الطفل الصغير
تهوى صوفي الاستكشاف؛ لذا كنا نجوب المكانَ من حولنا، حتى إننا تخلَّصنا من براين مدةً كافية حتى يتسنَّى لنا ركوبُ الزورق إلى وود آيلاند. عندما كنا في أحد المنازل المهجورة، أرادت صوفي أن تلتقط كلَّ شيء تراه ولو كان صغيرًا، كما لو كانت كلُّ قطعة صغيرة من القُمامة كنزًا أو مِفتاحًا لحلِّ لغزٍ ما. «مَن تظنُّه امتلك هذا؟ وما سببُ رحيلهم في اعتقادك؟»
ثم غرزَت أصابعها في الجدران وقالت: «بإمكاني العيشُ هنا. إذا اضطُررت إلى ذلك.»
لاحقًا، بينما كنا نستكشفُ وسط الجزيرة، شعرتُ كأنَّ الأشباح تحوم حولنا. كان شبح السيدة التي تحمل طفلها يتتبَّعُنا عبر الغابات، وظللتُ أسأل صوفي إن كانت تراهم، لكنها نفَت ذلك.
قالت: «أنا لا أومن بالأشباح. أعتقد أن كلَّ هذا في ذهنك.»
مضَينا عبر المسار المليء بالطحالب. استجمعتُ شجاعتي. وقلتُ لصوفي: «هل لي أن أسألك عن شيءٍ يتعلق بوالدَيكِ؟»
أجابت: «بكل تأكيد.»
«ماذا حدث لهما؟»
لم تتوقَّف، ولم تتردَّد، ولم ترتبك حتى. بدا الأمر كأنها قد تدرَّبَت على الإجابة نفسِها مع العم دوك. قالت: «لم يحدث لهما أيُّ شيء. لقد عادا إلى كنتاكي …»
قلت: «لا أقصد هذَين الأبوَين. أقصد أبوَيك الآخرَين …»
قالت: «لقد عاد والدايَ إلى كنتاكي. أتريد أن نتسابقَ حتى تلك الصخرة بالأعلى؟» وانطلقَت راكضة.
ماذا حلَّ بها؟
عندما وصلنا إلى الجانب الآخر من الصخرة، بدأَت في الحديث عن ذلك الطفل الصغير الذي تعرفه. قالت إن هذا الطفل الصغير قد عاش في أماكنَ كثيرة.
سألت: «كم عددُها؟».
«كثيرة إلى أقصى حد. بعضُ هذه الأماكن لم يكن جيدًا.»
«وأين والدا الطفل الصغير؟»
«في مكانٍ آخر. لذا كان على الطفل الصغير العيشُ مع أشخاصٍ آخَرين. في الواقع لم يكن هؤلاء الأشخاصُ يريدون هذا الطفلَ الصغير. فقد كان الطفل الصغير دائمًا عقَبةً في طريقهم. أتريد أن نتسابق حتى الطريق الذي هناك؟ حتى تلك الشجرة الصغيرة؟»
•••
عندما عُدنا، كان أبي مستغرِقًا في نوبة من الغضب العارم، وأخذ يصف كيف أننا لسنا مسئولين، وأنه كان من الممكن أن تسحبَنا المياه في المحيط وكل هذا الهُراء. من المستحيل ألا يوبِّخني ويصرخ في وجهي. بدأتُ أشعر بالغضب فعليًّا، إلا أن صوفي جذبَتْني من ذراعي، وهمسَت لي قائلةً: «على الأقل كان قلقًا عليك.»
قلت: «إن لديه طريقةً غريبة لإظهار هذا القلق. كل هذا الصُّراخ وما شابه.»
وأمطرَني براين بوابل من الأسئلة. أراد أن يعرف أين كنَّا، وكيف ذهبنا إلى هناك، وماذا رأينا هناك، ولماذا لم نُخبره أننا ذاهبان، وهل كنا نشعر بالخوف هناك، وماذا لو كنَّا ضللنا الطريق، ونحو ألفِ سؤالٍ آخر على هذه الشاكلة.
شعَرتُ بالاستياء لأننا لم نَدْعُه ليأتيَ معنا، لكنه بعد ذلك قال إنه سيضعُ قوائمَ بما يفعله كلُّ واحد منَّا يوميًّا؛ حتى يتسنَّى لأحدنا أن يعرف مكانَ الآخرين.
سألتُه: «ولماذا سنريد أن نعرف ذلك؟».
قال: «لماذا! لأننا يجب أن نعرف أين الآخَرون، ألا تعتقد ذلك؟ حالَ ضلَّ أحدٌ الطريق أو أصابه مكروه أو شيء من هذا القبيل. إذا لم يَعُد، فسيعرف أحدٌ أنه مفقود، وسيعرف المكانَ المُفترَض وجودُه فيه …»
قلت: «أنت شخصٌ قَلِق.»
قالت صوفي: «لكنه مُحقٌّ.» والتفتَت إلى براين. «إنها فكرة جيدة يا براين.»
احمرَّ وجهُ براين بشدة، وسار في تهدُّج وقد بدا مسرورًا بنفسه كثيرًا.
قلت: «يا إلهي. أتعتقدين أن هذا الأحمقَ لديه أفكارٌ جيدة يا صوفي؟»
«إذا كان يريد أن يعرف مكانَ الجميع، فهو إذن مهتمٌّ بما يحدث لنا. نحن مهمُّون لديه.» ثم استدارت وتوجَّهَت إلى السور وحدَّقَت في الماء، وانتابني شعورٌ بالحزن لم أشعر به في حياتي قط.