الدوران
في نحو الساعة الواحدة صباحًا بدأتُ نوبةَ حراسة برفقة كودي والخال دوك. بدا أن الطقس قد بدأ يستقر، وتمنَّينا لو أن القارب أصبح يسير في بحرٍ أكثرَ هدوءًا بنهايةِ نوبةِ حراستنا وبداية نوبة حراسة الخال مو وبراين والخال ستيو.
صاح الخالُ دوك: «اضرِبوا الأخاديدَ الرنَّانة!».
قلت له: «قصيدة أيضًا؟».
قال: «نعم.»
بعد مرور ساعة على بدء نوبة حراستنا، صاح كودي لي وقال: «سييرا-أوسكار! سُموك، أين هو؟»
كان رأسي به تنميلٌ شديد. وكانت أذُنايَ مسدودتَين. ماذا كان يقول؟
صاح مرةً أخرى وهو يشدُّ حزامه. قال: «سُموك!»
نقرتُ على رأسي كما لو كان عليه تاج، وانحنيت. اعتقدتُ أنه كان يلعب معي لعبةً ما.
فترَك مكانه ونزل إلى الأسفل، وعندما صعد كان يحمل سُترة الأمان الخاصةَ بي. لقد كان يقول «سترتك». شعرتُ بالغباء الشديد. قام كودي بتثبيتها لي وقال: «عليكِ ارتداؤها يا صوفي. عليكِ فعلُ ذلك.»
قلت: «الطقس يتحسَّن، نحن بخير.»
«لسنا بخير يا صوفي. ارتدي هذه.»
لكن الأمواج بدَت هادئةً بالفعل مدةَ ساعة أو نحو ذلك، وهدَأَت حِدَّة الرياح. شاهدتُ كودي وهو يتحرك على القارب. في دقيقة كان يعدل شراعًا، وفي الدقيقة التالية كان يربط حبلًا وينتشلُ وسادةً مُلقاة، ويضعُها في مكانها، ثم يعود إلى الأشرعة. وكان دوك يقوم بالأشياء نفسِها على الجانب الآخَر من القارب. كانا يتحرَّكان بسهولة واضحة في تلك البحار المتلاطمة، وبدا الأمر كما لو كان مسرحيةً، وأن حركاتهما الرشيقةَ مصمَّمةٌ مسبقًا.
في نحو الساعة الثالثة والنصف صباحًا، قبل انتهاء نوبة حراستنا بنحو نصف الساعة، هبَّت الرياح، وارتفعَت الأمواج مرةً أخرى. كان الخال دوك في قُمرة القيادة، وكان كودي يقوم بتوجيه القارب، وكنتُ جالسة بجانب الفتحة التي تُغطي الكابينة، أراقب الأمواج القادمة من خلفنا لتحذير كودي ودوك من أي موجة عاتية قادمة.
كانت كلُّ موجة تبدأ في التكون تجعلني أشعر بالضعف والغثيان، ليس بسبب حركة القارب، بل من الخوف أن تكون هذه الموجةُ عملاقةً وتقلبَ قاربنا. رأيتُ من بعيدٍ موجةً بدَت مختلفةً عن غيرها. كانت أكبرَ بكثير، ارتفاعُها لا يقلُّ عن خَمسين قدمًا، ولم تكن قاتمةً مثل مثيلاتها. كانت بيضاء، بيضاءَ تمامًا، وكانت مُحمَّلةً بالزَّبَد كما لو كانت قد تكسَّرَت للتو. حدَّقتُ فيها بضعَ ثوانٍ، محاوِلةً استيعابَ الأمر، وفي تلك اللحظة كانت قد أصبحَت خلفنا مباشرةً، ترتفع وترتفع، وما زالت مُغطاةً بالزبد.
صرختُ محذِّرةً كودي: «كودي! انظر خلفك …»
فالتفتَ كودي ونظر سريعًا، ثم استدار مجددًا، وجلس القُرفُصاءَ، وثبَّتَ نفسَه في موضعه لملاقاة الموجة.
غالبية الأمواج التي تنكسر خلفنا تنقضي تحتَ مؤخرة السفينة، وأحيانًا يغمر الزبدُ جوانبَ قُمرة القيادة. ولكن هذه الموجة كانت مختلفةً عن غيرها. فقد كان بها التفافةٌ عالية وواضحة. رأيتُها ترتفع خلفنا إلى أعلى وأعلى، ثم التفَّت منقلبةً على قاربنا، جالبةً آلافَ الجالونات من الماء المُزبِد الغزير.
صرختُ: «كودي! دوك!».
ثم رأيتُها تصطدم برأس كودي وكتفَيه كأنه اصطدم بمليونِ قرميدة. أخذتُ نفسًا عميقًا، وأغمضتُ عيني، وغطَّيت رأسي.
كنتُ داخل الموجة، أطفو، وأدور، وأُقذَف في كل الجوانب. تذكرتُ أن أقول لنفسي «احبسي أنفاسَكِ يا صوفي»، ثم تساءلتُ إن كان سيظل بي أنفاس من الأساس. كانت قوةٌ كبيرة تدفعني؛ لم أصدق أن المياه، المياه الناعمة اللطيفة، هي مَن كانت تفعل بي كلَّ هذا.
لم أستطِع تذكُّرَ ما حلَّ بحزام الأمان. لم أكن أشعر بأنني مثبتة بشيء. أكان لا يزال موجودًا أم لا؟
لقد سقطتُ من القارب، كنتُ متأكدة من ذلك. سأظل تحت الماء للأبد، أتلوَّى وأتقلب، وأُسحَق متحولةً إلى كرةٍ صغيرة. أكان هذا هو المحيط؟ هل انقلبتُ من فوق القارب وأصبحتُ في البحر؟ هل كنتُ في الرابعة من عمري؟ في رأسي أسمع صوتَ طفل يصرخ: «أمي! أبي!»
ثم سمعتُ صوتًا ينادي: «صوفي!»
أعتقد أنني على وشك الإعياء وأنا أكتب عن ذلك.