الوقت يمر ببطء
يحدونا الأملُ في أن نُبحر في الأسبوع الأول من شهر يونيو، بعد انقضاء العام الدراسي مباشرةً. تلك الأسابيع الأخيرة من العام الدراسي تمرُّ ببطءٍ شديد، وتمضي الساعاتُ ثِقالًا. ولكني أنطلق بخيالي بكل قوةٍ نحو ذلك اليوم الأخير من العام الدراسي، ويدور في خَلَدي كلُّ تفاصيله الصغيرة. أخبرتُ والدَيَّ بأنني سأعود إلى المنزل في اليوم الأخير من الدراسة، وأقوم بحَزم أمتعتي، وأذهب إلى محطة الحافلات حيث سأقابل أخوالي وأبناءَ أخوالي في ولاية كونتيكت، ثم ننطلق جميعًا عبر البحر.
قال أبي: «ليس بهذه السرعة يا صوفي. عندما يحين الوقت، سوف أقوم أنا وأمُّك بتوصيلك إلى هناك. لن ندَعَك هكذا تستقلِّين حافلةً بمفردك.»
وا حسرتاه. في البلدة الصغيرة للغاية التي نعيش فيها، يُقبل الجميع على خوض المغامرات إلا أنا. لقد كنا فيما مضى نعيش على ساحلِ ولاية فرجينيا بين أحضان المحيط، لكن في العام الماضي توصَّل والدايَ إلى مخطَّطهما العظيم، الذي لا يروقني، بالانتقال إلى الريف؛ بسبب حنين أمي إلى جبال كنتاكي التي ترعرعَت بينها. لذا انتقلنا إلى هذه البلدة النائمة، حيث بقعةُ المياه الوحيدة بها تتمثَّل في نهر أوهايو، وهو نهرٌ يُضاهي البلدةَ في نومه. الناس هنا بالتأكيد يُحبُّون ذلك النهر، لكني لا أعرف السبب وراء هذا الحب. إنه نهر يخلو من الأمواج وتيَّارات المدِّ والجَزر. ولا وجودَ فيه لسرطانات أو قناديل البحر. بل إن عين الرائي لا تستطيع رؤية جزءٍ كبير منه مرة واحدة، فقط جزء بسيط منه يمتدُّ حتى المنعطَف النهري التالي.
لكن بالنسبة إلى الأطفال في صفِّي، فهذا النهر هو بمنزلة الفردوس، وكان لهم فيه وعلى ضفافه مغامرات. فكانوا يُمارسون فيه الصيد والسباحة وركوب الطوف. أريد القيام بأشياء من هذا القبيل، لكني أتوق أن تكون هذه المغامراتُ في البحر في المحيط الواسع الفسيح.
عندما أخبرتُ بعض أصدقائي أنني سأُبحر عبر المحيط، قال أحدهم: «لكن البقاء هنا أمرٌ جيد، حيث يتدفَّق النهر كل يوم.»
وقال آخَر: «لكنك جئتَ إلى هنا للتو. ونحن لا نعرف أيَّ شيء عنك. مثل المكان الذي عِشت فيه من قبل، و…»
لم أشَأ الخوض في كل هذا الجدل. أردتُ أن أبدأ من الصفر. وكان هذا من محاسن الانتقال هنا. لقد كانت بمنزلة بداية جديدة.
قال آخَر: «لماذا تريدين أن تكوني سجينةً على متن قارب على أي حال؟»
قلت: «سجينة؟». وأضفتُ: «سأكون حرة مثل طائر القيق الصغير الهائم في السماء هناك!»
ومن ثَم أخبرتهم عن الأمواج التي تناديني وعن البحر ذي الأمواج والسماء المفتوحة، وعندما انتهيتُ من حديثي راحوا يتثاءبون، وقالوا أشياءَ على غِرار: «أيًّا كان»، و«من الممكن أن تَلقي حتفَك هناك»، و«إذا لم تعودي، فهل يُمكنني أخذُ سُترتِكِ الحمراء تلك؟» أدركتُ أنهم على الأرجح لن يتقبَّلوا مغامرتي أبدًا، وأنني سأُضطَر إلى السفر دون أن يتفهَّموا سبب رغبتي في السفر.
أعطتني والدتي دفتر اليوميات هذا الذي أكتب فيه. قالت: «فلتبدئي من الآن. اكتُبي يومياتك. كلَّ تفاصيل الرحلة. وعند عودتك، يمكننا قراءة كلِّ ما كتبته، وسيبدو الأمر تمامًا كما لو كنا معكِ هناك.»
لكن أساتذتي في المدرسة لا يريدون سماعَ أي شيء عن رحلتي.
«صوفي! اتركي كتابَ الإبحار هذا جانبًا وأخرِجي كتاب الرياضيات!»
«صوفي! العام الدراسي لم ينتهِ بعد! ركِّزي في دراستك! أخرجي واجبَ النحو!»
أمس، اتصل الخالُ دوك، وقال إننا لن نُبحر في المحيط بمجرد وصولنا إلى هناك. فهناك بعضُ المهام يجب القيام بها أولًا؛ «مهامُّ كثيرة!» على حد قوله.
لا أجد غَضاضةً في التفكير في هذه المهام؛ لأنني أحبُّ العبث والتسكع على القوارب، لكني أتوق شوقًا إلى الإبحار في المحيط، حتى إنني أكاد أشعر بملمسه وأتذوَّق طعمه وأشم رائحته.