الرمي
يوجد المزيدُ من المهامِّ على القارب اليوم. انتهيتُ من صناعة صندوق الماء الآسِن الذي أسمَيناه «بادي»، ذلك المذهل المصنوع من الألياف الزجاجية، وقمتُ بتغطيته بطبقةٍ من الصمغ لسدِّ أي مواضعِ تسريب ولو بسيطة.
قال الخال دوك: «لقد قمتِ بعملٍ رائع في صنع صندوق الماء الآسن، نعم.» كنتُ أتمنى أن يوضِّح ذلك للآخرين، لكنه بدلًا من ذلك قال: «أعتقد أن من الأفضل لنا أن نتحرَّك. يوجد هنا توجهٌ مزعج فيما يتعلق بالقوارب.»
سألت: «كيف؟».
«أشياءُ من قبيل: قاربي أفضلُ من قاربك، وقاربي أكبر من قاربك، وكل هذا الهراء. مقارناتٌ سخيفة بين القوارب.»
أعتقد أنه حسَّاس بعضَ الشيء إزاء حالة قاربنا «ذا وندرر». فلم ألحَظْ مدى غرابة شكل قاربنا حقًّا إلا عندما رأيتُ القوارب الأنيقة الموجودة هنا في الميناء. إنها تتلألأ! والأشخاص الذين يرتدون ملابسَ متشابهةً أنيقة على المرسى يقومون بتلميع كل شيء مرئي. ولا ترى أيَّ شيء ليس في مكانه.
أما قاربنا فكان ملطخًا بآثار المادة المستخدَمة في لحام الشقوق، بما في ذلك آثارُ أقدام بيضاء على امتداد سطح القارب، ممتدَّة من موضعٍ دخل منه أحدُهم، وملابسنا معلَّقة على أملِ أن تجف، والأواني والمقالي مكدَّسة بعضها فوق بعض على القارب؛ لأنني وكودي وضعناها بالأعلى لتنظيفها، ونرتدي سراويلنا القصيرة وقمصاننا القطنية وأوشحة الرأس الرثَّة المعتادة.
صاح دوك مزمجِرًا: «حان وقتُ الرحيل.»
قال كودي: «إذَن، أهوي. أفلِت المرساة!»
كان الخال مو يتجوَّل عبر سطح القارب. قال: «توقَّف عن ذلك يا كودي.»
قال كودي: «اقطع المرساة.»
قال مو: «اذهب وساعدْ براين في الخرائط. افعل شيئًا مفيدًا.»
فقفز كودي في الماء. «على الجميع الاستعداد.»
من الصعب ألا أضحكَ على كودي، لكني أتساءل أحيانًا عمَّا إذا كان برأسه عقلٌ أو إذا كان يُفكر في أي أمور جادَّة، وبدأتُ أرى كيف أنه قد يكون من المزعج أن أظلَّ معه ثلاثةَ أسابيع كاملة على هذه الجزيرة الصغيرة؛ أي القارب.
حاول براين اليوم أن يُعلمنا مُناورات الإبحار. كان مُعظمنا يعرف كلَّ ذلك بالفعل، ولكن حتى إذا لم نكن نعرفه بالفعل، فمن المؤكَّد أننا لم نكن لنتعلمَه من براين. وبدأ في شرحٍ معقَّد للعلاقة بين الرياح من جهة والشراع واتجاه القارب من جهة.
قال براين مُحاضرًا إيَّانا: «إذَن، عندما يكون الإبحار عكس اتجاه الرياح، فهذا يُسمى «الهجوم» …»
قال كودي: «ماذا؟ هجوم؟ أتقصد هكذا؟» وضرَبه كودي في صدره.
تجاهَله براين. «وعندما يكون اتجاهُ الرياح مقابلَ منتصف جانب القارب، فهذا يُسمى «الوصول» …»
«الوصول؟ مثل هذا؟» ومدَّ كودي يده نحو السور كأنَّما يحاول الوصولَ إلى شيء.
«توقَّفْ عن ذلك يا كودي. وعندما تأتي الرياح من الكوثل …»
سأل كودي: «ما معنى الكوثل؟».
صاح براين: «ألا تعرف ذلك حتى؟ الكوثل هو الجزء الخلفي من السفينة؛ مؤخرة السفينة.» ثم قال محذرًا: «إذا كنتَ لا تنوي أخْذَ هذا على محمل الجِد …»
«لا أفهم لماذا يتعيَّن علينا معرفةُ كل هذه المصطلحات. أقصد، ماذا سيحدث لو كنا لا نعرف كلماتٍ مثل الهجوم والوصول؟ علينا فقط تعلُّمُ كيفية القيام بهذه الأشياء، أليس كذلك؟ وليس المصطلحات التي نُطلقها عليها.»
قال براين: «وهل تعرف حقًّا كيفية القيام بأيٍّ من هذه؟ هل تعرف من أين تأتي الرياح وماذا تفعل بالأشرعة إذا كانت الرياحُ قادمةً مثلًا من الخلف؟»
قال كودي: «ولماذا عليَّ أن أعرف ذلك؟ يبدو أن الجميع يعرفون، والجميع يُلقي دائمًا بالأوامر؛ لذلك أفعل ما يُمليه عليَّ الآخَرون. يمكنني شدُّ الحبال ببراعةٍ مثل أيِّ شخص آخر.»
قال براين: «هاه.»
•••
لاحقًا، تلقَّينا أولَ دروسِ الرمي من كودي. أعتقد أنه كان مُعلمًا جيدًا حقًّا؛ لأنه بدأ بالأمور البسيطة بإلقاء شيء واحد فقط في الهواء. كنا نتدرَّب باستخدام أكياس الكعك المملَّح.
قال براين: «يا للحماقة!».
كان الخال مو في نوبة الحراسة، لكنه استدار وتمتمَ قائلًا: «رمي. يا إلهي.»
ثم جعلنا كودي نُلقي كيسَين من أكياس الكعك المملح في الهواء، واحد مِن كل يد. كان ذلك سهلًا أيضًا. ولكن عندما قمنا بإضافةِ الكيس الثالث من الكعك المملح، تعثَّرنا جميعًا ولم نستطِع التعامل مع الأمر بإتقان. وتساقطَت أكياسُ الكعك المملح على جانب القارب محدِثةً صوتًا عاليًا.
قال كودي: «السرُّ في حركة اليدَين. فقط حرِّكوها بتوازنٍ إيقاعي.»
قال براين: «هذا شيءٌ غبي حقًّا.»
قال كودي: «قد يُساعدك ذلك على تنسيق الحركة بين يدَيك.»
«وما المشكلة في التناسق بين يدَي؟»
وصار الأمر مُزعِجًا بعد ذلك؛ لذلك أوقَفْنا درس الرمي.
•••
يُراجع براين والخال دوك الخرائطَ ويُحاولان معرفة توقُّعات الطقس من الراديو. سنُغادر غدًا إلى نوفا سكوشا، وهو ما يعني رحلةً في المحيط بدون توقُّف، سوف تستغرق ثلاثةَ أيام أو أربعة، دون يابسةٍ على امتداد البصر. «دون يابسة»! لا أستطيع تخيُّلَ ذلك؛ لا أستطيع أن أتصور إحساسَ عدم رؤية أي شيء إلا المحيط؛ المحيط من كل اتجاه.
قال الخال دوك: «ستكون هذه أولَ رحلة تجريبية كبيرة لنا، نعم.»
نقَر الخال ستيو بأصابعه على الطاولة. «توقُّعات الطقس لا تبدو جيدة.»
قال الخال مو: «أوه، وما الضرر في ذلك؟».