المستقبل … يتجه إلينا!
عندما توقَّفَت أقدام رقم «صفر»، ظهرَت دوائرُ حمراء على الخريطة الإليكترونية، وحدَّدَت عواصم بلدان معينة. في «مصر» حدَّدَت «القاهرة»، وفي «السعودية» حدَّدَت «الرياض»، وفي «تونس» حدَّدَت «تونس» العاصمة، وفي «الجزائر» حدَّدَت «الجزائر» العاصمة. كان الشياطين يُصغون في اهتمام كامل، بينما كانت عيونُهم تُراقب الدوائر الحمراء، بدأَت تظهر الواحدة بعد الأخرى، ثم جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنَّ ما ذكره العزيز «أحمد» يُعطيني فكرةً طيبة عن مدى اهتمامكم بمنطقتنا العربية. صمت لحظة، ثم جاء صوت أوراق تقلب. وأخيرًا قال: التقارير التي وصلَتنا من جنوب شرق آسيا تقول إنَّ هناك شركاتٍ قد تخصَّصَت في تدمير برامج الكمبيوتر والحاسبات الآلية، وأنتم تعرفون أنَّ مثل هذه البرامج تُعَدُّ شيئًا ضروريًّا وهامًّا في حياة أي بلد؛ فقد صُمِّمَت لتخطيط ورسم السياسات الاقتصادية والزراعية والصناعية والتعليمية وشتى جوانب النشاط في أي بلد. توقَّف رقم «صفر» عن الكلام، ثم أضاف: أمَّا التقارير التي جاءَتنا من شتى مناطق الدول العربية، فتقول إنَّ المؤسسات العلمية في الدول العربية تُعاني من سرقة برامج الكمبيوتر والحاسبات الآلية، وقد تحدَّدَت هذه السرقات في «القاهرة» و«الرياض» و«تونس»، والطريف أنَّهم سرقوا هذه البرامج، ثم عادوا يعرضونها على نفس الدول لتشتريَها، أما «الجزائر» فقد تعرَّضَت ليس للسرقة فقط، ولكن لتدمير البرامج أيضًا، وهذا طبعًا غير ميكروب الكمبيوتر الذي تعرفونه. مرَّت دقائق، قبل أن يقول: إنَّ ميكروب الكمبيوتر — كما تعرفون — هو نوعٌ من الميكروبات الخاصة عند الأجهزة، وهذا الميكروب يقضي عليها تمامًا، بالضبط مثل الميكروب الذي يدخل الجسم، إنَّه يصيب بالمرض والفشل، وهذا ما حدث في أماكن كثيرة، كان يَصِل برنامج معين، عندما يوضع في الكمبيوتر ينتشر الميكروب فيدمر البرنامج، الذي احتاج إعدادُه لوقت طويل، وخبراء ومعلومات، وكلُّها تحتاج إلى تكاليف عالية للغاية.
ثم أكمل رقم «صفر»: لقد ظهر ميكروب الكمبيوتر في البداية، ثم جاءت عمليات السرقة والتدمير بعد ذلك، بعد أن ظهرَت أجهزةٌ تكشف هذا الميكروب، مثل وضع البرنامج في الكمبيوتر من جديد.
توقَّف الزعيم قليلًا، ثم أضاف: إنَّ هذه العمليات هي نوع من السرقة؛ فعندما يتم تدمير برنامج خاص بالصناعة مثلًا في بلد مثل «مصر»، فإنَّ ذلك يعطِّل خطة التنمية الصناعية فيها؛ لأنَّ كل المعلومات موجودة في البرنامج، وهذا يعني أنَّك تحتاج من جديد للجهد والوقت الكافي لجمع هذه المعلومات، لوضع خطة الدولة.
فجأة، سأل «بو عمير»: كيف يمكن سرقة برنامج من دولة، وهي تملكه، وهي أيضًا مسائل سرية؟!
ردَّ الزعيم قائلًا: هذه مسألة تعتبر صعبة؛ فالعصابات تظهر كلَّ يوم، وكلُّ عصابة لها تخصصاتُها، عصابات الجريمة، وعصابات البنوك، وغيرها، وأخيرًا ظهرَت عصابةُ الكمبيوتر أيضًا. إنَّ هذه ليست القضية. فالقضية هي كيف تُدمر البرامج هذه العصابة التي تخصَّصَت في سرقة وتدمير برامج الكمبيوتر العربية؟
فجأة، لمعَت لمبة حمراء على يمين الخريطة الإليكترونية، فقال رقم «صفر»: سوف أتغيَّب عنكم دقائق، فيبدو أنَّ هناك تقاريرَ جديدة من عملائنا قد وصلَت.
أخذَت أقدام رقم «صفر» تتباعد حتى اختفَت، في الوقت الذي كان فيه الشياطين مستغرقين في مراقبة الخريطة. فجأة، قال «قيس»: لا بد من ظهور أجهزة تأمين لمثل هذه الأجهزة الهامة.
ردَّ «أحمد»: العصابات يا عزيزي «قيس»، كلما ظهرَت أجهزة تأمين لشيء ما بحثت عن كيفية التغلب عليه. ثم أضاف مبتسمًا: وإلا ما ظهرَت العصابات.
تردَّد صوت أقدام رقم «صفر»، حتى توقَّف. ثم جاء صوت الزعيم يقول: آخرُ تقريرٍ يقول إنَّ المقرَّ لعصابة سرقة الكمبيوتر يقع في إحدى الجزر.
خرج سهمٌ من مياه البحر المتوسط، ثم دار حول الجزيرة القريبة من الشواطئ المصرية.
وقال «بو عمير»: هذه مسألة طبيعية، أن تكون هذه الجزيرة هي المقر.
جاء صوت الزعيم يقول: ليس من الضروري أن تنتميَ العصابة للجزيرة، فهذه العصابات إمَّا أنَّها أمريكية أو إيطالية، أو من جنوب شرق آسيا. مرَّت دقيقة، ثم قال: والآن ينبغي أن تبدءوا عملكم، وفي «قبرص» سيكون مقركم، وسوف تجدون كلَّ التفاصيل. صمت لحظة، ثم سأل: هل هناك أيَّة أسئلة؟
لم تكن هناك أسئلة ما؛ فالقضية واضحة. جاء صوت رقم «صفر» يقول: أتمنى لكم التوفيق! ثم أضاف: سوف تعرفون أسماء المجموعة في غُرَفكم.
ابتعدَت خطوات رقم «صفر»، حتى اختفَت. في حين كان الشياطين قد أخذوا طريقَهم إلى الخروج، متجهين إلى غُرَفهم، حتى يستعدوا للمغامرة الجديدة … أخذ «أحمد» يجهِّز حقيبتَه السرية، وهو مستغرقٌ تمامًا. كان يفكر في جزيرة «قبرص». إنَّ تعدادها يتجاوز المليون بقليل، ومساحتها حوالي تسعة آلاف ومائتي كيلومتر، وهي تعتمد على السياحة اعتمادًا كبيرًا، وأيضًا على الصيد. فكَّر لحظة، إنَّ هذه المساحة المحدودة نسبيًّا لا تجعل شيئًا صعبًا! ثم تساءل: هل يكون مقرُّ العصابة في البحر؟ فجأة، ظهرَت أسماء المجموعة على شاشة التلفزيون في غرفته. كانت المجموعة تضمُّ معه: «باسم»، «رشيد»، «مصباح»، «بو عمير». عندما انتهى من قراءة الأسماء، تردَّد رنين التليفون. ابتسم؛ فهو يعرف يقينًا أنَّه أحد أفراد المجموعة. ضغط زرًّا في جهاز التليفون. فجاء صوت «رشيد» سعيدًا، وهو يقول: إننا في الانتظار.
ردَّ «أحمد»: وأنا جاهز!
سأل «رشيد»: ومتى ننطلق؟
قبل أن يُجيبَ «أحمد»، كان رنينٌ آخر يتردد. ضغط زرًّا في الجهاز، فجاء صوت «مصباح»: أظن أننا تأخرنا.
ضحك «أحمد»، وهو يردُّ: بالتأكيد؛ ولهذا سوف نتحرك حالًا.
قبل أن ينصرف. كان قد ضغط زرَّ جهاز التليفون. وفي خطوات نشطة، أخذ طريقَه إلى حيث توجد سيارات المقر السري. وفي دقائق، كانت السيارة تنطلق، وهي تُقلُّ الشياطين الخمسة. وعندما اقتربَت من بوابات المقر الصخرية، انفتحَت وحدها، وعندما مرقَت السيارة منها، أُغلقت من جديد، وأصبحَت سيارة الشياطين في الخلاء العريض. كان «رشيد» يجلس إلى عجلة القيادة، وقد رفع درجة سرعتها حتى النهاية. قال «مصباح»: أظن أننا لن نستغرق وقتًا طويلًا في الوصول إلى «قبرص».
ردَّ «أحمد»: المسافة لا تتجاوز ساعتين بالطائرة.
قال «بو عمير»: إنَّها فعلًا عصابة غريبة، فكيف تسرق برامج الكمبيوتر، ثم تعود لبيعها لنفس الدولة؟
ردَّ «أحمد»: أعتقد أنَّ العصابة تبدأ بسرقة البرامج، ثم بتدمير برنامج الكمبيوتر، ولا يكون أمام الدولة إلا أن تضطرَّ إلى شراء البرامج من جديد، بالرغم من أنَّها أنفقَت الكثير من الجهد والمال والوقت، لكن، ماذا تفعل؟! صمت لحظة، ثم أضاف: إنَّ العالم أصبح في سباق مع الزمن، والوقت له ثمن، وإذا لم تحاول الدول دخولَ السباق، فإنَّها بالضرورة سوف تتخلف.
قال «مصباح»: إنَّ منطقتنا العربية أصبحَت مستهدفة تمامًا الآن.
أضاف «رشيد»: طبعًا، فهي منطقة المستقبل؛ فكل المؤشرات تؤكد أنَّ المستقبل في طريقه إلينا.
ابتسم «باسم»، وهو يتساءل: هل تظن ذلك؟
أجاب «أحمد»: نعم؛ فالدول مثل الإنسان، تبدأ طفلًا، ثم تكبر، وتَصِل إلى ذروة قوتها، ثم تدخل مرحلة الشيخوخة، فتعود طفلًا كما كانت، ومنطقتُنا عرفَت الحضارة منذ زمن بعيد، وهي تعود الآن لتأخذَ مكانها القديم، كصاحبة حضارة حديثة.
كانت السيارة تقطع الطريق في سرعة عالية. في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين ينتظرون بفارغ الصبر وصولَهم إلى المطار. كانت الساعة قد أعلنَت منتصف النهار في المقر السري. عندما انطلق الشياطين. وعندما أشارت الساعة إلى الرابعة عصرًا، كانت ملامح المكان قد ظهرَت من بعيد … قال «أحمد»: أظن أننا في حاجة إلى تطبيق قاعدة الشياطين: السفر أحسن وسيلة لجمع المعلومات.
ضحك «باسم»، وهو يقول: ضروري، خصوصًا ونحن في طريقنا إلى جزيرة صغيرة. إنَّ أي إنسان يمكن أن يكون مفيدًا في هذه الرحلة.
ابتسم «أحمد»، وأضاف: إذن، سوف نفترق في الطائرة.
قال «رشيد»: نرجو أن تكون أرقام التذاكر متباعدة.
ردَّ «أحمد»: أعتقد أنَّ رجال رقم «صفر» حريصون تمامًا، لكن إذا اضطرتهم الظروف ولم يجدوا مقاعد متفرقة، فإنَّ علينا أن نجد طريقنا إلى إقامة علاقات داخل الطائرة.
توقَّفَت السيارة خارج المطار، فغادرها الشياطين بسرعة. أخذ «أحمد» طريقَه إلى بائع الكتب كالعادة، في حين ذهب «باسم» إلى شركة الطيران للحصول على التذاكر. وعندما تسلَّمها، علَت وجهَه ابتسامةٌ؛ فقد تأكَّدَت نظرية «أحمد». إنَّ رجال رقم «صفر» تنبَّهوا لهذه المسألة؛ فقد كانت أرقام التذاكر متباعدة بدرجة تغطِّي الطائرةَ كلَّها، فكانت تذكرة في منتصفها الأمامي، واثنتان في منتصفها، واثنتان متباعدتان في صفِّها الأخير.
وقف «أحمد» يستعرض الكتب التي أمامه، ثم فكَّر: إنَّه الآن يحتاج إلى كتاب عن «قبرص»، وكتاب عن الكمبيوتر، وكتاب عن الحظ. ابتسم، ثم قال لنفسه: إنَّ كتاب الأبراج … يمكن أن يكون مفتاحًا جيدًا للكلام. مدَّ يده، وانتقى كتابًا عن الكمبيوتر والحاسبات الآلية … ثم جذب كتابًا عن الأبراج، وظلَّت عيناه تبحثان عن كتاب عن «قبرص»، لكنَّه لم يرَه. سأل البائع، فابتسم، وهو يقول إنَّه باع آخرَ نسخة منه منذ قليل. وابتسم «أحمد» وهو يدفع ثمن الكتابَين، ويقول لنفسه: لا بأس؛ فإنَّ حامل الكتاب سوف يظهر في الطائرة! تردَّد صوت المضيفة في المطار تُعلن ضرورةَ اتجاه الركاب إلى الطائرة المسافرة إلى «قبرص» بسرعة. كان الشياطين يأخذون طريقهم إليها، ولم تمضِ دقائق حتى أخذوا أماكنهم المتفرقة في الطائرة. ثم بدأت المحركات تدور. وبدأت مغامرة «عصابة الكمبيوتر».