القصة
يبدو لي كأننا في منزلِ بومبي منذ أكثرَ من أسبوع، وأنَّ دهرًا قد مضى منذ انطلَقْنا في رحلتنا التجريبيَّة في المحيط.
•••
على مدارِ يومنا الأول هنا، كان بومبي نائمًا معظمَ الوقت ولم يتعرَّف علينا. وفي اليوم الثاني، بدأَت صوفي في إخبار بومبي بقصصه. قالت له: «أتذكُر يا بومبي حين كنتَ صغيرًا وتعيش في المزرعة في كنتاكي، وقايَضتَ أُسرتَك بغلَين مقابل سيارة؟ أتذكر ذلك يا بومبي؟»
ففتح بومبي عينَيه على اتِّساعهما وأومأ برأسه إيجابًا.
«وهل تذكر يا بومبي كيف أنك ذهبتَ إلى البلدة لاستلام السيارة وقيادتها إلى المنزل؟ وفي الطريق إلى المنزل …»
ومع كل تفصيلة تسردها صوفي، كان بومبي يُومئ برأسه ويقول: «نعم، نعم، كان هذا أنا.»
«وفي الماء عندما ظللتُ تُصارع وتُصارع …»
قال بومبي: «أنا؟».
«كنتَ تحت كلِّ هذه المياه …»
قال بومبي: «لا أتذكر هذا الجزء جيدًا.»
بعد ظهر ذلك اليوم، قصَّت صوفي على بومبي قصةً أخرى. قالت له: «أتذكر يا بومبي عندما كنتَ صغيرًا وتعيش في كنتاكي بالقرب من نهر أوهايو، وفي يوم من الأيام بدأتَ عبور النهر عن طريق الجسر الخاص بالقطار …»
قال بومبي: «الجسر البحري، نعم، نعم.»
«وهل تذكر كيف كان الطقسُ عاصِفًا وممطرًا …»
«نعم، نعم.»
«وعندما جاء القطار، كان عليك أن تقفز في الماء من أعلى الجسر …»
«نعم، نعم، كان هذا أنا.»
«وجرَفَتك المياهُ الدوَّامية في جميع الاتجاهات، وكنت تحارب من أجل التنفُّس و…»
قال بومبي: «لا أتذكر هذا الجزءَ جيدًا.»
قصَّت صوفي على بومبي جميعَ القصص التي روَتها لنا، وفي أثناء ذلك كنا نحن ندخل إلى الغرفة ونخرج منها، وكان الجميع يُصغي في هدوءٍ شديد. تذكَّر بومبي كلَّ شيءٍ قالته صوفي، باستثناء الأجزاء المتعلِّقة بالصراع في الماء.
وفي مرة، بينما كنتُ بالداخل مع صوفي، قصَّت عليه قصةً لم أسمعها منها من قبل. كانت كالآتي:
•••
«أتذكُر يا بومبي عندما ذهبتَ مع والديك في رحلةٍ بحرية عندما كنتَ طفلًا صغيرًا جدًّا؟»
قال: «أنا؟».
«في المحيط الواسع الشديد الزُّرقة. وكنتم تُبحرون، تبحرون، ثم أظلمَت السماء، وبدأت الرياح تهبُّ مُدوِّية … أتذكر ذلك؟»
فنظر إليها ورمَش عدةَ مرات، ولكنه لم يَقُل شيئًا.
«ألا تذكر الرياح؟ كانت تَعوي، وتعوي، وتعوي، وأخذ القارب يتمايل، واشتدَّت البرودة، فقامت أمُّك بِلفِّك في بطانية ووضعَتك في الزورق … أتذكر؟»
حملقَ بومبي في صوفي، ولكنه لم يَقُل شيئًا أيضًا. فواصلَت صوفي بنبرةٍ متسارعة: «أتذكُر؟ أتذكر؟ و… و… الرياح … البرد … المياه، جبلٌ أسود شاهق من المياه يهبط عليك ثم بدأتَ تطفو، تطفو، تطفو … و… و… والأبوان … الأبوان …»
ونظرَت إليَّ في استعطاف، وفجأةً بدا كلُّ شيء واضحًا تمامًا لي. فجثوتُ على رُكبتي على الجانب الآخَر من السرير. قلتُ: «الأبوانِ لَقِيا حتْفَهما.»
فشهقَت صوفي. وقالت مُردِّدةً كلماتي: «الوالدان لَقِيا حتْفَهما»، ثم أكملَت كلامها في عُجالة: «ثم أصبحتَ وحيدًا تمامًا يا بومبي، بمفردك، تطفو، وتطفو، وتطفو …»
قال بومبي: «ولكني …»
مددتُ يدي عبر السرير وأمسكتُ بيد صوفي. قلت لها: «صوفي. ربما ليست هذه قصةَ بومبي. ربما تكون قصتَكِ أنتِ.»
فهمَس بومبي: «إنه مُحقٌّ يا صوفي. هذه قصتُكِ أنتِ يا حبيبتي.»
حدَّقَت صوفي فيَّ ثم حدَّقتُ في بومبي. بدا عليها الخوفُ الشديد، وبدا حجمها صغيرًا للغاية وهي جالسةٌ بجانب بومبي. وبعد ذلك وضعَت رأسها على صدر بومبي وبكَت بشدة.
ترَكتُهما معًا بالداخل وخرَجتُ إلى الفِناء الخلفي، واستلقيتُ على الحشائش تحت شجرة التفَّاح.
وبعد نحو ساعة، جاءت صوفي، وأعطتني دفترًا مُغطًّى بغلافٍ من قماشٍ أزرق اللون.
همسَت لي: «أريدك أن تقرأ هذا الدفتر. إنه جدُّك أنت أيضًا»، ثم خرَجت من البوابة إلى طريق القرية الضيق.
كان الدفتر يحوي خطاباتٍ مكتوبةً بخط اليد، نحو عشرين أو ثلاثين خطابًا، مؤرَّخةً على مدى السنوات الثلاث الماضية. كُتب في أعلى جميع الخطابات «إلى حفيدتي صوفي»، وكان التوقيع في الأسفل: «من جدك بومبي.»
في الخطاب الأول، كان بومبي يُرحب بها في عائلتها الجديدة. قال لها إنه يستطيع أن يكون جَدًّا لها؛ سوف يكون جدها بومبي. وفي كلِّ خطاب من الخطابات الأخرى، كان يقصُّ عليها حكايةً عنه وهو في بداية حياته؛ حتى يتسنَّى لها أن تعرفه جيدًا على حدِّ قوله.
كانت هناك حكاياتٌ أخرى كثيرة خِلاف التي قصَّتها علينا صوفي بالفعل. كانت هناك حكايات عن أيام دراسته في المدرسة وأخرى عن ذَهابه للصيد مع جدِّه؛ وكانت هناك حكايات عن أول فتاة قام بتقبيلها، وعن اليوم الذي قابل فيه زوجتَه مارجريت.
كان غريبًا أن أقرأ جميعَ الحكايات عن السيارة التي سقَطَت في النهر، وعن القفز من أعلى قُضبان القطار، وتعميد بومبي، وعن بومبي في حفرة السباحة، وعن بومبي في المحيط. كان غالبيةُ ما أخبرَتنا به صوفي مشابهًا إلى حدٍّ كبير لما كتَبه بومبي في خطاباته، باستثناء الأجزاء الخاصة بمُعاناته في الماء. لقد كان بومبي في الماء في كلِّ هذه المرَّات، ولكنه لم يذكر شيئًا عن أيِّ صراع فيه.
كانت هذه الأجزاءُ خاصةً بصوفي.
•••
عندما انتهيتُ من القراءة، جُبتُ حارات القرية بحثًا عن صوفي.