تأييد نابوليون للعلوم والفنون
لما كان نابوليون من ذوي العقول الراجحة والقلوب السامية، حقَّ عليه أن يُؤيِّد كل شريف وعظيم، وأي شيء أعظم وأشرف من العلوم والفنون؟!
والحق أنَّ النهضة العلمية التي حدثت في عهده خلَّدت له فضلًا كبيرًا، وجاءت طليعة جميلة للاكتشافات التي ميزت القرن التاسع عشر، وما كان نابوليون يجتزئ باحترامه للعلماء، بل كان يحميهم ويُؤيدهم ويستصحبهم، كما فعل في حملة مصر، حتى اجتمع لديه نخبة العلماء الذين حق لفرنسا أن تُفاخر بهم.
ولمَّا سلم إليه الشعب الفرنسوي مقاليد الإمبراطورية أغدق عليهم النعم ومنحهم الألقاب، وكان يرى أنه لا شيء أدعى إلى تشريف ملك أو إمبراطور من تشجيع الأُلَى ينهضون بالعلوم وينفعون الإنسانية.
وكان العلماء الذين قربهم وأكرمهم بطل أوسترليتز مُنقطعين إلى فروع مُختلفة من العلوم؛ فمنهم الرياضي الكبير مثل مونج، والكيماوي المدقق مثل برتوليه، والعالم الفلكي مثل لالاند، والمتبحر في علم الحياة مثل بيشا، وغيرهم من علماء الطبيعة والهندسة. ومما يستحق الذكر من أعمال أولئك العلماء أنهم لم يكتفوا بتوسيع نطاق التعليم بجهدهم العظيم، بل كانوا يأتون بمستحدثات خطيرة، ولقد فتح كل منهم بابًا من الأبواب التي دخلها بعدهم العلماء الآخرون ووصلوا منها إلى بعض الاكتشافات الخطيرة.
وكان الإمبراطور نابوليون يرى أنَّ تلقيبه ﺑ «عضو المجمع العلمي» لا يعلوه إلا اللقب الإمبراطوري، ولما كان قنصلًا أول وشغله أقل من مشاغله الكثيرة بعد ارتقائه إلى العرش، كان يحضر معظم جلسات المجمع العلمي ويفخر بكونه عضوًا في الفرع الميكانيكي منه، ثم انتخبه الأعضاء رئيسًا للندوة العلمية كلها ورأس جلستها العامة، وكان العلماء مُونج وبرتوليه ولابلاس من أحب الأصدقاء إليه، وكثيرًا ما كان يتأخر ليلًا لاستيفاء المناقشات الطويلة التي كانت تدور بينه وبينهم.
وكان يطيب له في كثير من الأحيان أن يوقِّع هذا التوقيع وهو في مصر: «بونابارت القائد الأكبر والعضو في المجمع العلمي».
أما الفنون فلم تكن عناية نابوليون بها أقل من عنايته بالعلوم، وكان فن التمثيل من جملة ما أحبه وحماه وأيَّده، على أنَّه كان يُفضِّل منه نوع المأساة المعروفة بالتراجيديا، وكان «ألما» الممثل الشهير أحد أصدقائه المقربين، وربما كان ميله إلى التراجيديا القديمة ناشئًا عن وجود القدوة والمثال فيها، ولما اجتمع لديه الملوك وأرباب التيجان في أرفور دعا إليه الممثل «ألما» وزملاءه في مسرح «الكوميدي فرنسيز»، وعند وصولهم التفت إلى صديقه «ألما» وقال: «أيها الصديق العزيز، لا يحقُّ لك أن تشكو؛ فإنِّي جمعت الملوك اليوم ليسمعوك.»
وكان نابوليون يميل إلى مطالعة هوميروس ويعجب بروايات كورنيل، ومما يؤْثر قوله في درسد: «لو كان كورنيل حيًّا لجعلته ملكًا.»
على أنه كان يكره فولتير وجان جاك روسو؛ لأن الأول أراد أن يهدم كل شيء، والثاني استحق الكره من أجل حياته الخاصة.
أما الشعراء فقد كان نابوليون يؤيد جماعة منهم مثل رينوار وأندريو وميلفوا وميشو.
وقيل إن نابوليون ساعد لوس دي لانسيفال في تأليف رواية هيكتور.
وما يقال عن تشجيعه للمؤلفين والممثلين يقال عن اهتمامه بالتصوير والموسيقى، فقد بلغ هذان الفنانِ في عهده درجة راقية، وكان بتهوفن الموسيقي الألماني الكبير في طليعة الذين ألفوا ألحانًا موسيقية «للجنرال المنصور»؛ أي نابوليون.