هدية الزواج
«روز هريك» فتاة حسناء كانت في اليوم السابق ليوم زواجها تحدث صديقتها «جريس»، ونحن نفهم من الحديث أنه يدور حول زواج روز، وروز تقول لصديقتها: إنه شاب لطيف، ومن حقي أن أفخر به، ولكنك أنت الوحيدة — يا جريس — التي تعلم شقائي.
فردت جريس قائلة: إني أرى أن تعدلي عن هذا الزواج، مع أني على ثقة تامة أنه يحزن جدًّا إذا علم أنك لا تحبينه.
– ولكن كيف أعدل الآن بعد أن تصادقنا ستة أشهر؛ أي منذ يوم خطوبتنا، ويومذاك كنت أظن أني سأكون سعيدة جدًّا معه مع أنه أكبر مني سنًّا، ولكن لم يكن يدور بخلدي أني سأقابل آرثر تنسون وأقع في شراك غرامه، ومما يزيد في ألمي وحزني أن جون — خطيبي — هو الذي قدمني إلى آرثر وعرَّفني به كأحد أصدقائه، فهل يمكنني أن أعدل الآن عن الزواج بعد كل هذا؟ إن ضميري لا يطاوعني، فلا ريب أن جون يموت كمدًا لو حصل هذا.
فقاطعتها جريس: أنا لا أهتم لما يحدث له هو، ولكن يهمني أنت؛ فهي سعادتك، بل هي حياتك.
فقالت روز: وهي سعادته وحياته هو أيضًا؛ فقد جدَّ واشتغل سنوات عديدة حتى حصل على ثروة لا بأس بها، ومع ذلك فقد أخبرني أني أنا … غاية آماله، هو طيب القلب يا جريس، وسأجتهد دائمًا أن أجعله سعيدًا.
وتساءلت جريس: وما أخبار آرثر؟
فأجابتها روز: إن آرثر صغير السن وسينسى، بل إني أجسر أن أقول إني سأنسى أنا أيضًا، بل لقد كنت أودُّ لو لم أعرفه. إني عندما رأيته للمرة الأولى عرفت أني أخطأت صنعًا، بل وأني تصرفت تصرفًا معيبًا، ولكني كنت مضطرة أن أتابع السير في هذا الطريق؛ فقلبي هو الذي كان يدفعني، بل إني استيقظت في الصباح التالي لليوم الذي عرفت فيه آرثر، فعجبت لِمَ كنت سعيدة! ولمَّا ساءلت نفسي عرفت أن الجواب لأن آرثر كان موجودًا في هذا العالم. ولكن سحابة كثيفة كانت تحجب عني هذه السعادة، وهي جون، جون خطيبي الذي يجب أن أتزوَّجه.
بكت روز بعد أن أتمت عبارتها الأخيرة؛ فأخذت جريس تهدئ روعها.
وفي منزل آخر من المدينة كان آرثر تنسون يحدث صديقه جون — خطيب روز — عن معدات حفلة الزواج. قال جون لآرثر في معرض الحديث: تراني يا آرثر لا أصدق للآن أن روز تحبني حقيقة، فلو كنت أنت مثلًا.
فقاطعه صديقه آرثر: أنا؟ ما هذا الهذر والسخف يا جون؟ إنك الرجل الذي يمكنه أن يقوم بواجبات الزوج حقيقة، والمرأة تعرف هذا الرجل بالفطرة.
فقال جون: كم أتمنى أن أعتقد حقيقة ما تقول؛ فإني أحبها، وأنا مستعد أن أهب حياتي إذا كانت هذه التضحية تجعلها أسعد مما هي.
لم يستطع تنسون — حبيب روز وصديق خطيبها — أن يضبط عواطفه إلا بمنتهى الصعوبة؛ فتمتم قائلًا بصوت ضعيف: إنها خلقت لتصير زوجًا لك، وأنت تستحقُّ كل السعادة المقبلة يا جون.
ثم استأذن من صديقه وخرج بعد أن وعد أن يزوره في صباح اليوم التالي، يوم الزواج …
لم ينمْ تنسون تلك الليلة، وأخذ يفكر وهو في فراشه في المأساة التي سيشهدها في الغد، وذكر الماضي أيضًا، وشعر بنداء الحب، ولكن لم يخطر له أبدًا أن يخون صديقه، ورأى أن يرضخ لحكم الأقدار، ذكر اليوم الذي عرفها فيه، وذكر كيف أنه حاول أن ينزع ذكراها من قلبه فابتعد عنها مدة، ثم ما لبث أن وجد نفسه مساقًا إليها مرة أخرى، ثم تمثَّل لناظره شخص جون، صديقه المخلص، وعرف أن سعادة ذلك الصديق في يده.
فخجل من نفسه، وأخيرًا تساءل وهو يتقلَّب في فراشه: هل يستطيع أن يشهد حفلة الغد بدون أن تخونه عواطفه؟ ولكنه ناشد نفسه: يجب أن أكون رجلًا.
وفي الصباح خرج إلى منزل صديقه، ولم يكن على وجهه الجميل ما يدل على ما كان يعانيه من الآلام، ولما وصل وجد صديقه جون في انتظاره وعلى وجهه أمارات البشر والانشراح، ولكنه لاحظ أنه يُخفي شيئًا في طيَّات نفسه.
قال جون: لقد أصابني التعب؛ فأنا منذ ساعة متأخرة أحرر الخطابات وأرسل في طلب أشخاص حتى أديت أكثر المهام، ولكن لا يزال أمامي واجب واحد وسأكلِّفك أنت بأدائه، سأفاجئ روز مفاجأة حسنة، فأنا أريد أن أقدم لها هدية الزواج.
فقال آرثر: إذن فأسرع بالذهاب إليها.
فقال جون: «لا، فأنا أريد أن توصلها أنت إليها حتى نفاجئها كما أخبرتك.»
«أسرع إليها قبل أن تبدأ في لبس ملابسها فلا يمكنك أن تراها، أما أنا فلا أريد أن أراها إلا في الكنيسة، أسرع يا آرثر إرضاءً لي.»
تردد آرثر في الذهاب، فهل يمكن أن يقابل من يحبها مع العلم أنها ستكون زوج رجل آخر بعد ساعات؟
وما زال جون يلحُّ عليه حتى رضي أخيرًا إرضاءً لصديقه وإخفاءً لضعفه: أخرج جون من جيبه خطابًا مغلفًا وسلمه لآرثر قائلًا: أؤكد لك أن روز ستريك هديتي بعد أن تراها هي.
عزيزتي
أنا أعلم أنك تحبين آرثر، وأعلم أنه يبادلك الحب، فلتتزوجا إذن ولتعيشا سعيدين. أما أنا فسأرحل بعيدًا قبل أن يرجع من عندك. إن الأمر يبدو غريبًا، ولكنه لا يهم طالما أن آرثر هو الذي سيحل محلي في مركز الزوج.
جمد آرثر في مكانه وجالت الدموع في مآقيه، وأخيرًا تقدمت روز إليه ففتح لها ذراعيه: آرثر! آرثر! حبيبي.
قال آرثر: لم أَرَ بعدُ صديقًا أخلص لصديق مثل ما أخلص جون لي؛ فرددت روز: إن الله قادر أن يكافئه، ويبارك في تضحيته هذه.