أسماك القرش تُساعد الشياطين!
كانت أعماق البحر هادئةً تمامًا، ولم يكن يظهر أمام الشياطين إلا مجموعاتٌ من السمك الصغير، كانت هناك فتحاتٌ زجاجية صغيرة يتسرَّب منها ضوءُ اللنش الداخلي إلى الماء. ابتسم «مصباح»، وقال: هذه المغامرة تذكِّرني بمغامرات سابقة لنا في أعماق الماء.
ابتسم «أحمد»؛ فقد تذكَّر هو الآخر نفسَ الأشياء. كانت أعين الشياطين تُتابع حركةَ الأعماق على الشاشة الصغيرة الموجودة في تابلوه اللنش. فجأة، ظهرَت نقطةٌ سوداء على الشاشة. تساءل «رشيد»: كم قطعنا من المسافة؟
قرأ «باسم» في تابلوه اللنش الأرقامَ التي سجَّلها عدادُ السرعة، وقال: قطَعنا خمسة وعشرين ميلًا.
قال «رشيد»: إذن، علينا أن نتوقَّع ظهور أشياء أخرى.
ظلَّت النقطة السوداء تقترب، فقال «مصباح»: قد تكون جهازَ إنذار مبكر.
ردَّ «أحمد»: ربما!
وبسرعة، ضغط زرًّا في تابلوه اللنش فانطلقَت أشعةٌ غير مرئية في اتجاه النقطة السوداء.
قال «أحمد»: الآن، تعطَّل عملُها، إنَّها لا تستطيع أن تُرسلَ أيَّ إنذار لمدة ثلاث ساعات.
تجاوز اللنش جهازَ الإنذار المبكر، واستمر في طريقه، لكن بين كلِّ مسافة وأخرى، كان يظهر جهازُ إنذارٍ جديد فيتعامل معه الشياطين بنفس الأسلوب، ولتكرار ظهور أجهزة الإنذار، فقد كان «باسم» هو المتخصص في تعطيلها حتى أطلق عليه «بو عمير» اسمَ: «باسم إنذار». فجأة، أعطى جهازُ الكشف إضاءةً متقطعة سريعة، فقال «أحمد»: هناك مشكلة جديدة.
أبطأ من سرعة اللنش وانتظر. كان جهاز السرعة في تابلوه اللنش يُشير إلى أنَّ الباقي من المسافة هو خمسة كيلومترات فقط. فكَّر «أحمد»: هل تكون منطقة السلاسل الحديدية قد بدأت؟ أعلن تساؤلَه للشياطين، فقال «مصباح»: إذا كان هذا صحيحًا، فإنَّ ذلك يعني أنَّ علينا أن نغادرَ اللنش فورًا.
ظلَّ «أحمد» متقدمًا في بطء. فجأة، ظهرَت سلاسل ضخمة، كانت تلمع تحت الضوء الصادر من نوافذ اللنش، وقال «بو عمير»: إنَّها من الصلب.
فجأة، ظهرَت سمكة قرش ضخمة مرة أخرى، وأخذَت تدور داخل السلاسل. ابتسم «أحمد»، وقال: إذن، لقد بدأت المعارك.
مرَّت لحظة قبل أن يقول: علينا أن نغادر اللنش!
لكن «رشيد» قال: إنَّ خمسة كيلومترات مسافة طويلة.
قال «أحمد»: لاحظ أنَّك تلبس ملابس غوص خاصة، وهي تساعدك على السباحة بسرعة.
لكن «رشيد» عاد إلى محاورته: المسألة ليست السباحة، ولكن هذه الوحوش التي تحتاج إلى صراع طويل.
ضحك «أحمد» وقال: بل إننا سوف نستغلها في الوصول إلى هناك.
لمعَت أعينُ الشياطين ونظروا لبعضهم البعض، في حين ابتسم «أحمد»، وهو يقول: إنَّ معي نوعًا من طعام هذه الأسماك الجميلة يجعلها تخضع لنا تمامًا، إنَّه نوع من المسحوق، تغمس فيه ملعقةً خشبية خاصة، فيلتصق بها، عليك أن تضعَها أمام أنف سمكة القرش. إنَّه يشمُّها ثم يتبعها هل تذكرون حكاية الفلاح والجزرة وهي حكاية قديمة؟
قال «باسم»: لقد سمعتُها، لكني لا أذكرها جيدًا.
ضحك «أحمد»، وقال: كان الفلاح يركب الحمار، وهو حمار كسول، وكان يريد أن يَصِل إلى السوق بسرعة. فكَّر قليلًا، ثم اهتدى إلى حيلة، أن يعلِّق جزرة في عصا، ويجعلها قريبة من عين الحمار فيراها، فيمدُّ فمَه ليأخذها لكنَّه لا يستطيع، فيظن أنَّه لو أسرع، فسوف يَصِل إليها، وهكذا أسرع في مشيته، واستطاع الفلاح أن يَصِل إلى السوق.
ضحك الشياطين؛ فهي حيلة ذكية. أضاف «أحمد»: علينا باستخدام نفس الحيلة لجذب أسماك القرش.
أخرج من حقيبته علبةً صغيرة وعددًا من الملاعق الخشبية، ووزَّع على كلٍّ منهم واحدة. وهكذا استعدَّ الشياطين، وقال «أحمد»: الآن علينا بالاطمئنان على كرات التفجير التي سننسف بها الباخرة.
في لحظات، كانوا ينزلقون من اللنش إلى الماء. تعلَّقوا بالسلاسل الضخمة، وأخرج «باسم» جهازًا صغيرًا، ضغط على زرٍّ فيه، فأصدر شعاعًا، انطلق إلى حلقات السلاسل؛ فإذا بها تنفكُّ سريعًا، وأصبحَت هناك فتحة كافية ليدخل منها الشياطين. فجأة، ظهرَت سمكة قرش ضخمة كانت تأخذ طريقَها بسرعة رهيبة في اتجاه الشياطين. استعد «أحمد» وأمسك بالملعقة الخشبية المغموسة في المسحوق، ثم وضعها في اتجاه القرش، وما إن وصل إليها حتى توقَّف فجأة. داعبَه «أحمد» بالملعقة، فتلوَّى في رشاقة، وكأنه يؤدي حركةً راقصة.
نظر الشياطين لبعضهم وابتسموا. تعلَّق «أحمد» في زعنفة القرش، ثم وضع الملعقة أمام أنفه، حاول القرش أن يلتقطَها، لكنها كانت بعيدةً بمسافة كافية، وانطلق القرش خلف الملعقة، وهو يحمل «أحمد» في اتجاه الباخرة، وبنفس الطريقة، كلما ظهر قرش، بدأ كلُّ واحد من الشياطين تنفيذَ نفس الخطة، وفي زمن قليل كان الشياطين قد تجمَّعوا في منطقة واحدة عند مؤخرة الباخرة، وتحدَّثوا معًا بطريقة اللمس. قال «أحمد»: الآن علينا مؤخرة الباخرة.
أسرع «باسم» و«رشيد» إلى اتجاه، كان كلٌّ منهم يحمل مجموعةً من الكرات الشديدة الانفجار. أما «مصباح»، و«بو عمير» فقد اتجهَا اتجاهًا آخر، وبقيَ «أحمد» في منتصف الباخرة. وفي دقائق، كان قد تم تثبيتُ كرات التفجير في جسم الباخرة، ثم اجتمعوا مرة أخرى، وقال «أحمد» بطريقة اللمس: سوف نقوم بتلغيم منتصفها.
وسوف أغوص إلى قاعها لأُثبتَ فيها عدة كرات أخرى، ثم نلتقي في نقطة «ص»، حيث يكون «مصباح»، و«بو عمير»!
انطلقوا حسب الاتجاهات، وغاص «أحمد» إلى أعماق الماء حتى أصبح تحت الباخرة، فأخذ يُثبت الكرات على مسافات متساوية. وعندما انتهى منها أخذ طريقَه إلى النقطة «ص». وهناك وجد «مصباح»، و«بو عمير». انتظروا قليلًا، إلا أنَّ «باسم» و«رشيد» لم يظهرَا. فكَّر «أحمد»: هل يكون قد حدث شيء؟ لمسَه «بو عمير» قائلًا: هل تكون أسماك القرش؟
ردَّ «أحمد»: لا أظن، وأخشى أن تكون هناك أجهزة إنذار أخرى، ويكون الاثنان قد انكشفَا.
فجأة، وصلَت رسالة منهما تقول: سوف نتجه مباشرة إلى المقدمة؛ فإن وصولنا إليكم سوف يستغرق وقتًا.
ابتسم «أحمد»، وقال: هذا تصرُّفٌ جيد.
وبسرعة أخذ الثلاثة طريقَهم إلى مقدمة الباخرة. لكن فجأة، حدَث ما لم يكونوا يتوقعونه. كان هناك أربعة يقومون بعمل ما عند المقدمة … ووصلَت رسالة من «رشيد» و«باسم» تسأل: ماذا نفعل … هل نصطدم بهم؟ … فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم ردَّ على الرسالة: لا تشتبكوا، دعوني أتصرف!
لمس «مصباح»، وقال: سوف نستخدم كرات الدم.
ردَّ «مصباح»: هذا هو الأسلوب الصحيح.
قال «بو عمير»: إنَّ اشتباكنا معهم سوف يلفت الأنظار، وما دمنا سوف نحقق الهدف بكرات الدم، فإنَّ ذلك سوف يكون كافيًا.
أخرج كلٌّ منهم كرةً حمراء صغيرة، ثم ثبَّتها في مسدسه، وضغط الزناد، فانطلقَت كراتٌ في اتجاه الرجال الأربعة. بعد قليل، ظهرَت أسماك القرش مندفعةً في قوة، ففهم «أحمد» أنَّ كرات الدم قد انفجرَت، ووصلَت رائحتُها إلى أسماك القرش. فجأة، جاءت رسالة من «رشيد» تقول: «هذا تصرف رائع؛ فنحن قريبان منهما، والمعركة حامية بين القروش والرجال!»
ابتسم «أحمد»؛ فقد حقَّقَت الفكرةُ نتائجَها كاملة. بعد دقائق، جاءَت رسالة أخرى، تقول: لقد انتهت المعركة، ويمكن تكملة العمل! بسرعة، تقدَّم الشياطين الثلاثة في اتجاه المقدمة، كانت آثار المعركة ما زالت باقية، قاموا بسرعة بتثبيت كرات الانفجار في أماكن متفرقة من مقدمة الباخرة … ثم أشار «أحمد» إشارةً فَهِمها الشياطين، وكانت تعني العودة.
سبحوا مبتعدين عن الباخرة بسرعة، تُساعدهم ملابس الغوص … في الانزلاق بمرونة، ولا يعطلهم الماء. لكن المسافة كانت طويلة، حتى الوصول إلى السلاسل. ظهرَت سمكة قرش ضخمة.
أسرع «أحمد» بتقديمِ ملعقتِه لها، فشمَّتْها. في الوقت نفسه الذي تعلَّق فيه كلُّ واحد من الشياطين في أحد الزعانف، ولم تمضِ دقائق حتى كان الشياطين عند السلاسل. بحثوا عن الفتحة التي فتحوها، لكن لم يجدوها. ومن جديد، أخرج «أحمد» جهازه الصغير، ثم ضغط الزر، فتحول الصلب إلى ماء، وتراخَت السلاسل. قال «بو عمير»، وهو يلمس «أحمد»: ما ذنب هذه الأسماك، التي يُمكن أن يقتلَها الانفجار؟
فَهِم «أحمد» ما يقصده «بو عمير»، فأسرع بإذابة السلاسل في أماكن متفرقة، ثم قال: قبل أن تنفجر الباخرة، سوف نستدعي أسماك القرش.
بسرعة، اتجهوا إلى اللنش. وقبل أن يدخلوا، أرسل «أحمد» بعضَ كرات الدم في اتجاه فتحات السلاسل، ثم انزلقوا إلى الداخل. وقال «أحمد»: سوف نطفو على سطح الماء، ثم نقوم بالتفجير.
أخذ يصعد باللنش، حتى طفَا على سطح الماء. كانت الباخرة تظهر وكأنَّها حيوان خرافي في ظلمة الليل، ولم تكن هناك أضواء كثيرة فيها، اللهم إلا ومضات هنا أو هناك. نظر «أحمد» في ساعته، ثم قال: إنَّها الثالثة صباحًا.
فجأة، ظهر عدد كبير من أسماك القرش، يقفز فوق سطح الماء. ابتسم مصباح، وقال: يبدو أنَّها سعيدة بحريتها.
ضحك الشياطين. نظر «أحمد» إليهم، وقال: الآن، هل نضغط زرَّ التفجير؟
ثم رفع «أحمد» إصبعه، وهو يقول: راقبوها وهي تنفجر، فهو مشهد لا يتكرر كثيرًا.
ثم ضغط الزر. مضَت دقائق. ثم فجأة، انفجرَت الباخرة، تحولت إلى كتلة من اللهب.
ابتسم «أحمد»، وقال: الآن، لن يستطيعوا سرقة الكمبيوتر العربي.
لم يكَد ينتهي من كلامه، حتى كانت هناك رسالة تتردَّد في جهاز استقبال اللنش، من رقم «صفر»، تقول: «أهنئكم، لقد قمتم بعمل عظيم.»
ثم أخذ اللنش طريقَه في العودة إلى الجزيرة؛ فقد كان «وود» في انتظارهم، وقد جهز لهم برنامجًا حافلًا لمشاهدة الأماكن السياحية في المدينة.