٤
ممرضة النهار، التي أوصت بها مسز بوتس، اسمها شينا. تبدو شينا في التاسعة عشرة، لكن أوراقها تشهد على أنها في التاسعة والعشرين؛ ممتلئة امتلاءً يتسم بالقوة والتناسق ويوحي بالثقة في النفس، وتحت كل ذلك مزاج رائق لا يهتز ولا يعتريه الشك. يشعر تجاهها بالكراهية منذ الوهلة الأولى، لا يريدها، لكن مسز بوتس تضغط عليه. تقول مسز بوتس: إنه عمل متخصص، تمريض خاص. عَملَت شينا من قبل مع مَن تَعرَّضوا للبتر. من الحماقة أن تردها على أعقابها. هكذا يستسلم. وتسلم مسز بوتس بدورها بأنه لا يحتاج إلى ممرضة في الليل، ما دام هو مسجَّل في خدمة الطوارئ، ويحتفظ بجهاز نداء في متناول يده طوال الوقت.
يحاذر من البقاء على يمين مسز بوتس؛ لأن لديه فكرة يعتقد أنها دقيقة عن قدرات مسز بوتس. مسز بوتس جزء من نظام الرفاهية. الرفاهية تعني رعاية مَن لا يستطيعون رعاية أنفسهم. إذا قررتْ مسز بوتس، في مكان ما تحت الخط، أنه عاجز عن رعاية نفسه، ويحتاج إلى الحماية من عجزه، فأي ملاذٍ يكون أمامه؟ ليس معه حلفاء يخوضون معركته. ليس معه إلا نفسه.
من المُحتَمَل، بالطبع، أنه يبالغ في تقدير شأن مسز بوتس. حين يحين وقت الرفاهية، حين يحين وقت الرعاية والمتخصصين في الرعاية، سيكون بالتأكيد قد عفى عليه الزمن. في العالَم الجديد الجريء الذي بُعِث فيه هو ومسز بوتس، الذي يرفع شعار عدم التدخل! قد لا ترى مسز بوتس أنها حارسته أو حارسة أخيها أو حارسة أي شخص آخر. لو أراد الأعرج والعاجز والمحتاج والمشرَّد الأكل من سلال القمامة والنوم في أقرب مدخل فليفعلوا ذلك، فليحتشدوا بإحكام، ولا ضير عليهم إن استيقظوا أحياء في الصباح التالي.
حين يعود به رجال الإسعاف إلى البيت تكون شينا في انتظاره على أهبة الاستعداد. تُرتِّب له غرفة نومه، وتشرف على الشغالة، وترشد الشغال إلى موضع نصب الحواجز، وتتولى كل شيء عمومًا. وضعتْ مسودة جدول يومي لكليهما يشمل الوجبات والتدريبات وما تطلق عليه ر. ب، رعاية البتر، وتعلقه على الحائط فوق رأسه. يتضمن ثلاث خانات، واحدة للضحى، وواحدة للظهيرة، وواحدة لما بعد الظهيرة، عنوانه «ش. د. وقت خاص»، وقت تخلو فيه مع نفسها في المطبخ لتستعيد حيويتها. تحتفظ بمتطلباتها في الثلاجة على رف مكتوب عليه «ش. د. خاص» وحتى لا تعاني من الملل تحتفظ براديو في المطبخ، على محطة تذيع إعلانات صارخة وموسيقى مكتومة. حين يطلب منها خفض الصوت تخفض الصوت، إلا أنه يظل يسمعه بلا مشقة.
يبدأ أول اختبار لقدراته الجسدية حين يحاول الذهاب إلى المرحاض، وشينا تسنده من كوعه. تحبطه عملية الجلوس: الساق اليسرى، ساقه اليسرى ضعيفة كالعجين. تزمُّ شينا شفتيها. تقول: إلى السرير في الحال، سأحضر لك البطة.
تسمي القصرية بطة، وتسمي قضيبه حَمَامته. تتوقف في المنتصف أثناء حمام بالإسفنج وقبل التعامل مع البتر، ويصدر عنها صوت طفلة. تقول: الآن إذا كان يريد من شينا أن تغسل له حمامته، فعليه أن يطلب ذلك بلطف شديد، إلا إذا كان يعتقد أن شينا من الفتيات العاهرات. أولئك الفتيات العاهرات العاهرات. وتداعبه بضربة على ذراعه لتبدو المسألة وكأنها نكتة.
يصبر على شينا حتى نهاية الأسبوع، ثم يتصل بمسز بوتس. يقول: سأطلب من شينا ألا تعود إليَّ، لا أتحملها. عليك أن تجدي لي ممرضة أخرى.
لا يمكن التخلص من شينا بهذه البساطة. بمرور الوقت تم تهدئة عروسه المحترفة، وكان عليه أن يدفع لها أجرة شهرين. يندهش لنجاتها من ضربات على هذا المستوى أثناء عملها في التمريض، ربما كان الراديو مجرد حيلة لإثارته، وكذلك الحديث الطفولي.
بعد شينا تعتني به سلسلة متعاقبة من الممرضات من الهيئة، ممرضات يطلقن على أنفسهن عاملات مُؤَقَّتات، تأتي الواحدة منهن ليوم أو اثنين في المرة. يسأل مسز بوتس: ألا يمكن أن تجدي واحدة منتظمة؟ ثمة عدد هائل من الطلبات لتمريض رعاية الضعاف. اصبرْ، اسمك في القائمة الأولى.
لا تستمر بهجته بالهروب من المستشفى وقتًا طويلًا. يسقط في حالة من المزاج السيئ، ولا يفارقه هذا المزاج. لا يحب أيًّا من العاملات المؤقتات، ولا يحب أن يُعامَل كطفل أو مَعتُوه، ولا يحب الصوت المرح المنشرح الذي يخاطبنه به. يسألن: كيف نحن اليوم؟ يقلن: «هذا طيب.» حتى حين لا يكلف نفسه عناء الرد.
يقلن: «مَتَى نضع ساقنا الصناعية؟ أفضل بكثير من العكاكيز، ساق جديدة، إنها كذلك، بمجرد تعليقها، سترى.» يكتئب من سرعة الغضب. يود أن يُترك وحيدًا؛ لا يريد الحديث مع أحد، تنتابه نوبات مما يعتقد أنه بكاء جاف. يفكر، لو تنزل دموع حقيقية. لو أتطهر بالدموع! يرحب بتلك الأيام التي لا تصل فيها، لسبب ما، واحدة لرعايته، حتى لو كان ذلك يعني أن يعيش على البسكويت وعصير البرتقال.
يلقي باللوم على المُسكِّنات في اكتئابه. ما الأسوأ، غيوم الكآبة في الرأس أم ألم العظام الذي يؤرقه طوال الليل؟ يحاول تجاهل الألم والعيش بدون أقراص لكن الاكتئاب لا ينتهي. يبدو أن الاكتئاب استقر كجزء من حالته العامة.
في سالف الأيام، أيام ما قبل الحادث، لم يعرف ما يمكن وصفه بالمزاج الكئيب. ربما كان وحيدًا، لكن كما تعيش ذكور بعض الحيوانات وحيدة. شغل نفسه أكثر مما ينبغي. استعار كتبًا من المكتبة، ذهب إلى السينما؛ لم يمتلك سيارة لكنه قاد دراجته أو سار على قدميه. ومع أن هذا النمط الحياتي جعله يبدو غريب الأطوار، إلا أنها كانت غرابة في الحدود الأسترالية المعتدلة. كان طويلًا، كان ممشوق القوام، حافظ على بعض القوة المرنة؛ كان من الرجال الذين قد يبقون حتى التسعينيات، غريب الأطوار تمامًا.
حسن، قد يحيا إلى التسعين، وإن حدث ذلك فلن يكون بالاختيار. فقدَ حرية الحركة، ومن الحماقة أن يظن أنه سيستعيدها ذات يوم، بالأطراف الصناعية أو بدونها. لن يتسلق أبدًا الهضبة السوداء مرة أخرى، ولن يذهب بدراجته إلى السوق ليتسوق، ولن يعتلي دراجته هابطًا منحنيات مُنْتاكيوت. انكمش العالم إلى هذه الشقة ومَبنًى أو اثنين حولها، ولن يتمدَّد مرة أخرى.
حياة مطوَّقة. ماذا كان سقراط سيقول عنها؟ هل يمكن تطويق حياة بهذا الشكل بحيث لا تستحق أن نحياها؟ يخرج الرجال من السجن، من سنوات التحديق في حائط أعزل، ولا تسيطر الكآبة على أرواحهم. ماذا يميز فقد أحد الأطراف إلى هذا الحد؟ حين تفقد الزرافة ساقها، ستهلك بالتأكيد؛ لكن الزرافات ليس لديها الهيئات التي توجد في الدولة الحديثة، المتجسدة في مسز بوتس، للعناية برفاهيتها. لماذا لا يبحث عن حياة مطوَّقة باعتدال في مدينة لا تقسو على المسنِّ الضعيف؟
لا يمكن أن يجيب على مثل هذه الأسئلة. لا يمكن أن يجيب؛ لأن حالته المزاجية لا تسمح له بالإجابة. هذا معنى أن يكون الشخص مكتئبًا، على مستوى أعمق بكثير من لعبة العقل وبريقه (لماذا ليس هذا؟ لماذا ليس ذاك؟) إنه، هو، الْهُوَ التي يدعوها أحيانًا أنت، وأحيانًا أنا، على استعداد تام لمعانقة العتمة والسكون والفناء. هو: ليس مَن اعتاد ذهنه الانطلاق بطريقة ما، بل مَن يتألم طوال الليل.
حالته، بالطبع، ليست خاصة. يفقد الناس يوميًّا الأطراف أو القدرة على استخدامها. يحتشد التاريخ بجنود بذراع واحدة ومُبتَكِرِين مُقعَدِين؛ بشعراء عميان وملوك مَجانين أيضًا. لكن يبدو أن القَطْع في حالته فَصَل الماضي عن المستقبل بنقاء نادر يضفي معنى جديدًا على كلمة جديد. لتبدأ حياةٌ جديدة بهذا القطع، إن كنْتَ حتى اليوم رجلًا، يحيا حياة الرجال، فقدْ تكون من اليوم كلبًا، يحيا حياة الكلاب. هذا ما يقوله الصوت، صوت من الغيم المعتم.
هل استسلم؟ هل يريد أن يموت؟ هل هذا ما ينحدر إليه؟ لا. السؤال زائف. لا يريد أن يقطع رسغيه، ولا يريد عشرين قرصًا من السومنكس وأربعة، ولا يريد أن يلقي بنفسه من البلكونة. لا يريد الموت؛ لأنه لا يريد شيئًا. ولكن لو حدث أن واين بلايت صدمه مرة أخرى وطيره في الهواء بأيسر ما يكون، فإنه متأكد من أنه لن ينقذ حياته. لن يلف مع الضربة، ولن يثب على قدميه. إذا كان في ذهنه فكرة أخيرة، إن كان هناك وقتٌ لفكرة أخيرة فستكون ببساطة، هكذا يجب أن تكون الفكرة الأخيرة.
توتر: تلك هي كلمة هوميروس التي ترد إلى ذهنه. يحطم الرمح عظام الصدر، يتدفق الدم، الأطراف متوترة، يتداعى الجسد كدمية خشبية. حسنًا، توترت أطرافه والآن تتوتر روحه أيضًا. روحه مستعدة للتداعي.
•••
ماريانا اسم المرشحة الثانية التي رشحتها له مسز بوتس للعمل بانتظام، كرواتية الأصل، كما تخبره أثناء لقائهما، غادرت الأرض التي ولدتْ عليها منذ اثني عشر عامًا، تدربتْ في ألمانيا، في بيلفِلد؛ حصلتْ منذ جاءت إلى أستراليا على ترخيص مُزاوَلة المهنة في جنوب أستراليا. وهي، بالإضافة إلى التمريض، تدير، بتعبيرها، «فائض الأموال». يعمل زوجها في مصنع لتجميع السيارات؛ يعيشان في مونُّو بارا، شمال إليزابيث، على بُعد نصف ساعة بالسيارة من المدينة. لهما ابن في المدرسة العليا، وابنة في المدرسة المتوسطة، وطفلة ثالثة لم تبلغ سن الالتحاق بالمدرسة.
ماريانا يوكتش امرأة شاحبة الوجه تبدو، إن لم تكن حقًّا، في منتصف العمر، ببعض السمنة حول الخصر، رزينة تمامًا. ترتدي زيًّا بلون زرقة السماء يستريح له بعد كل ذلك البياض، وشارتين باهتتين على الذراعين؛ تتحدث بسرعة، بإنجليزية أسترالية تقريبًا مع ترخيم سلافي ونطق ملتبس لحرف الإيه وأداة التعريف، مهجنة بلهجة لا بد أنها تلتقطها من أبنائها، ولا بد أنهم يلتقطونها بدورهم من زملاء الدراسة. لغة لا يألفها؛ لكنه يحبها إلى حدٍّ ما.
ينص الاتفاق الذي توصل إليه مع مسز يوكتش، بتوسط مسز بوتس، على أن ترعاه ستة أيام في الأسبوع، من الإثنين إلى السبت، وتُقدِّم له في تلك الأيام كل ما تجيده من مهارات الرعاية. يعود في أيام الأحد إلى خدمة الطوارئ. لن تكتفي بتمريضه، ما دام قد بقيتْ قدراته على الحركة محدودة، بل ستهتم بكل احتياجاته اليومية؛ أي تشتري طلباته وتُعِد وجباته، وتقوم بما خَفَّ من أعمال النظافة.
لم تَعُد آماله عريضة في سيدة من البلقان بعد ورطة شينا، إلا أنه، في الأيام التالية، يَمْتنُّ بتحفظ لقدومها. يبدو أن مسز يوكتش (ماريانا) تتمتع بالقدرة على تخمين ما هو مُستعِد له وما هو غير مُستعِد له. لا تعامله كعجوز أحمق مرتجف ولكن كرجل أُعِيقَت حركته نتيجة إصابة. تساعده بصبر، وبدون اللجوء إلى الحديث الطفولي، في تنظيف نفسه. تختفي من أمامه حين يخبرها برغبته في أن يكون وحيدًا.
يستلقي؛ تفك الشيء، البتر، وتُحرِّك إصبعها على الجزء المكشوف منه. تقول: غُرَز رائعة. مَن خاط هذه الغُرَز؟
– دكتور هَنْسِن.
– هَنْسِن. لا أعرف هَنْسِن. لكنه بارع. جراح بارع.
ترفع البتر ببراعة بيد واحدة، وكأنه بطيخة. عمل بارع.
تصبِّنه وتغسله، يكشف الماء الدافئ عن تَورُّد قرنفلي وأبيض، يبدو أقرب شبهًا بأسماك المياه العميقة التي لا تُرَى منه بفخذ ملتئم؛ يشيح بعينيه.
يسأل: «هل ترين الكثير مما هو سيئ؟» تزم شفتيها، وتبعد يديها في إيماءة تذكِّره بأمه. تقول الإيماءة: ربما؛ على حسب.
– هل تَرَين الكثير من … هذه؟ يمسُّ نفسه مسًّا خفيفًا بأنامله.
– بالتأكيد.
يقسِّمُ من يرتبطون به إلى فئتين: فئة صغيرة رآها، والبقية، تلك التي لن يراها أبدًا وهو مُمتَنٌّ لذلك. يُفاجَأ وكأنه أمر يثير الشفقة بأن ماريانا يجب أن تنضم مبكرًا جدًّا وبحسم تمامًا إلى الفئة الأولى.
يشكو لها: لَمْ أفهم أبدًا لماذا لَمْ يتركوا الرُّكبة؟ العظمة تلتئم حتى لو تَمزَّق المفصل، كان من الممكن بذل محاولة لإصلاحها، لو كنتُ أعرف الفرق الذي يعنيه فَقْد الركبة، ما كنتُ لأوافق أبدًا. لم يخبروني بشيء.
تَهزُّ ماريانا رأسها. تقول: إصلاح، جراحة بالغة الصعوبة. تحتاج سنوات في المستشفى وخارجها. لذلك، كما تعرف، لا يحبون إجراء عمليات إصلاح للمرضى المُسنِّين. للشباب فقط. ما الحكاية؟ إيه! ما الحكاية؟
تَضعُه ضمن المُسنِّين، أولئك الذين لا أهمية لإنقاذهم، إنقاذ مفصل الركبة أو إنقاذ الحياة، يحتار، أين يمكن أن تضع نَفْسَها؟ ضمن الشباب؟! غير المسنين؟! لا الشباب ولا المسنين؟! من لن تصيبهم الشيخوخة أبدًا؟!
نادرًا ما رأى إنسانًا يتفانى في واجباته مثلما تفعل ماريانا. القائمة التي تخرج بها من المحلات تأتي بفواتير مدبَّسة فيها، كل شيء على حدة، أو حين تغيِّر، تكتب بيد عالمها القديم النقي بآحاده المسننة والسبعات المعوجة والتسعات المعقوفة. تفوح من الوجبات التي تعد نكهة شهية للغاية.
حين يتصل به الأصدقاء للسؤال عن حالته، يشير إلى ماريانا ببساطة بوصفها ممرضة النهار. يقول: استخدمتُ ممرضة نهار ذات كفاءة عالية، تتسوق وتطبخ أيضًا.
لا يشير إليها باسم ماريانا مع أن الاسم يبدو شديد الألفة؛ حين يتحدثان يخاطبها دائمًا بمسز يوكتش، وتخاطبه بمستر ريمنت، لكن ليس لديه تَحفُّظ في أن يخاطبها بماريانا. يحب الاسم بمقاطعه الأربعة المشبعة القاطعة. يخاطب نفسه حين يشعر بغيوم الاكتئاب تعاوده: في الصباح ستكون ماريانا هنا، تماسكْ!
حتى الآن لا يعرف إن كان يحب ماريانا المرأة بقدر ما يحب اسمها، موضوعيًّا، لا تفتقر إلى الجاذبية. ولكن يبدو أنها تتمتع بالقدرة على قمع الجنس حين تكون برفقته. رشيقة، فعَّالة، مرحة. هذا هو الوجه الذي تُقدِّمه له، مستخدِمها، هذا هو الوجه الذي يدفع له ويجب أن يرضى عنه، هكذا يَتخَلَّى عن الغضب ويقهر الآلام ليلقاها بابتسامة، يَودُّ أن تعتقد أنه يَتقبَّل حظه العاثر بشجاعة؛ يَوَد أن تفكر فيه بشكل طيب وبكل احترام. إن كانت لا تعبث معه، فهو لا يراعي، هذا أفضل من الحديث المقنَّع بالحياء عن حمامته.
في صباح بعض الأيام تُحضِر معها طفلتها الصغرى، الابنة التي لم تلتحق بالمدرسة. مع أن الطفلة ولدتْ في أستراليا إلا أن اسمها ليوبا، ليوبيكا. يحب الاسم، ويمتدحه. بالروسية — تعني ليوبوف، إن لم يجانبه الصواب — الحب. كأن تسمي فتاة حبيبة أو الأفضل هيام.
تخبره بأن ابنها البكر بلغ السادسة عشرة. السادسة عشرة؟ لا بد أنها تَزوَّجَت صغيرة. ينشغل بمراجعة تقييمه لها. بالإضافة إلى أنها لا تفتقر إلى الجاذبية، تكون أحيانًا امرأة وسيمة حقًّا، ممشوقة، قوية، ذات شعر بني وعينين داكنتين، بشرتها زيتونية أكثر مما هي فاتحة؛ امرأة متناسقة، عريضة المنكبين، نافرة الثديين. يفكر في اصطياد كلمة إنجليزية تلمُّ بأوصافها، تيَّاهة. أسنانها صفراء من النيكوتين، وهذا عيبها الوحيد، تدخن بالطريقة الأوربية العتيقة، مع أنها تنسحب إلى البلكونة من أجله.
والفتاة الصغيرة جميلة حقًّا، بضفائر داكنة وجلد ناصع وعينين تلمعان بما لا يمكن إلا أن يكون ذكاءً. تشكل الاثنتان متجاورتين صورة جميلة. ينسجمان معًا أيضًا. وماريان تطبخ، تساعد الطفلةَ في صنع الكيك أو بسكويت الزنجبيل. من المطبخ يأتي لغط صوتيهما. الأم والابنة: تنتقل خصائص المرأة من جيل إلى جيل.