٧–١٧٠٩م) الذي كان كتابه عن أمراض الحمل (١٨٦٨م) هو الحُجة المعتمَد، إلى أن حلَّت محلَّه أعمالُ مدام بوافان التي نُشِرت ما بين ١٨١٢ و١٨٣٣م.
القابلات الفرنسيات في القرن الثامن عشر
وُلِدت «أنجليك مرجريت ليبورسييه دي كودراي» (١٧١٢–١٧٨٩م) في كليرمون فيران بالأوفرنيى، ودرست بمستشفى أوتيل دي دييه بباريس، ورُخِّص لها بالمزاولة سنة ١٧٤٠م، وبعد ذلك بقليل صارت كبيرة قابلات المستشفى. وكانت أساليبها في التعليم فريدة، ويبدو أنها سبقت الإنجليزي وليم سميلي (١٦٩٧–١٧٦٣م)، وإن عُزِي إليه الفضل في الابتكار، إلى استخدام مانكان يُمثل جذع امرأة، وقد صُنِع بحيث تستطيع أن تُدرِّب تلميذاتها بوساطته على عمليات الولادة. وفي ١٧٥٩م كلَّفَتها لجنةٌ ملكية بزيارة مستشفيات القبالة في مقاطعات فرنسا وإلقاء محاضرات فيها، واستمر راتبها — وهو ثلاثة آلاف جنيه فرنسي سنويًّا — يُصرَف لها بصفة معاش عندما تقاعدت، وطُبِع كتابها عن القبالة الذي نُشِر لأول مرة سنة ١٧٥٩م خمس مرَّات.
ومدام ماري-جونيه ديجيس (١٧٣٠–١٧٩٧م) تعلَّمَت القبالة لأول مرة على يد والدتها القابلة، ثم على يد زوجها «لوي ديجيس»، وهو مُوظَّف بصحة باريس. وعمِلَت مدام ديجيس قابلةً طبية قضائية (أي خبيرة قبالة) أمام محاكم باريس، وفي سجن شاتيليه قُرْب شالروا في بلجيكا. وعُيِّنت في ١٧٧٥م كبيرة قابلات في مستشفى أوتيل دي دييه بباريس، حيث أعادت تنظيم قسم الولادة من أساسه.
وقد أتمَّت ماري لويز لاشابيل (١٧٦٩–١٨٢١م) — وهي ابنة مدام ديجيس — عمل أمها، وكانت وهي طفلةٌ الرفيق المُلازم لأمها، وأثبتت أنها تلميذةٌ شديدة الذكاء. وفي سن الخامسة عشرة تولَّت بنفسها عملية ولادة في منتهى الصعوبة، فأنقذت حياة الأم والوليد معًا. وترمَّلت وهي في سن السادسة والعشرين. ولما كانت تعول ابنة لها فقد اتَّجهت اتجاهًا جِديًّا إلى ممارسة القبالة. وفي سنة ١٨٩٧م خلَفت والدتها في منصب كبيرة قابلات مستشفى أوتيل دي دييه. وفيما بعد، عندما نظمت مستشفى الولادة، عُيِّنت فيه كبيرةً للمُولِّدات، وعملت تحت رئاسة جان لوي بودلوك (١٧٤٦–١٨١٠م) كبير مُعلمي القبالة بالمستشفى وأعظم علماء الولادة في باريس. وكان بودلوك نفسه فيما مضى تلميذًا للقابلات، وكان يغبط مدام لاشابيل على يدَيها المرِنتَين، ويُعجَب بقدراتها العقلية، ويعدُّها أبرع قابلات زمانها في الولادات الصعبة. وتمكَّنَت مدام لاشابيل من انتزاع فسحة من الوقت للدراسة في هايدلبرج أقدم جامعات ألمانيا، وعند عودتها إلى باريس طُلِب إليها أن تُنظم مستشفًى للولادة وللأطفال في بور رويال جنوب غربي فرساي.
وقد جمعت مدام لاشابيل أثناء حياتها مادَّةً كافية لكتاب من ثلاثة مجلدات عنوانه «الممارسة العملية للتوليد، أو ذكريات وملاحظات مختارة». وقد نُسِّق ونُشِر على يد ابن أخيها أنطوان ديجيس (١٧٨٧–١٨٣٨م) الأستاذ بكلية طب مونبلييه بعد وفاتها بأربع سنوات بمرض السرطان في المَعدة. وهذه المادة العلمية قائمة على أساس أربعين ألف حالة قامت بتجميع إحصاءاتها. وكانت تعتقد أنه ينبغي استخدام الأدوات في أضيق نطاق (ولا تُستعمل إطلاقًا لمجرد تقصير أمد المخاض)، وذكرت أنها شخصيًّا لم تتدخل في عمل الطبيعة إلا في أقل من ٢٪ من حالاتها. ولم تنجح إلا بقدرٍ ضئيل جدًّا في مطالبتها بإبعاد كل الأشخاص غير الضروريين من حجرة الولادة. ولقيَت بعض مُبتكَراتها في توجيه وإدارة المخاض حظًّا أوفر من النجاح.
ومع هذا فقد قامت مدام لاشابيل بدورٍ رائد في إحداث كثير من التغييرات لصالح المرأة الحامل والوليد، تلك التغييرات التي ظهرت قُرْب نهاية القرن الثامن عشر.
أما ماري آن فيكتور جيلان (١٧٧٣–١٨٤٧م) التي قال البعض إنها ألمع خبيرات القبالة في زمانها، فوُلِدت في ضاحية مونتري قُرْب باريس، وعلَّمَتها الراهبات في مستشفى بايتامب جنوبيَّ باريس بثلاثين ميلًا. وفي سن الرابعة والعشرين تزوَّجت «لوي بوافان»، وهو مُساعد في إدارة الأملاك الوطنية، وسُرعان ما ترمَّلت ولها ابنةٌ وحيدة، فدرَست القبالة وحصلت على إجازتها في سنة ١٨٠٠م، واستقرَّت في فرساي، ولكنها بعد أن قُتلت وحيدتها في حادث عادت إلى باريس حيث عملت إحدى عشرة سنة تحت رئاسة مدام لاشابيل، ونشبت بينهما قطيعة بسبب ضرب تافه من الغَيرة، وليس — كما زعم البعض — بسبب نشر أول كتاب لها عن القبالة؛ فذلك لم يظهر إلا بعد تلك القطيعة. ورفضت مدام بوافان عِدَّة عروض مُغْرية، وقبِلَت وظيفة بأجرٍ أشبه بأجور الخدم في مستشفًى للمُومِسات. ولما تقاعدت بعد خمس وثلاثين سنة من الخدمة كان معاشها من الضآلة بحيث ماتت بعد سنة واحدة من الشلل والفاقة.
وفي سنة ١٨٢٧م منحتها جامعة ماربورج بألمانيا شهادة الدكتوراه الفخرية في الطب. وهذا شرفٌ قلما أُضفيَ على النساء.
آل زيبولد: الأم والابنة
رجينا فون زيبولد، زوجة طبيب في بلاط دارمشتات بألمانيا، وابنتها شارلوت فون زيبولد (١٧٦١–١٨٥٩م)، كلتاهما حصلتا على لقب «دكتور في التوليد» من جامعة جيسن. وكانت الأم قد حصلت في وقتٍ سابق على دبلوم القبالة من مدرسة للقابلات في فيرزبورج، أما الدكتوراه من جيسن فكانت فخرية (١٨١٥م). أما شارلوت التي كانت قد درست في جوتنجن في ١٨١١ و١٨١٢م، فتزوَّجت من جيسن سنة ١٨١٧م وعملت هناك.
وفي سنة تَخرُّج شارلوت فون زيبولد ماتت الأميرة شارلوت الإنجليزية وطفلها معًا أثناء الوضع، وبعد سنتَين دُعيَت شارلوت فون زيبولد إلى إنجلترا لتوليد دوقة كنت التي ستغدو الملكة فيكتوريا، ولو أنها تُركت لرعاية قابلة كالتي تولَّت الأميرة شارلوت لما كُتِب لفيكتوريا أن تتولى العرش.
إن «مستوى القبالة المُنحط اليوم»، الذي وصفه روب سنة ١٨٩١، هو المسئول — إلى حدٍّ كبير — عن اختفاء القابلات عمليًّا منذ أوائل القرن ٢٠ في البلاد المتقدمة. ولكن في السبعينيات، وبسبب العجز في عدد أطباء التوليد المُحترفين، بدأ الناس يُشجعون التدريب على القبالة، وبدأت القابلات يظهرن باعتبارهن عناصر شِبه طبية عالية التدريب.