الدخول إلى أعماق البحر!
ضحك «وود» وهو يقول: لا تندهش، نحن نعيش في عالم معقَّد وغريب. إنَّ كلَّ شيء الآن يحتمل الكثير، وعليك أن تكون حذرًا في كل الأحوال.
قال «أحمد»، ولم تكن الدهشة قد فارقَته بعدُ: ما زلتُ لا أتصور ذلك.
ابتسم «وود» وهو يقول: بل ينبغي أن تتوقع ذلك، إنني أعمل مع العصابة أيضًا.
تساءل «أحمد»: كيف؟
قال «وود»: إنني من جماعة أنصار السلام، وأنتم من أنصار السلام أيضًا، فكيف لا أقف معكم؟
علَّق «أحمد» قائلًا: هذه لعبة خطرة؛ فقد تنكشف في أيَّة لحظة.
ردَّ «وود»: الأمور يا عزيزي متساوية، وأن ترحل عن هذا العالم من أجل مبدأ عظيم تؤمن به، فإن رحيلك يكون له قيمة. ثم ضحك وأضاف: لأنَّك سترحل حتمًا.
تنفَّس «وود» بعمق، ونظر ﻟ «أحمد» لحظة، ثم قال: هيَّا إلى العمل؛ فكل شيء أمامنا الآن، وعلينا أن نبدأ.
جلس الاثنان على مقعد مستطيل أمام شاشة كبيرة، ثم أخذ «وود» يُداعب عدةَ أزرار أمامه، في النهاية ظهرَت خريطة للجزيرة، وأمامها كانت هناك نقطة سوداء مربعة الشكل، ثم امتدَّ خطٌّ من الشاطئ إلى النقطة المربعة وظهر عليه رقم. كان «أحمد» يتابع ذلك كلَّه، وكأنه يرسمه في ذهنه.
قال «وود»: هذا هو مقرُّ العصابة، إنَّه في هذه النقطة المربعة وهي عبارة عن باخرة ضخمة تقف على بُعد مائة ميل من الشاطئ. كلُّ شيء يدور في هذه الباخرة، عمليات تجسُّس وتجارة مخدرات، وسرقة برامج الكمبيوتر، كل ما يمكن أن تتصور من شرور، تُديره هذه الباخرة حتى يمكنَ أن تقولَ إنَّها يمكن أن تُشعل الحربَ العالمية القادمة.
صمتَ لحظة، ثم أضاف: إنني أعرف هدفكم، تفجير هذه الباخرة بمن فيها، لا بأس، هذا عمل عظيم، لكنَّه في الوقت نفسه عملٌ مخيف، فهذه ليست باخرةً عادية، إنَّها عالم بأكمله، عالم له جيش وحراس، وهو عالمٌ عنيف! سكت مرة أخرى، ثم قال بعد لحظة: لا أعرف، كيف ستقومون بعملية التفجير، لكني أستطيع فقط أن أقول لك أشياء، حراسة الباخرة عبارة عن مجموعة من سمك القرش المفترس، تعيش داخل دائرة من السلاسل الحديدية الضخمة، تحوط بالباخرة من كل جانب، ولا يستطيع أن يقترب منها إلا مَن يملك كلمةَ السر، وهي كلمة تتغير كلَّ ليلة، وقد تتغير أكثر من مرة في الليلة الواحدة.
أبدى «أحمد» دهشتَه، فابتسم «وود» وقال: في عالم العصابات هناك ما يفوق الخيال. صمت لحظة، وهو ينظر إلى «أحمد»، قائلًا: هل لديكم خطة ما؟
قال «أحمد»: أعتقد. صمت لحظة ثم أضاف: أعتقد أنَّ عندنا مَن يستطيع أن يفجر هذا الوكر الشرير.
ابتسم «وود» وقال: إذن، لا تضيعوا وقتًا. إنني أعرف إمكانياتكم، وأعرف قدراتكم أيضًا! ثم وقف وقال: حتى لا يضيع وقت، دَعْني أعود بك إلى الفندق، حتى تجهزوا أنفسكم.
كاد «أحمد» ينطق بكلمة، فقال «وود» بسرعة: كل شيء جاهز، أنت تسمع صوت الأمواج هنا على شاطئ خلف البيت، سوف تجدون بعد نصف ساعة كلَّ ما تفكرون فيه.
لم ينطق «أحمد» بكلمة، وصَحِب «وود»، الذي أخذ طريقَه إلى الخارج. كانت سيارة «وود» تقف أمام البيت. وفي أقل من ربع ساعة كان «أحمد» يغادر السيارة بعيدًا عن الفندق، الذي لم يكن يبعد سوى مسافة قليلة، ودَّعه «وود»، وهو يقول: أتمنى للشياطين مهمة موفَّقة!
شكره «أحمد»، ثم أخذ يبتعد في طريقه إلى الفندق. شعر في لحظة أنَّه في حاجة لأن يمشيَ قليلًا وحده. كانت الساعات التي مضَت منذ أن غادر الفندق للقاء عميل رقم «صفر» ساعاتٍ مشحونةً بالانفعالات. ففجأة يكتشف أنَّ «وود» رفيق رحلة الطائرة، هو نفسه العميل، ثم يعرف أنَّه عميلٌ للعصابة أيضًا، وأنَّه من جماعة أنصار السلام، ويعرف مكانَ مقرِّ قيادة العصابة وحراستها، كانت هذه كلُّها مفاجآت متوالية، لكنه مع ذلك لم يستمرَّ في مشيه؛ فقد اتَّجه إلى الفندق مباشرة؛ لأنَّه يعرف يقينًا أنَّ الشياطين في انتظاره، ويعرف أيضًا أنَّهم سوف يُصابون بالذهول، عندما يسمعون ما عاشه الليلة. ما كاد يقترب من حجرته، حتى سَمِع أصواتًا تتحدث، وقف فجأة، وهو يقول لنفسه: هل أخطأتُ الغرفة؟ قرأ رقمها وكان هو نفسه. فكَّر: هل يكون الفندق قد أعطى الغرفة لآخرين، وأنَّه كان عليه أن يعود إلى استعلامات الفندق أولًا. انتظر لحظة، ثم خطَا إلى الباب، وطرقَه طرقاتٍ معينة. فجأة، فُتح الباب وظهر أمامه «رشيد». ابتسم «أحمد» وهو يقول: لقد غيرتُم أصواتَكم!
ضحك «رشيد» وهو يردُّ: لقد كنَّا نمارس هواياتنا في تقليد الأصوات.
انضمَّ إلى الشياطين الذين التفُّوا حوله سريعًا، وقد ظهر الاهتمامُ على وجوههم، نظر لهم لحظة ثم سأل «مصباح» وهو يبتسم: كيف حال الصديقة الحسناء؟
ضحك «مصباح»، وقال: لا شيء أكثر من أنَّها من هواة دراسة الكمبيوتر.
قال «أحمد»: لا بأس، هل عند أحدكم معلومات جديدة؟
قال «رشيد»: لا جديدَ سوى انتظارك؛ فنحن نعلِّق كلَّ الآمال عليك وعلى السيد «وود».
ابتسم «أحمد» دون أن ينطق بشيء، فضحك «مصباح» قائلًا: هل هناك شيءٌ هامٌّ عندك ولا بد أنَّك حصلتَ على الكثير.
مرَّت لحظة قبل أن يبدأ «أحمد» في الحديث الذي بدأه قائلًا: لقد تحققَت آمالكُم كلُّها، ومرة واحدة.
تحفَّزَت ملامحُهم. وقال «رشيد»: نرجو ألَّا تدعَنا هكذا، ماذا حققت؟
مرَّت ساعة والشياطين ينظرون ﻟ «أحمد» في دهشة، بينما كانت ملامحه المبتسمة تجعل من حديثه مغامرةً في حدِّ ذاته. وعندما انتهى، صاح «مصباح»: أنت محظوظ يا عزيزي «أحمد».
ضحك «بو عمير»، وهو يقول: أليس من مواليد برج السرطان.
فضحكوا جميعًا. قال «أحمد»: والآن ينبغي أن نبدأ، إنَّ مغامرتنا يجب أن تنتهيَ قبل طلوع النهار، إنَّها مغامرة شاقة، لكننا سوف نحققها بإذن الله.
صمتَ لحظة، بينما كان الشياطين يقفون، وقال: نلتقي في النقطة «س» بعد ربع ساعة.
وفي هدوء، خرج الشياطين كلٌّ منهم إلى غرفته. أما «أحمد» فقد استغرق في التفكير، كانت خطة المغامرة تتجمَّع في ذهنه، الأجهزة المطلوبة، المواد المستخدمة، التوقعات، ثم قال لنفسه: إنَّها مغامرة رائعة! وابتسم وبدأ يجهِّز حاجيَّاتِه.
بعد خمس دقائق أخذ طريقَه إلى النقطة «س»، حيث يتجمَّع الشياطين. عندما خرج من باب الفندق، كان الليل شديدَ الظلام خاصة بعد أن خفَّت إضاءةُ الشوارع. ولم يكن يمرُّ في الشارع أحد، اللهم إلا سيارة تمرُّ كلَّ حين. كان يمشي في هدوء فهو … يعرف قسوة المغامرة، حتى مع روعتها. كان يذكر مغامراتٍ سابقةً في أعماق البحار، والصراع مع أسماك القرش والحيتان، ولم تكن هذه مسألة تؤرِّقه … لكن ما كان يؤرِّقه هو عملية تلغيم الباخرة، فهي تحتاج إلى تلغيم محكم، وما لم يتمَّ تلغيمها جيدًا، فإن عملية النسف لن تكون كاملة، وهذا يعطي فرصةً للبعض في النجاة.
وصلَت خطواتُه إلى حيث وجد بقية المجموعة داخل السيارة في انتظاره، أخذ مكانَه بجوار «باسم» الذي جلس إلى عجلة القيادة. ضبط «أحمد» بوصلةَ السيارة على اتجاه بيت «وود». فمن هناك تبدأ المغامرة. تحرَّك «باسم» بالسيارة، وتَبِع اتجاهَ البوصلة. كانوا صامتين تمامًا. لكن «رشيد» قطع الصمت قائلًا: يبدو أننا متوترون.
ابتسم «أحمد» ولم يردَّ، ولم يسكت «رشيد»؛ فقد أضاف ضاحكًا: أظن أنَّها أول مغامرة للشياطين!
ابتسم «أحمد»، وردَّ: نعم هذه أول مغامرة في عالم الإليكترونيات.
تدخَّل «مصباح» في الحديث، وقال: كيف، إننا نتعامل مع الإليكترونيات دائمًا، بل إنَّ معظم أسلحتنا تعتمد على الإليكترونيات!
كان «أحمد» يعرف أنَّ الشياطين قلقون فعلًا؛ فبعد أن رسم لهم صورةَ الموقف كما شاهده مع «وود» فَهِم من تعبيرات وجوههم ذلك، لكنَّه في الوقت نفسه، كان يعرف جيدًا أنَّ القلق هو بداية النجاح، وما دام الشياطين يشعرون به، فإنَّهم سوف يقومون بعمل عظيم.
أعطَت بوصلة السيارة إنذارًا رفيعًا حادًّا، فقال «أحمد»: لقد وصلنا.
دخل «باسم» بالسيارة في منطقة بعيدة بعضَ الشيء عن بيت «وود»، ثم توقَّف، فنزل الشياطين بسرعة، وأخذوا طريقَهم إلى الشاطئ. كان صوت الموج يأتي رقيقًا هادئًا. فجأة، وصلَت رسالة إلى جهاز الاستقبال الذي يحمله «أحمد». كانت الرسالة تقول إنَّ هناك ملابسَ غطسٍ خاصة عند النقطة «م»، وإنَّ اللنش ينتظرهم في النقطة «ك» في عمق البحر.
بسرعةٍ تحرَّك الشياطين إلى النقطة «م». كانت هناك علبٌ صغيرة بجوار بعضها … أمسك «أحمد» واحدةً منها، ثم ضغط زرًّا فيها فانفتحَت وتحوَّلَت إلى ملابس غطس كاملة، ملأت وجهَه ابتسامةٌ سعيدة، فهذه أول مرة يرى فيها هذا النوع من الملابس. وبسرعة، كان الشياطين يخلعون ثيابهم، ويلبسون ملابس الغوص. لمح «أحمد» دائرةً جديدة صغيرة، ففَهِم بسرعة. جذب الدائرة فانفتحَت الأرض عن صندوقٍ حديديٍّ خالٍ، فألقَوا ثيابهم فيه، ثم ترك الدائرة، فانغلق الصندوق، وبدَا كأنَّه لا شيء هناك. في هدوء، نزل الشياطين إلى الماء، وبعد خطواتٍ فيه غاصوا جميعًا. كان «أحمد» يتقدَّمهم، وقد أمسك جهازًا صغيرًا، يحدِّد الاتجاه به. قطعوا حوالي خمسمائة متر تحت الماء فأضاء الجهاز ثم انطفأ. عرف «أحمد» أنَّهم اقتربوا من اللنش. بعد عدة أمتار أخرى ظهر اللنش قابعًا في قاع البحر. اتجهوا نحوه. جذب «أحمد» يدًا حديدية، فانفتح بابٌ صغير، انزلق منه إلى الداخل، ثم أغلقه فوجد بابًا آخر جذبه فانفتح، حتى أصبح داخل اللنش، وفي دقائق، كان بقية الشياطين قد انضموا إليه. جلس «أحمد» أمام عجلة القيادة، ثم ضغط زرًّا في تابلوه اللنش، فانطلق يقطع المسافة في اتجاه الباخرة التي تُحدِّدها البوصلة الموجودة أمامه!