الفصل الأول
المنظر الأول
(دار متري)
(متري وحسن يتحادثان.)
متري
:
يا أبا الحُسن أنا كنت في انتظارك، أتحفني يا جدع بأخبارك. هل علَّقت يا عم
الإعلانات، وفرَّقت الأوراق على الأهالي والذوات؟
حسن
:
دانا صار لي من الفجر داير، أفرَّق العزايم على الدواوين والدوائر. وما خَلِّيت
لا حمزاوي ولا غورية، ولا موسكي ولا صرافية، إلا وأخبرت يهود ونصارى ومسلمين،
أن هذه الليلة رواية جديدة يحضرها باشوات عابدين.
متري
:
حقَّا انت يا حسن أصبحت لهجاوي، وتعلمت المكر ده كله من موليير رئيسنا
الحاوي.
حسن
:
يا خواجة متري بخَّر فمك وتكلَّم في موليير أبو جموس، أُنس كل مكان محيي
النفوس. والنبي ما نسوى بصلة من غيره، وخسيس فينا اللي ما يكتَّر خيره. دا رجل
الشهادة لله قلبه رءوف، تارك لنا إيراد التياترو وبيطلَّع من عِبَّه المصروف. تراه
يلاطف مزاجنا كبير وصغير، والحال إننا أشقياء وهو وحده الأمير.
متري
:
والله يا حسن كلامك صحيح، عَمِّنا جمس اللي سمَّاه خديوينا بلقب موليير مصر دا
رجل مليح، إنما ما لوش بخت مع الجماعة، الأولاد بيسوقوا عليه الشَّيْطنة والبنات
بتسوق عليه الدلاعة. والله ما يوجد متله في تياترات لندرة وباريس، هو المؤلِّف هو
المدرس هو المُبلِّغ هو الرئيس.
حسن
:
وده كله ما بيتمرش فيكم، بكرة يجيكم رئيس غيره يخفيكم. انظر يابو متري يا اللي بالعقل
مشهور، إنت انصح الجماعة وإلا فالدواير علينا تدور. آدحنا بقينا
الظهر وهم لسا ما جوش، فكيف يلعبوا الليلة قطعة جديدة إذا ما درسوش؟
متري
:
هم ليلة البارحة وعدوني أنا، بإن قبل الظهر يكونوا هنا.
حسن
:
أهم ما جوش، والمسيو جمس المسكين في التياترو منتظر اللعيبين. أنا شفته وهو
اللي قال لي اجري يا واد، رُح بيت متري هناك تلاقي الأولاد، قل لهم دا ما يصحش
أنا ما نيش خَدَّامهم، صار لي هنا ساعتين في انتظارهم.
متري
:
هس، سامع حد بيدق على الباب، دا عمنا اسطفان، اخطف رجلك وهات لنا جمس يا
خمران.
حسن
:
على العين والراس، يا سيد الناس (يخرج).
المنظر الثاني
(متري واسطفان)
متري
:
بون جور يا موسيو اسطفان، تفضل يا سيد الغزلان. الله عليك يا مهيِّج
المادامات، يا ساحر البلابل مصبَّب الحريمات.
اسطفان
:
ما أسعد هذا الصباح، بمشاهدة وجهك يا صاح. كيف حالك يا مَن للعين قُرَّة، وللقلب
بهجة ومَسرَّة؟ لعلك تكون بخير.
متري
:
دبِّتي تخرق الأرض يا مون شير. وانت يا أخ زيك اليوم، برضك نازل في بحر
المحبة عوم؟
اسطفان
:
محبة إيه وعوم إيه يا جندي؟ إنت اسمع الأخبار المهمة اللي عندي. ده فرغ
الهزار وبقي الجَد، وغدًا تسيل الدموع على الخد.
متري
:
الله لا يقدَّر يا سي اسطفان.
اسطفان
:
آهو قدَّر واللي كان كان.
متري
:
بس يا شيخ ما تصرعنيش، كلامك ده صحيح والا توشيش؟
اسطفان
:
خد واقرا ده جرنال شهير باسكندرية، يذم ويطعن ويلعن التياترات العربية؛
لكونها عن أصول النحو خارجة، ورواياتها مكتوبة باللغة الدارجة.
متري
:
واللي كتب الكلام ده هو مين، يا هل ترى من أبناء الوطن أو من
الأوربيين؟
اسطفان
:
إيطالياني كاتب هذه الأقوال، كما وإن إيطالياني ذات الجرنال.
متري
:
عرفته يا عم، دا رجل بالهَم. دا من رئيسنا جمس بالغيرة بيموت، وكل ما علينا
بيفوت ويرانا في لعبة جديدة بنعيد، عوض ما يقول لنا نهاركم سعيد، يقول لنا لعب
الروايات دي الهلس عار، ما ينبسطوا منها لا كبار ولا صغار. فقلنا له ذات يوم
ورينا رواياتك البديعة، فجاب لنا قطعة شنيعة، مُتنا من الضحك لمَّا قريناها، وتاني
يوم في وجهه حدفناها. وقال انه كاتبها بالنحوي بالقاف والنون، مثلًا نحن
يدخلون، ويلبس البنطلون، وانتو يشربون ويركسون ويظحكون، وبعد ذلك كلنا
ينطلقون.
اسطفان
:
دا رجل مجنون، فلا أحد يعتبر كلامه، ونحن ننجح وهو ما ينول مَرامه.
متري
:
إحنا نقدر بكلمتين نجاوبه ونسد فمه، ونخليه يهرب ويستخبى في حجر أمُّه.
الكوميدية تشتمل على ما يحصل ويتأتى بين الناس.
اسطفان
:
عفارم يا متري كلامك زي الألماس.
متري
:
فيا هل ترى العالم في مخاطباتها تستعمل اللغة النحوية، أو اللغة
الاصطلاحية؟
اسطفان
:
المشايخ وأصحاب المعارف والفنون، عمرهم ما بيكلموا بعضهم بالقاف
والنون.
متري
:
بقى رقيبنا الإيطالياني ده رجل مجنون، هو والذي في تأليفات رئيسنا جمس
يطعنون.
اسطفان
:
من خصوص عمنا جمس يكفيه، مدح جرائد الشرق والغرب فيه. دا رجل شهدت له
العلماء بأنه فريد العصر، ما أحد قبله عمل تياترو عربي في مصر. وأفندينا — أنعم
الله عليه بالعافية والخير — لما لعبنا أمامه سمَّاه موليير. وموليير هو مؤسِّس
التياترات الفرنساوية، وعمِّنا جمس منشئ التياترات العربية. فمن وقتها في سراية
عابدين، وفي الدوائر والدواوين، ما حدش يسميه جمس يا مون شير، جميعهم يقولوا له
يا موسيو موليير.
متري
:
والله يستاهل؛ لأنه قاسَى عذاب أليم، في إنشاء التياترو العربي العظيم.
ودرانيت باشا رئيس الأوبرا والتياترو الفرنساوي، اللي كان أصله أجزجي لهجاوي،
وكان يضرب حقن لعباس باشا جنتكمان، كان لإنشاء تياترو العربي أكبر عدو ودشمان.
إنما جمس دا جدع مكَّار، طلَّع عليه خامة وخلَّى دمه فار. ياما ضحك الخديوي
إسماعيل ليلة ما لعبنا في قصر النيل، على لعبة راستور وشيخ البلد والقَوَّاص،
وقال لدرانيت: جمس ما هوش خبَّاص، آهو نجح وعلِّم التشخيص لأولاد وبنات، اللي
عمرهم ما رأوا التياترات.
متري
:
وليلة ما لعبنا في تياترو الكوميدية الفرنساوية، لعبة حلوان والعليل،
والأميرة الإسكندرانية، انبسط هو والذوات، وضحكت من وسط قلبها الحريمات. ومن
سفر ساعة، العالم سمعت تصفيق الجماعة.
اسطفان
:
وإسماعيل باشا صدِّيق وخيري باشا وعمر باشا اللطيف، قالوا له برافو يا موليير،
والله تأليفك ظريف.
متري
:
إنما رئيسنا جمس ربَّة التواضع والاحتشام، ما يحبِّش أحد يمدحه، ودائمًا يقول
لذواتنا الكرام: كتابة الكوميديات ما هيش شَطَارة، الشَّطَارة لعبها أمامكم يا أبناء
الأمارة. والكلام ده وصَّلوه لأفندينا، وده سبب محبة الخديوي فينا. آهو أعطانا
مجانًا تياترو الأزبكية، اللي بيحضروه ليلاتي الذوات من عابدين
والإسماعيلية.
اسطفان
:
يا ليته يا متري ما أعطاه لنا، الإنعام ده رايح يفرَّق بيننا؛ لأن اللعيبين
واللعيبات بدِّهم من الميري تعيين ماهيات. وإلا ما يلعبش منهم لا كبير ولا صغير؛
لأن اللي بيدخل لهم من التياترو ما هُوش كتير. أنا شفتهم في الصباح، فاسمعت
منهم دا الكلام يا صاح.
متري
:
هس يا جندي، أنا سامع ناس في السلالم طالعين، لا بد إنهم اللعِّيبين.
اسطفان
:
نظرك في محَلُّه دول هما بذاتهم، دلوقت يا عم تسمع طلباتهم. إنت شيطان وأنا
إبليس، إن كنا جدعان نغيظهم وننصر عليهم مولييرنا الرئيس.
المنظر الثالث
(حنين وعبد الخالق وإلياس وبطرس والمذكورَين)
حنين
:
صباح الخير يا متري، بون جور يا اسطفان.
متري
:
صباح الخير إيه واحنا بقينا الظهر يا خمران؟
عبد الخالق
:
وإذا بقينا المغرب رايح يجرى إيه يا عم؟
اسطفان
:
ما تقدرش تدرس الرواية الجديدة ويبقا لعبنا بالهَم.
إلياس
:
العبها انت ومتري يا اسطفان، واقسموا بينكم المكسب يا جدعان.
بطرس
:
لأن احنا والبنات، حلفنا ما نلعبش إذا لم تتعين لنا ماهيات. دا جمس أَهْبَل، لو
كان زي درانيت بك رئيس لهجاوي، كان أفندينا رتِّب لنا ماهيات مثل لعيبين الأوبرا
والتياترو الفرنساوي.
حنين
:
بقا احنا نحْرُن ولمَّا يسمع أفندينا إننا بطلنا اللعب لعدم الماهيات يبقى
يكافينا.
إلياس
:
رسيت على حقيقة الأمر يا اسطفان أفندي؟
عبد الخالق
:
وانت يا متري فهمت مَرَامنا يا جندي؟
اسطفان
:
إنتم جماعة ما في قلبكمش رحمة، ده جمس بعد البيصارة صبحكم تاكلوا لحمة،
واللي ياكل عيش الكافر يضرب بسيفه، الأصيل طول عمره أصيل والخسيس يعمل
كيفه.
عبد الخالق
:
هو أنا اللي كنت آكل بيصارة يا سي اسطفان؟ إنتم يا خواني شاهدين.
اسطفان
:
البصارة غالية. دي عيشتك كانت عيش وبصل يا مسكين.
حنين
:
أمال أنا اللي كانت عيشتي بيصارة يا زربون؟
اسطفان
:
ما تطَوِّلش لسانك انت عيشتك كانت فسيخ وزيتون.
متري
:
فُضُّونا من البصل والفسيخ والزيتون والبيصارة، الزعيق والخناق ده ماهوش
شَطَارة.
إلياس
:
الحق بيد متري، الشطارة نمتثل لأمر جمس حبيبه، ونلعب له بلاش ونشهره وعمرنا
ما نسيبه.
متري
:
باردون يا سيد الناس، إنت زي القُطط تاكل وتنكِر يا إلياس. جمس غائب إنما الحق
يُقال، الرجل بيراعي في مزاجنا وبيصلح لنا الأحوال. ادحنا صار لنا بنلعب تاني
سنة، وأكلنا وِشْرِبنا وشُفْنا العز والهنا.
اسطفان
:
وجمس ما نابه إلا التعب والمقت، والجري والسهر وتضييع الوقت.
بطرس
:
ما قلت لكم يا جماعة إن متري وحبيب واسطفان، هم وجمس كأنهم إخوان.
عبد الخالق
:
كل ده كلام بوش احنا بدِّنا في الجَد؛ لأن في الدنيا دي ما حدش لحد. إن شا
الله ما فلحت التياترات العربية، أنا ما ألعب إذا لم تتعيَّن لي ماهية.
بطرس
:
والله يا عبد الخالق كلامك زين، واحنا كمان نتبعك أنا وإلياس وحنين. يالله
بنا يا حنين يالله بنا يا إلياس، نشوف لنا شُغلة بلا لعب بلا كسر راس.
اسطفان
:
يا متري دول الجماعة فاكرين، إن في مصر ما فيش غيرهم لعيبين. متري وأنا
وحبيب وجدنا اليومين دول عشرين لعيب من أولاد البلد اللُّطاف، بقى من تهديدهم ده
ما حدش فينا يخاف. والموسيو جمس بكلمتين لباشا من أصحابه يتحصل على جاريتين.
جاريتين من البيض إيَّاهم الجمالات، اللي يقروا ويكتبوا ويحفظوا أصعب الروايات.
وانتم تطلعوا بوشكم، وهذا ما ينوبكم من غشكم. الوقت راح يا متري، ده جمس في
انتظارنا، يالله بنا نسرُّه بأخبارنا.
عبد الخالق
:
بقى كنتم عاملين عُصبة علينا يا خواجات، ووجدتم لجمس أولاد وبنات؟
إلياس
:
إحنا نلعب الليلة ونغيظكم ولو بدون فلوس، وبكرة نوريكم شُغل الرجال، وايش تعمل
النفوس.
حنين
:
هو احنا يا اسطفان نايمين، إحنا أكتر منك يا متري مَكَّارين.
بطرس
:
إحنا قبلما جينا هنا ودينا التياترو البنات، وقلنا لهم إذا عصيتم على اللعب
تنعمل لكم ماهيات. وشفنا الموسيو جمس من بعيد، وسمعنا بنقول له: نهارك
سعيد.
حنين
:
أنا قلبي بيقول لي إن البنات ماتيلدة وليزة بكلمتين حلوين، يخلوا جمس يركب
يروح عابدين، ويقول للخديوي: يا أفندينا عاصية عليَّ الكومبانية، ولا راضية تلعب
إذا لم تتعيِّن لهم ماهية. فالخديوي يحب جمس وحالًا نبلغ المراد، وتترتب لنا
ماهيات يا أولاد.
متري
:
آه ده أمر صعب، وجمس فيه ياما تعب.
بطرس
:
خلونا نعمل شغلنا، ونقطونا بسكوتكم انتم الاتنين.
إلياس
:
يسكتوا ليه؟ خليهم يساعدونا بكلمتين.
بطرس
:
يالله بنا على التياترو؛ لأن الوقت راح.
عبد الخالق
:
والنبي إذا صرنا على قلب واحد ما قدامنا إلا النجاح.
متري
:
بقى رايحين تعملوا الريبتيسيون قدام جمس يا جماعة؟
إلياس
:
نعم، وبعدها نقول له إن إذا قَبْل لعب الليلة بساعة …
بطرس
:
ما جاب لناش أمر بترتيب ماهيات …
عبد الخالق
:
ما حدش مِنَّا يلعب لا أولاد ولا بنات.
اسطفان
:
كلام طيب، إنما احنا الليلة عندنا لعب كوميديات عديدة، لعبة الحَشَّاش ولعبة
البربري واللعبة الجديدة. وهي كوميدية البورصة المصرية، كوميدية صغيرة ومعانيها
بهيَّة.
عبد الخالق
:
أنا حافظها على ظهر قلبي يا اسطفان.
إلياس
:
وأنا تعلمتها على الغيب يا إخوان.
بطرس
:
أنا ما ليش فيها إلا صفحتين يا جماعة، أتعلمهم لكم في ربع ساعة.
متري
:
في اللعبة دي دخولكم قليل يا جدعان، والرَّك كله عليَّ أنا واسطفان.
عبد الخالق
:
عارفينكم يا خي ماهرين شُطَّار، تحفظوا دروسكم زي النار. إنت يا متري يابو عين
كحيلة، لك في لعبة البورصة مقالة جليلة.
بطرس
:
ودي مقالة كلها قوافي.
إلياس
:
متري يحفظها؛ لأن فِكْره رايق وذهنه صافي.
متري
:
يعني بتتمقلسوا عليَّ؟ طيِّب أنا أخزيكم؛ لأن ما حدش متلي يحفظ ألعابه
فيكم.
اسطفان
:
إحنا رايحين نرجع ثانيًا للخناق.
عبد الخالق
:
الله لا يقدَّر، إحنا اصطلحنا وحصل بيننا الاتفاق.
إلياس
:
بالله عليك يا متري يا نجيب، تسمعنا المقالة أم كلام عجيب.
متري
:
يا سي إلياس سمعًا وطاعة، بس ما تقاطعونيش في الكلام يا جماعة. بقى أنا رايح
أطلع في الكوميدية بصفة بانكيير، اللي في لعب البورصة عمره ما شافشي
خير.
بطرس
:
وتقول إيه يا متري؟ هات من تحايفك هات، يا قرة عين أولاد البلد يا مضحك
الذوات.
متري
:
أقول بعد ما اتنهِّدلي تنهيدة، تفلق الحجر وتِتْني الحديدة: لعنة الله يا بورصة
على مَن أنشاك، يدخل الإنسان كافي شرُّه ما يطلع منك إلا شاكي. عشرة آلاف جنيه
مصري تمام، حوِّشتها بصداقة من ذواتنا الكرام، ومن شغل القطن والغَلَّة، في أسيوط
وفي المحلة.
وكنت — زي ما يقولوا — ألحس مِسَنِّي، وأبات مِهَنِّي. وكنت دايمًا أضحك ليل ونهار، وأحب التنكيت والهزار. وكل يوم أحد أطلع مع زوجتي وأولادي بعربية، نتنزه في سكة شبرا وبعدها ندخل الأزبكية. نسمع في قهوة عمر آغا نغمة الأوتار، ومن محمد سالم والشنطوري وداود ألطف الأدوار. وبعد العشا نروح للتياترو العربي العجيب، وننبسط في لعب متري واسطفان وحبيب، وعبد الخالق وبطرس وإلياس وحنين، ونصفق ونقول عفارم للبنين. ومن هناك نرجع بيتنا نشرب القهوة العظيمة، ونحبس بها نفس دخان شبقات اليسمينة. إنما اليوم الأحوال تغيرت، وأفكارنا الرايقة تحيَّرت. الله يلعن البورصة ويوم دخولي فيها، ارحم يا ربي عبادك واخفيها. الله يجازي السمسار اللي غواني، وأدخلني البورصة وبمَكْره عَماني. وخَلَّاني أشتري وأبيع أوراق وأترك أشغالي، المشترى يصبح رخيص والمَبيع يصير غالي. هكذا الخسارة من الجهتين، عمري ما كسبت لي يوم في سنتين. أما صاحبي السمسار، بسلامته زي المنشار، ياكُل نازل وطالع، وكدا صَبَح هو متحَيِّن وأنا والع. والله أستاهل، ما يصحش إلا أعمل بورصجي، على شان ما تبقى السماسرة تروح عندي وتجي. والواحد منهم يقول لي: نهارك سعيد، اليوم الأخبار عال بدِّنا نعمل شغل جديد. ونعوَّض الخسارة القديمة، اسكت يابو الدهب النهاردة التلغرافات عظيمة. البروسياني انكسر، والفرنساوي انتصر. هات لي إذن بمشترى قد ماية ألف رنديتا فرنساوي، ناكل بهم اللوز والسكر صدقني أنا ما نيش لهجاوي. أنا سمسار أَحَب ما عليَّ أكسِّب الزباين، ما نيش زي السمسار إياه الخاين. وكان عندي خبر، سمعته من باشا معتبر. بس خليه في سرك، اسمع مني ده خبر يسُرَّك. قال صاحبنا الفرنساوي دخل في عيون الوزير، وراح يتقدم للجندي الكبير. ويعمل له سُلْفة ويدفع بها الكوبون، فكدا الأسعار تطلع، إِئذني أشتري لك من المصري قد مليون. آدي شغلتين، في ظرف جمعتين، تكسب فيهم بالقليل، عشرين ألف جنيه يابو خليل. آه وأنا كنت أصدق كل الأقوال، وعلى العِمْياني أعمل الأشغال. فكدا في أقل من سنتين، ضيَّعْت ما ورائي وما قدامي وصَبَح عليَّ دين. والأدهى إني خطَّبت بنتي الكبيرة، والمهر ألفين ليرة. وامبارح عم العريس الخواجة حبيب، قال لي يا بابا فرح أولادنا صار قريب. ودفع المهر، يستحق في آخر الشهر. بقى حضَّر لنا الخمسين ألف فرنك، نعدي ناخدهم بكرة من البنك. آه من الخمسين ألف فرنك، ما عندي ولا خمسين ألف بارة، الله يلعن البورصة ما نابني منها إلا الخسارة. يا ليت الخسارة بس إلا كمان نحول الجسم، والهتيكة والفضيحة وكَسْر الاسم. اشملني بكرمك وحِلْمك يا رحمن، الموت أفضل من دي العيشة اللي زي القطران.
وكنت — زي ما يقولوا — ألحس مِسَنِّي، وأبات مِهَنِّي. وكنت دايمًا أضحك ليل ونهار، وأحب التنكيت والهزار. وكل يوم أحد أطلع مع زوجتي وأولادي بعربية، نتنزه في سكة شبرا وبعدها ندخل الأزبكية. نسمع في قهوة عمر آغا نغمة الأوتار، ومن محمد سالم والشنطوري وداود ألطف الأدوار. وبعد العشا نروح للتياترو العربي العجيب، وننبسط في لعب متري واسطفان وحبيب، وعبد الخالق وبطرس وإلياس وحنين، ونصفق ونقول عفارم للبنين. ومن هناك نرجع بيتنا نشرب القهوة العظيمة، ونحبس بها نفس دخان شبقات اليسمينة. إنما اليوم الأحوال تغيرت، وأفكارنا الرايقة تحيَّرت. الله يلعن البورصة ويوم دخولي فيها، ارحم يا ربي عبادك واخفيها. الله يجازي السمسار اللي غواني، وأدخلني البورصة وبمَكْره عَماني. وخَلَّاني أشتري وأبيع أوراق وأترك أشغالي، المشترى يصبح رخيص والمَبيع يصير غالي. هكذا الخسارة من الجهتين، عمري ما كسبت لي يوم في سنتين. أما صاحبي السمسار، بسلامته زي المنشار، ياكُل نازل وطالع، وكدا صَبَح هو متحَيِّن وأنا والع. والله أستاهل، ما يصحش إلا أعمل بورصجي، على شان ما تبقى السماسرة تروح عندي وتجي. والواحد منهم يقول لي: نهارك سعيد، اليوم الأخبار عال بدِّنا نعمل شغل جديد. ونعوَّض الخسارة القديمة، اسكت يابو الدهب النهاردة التلغرافات عظيمة. البروسياني انكسر، والفرنساوي انتصر. هات لي إذن بمشترى قد ماية ألف رنديتا فرنساوي، ناكل بهم اللوز والسكر صدقني أنا ما نيش لهجاوي. أنا سمسار أَحَب ما عليَّ أكسِّب الزباين، ما نيش زي السمسار إياه الخاين. وكان عندي خبر، سمعته من باشا معتبر. بس خليه في سرك، اسمع مني ده خبر يسُرَّك. قال صاحبنا الفرنساوي دخل في عيون الوزير، وراح يتقدم للجندي الكبير. ويعمل له سُلْفة ويدفع بها الكوبون، فكدا الأسعار تطلع، إِئذني أشتري لك من المصري قد مليون. آدي شغلتين، في ظرف جمعتين، تكسب فيهم بالقليل، عشرين ألف جنيه يابو خليل. آه وأنا كنت أصدق كل الأقوال، وعلى العِمْياني أعمل الأشغال. فكدا في أقل من سنتين، ضيَّعْت ما ورائي وما قدامي وصَبَح عليَّ دين. والأدهى إني خطَّبت بنتي الكبيرة، والمهر ألفين ليرة. وامبارح عم العريس الخواجة حبيب، قال لي يا بابا فرح أولادنا صار قريب. ودفع المهر، يستحق في آخر الشهر. بقى حضَّر لنا الخمسين ألف فرنك، نعدي ناخدهم بكرة من البنك. آه من الخمسين ألف فرنك، ما عندي ولا خمسين ألف بارة، الله يلعن البورصة ما نابني منها إلا الخسارة. يا ليت الخسارة بس إلا كمان نحول الجسم، والهتيكة والفضيحة وكَسْر الاسم. اشملني بكرمك وحِلْمك يا رحمن، الموت أفضل من دي العيشة اللي زي القطران.
إلياس
:
حقَّا الليلة جميع سماسرة البورصة يكفروا، ويحدفوك بقوالح دُرَة
ويصفَّروا.
اسطفان
:
حدْف قوالح الدُّرة والتصفير، من جهة السماسرة يجعلوا متري لعيب شهير؛ لأن
يتضح من ذلك أن المقالة غاظتهم، وفتحت قلوب العالم بكراهتهم.
حنين
:
هس، آدي حسن يا ربي تكون أخباره ملاح.
اسطفان
:
ايش يا حنين والله ما قدامنا إلا النجاح.
المنظر الرابع
(حسن والمذكورين)
حسن
:
بون جور يا خواجات.
اسطفان
:
طيب بون جور هات لنا من تحايفك هات.
متري
:
قال لك إيه جمس لما جاي وراك؟
حسن
:
شفته في التياترو وحبيب والبنات هناك. وأمرني أقول لكم من كبير لصغير،
تتفضلوا عنده بدون تأخير.
متري
:
عبد الخالق حنين بطرس إلياس، يالله بنا على التياترو يا ناس. إنتم تعرفوا
قُبح اللعيبات، وتعرفوا جمس رجل حُر ما يتحمِّلش كلام فارغ من بنات.
اسطفان
:
اتمهمزوا يا جماعة الوقت راح، نجري على التياترو برجلينا يا ملاح.
حنين
:
الحق بيد أخينا اسطفان، على التياترو يا جدعان.
(الجميع يخرجون.)