بومبي والقس
بدأتُ أفقد عقلي. ما زلنا هنا، ما زلنا في جراند مانان، وعليها الآن إصلاحُ أشياءَ أخرى في القارب. هل هذا القارب صالحٌ للإبحار أم لا؟
صادفتُ أمس العمَّ دوك وصديقه فرانك يجلسان معًا على الشاطئ ويتحدَّثان. وبمجرد أن رأياني قال العمُّ دوك لفرانك: «الزَم الصمت. هذا يكفي.» وقام بالتلويح بيده في الهواء كما لو كان يهشُّ الذباب. قال لي: «ما الأمر يا كودي؟» أيًّا كان ما يتحدثان عنه، فهما لم يُريداني أن أسمعَه.
ثَمة شيءٌ آخرُ غريب؛ عندما عُدت إلى القارب الليلة ونزلتُ إلى أسفل، وجدتُ أبي راقدًا على سريره وهو يبكي. لقد كان أبي يبكي! كانت الدموع تنهمرُ على وجنتَيه.
سألتُه: «هل حدث شيءٌ ما؟».
لم يعبأ حتى بتجفيفِ وجهه. لم يقُل سوى: «لا. لم يحدث شيء. كلُّ شيء كالمعتاد.» هذا كلُّ ما قاله.
لم أرَ أبي يبكي مطلقًا طيلة حياتي. وفي مرة عندما كنتُ في الثامنة تقريبًا، عدتُ إلى البيت باكيًا لأني سقطتُ من على درَّاجتي، فقال لي أبي: «كُفَّ عن البكاء! لا يجب أن تبكيَ بسبب ذلك!» وعندما لم أتوقف عن البكاء، جُنَّ جنونه. صرخ في وجهي: «قلتُ لك توقَّف! توقف! توقف!» وخلع حزامه ولوَّح به في وجهي. «أتريد شيئًا لِتَبكي بسببه؟ سوف أعطيك سببًا …»
تسلَّلَت أمي من الباب الخلفي على أطراف أصابعها، وعندما لمحَت الحزام حاولَت انتزاعَه، لكنَّ أبي كان رجلًا قويَّ البِنية، فانتزعه منها مرةً أخرى، وضرَبها به على ذراعها العارية مباشرةً. وبعد ذلك ألقى الحزامَ على الأرض وخرج غاضبًا.
ولم أبكِ أمامه منذ ذلك الحين.
•••
قصَّت علينا صوفي حكايةَ تعميد بومبي. وكانت كالآتي:
•••
كان بومبي في سنِّ المراهقة، ولم يكن قد عُمِّد، ورأت أمُّه ضرورةً مُلحَّة في تعميده؛ لذا اتفقتُ مع القس المحلي لتعميده في نهر أوهايو.
لم يكن بومبي والقسُّ على وِفاق؛ لأن بومبي كان يُواعد ابنةَ القس، وقد أوصلَها إلى المنزل في وقتٍ متأخر من الليل مراتٍ عديدة. لم يكن بومبي متحمسًا لفكرةِ أن يقوم هذا القسُّ بغمرِه في النهر.
وجاء اليوم الموعود، ونزل بومبي إلى النهر مع أسرته، وها هو القس يبتسمُ ابتسامةً عريضة مصطنَعة لبومبي، وجاءت لحظةُ غمرِ بومبي في المياه، فقام القس بغمر بومبي في النهر الموحِل ذي الدوَّامات، واحتجَزه أسفلَ المياه. وظل يحتجزه أسفلَ المياه. وظل هناك مدةً من الوقت. فبدأ بومبي يعجز عن التنفُّس، وشرَع يركل القس، ثم عضَّه في يده التي كان يضعُها على فم بومبي.
فأطلق القسُّ صرخة، وصعد بومبي إلى السطح.
سألها براين: «وبعد؟». وأردف: «ماذا فعل والد بومبي؟»
أجابَت صوفي: «قام بجلدِ بومبي لأنه عضَّ القس.»
سألتها: «وأمه؟». وأردفت: «هل أعطت بومبي فطيرةَ تفاح؟»
أجابت صوفي: «أعتقد ذلك.»
•••
بكى أبي مجددًا اليوم.
سألتُه: «هل حدث شيء؟».
أجاب: «لا. لم يحدث شيء. كل شيء كالمعتاد.»
•••
تذكَّرتُ للتو شيئًا آخرَ بخصوص قصة تعميد بومبي التي قصَّتها علينا صوفي أمس. عندما انتهت صوفي من سردِ القصة، قال براين: «هل سمعتَ تلك القصةَ من قبلُ يا أبي؟»
قال العم ستيو: «لا، لا يمكنني القول إنني سمعتُ بها من قبل.»
بدا براين فخورًا بشدة بنفسه، وبدا منتفخًا كأنما ابتلَع بِطِّيخة لتوِّه. قال العم دوك: «أنا أيضًا لم أسمع بها من قبل …»
قال براين: «ما رأيك؟»
قاطَعه العمُّ دوك. «ولكن قصة القطار والنهر تبدو مألوفةً بالنسبة إليَّ، نعم. أعتقد أنني سمعتُها من قبل.»
أظن أن براين لم يَرُق له سماعُ ذلك، وكاد يختنقُ من الخجل.
قال العم ستيو: «حسنًا، أنا لم أسمع بها من قبل. لم أسمع بأيٍّ من هذه الحكايات من قبل …»
قال العم دوك: «ربما تكون قد نسيت.»
«أنا لا أنسى أيَّ شيء!»
قال العم دوك: «ربما لم يُخبرك بومبي بها قَط.»
قال العم ستيو: «ولماذا سيخبرك أنت دوني؟» وبدأ وجهُ العم ستيو يحمرُّ بشدة. وأردف: «مو؟ هل سمعتَ بهذه القصة من قبل؟».
أجاب أبي: «لا.»
قال العمُّ ستيو: «أرأيت؟».
قال أبي: «ولكن قصة السيارة والنهر بدَت مألوفة.»
قال العم ستيو: «لا يخبرني أحدٌ بأي شيء أبدًا!».
وفي خِضمِّ كل هذا السجال، جلسَت صوفي بعيدًا تقذف عبوات الكعك المملَّح.