العادات
قالت لي زوجة فرانك بالأمس: «أنتِ فتاةٌ شجاعة لأنكِ تركبين البحر!» و«أنتِ فتاةٌ شجاعة لأنك وسط كلِّ هؤلاء الرجال!» وسألتني عمَّا إذا كانوا يسمحون لي بالقيام بأيٍّ من مهام الإبحار.
قلت: «إنه صراع. فهم في الحقيقة لا يريدون …»
«اعتقدت أنكِ تقومين فقط بمهام الطهي والتنظيف.»
قلت: «مطلقًا! هذه مهمة كودي!».
في الحقيقة إنها ليست مهمةَ كودي. فمن المفترض أننا نتناوب القيام بها، إلا أن براين عادةً ما يتهرب منها، وكودي يُحب القيام بها أكثرَ من الآخرين. وعندما قام فرانك وزوجته بزيارتنا في قاربنا ورأيا كودي يُنظف الأطباق ويمسح الأرضية، قال له فرانك: «ستكونين زوجةً عظيمة»، وأخذ يُنادي كودي «السيد ماما.»
لم يُبدِ كودي انزعاجًا من هذا. بل إنه حوَّله إلى مزحة. فقال: «السيد ماما في خدمتك!» وهو يُحضِر لهم بعض الجبن والمقرمشات، و«انتبِه، السيد ماما يريد أن يمسح الأرضية تحت قدمَيك!»
أتمنَّى لو كنت أمتلك حسَّ كودي الفكاهيَّ التلقائي في أوقات كهذه. فأنا أنزعج جدًّا عندما يُظهر أحدٌ الدهشة من كوني أستطيع استخدام أداة كهربية أو الصعود أعلى صارية أو استخدامَ الألياف الزجاجية، أو عندما يتوقَّع أحدٌ أنني مَن يقوم بمهمة الطهي. عادةً ما يكون ردي فظًّا ومتعاليًا، لكن عليَّ أن أكون مثل كودي. إذا حولت الأمر إلى مزحة واكتفيتُ بالضحك، فسينتهي الموقف.
أمس، بعد أن ذهبنا لجمع المحار، التفتَ لي فرانك وقال: «لديك أعمالٌ كثيرة مع المقلاة!»
قلت: «لا، لن أقوم بذلك! لست الشخص الوحيد هنا الذي يُمكنه الطهي.»
قال: «حسنًا.»
أظن أنني جرحتُ مشاعره بهذا الرد الحاد، وانتابني شعورٌ سيئ لأنه كان لطيفًا معنا للغاية. عليَّ أن أتعلم أن أُغلق فمي في بعض الأحيان.
سوف أتحدث الآن عن جمع المحار. وأتمنى ألا أكون مملَّة، لكني أريد أن أكتب عن هذه التجرِبة، وأن أتذكر كلَّ تفاصيلها. فمن الممكن أن تنسى أشياء، وربما تنسى تفاصيلَ كثيرة من حياتك، ثم إذا أراد أحدُ الأشخاص معرفةَ ما كنت تُفكر فيه أو تشعر به، فقد لا تتذكر، أو قد تكون مريضًا، أو رحلتَ عن الحياة ولا تستطيع أن تُجيب، ولن يعرف الآخرون هذه التفاصيلَ أبدًا. سيصير الأمر كما لو كانت براغيثُ البحر الصغيرة تلك قد التهمَت كل تفاصيل حياتك.
سألتُ أمي يومًا كيف يتذكَّر بومبي كلَّ حكاياته تلك، فأجابت: «إنها مثلُ صورةٍ مطبوعة في رأسه.»
قلت: «ولكن ماذا لو مُحيت هذه الصورة؟».
أجابت: «وكيف لذلك أن يحدث؟».
•••
عند انحسار المد، ذهبنا جميعًا لجمع المحار بصحبة والد فرانك الذي يبلغ من العمر ٧٩ عامًا. كنا نبحث عن فقاعات الهواء في الرمال ثم نبدأ الحفر، ولكن كان يوجد كثير من الأعشاب البحرية تغطِّي الحُفرَ وكثير من الماء، فلم نتمكَّن من رؤيةِ ما بداخل الحُفرة بمجرد البدء في الحَفْر. هذا بالإضافة إلى أن الأرض تتكوَّن في الغالب من صخور، والمحار يعيش في العمق، وهو ما جعل عمليةَ الحفر أمرًا عسيرًا.
إنه لَأمرٌ عجيبٌ أن ترى هذه الفقاعات الهوائية وتُدرك أن كائنًا ينبض بالحياة يعيش بالأسفل، تحت الرمال. انتابني شعورٌ غريب، كما لو كنتُ أنقِّب عن شخص وليس عن محار.
رأى براين والخالُ ستيو بعد انقضاء الدقائق العشرين الأولى أن التنقيبَ عن المحار ليس شيئًا ممتعًا. وعبَّرا عن استيائهما من اتِّساخ سراويلهما الجينز بالطين وعدم حبهما للانحناء. قال الخال ستيو: «أكلُّ هذا الحُفر من أجل الحصول على محارٍ واحد تافه؟».
كان والد فرانك يُثرثر أثناء العمل. «لقد وُلدت على هذه الجزيرة، تمامًا مثل والديَّ، وعشتُ هنا طيلة حياتي، مع اثني عشر أخًا وأختًا، وأطفالنا جميعًا. أقوم بجمع المحار كلَّ يوم تقريبًا، وأحب أن أتسكع بلا هدف في الحديقة أيضًا، وأصطاد الغزلان عندما تسنح الفرصة. الحياة جميلة. جميلة حقًّا.»
واستطعتُ أن أدرك كيف يمكن أن تكون الحياة جميلة، وكيف يمكنك العيشُ وسط أسرتك الكبيرة، ويعرف الجميع بعضُهم بعضًا ويعتني بعضُهم ببعض.
•••
أشعر كما لو كنتُ لا أستطيع أن أشبع من الحياة على جراند مانان، وفي وسط كلِّ الأشياء التي عرَفتُها عن هذه الجزيرة، عرَفتُ أشياءَ عن أخوالي أيضًا. من المدهش ما يمكنك معرفتُه بينما تقوم بجمع المحار أو تشد مصائدَ سرطان البحر.
اكتشفتُ أنه لطالما أراد مو ودوك وستيو الإبحارَ في المحيط مذ كانوا أطفالًا. فلطالما تحدَّثوا عن ركوب البحر وخطَّطوا له وحلموا به.
سألتُ: «هل كنتم تعتقدون أنكم ستُحققون حلمكم بركوب البحر؟».
أجاب الخال مو: «لا.»
قال الخال ستيو: «عمَّ تتحدث؟». وأردف: «بالطبع كنتَ تعتقد أننا سنفعلها. كنا جميعًا مؤمنين بأننا سنفعلها.»
قال مو: «لم أكن مؤمنًا بذلك.»
«لكنك قلتَ — بل ظللتَ تقول — إنك جعَلتَنا نُفكر في أسماءَ للقارب، وظللتَ تُرينا الأطلس، و…»
قال مو: «كانت مجرد لعبة. أليس كذلك؟»
تمتم ستيو: «لعبة؟ لعبة؟».
قال الخال دوك بهدوء: «كنت واثقًا أننا سنفعلها. بل كنتُ «أعلم» أننا سنفعلها.»
سألتُهم إن كانت أمي قد شارَكَتهم تلك الخططَ عندما كانوا صغارًا. «هل أرادت ركوبَ البحر هي الأخرى؟»
قال الخال ستيو: «مَن؟ كلير؟ أتتحدَّثين عن كلير؟».
قال دوك: «بالتأكيد تتحدث عن كلير. إنها تريد أن تعرف كيف كانت كلير في صِغَرها.»
قال ستيو: «حسنًا. لا، لم تكن كلير تريد مشاركتَنا أيَّ شيء. كانت ترانا وَقِحين ومنفِّرين.»
قال دوك: «تحدَّثْ عن نفسك. لقد كانت العلاقةُ بيني وبين كلير جيدةً طَوال الوقت.»
•••
اكتشفت أيضًا أن اسم مو هو اختصارٌ لاسم موسى، لكنه تعرَّض للتنمُّر والنقد كثيرًا بسبب اسمه، عندما كان صغيرًا (قال: «فكِّر في الأمر. هل تُحب أن يكون اسمك موسى؟») لذلك قام باختصاره إلى مو، الذي أعطى انطباعًا ﺑ «الفحولة»، ولازمَه هذا الاسمُ منذ ذلك اليوم.
واسمُ الخال دوك الحقيقي هو يونس!
سألته: «وكيف تغيَّر اسمك من يونس إلى دوك؟».
قال: «لقد أحببتُ القوارب مذ كنتُ طفلًا، ولكن في يومٍ قال لي بحَّارٌ طاعنٌ في السن: إن اسم يونس ليس اسمًا مناسبًا لبحَّار؛ لأن يونس في الكتاب المقدَّس قد جلَب الحظَّ العاثر على صُحبته في البحر. تعرفين هذه القصة، أليس كذلك؟ وكيف أن يونس قد أغضب الرب، فأرسل الربُّ ريحًا عاتية …»
أضاف براين: «وحينها التقَم الحوتُ يونس.»
مالَ براين عليَّ وقال: «ولكن لا يزال اسمه الحقيقي يونس، فهل تعتقدين أنه سيجلب لنا سوءَ الحظ؟»
قلت له: «براين، يُمكنك في بعض الأحيان أن تحتفظ بأفكارك لنفسك.»
حينئذٍ بدأ ينتابني القلق من أن يُغضب أحدٌ منا الربَّ فيُرسل علينا ريحًا عاصفة، وبدا ذلك حقًّا أمرًا مقلقًا لي بشكلٍ مُبالَغ فيه؛ لذا استعضتُ عن ذلك بالتفكير في الأسماء. تساءلتُ عمَّا إذا كان لكلِّ شخص من اسمه نصيب حقًّا، وكيف أن الأسماء المختلفة توحي بأشياء مختلفة، مثل كيف أن براين يليق باسمه، وكودي يليق باسمه، وأنا أليقُ باسمي، صوفي، وما معنى صوفي بالتحديد على أيِّ حال؟
ثم بدأتُ أفكر في بومبي، وعلى الرغم من أنني أعلم أن اسم بومبي ما هو إلا اسمٌ مستعار، فقد أدركتُ أنني لا أعرف اسمَه الحقيقي. سوف أذهب لسؤال أحدهم الآن.