الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
«وقد تمَّ ربط الأخلاق بالدِّين تدريجيًّا، عندما أخَذ الفِكر الإنساني ينظر إلى الكون باعتباره وحدةً مترابطة متكاملة، يَسُودها نظامٌ دقيق يجمع الأجزاءَ إلى بعضها في توازُنٍ مُحكَم، ويرى وراء هذا الكون قدرةً إلهية واحدة غير مجزَّأة، وتجلَّت هذه الرؤية بأوضح أشكالها مع ظهور المعتقَد التوحيدي الذي لا يرى في الوجود سوى الله من جهة، والعالَم من جهة أخرى.»
يتعدَّد مفهوما الخير والشر تبعًا للمعتقَد الديني وفكرة التوحيد؛ فلكلِّ معتقَدٍ رؤيةٌ لاهوتية خاصة به حولَ الإله والشيطان، ويُمكِن إجمالُ ذلك في أربعة أوجُه؛ الأول: يرى أن الله صانع الخير والشر معًا، وهو المعتقَد التوراتي. والثاني: يجعل من الله كِيانًا مُفارِقًا يسمو على الخير والشر، لكنه يقف بجانب الخير، وهو المعتقَد الزرادشتي. والثالث: يتصوَّر وجود أصلَين أزليَّين لا أصلٍ واحد، وهما الله والمادة؛ فالله هو الخير، والمادة هي الشر، وهو المعتقَد المانوي. والرابع: يؤكِّد وَحْدانية الله وخيره وعَدْله، وأن الشر شخصية ما ورائية كبرى، ولكنها ليست أزلية، بل مخلوقة من قِبَل الله الذي أعطاها الحرية منذ البدء، وهو المعتقَد المسيحي والإسلامي. وفي إطار هذه الأوجُه الأربعة يتقصَّى «فراس السواح» مفهومَي الخير والشر في المعتقَدات، وانعكاسهما على الصيرورة التاريخية.