حديقة
إني في غاية السرور لإعجابك بحديقتي؛ فإن كثيرين يرون أنها خالية لا تحوي شيئًا، وكل أزهارها بيضاء اللون كما ترين، وهم يقولون لي إن الحديقة تحتاج إلى الألوان الزاهية كي تجعل لها منظرًا، ولكنهم لا يعلمون لماذا أفضِّل الأزهار البيضاء.
ولكنك أظهرت كرمًا؛ فزرت امرأة عليلة تسكن في غرفة مظلمة عدة مرات، مع أن الشمس مشرقة في خارجها؛ ولذلك سأخبرك بما لم أخبره لأحد قط، وهو: لماذا كل حديقتي بيضاء اللون؟
إنها منظمة على نسق حديقة رأيتها منذ مدة في حلم، ولم يكن هذا بعد مدة طويلة من تاريخ خطبتي إلى كرستوفر، نعم كنت مخطوبة في يوم من الأيام. لقد كان شعري جميلًا إذ ذاك، مثل شعرك، وخداي موردين مثل خديك!
حقًّا كنت يا عزيزتي — ويمكنني أن أقول ذلك بغير غرور ولا خيلاء كاذب — فتاة أجملَ منك. لقد كان كرستوفر يقول دائمًا إني أجمل فتاة رآها! وقد كان يعرف كثيرات.
لا يمكنني أن أظن أنه كان لفتاة حبيب أحسن من ذاك، في مثل هذا اللطف وهذا الذكاء وهذا الحرص. إني عندما أقارنه إلى هؤلاء الشبان الذين أسمع عنهم الآن، وهم في عجلتهم الدائمة حتى عند مطارحة الغرام، لا أملك إلا أن أشفق على الفتيات اللاتي سيعشن معهم.
لم يكن هناك غير أمر واحد، كنا دائمًا على خلاف بشأنه، من يوم أن تعرفت به، وذلك كان شجاعته الجنونية أو جسارته الحمقاء، كما أسميها، فبعد أن اشترى سيارة لم أعرف دقيقة راحة واحدة، وقد صمَّم على أن يقودها بنفسه، ولم يكن يقنعه إلا سرعة فائقة عن الحد المقرر، وكان يصطحبني معه في بعض الأحيان، وإذ ذاك كانت روحي تكاد تزهق، وكنت أتوسل إليه والدموع في عيني ألا يخاطر بحياته، فكان يقول: «المخاطرة، إن الحياة لا تساوي شيئًا بدون مخاطرة، إني أفضل حياة قصيرة بشرط أن تكون سعيدة.»
ثم يستمر في سيره وهو يصفر، وإني لأذكر أنه نطق بنفس هذه الكلمات مرة أخرى ليلة أن حلمت حلمي الخاص بالحديقة.
لقد نمت مبكرة وأنا أفكر في كرستوفر، وقبلة المساء التي طبعها على فمي وهو يودعني، وأنا لا أذكر ما حدث عقب نومي، ولكن فجأة رأيت حديقة؛ لقد كانت أجمل مكان رأيته في حياتي، وخيِّل إليَّ أني واقفة فوق تلٍّ، وتحتي الحديقة كأنها زهرة في ضوء القمر، وكانت كلها بيضاء. وكان شكلها وأنا في موقفي كشكل حقل من زهر الزنبق، ولما كساها القمر بضوئه ظهرت كأنها قد اكتست بحلة فضية، ثم بدأت أنزل من فوق التل لا لسبب إلا لأني شعرت أنه يجب أن أدخل هذه الحديقة، ولكن يظهر أن الطريق كان طويلًا، وكان الممر في أسفل التل ضيقًا وكثير التعاريج، وكان يظهر دائمًا أن هناك شخصًا يسير أمامي في الطريق، ولم يمكنِّي أن أراه؛ لأن المنحنيات التي كانت في الطريق كانت تُخفيه، ولكني كنت أسمع وقع أقدامه، وقد وصل إلى الحديقة قبلي؛ فإني لم أكد أصل إلى آخر الطريق حيث ظهر ممتدًّا أمام ناظري وهو ناصع البياض في ضوء القمر، حتى سمعت الباب يغلق وراء شخص، وتلاشى صوت قدم بين الزهور، حتى إذا وصلت أنا إلى المدخل لم يظهر أثر لأيٍّ كان، وعرتني رعشة فجائية، وشعرت بالخوف من هذه الحديقة المنبسطة البيضاء في ضوء القمر.
وقد كانت حديقة الموت، وكانت زهرات الزنبق التي فيها هي القبور …
وكان الباب محكم الغلق؛ فلم أتمكن من الدخول، واستيقظت في الصباح التالي على صوت طرق على باب غرفتي وصوت يقول: «أسرعي! … مستر كرس … مستر كرست …»
وتلاشى الصوت بسكون …
ولكني علمت إذ ذاك من هو الذي سبقني في الدخول إلى الحديقة؟!
ولهذا كل حديقتي بيضاء.