هل هي طائرة العصابة؟!
عندما أخذَت الطائرة مسارَها في الفضاء. بدأ الركاب ينشغلون بأشياء مختلفة. كان «أحمد» يجلس في النصف الأمامي، بينما «باسم» و«رشيد» في منتصفها، وفي الخلف كان «مصباح» و«بو عمير». ألقى «أحمد» نظرة على الجالس بجواره. كان رجلًا مفتولَ العضلات، ولكنَّ وجهَهُ كانت تبدو عليه الوداعة. فكَّر «أحمد» في نفسه: إنَّ الناس جميعًا يهتمون بالحظ. أخرج كتاب الأبراج، وأخذ يقرأ في مقدمته. في نفس الوقت، كانت عيناه بين لحظة وأخرى تتجه خفيةً إلى الرجل، الذي كان مستغرقًا في التفكير. ثم بعد دقائق، أغمض عينَيه. ابتسم «أحمد» ابتسامة داخلية، وقال لنفسه: هذا رجل لا يهتمُّ بالحظ. استغرق في القراءة، فلم يكن هناك مفرٌّ. مع ذلك كان يفكر في كيفية لفت نظر الرجل. جاءت مضيفة الطائرة تُقدِّم الشاي والقهوة. نظر لها الرجل، ثم قال: قهوة.
ابتسم «أحمد»، وهو يقول: يبدو أنَّك في حاجة إلى النشاط.
وبدون رغبة، ردَّ الرجل: إنني لم أنَمْ أمس جيدًا.
أسرع «أحمد» يقول، قبل أن يتوقف الحديث: لعلك سافرت ساعات طويلة.
قال الرجل وهو يتثاءب: الحقيقة أنني أُعاني من الأرق.
ابتسم «أحمد»، وقال: إذن هو الأرق، لعل حمامًا دافئًا كان يمكن أن يجعلك تستسلم للنوم.
رشف الرجل رشفة قهوة، ثم قال: ربما!
قال «أحمد» بسرعة: دَعْني إذن أنشِّط أفكارك، فلعلها تدفع النشاط إلى جسمك.
لأول مرة، ابتسم الرجل بوجهه الهادئ، وهو يقول: لا بأس.
قال «أحمد»: ما هو برجك.
ضحك الرجل، وهو يقول: هل تصدق هذه الأبراج؟ إنَّها فقط مضيعة للوقت.
ابتسم «أحمد»، وقال: لا بأس؛ فنحن لا نستطيع أن نلعب مباراة في كرة القدم. ضحك الرجل بعمق، ثم تمطَّى في قوة، وقال: أنت جار جيد للرحلة.
قدمَّ «أحمد» نفسه: أُدعى «جرانت».
وقدَّم الرجل نفسه: أُدعى «وود».
ولأنَّ «وود» معناها الخشب؛ فقد علَّق «أحمد» قائلًا: هذا واضح جدًّا.
ضحك «وود» بشدة، ثم ربَّت على يد «أحمد» بطيبة، وهو يقول: أنت رائع يا عزيزي «جرانت».
قال «أحمد»: هيَّا إذن، أخبرني ما هو برجك.
قال «وود»: الميزان.
أخذ «أحمد» يقلِّب صفحات الكتاب، حتى وصل إلى برج الميزان، ثم بدأ يقرأ، وهو يُلقي بعينَيه على وجه الرجل، بين لحظة وأخرى. كانت ملامح «وود» الوديعة قد امتلأت بالدهشة، وهو يستمع ﻟ «أحمد». ثم فجأة، قال: إنَّه حقيقي تمامًا، حتى يكاد مؤلفُه أن يكون صديقي. ضحك «أحمد»، وهو يقول: إنَّه علمٌ يخضع لدراسات طويلة، تُعطي في النهاية نتائج طيبة.
قال «وود»: إذن، دَعْني أتعرَّف عليك!
ثم مدَّ يده، وأخذ الكتاب. بينما كان «أحمد» يقول: إنني من برج السرطان.
فتح «وود» الكتاب، وقلَّب صفحاتِه، حتى توقَّف عند برج السرطان، ثم أخذ يقرأ. بينما كان «أحمد» يدَّعي الاهتمام، وهو يُنصت له. نظر «وود» إليه مبتسمًا، ثم قال: إنَّ برجك محظوظ تمامًا.
ثم تساءل: هل هذا صحيح.
ابتسم «أحمد»، وهو يقول: بالتأكيد، وإلا ما كنتُ قابلتُك اليوم.
استغرق «وود» في الضحك، حتى إنَّه لفت أنظارَ القريبين منهما. في نفس اللحظة، كان جهاز الاستقبال مع «أحمد» يسجِّل رسالة ما. لكنَّه استطاع أن يُخفيَ اهتمامَه بالرسالة؛ فقد كان «وود» يقول: أنت شخصية تستحق الاهتمام.
ثم اعتدل في جلسته، وهو ينظر ﻟ «أحمد»، قائلًا: ماذا تعمل؟
فكَّر «أحمد» بسرعة: إنني لم أعمل بعد … فما زلتُ طالبًا.
قال «وود» بإعجاب: سوف يكون لك مستقبل مرموق. ثم أضاف بعد لحظة: وماذا تدرس؟
أجاب «أحمد» بسرعة: كمبيوتر.
ظهرَت الدهشة على وجه «وود»، وهو يقول: رائع يا عزيزي «جرانت»، رائع. ثم أضاف بسرعة: إذن، فسوف يكون لنا حديثٌ طويل.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: سوف يكون ذلك من حسن حظي أيضًا.
ومن جديد، استغرق «وود» في الضحك. بينما كان «أحمد» يفكِّر: مَن يدري، لعله واحد منهم، وتكون فرصة مدهشة، وأكون سعيدَ الحظ بلا جدال.
عندما فرغ «وود» من ضحكته العميقة. سأله «أحمد»: هل تهتم بالكمبيوتر؟
ابتسم «وود»، وقال: بل إنَّه مهنتي.
ظهرَت دهشةٌ حقيقية على وجه «أحمد»، ولم يستطع أن يُخفيَها، في حين ابتسم «وود»، وهو يقول: هل أدهشك ذلك؟
قال «أحمد»: إنَّه أسعدني. فقد تمنيتُ فعلًا أن ألتقيَ بأحد رجال الكمبيوتر، ولكن ماذا تعمل بالضبط؟
أجاب «وود»: إنني بجانب تخصصي فيه، فأنا وكيلُ شركةٍ لبيع برامج الكمبيوتر.
كاد «أحمد» أن يقفز من مقعده؛ فلم يكن يتصور أن يكون الحظُّ حليفَه إلى هذا الحد. سأل بسرعة: هل تقضي وقتًا في «قبرص»؟
قال «وود»: يومين، نوع من الراحة. في نفس الوقت أُحاول أن أحقِّقَ اتفاقًا؛ فقد جئت من رحلة في الشرق الأقصى، ثم أتجه بعدها إلى أمريكا.
مرة أخرى، لم يصدِّق «أحمد» نفسه؛ فكل ما يقوله «وود» يتفق تمامًا مع معلومات رقم «صفر». مع ذلك، قفز إلى ذهنه سؤالٌ: ترى هل «وود» هو أحد أفراد العصابة؟ أو يكون مجردَ وكيل عادي يؤدي مهنته فعلًا.
برغم أنَّ السؤال لا يستطيع أن يقطع فيه بإجابة محددة، إلا أنَّه لم يتعجل الوقت، فلا يزال هناك متسعٌ ليعرف عنه أكثر. لكن فجأة، سأله «وود»: وأنت، ماذا تدرس فيه؟
أخذ «أحمد» يتحدث باستفاضة عن الكمبيوتر ووجودِه كظاهرة عالمية، ثم ماذا يلعب الكمبيوتر الآن في حياة الدول، وأحدث الأجهزة التي ظهرَت، والأجيال التي تعاقبَت منه.
كان «وود» يستمع إليه في إعجاب حقيقي. ولذلك، علَّق: أنت موهبة جيدة، ولا ينبغي أن أتركَك، فعقليتُك هذه تجعلني أحاول أن أكسبَك.
ضحك «أحمد» ضحكة سعيدة، كادَت تنتهي فجأة؛ فقد كان جهاز الاستقبال يسجل رسالة أخرى. ولم يكن يستطيع أن يمدَّ يدَه إلى الجهاز، ليعرف طبيعةَ الرسالتَين اللتين وصلتاه. مع ذلك استمر في ضحكته، ثم سأل: سوف أكون سعيدًا بذلك، وإنني منذ الآن معك.
ضحك «وود» من جديد، وقال: إذن، لنا لقاءٌ هناك.
ثم أخرج «كارتًا» يحمل اسمَه، وعددًا من أرقام التليفونات، ثم سجَّل تليفونًا آخر، وهو يقول: إنني أنتظر مكالمتك في هذا الرقم الجديد، حيث أنزل في «نيقوسيا».
لم يستطع «أحمد» الانتظار أكثر من ذلك، فأخذ الكارت، وهو يقول: معذرة، فليست معي بطاقات. ثم وقف، وقال مبتسمًا: أستأذنك، سوف أتغيَّب للحظات.
هزَّ «وود» رأسَه موافقًا. وانصرف «أحمد» إلى دورة المياه، لكنَّه وهو يقطع الطائرة، كانت هناك رسالة ثالثة، يستقبلها الجهاز. في الطريق إلى مؤخرة الطائرة، حيث توجد دورة المياه، وقعَت عيناه على «باسم»، وهو منهمكٌ في حديثٍ حارٍّ مع جاره. في نفس الوقت، كان «رشيد» منهمكًا هو الآخر في حوار مع جاره. أمَّا في مؤخرة الطائرة، حيث يجلس «مصباح» و«بو عمير»، فقد كان «مصباح» يتحدث إلى فتاة رائعة الجمال. أمَّا «بو عمير»، فقد أغلق عينَيه واستسلم للنوم؛ فقد كان بجواره سيدة متقدمة في السن، قد استغرقَت في النوم هي الأخرى. أخفى ابتسامة، وهو يرى «بو عمير» على هذه الحالة.
عندما دخل «أحمد» دورة المياه. أسرع بإخراج جهاز الاستقبال، وقرأ الرسائل الشفرية التي سجَّلها، وتردَّد في خاطره سؤال: هل تكون هذه مصادفة؟ أم أنَّ الشياطين قد ركبوا طائرة العصابة؟ ولم ينتظر، فخرج فورًا، وقطع طريقَه إلى حيث يجلس «وود»، الذي كان منهمكًا في قراءة كتاب الأبراج.
ابتسم «أحمد»، وقال في نفسه: كما توقعتُ، لقد كان الكتاب مفتاحًا جيدًا للحديث. جلس في هدوء، فقال «وود»: إنَّه كتاب بديع!
ابتسم «أحمد»، وقال: إذن، دَعْني أقدِّمه هدية متواضعة لتعارُفٍ أرجو أن يُثمرَ شيئًا.
ضحك «وود»، وهو يقول: من الضروري أن يُثمرَ تعارفُنا هذا، فإنني متمسك بك.
قطع حديثَهما صوتُ مذيعة الطائرة، تُعلن وصولَهم إلى مطار «نيقوسيا». نظر «وود» إلى «أحمد» مبتسمًا، وهو يقول: إنني في انتظار تليفونك.
أجاب «أحمد»: الليلة سوف نلتقي.
قال «وود»: أرجو ذلك.
عندما هبطَت الطائرة، تصافحَت أيديهما، وهما يؤكدان على لقاء الليلة!