اجتزاء البنية
أولًا: المصنَّفات الجزئية
ومن الصعب التفرقة بين اجتزاء البنية في موضوعاتٍ مستقلة كالإجماع والقياس، وبين الموضوعات المستقلة الوافدة من القرآن والحديث التي دخلت على علم أصول الفقه وهو في طور النشأة والتكوين، مثل الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول المستمَدة من علوم القرآن، والتواتر والآحاد المستمَدة من علم مصطلح الحديث.
ولا يكفي في «اجتزاء البنية» عرض الشكل فقط، أي بنية الموضوع الجزئي، بل يتم تحليل المضمون لمعرفة أوجه الخلاف حولها. ويتفاوت حجم تحليل المضمون؛ يكون تفصيليًّا إذا كان النص صغيرًا، ويكون مجمَلًا إذا كان النص طويلًا؛ لأنه يُستعمل أيضًا مع المصنَّفات الكاملة لمزيد من التفصيل.
- (أ)
الترتيب التاريخي لمعرفة متى تنشأ الحاجة إلى هذه الموضوعات الجزئية والجدال حولها في عصرها.
- (ب)
الترتيب الموضوعي من أجل معرفة الجدال حولها عبر العصور، مثل الجدال حول مراتب الإجماع بين ابن حزم وابن تيمية.
- (جـ)
الترتيب الأصولي في نسق الأدلة في علم الأصول بدايةً بالمصطلحات الأصولية التي تدخل في المقدمات، ثم الأدلة الأربعة والخلاف حول الإجماع والقياس، ثم مباحث الألفاظ، طرق الاستثمار، مثل مباحث العموم والخصوص.
ثانيًا: المؤلَّفات الاصطلاحية
(١) «الحدود في الأصول» أو «الحدود والمواصفات» لابن فورك (٤٠٦ﻫ)٤
وتضمُّ المصطلحات علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، وعلم أصول الدين أكثر. وهي حدودٌ عقلية خالصة لا تعتمد على أية أدلة نقلية من قرآن أو حديث، ولا تتضمن أسماء أعلام أو أصحاب فِرق ومذاهب، بل تضم أحيانًا بعض مصطلحات الفقه والحديث والتصوف.
(٢) «كتاب الحدود في أصول الفقه» للباجي الأندلسي (٤٧٤ﻫ)٧
ثالثًا: مباحث الألفاظ
(١) «العقد المنظوم في الخصوص والعموم» للقرافي (٦٨٤ﻫ)١٣
رابعًا: الإجماع
(١) «الإجماع» للقاضي عبد الوهاب المالكي (٤٢٢ﻫ)٣٥
- (أ)
استحالة القطع على أن الجماعة الكبيرة تتفق على اختيار الحق والصواب والعدول عن الباطل في كل الأوقات، واستحالة الاتفاق على الصدق في الإخبار عن الغيوب، واستحالة الصدق في كل الأقوال والأفعال.
- (ب)
إن جاز الخطأ على الواحد جاز على الجماعة، فالجماعة مجموع الآحاد، ويستحيل القول بأن الجماعة لا تُخطئ مع خطأ الآحاد، كما يستحيل الإجماع بالأغلبية دون الأقلية ولو كان واحدًا؛ فالحق كيفٌ وليس كمًّا.
- (جـ)
تجري العادة على استحالة اتفاق الجماعة على أمرٍ واحد من أمور الدنيا، والأولى ألا تتفق في أمور الدين؛ فأمور الدنيا تحكمها المصالح في حين أن أمور الدين يختلف فيها الناس على الشيء الواحد مصلحةً أو مفسدة.
- (د)
تعذُّر دخول أية جماعة تحت العد والحصر، واعتبار قولهم حجة مبني على وجوده، ووجوده مشروط بالعلم به وهو أمرٌ مُتعذر. ونظرًا لتكاثُر الأمة وزيادة آحادها فمن الصعب القول بأن هذا القول يمثِّل جميع الأمة، فيجوز وجود آحاد من المجتهدين لم يدخل في الحصر.
- (هـ)
لم يكن إجماع الأمم السالفة حجة، فالظن واحد في الأمم السابقة وفي هذه الأمة.
- (و)
لا يجوز أن يكون الإجماع تخمينًا أو حدسًا حجة. وإن كان الإجماع عن دليل أو أمارة فالحجية فيهما وليس في الإجماع، وإن كان خبرًا واحدًا أو اجتهادًا أو عمومًا قابلًا للخصوص أو مجملًا في حاجة إلى بيان فالإجماع لا يصح.
- (ز) إجماع الأمة على أمور الدنيا ليس حجة على من بعدهم نظرًا لتغيُّر المصالح طبقًا لتغيُّر الزمان، والأولى أن يكون ذلك في أمور الدين. والدليل على ذلك إجماع الأمة السابقة على القتال والجهاد، والأمة الحالية على الهُدنة والمصالحة.٣٩
- (أ) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ إذ تتوعَّد الآية من يتَّبع غير سبيل المؤمنين ومن يُشاقق الرسول؛ وبالتالي فإن اتباعهم وطاعته واجبة. واعتراضات النُّفاة على هذه الحجة كثيرة، منها الآية تدل على المنع وليس على الفرض؛ أي إنها حجةٌ سلبية وليست حجةً إيجابية، استدلال يقوم على برهان الخُلف، ويمكن اتباع سبيلهم دون الموافقة على أحكامهم. والجواب أن قبول حكم من أحكامهم هو اتباع للسبيل، كما أن الاتباع يقتضي صفة الإيمان وهو شرط الموافقة. وإذا عُلق الوعيد على اتباع السبيل بشرط بيان الهدى فإن القرينة في الدليل وليس في الإجماع. والجواب أن الشرط عائد إلى مشاقَّة الرسول بعد رؤية المعجزة، كما أن الآية جملةٌ مستقلة غير مشروطة، ولا يتطلب الاتباع معرفة صحة السبيل؛ فالإجماع لا يكون إلا عن صواب. وإذا كان الوعيد معلَّقًا على مشاقَّة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين فإنه يكون في الأمرين معًا، ولا ينتج عن ذلك مفسدة. ولا يُقال ولو كانت الآية تقتضي الاتباع لوجبت حين توفَّر شرط الإيمان؛ لأن الإيمان لا يكون إلا بالدليل، ولا يُقال إن الاتباع في الصلاح، بل في كل شيء، ولا يُقال إن الاتباع ندب لأن الاتباع في الشكل وليس في المضمون. والصيغة تدل على الاستغراق لجميع المؤمنين حتى يوم الدين، وليس بعد انقراض الأمة، وإلا كان مُتعذرًا. والاتباع يكون لسبيل المؤمنين دون غيرهم، وعن يقين وليس عن ظن، ولا يخلو عصر من المؤمنين، والاتباع للجماعة وليس للآحاد، للاتفاق وليس للاختلاف.٤٠
- (ب) يدل الحديث المشهور «لا تجتمع أمتي على خطأ» وصياغاته المتعددة، «لا تجتمع أمتي على ضلال» أو «ضلالة»، على أنه إذا انتفى الخطأ أو الضلال وقع الإجماع. ومع أنه خبر آحاد إلا أن الصحابة قبِلوه، يوجب العمل وإن لم يوجب العلم. والإجماع على خبر آحاد بمثابة حجة للخبر، يتحول به من الظن إلى اليقين. ولا يُحتج بإجماع اليهود والنصارى على صلب المسيح وهو باطل، فلكل أمة طرقُ نقلها والتحقق من صِدقه دون السؤال حوله بالرغم من تشكُّك علم النقد التاريخي للكتب المقدسة فيه، والسؤال حوله، وحجة الخبر مستمدة من حجة الآية. ولا مانع من قطع تواتر الخبر، يكفي إجماع الأمة على العمل به دون أن يقتضي ذلك تحويل تواتر خبر الآحاد إلى تواتر على العموم وعلى نحوٍ إلزامي. وجواز الإجماع على رأي لم يُنقل مع جواز نقل إجماع لم يتم يُنافي إجماع الأمة على أخبار مثل «لا ميراث لقاتلٍ عمد».٤١ كما لا يجوز على الأمة التواطؤ والكتمان، وقد أجمع الصحابة عليه، وكان إجماعهم بمثابة السنة المقطوعة ونص الكتاب، وهي أمةٌ عظيمة كبيرة يستحيل عليها التواطؤ والكتمان، وقد وردت أحاديث أخرى بهذا الصدد.٤٢ وتُجمِع الأمة على شجاعة علي وسخاء حاتم وحلم معاوية بأخبارٍ متصلة أصلُها خبر آحاد مع اتفاق معانيها. ولم يعترض أحد من الصحابة وإلا كان تم نقله بالرغم من توفُّر الدواعي على إظهار غيره، ولا يُقال إن الإجماع في الشكل ولكن في المضمون. قد تكون هناك أشياء تنهى عن الصواب والخطأ لأن الفعل قصد والقصد حكم. وليس المقصود بالضلالة السهو فحسب كما هو الحال في باقي الأمم، بل الخطأ العمد. وليس المقصود أيضًا الكفر، بل الخطأ في الحكم. وليس نفي الخطأ في حكمٍ واحد، بل كفعلٍ ذاتي يتكرر في الأحكام. والاحتجاج بالإجماع على أن الإجماع حجة ليس وقوعًا في الدَّور، بل استدلال بالخبر على أن الإجماع حجة. وإذا اجتمعت اليهود والنصارى على صلب المسيح فلا تجتمع الأمة الإسلامية على اتساع رقعتها وكثرتها على خطأ. وقد منعت عصمة الأنبياء وقولهم في الخطأ مما لا يمنع أن تكون أمة الإسلام كذلك، مثل الإجماع على إمامة أبي بكر وقتال أهل الردة. والجماعة تُفارق الواحد وتصوِّبه لأنها ليست مجرد مجموعة أفراد.
- (جـ) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. وهو دليلٌ نقلي يدل على عدم اجتماعها على خطأ في كل الأحكام وليس في بعضها، فلا تخصيص في الحكم. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شرط التفضيل، يمنع من الاجتماع على خطأ. ومدح الأمة ليس مجرد ثناء، بل لسببٍ فِعلي هو صواب الحكم، وليس مجرد وصف بالعدالة والفضيلة مع احتمال وقوعها في السهو الغلط؛ لأن ذلك يقدم في العدالة.٤٣
- (د) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. وهو أيضًا دليلٌ نقلي، ويعني الوسط العدالة والخيرية والنزاهة؛ مما يؤدي ذلك كله إلى الصواب في الحكم. وهو خطابٌ عام يتجاوز عصر الصحابة طبقًا لخصوص السبب وعموم الحكم. والشهادة على الناس في لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ للجميع وليس للبعض.٤٤
- (هـ) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. وهو دليلٌ نقلي ثالث يُشير إلى الأمة الحالية حتى ولو كانت أمة الصحابة وليست الأمة الماضية، وبالرغم من وجود النبي فيها. والصيغة في المضارع وليست في الماضي.
(٢) «مراتب الإجماع» لابن حزم (٤٥٦ﻫ)٤٦
(٣) «نقد مراتب الإجماع» لابن تيمية (٧٢٨ﻫ)٥٣
(٤) «الانتصار لأهل المدينة» لابن الفخار (٤١٩ﻫ)٥٧
هذا هو مذهب مالك وصحبه، دون الإجماع عن طريق الاجتهاد والاستنباط والاستدلال، فليس لأهل المدينة على غيرهم من علماء الأمصار فضلٌ فيه؛ لأن الاستدلال لكل العلماء بالرغم من تفضيل بعضهم على بعض في الفهم. أما الرواية عن الرسول فأهل المدينة حجة على غيرهم ومصدر للمسلمين فيها، وهو ليس مذهب مالك وحده، بل أيضًا مذهب أبي حنيفة، وقد رجع إليه صاحبه أبو يوسف بعد مناظرته لهارون، كما احتجَّ مالك على مذهب أهل الكوفة بمذهب أهل المدينة في الأذان والإقامة وزكاة الخضر وغير ذلك ما ثبت بالنقل. وما نقله غير أهل المدينة ليس نقلًا مُتواترًا باستثناء نقل الشاهد العدل. وفي قبول خبر الواحد العادل يتساوى أهل المدينة وأهل سائر الأمصار.
(٥) «إجماع أهل المدينة» للقاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي (٤٢٢ﻫ)٦٣
(٦) «إجماع أهل المدينة» للإمام علي بن إسماعيل الأبياري (٦١٨ﻫ)٦٥
- (أ)
نقل عمل مُستفيض كابرًا عن كابر مثل مسألة الأحباس التي أنكرها شريح وهو لم يقم في المدينة، وأقرَّها الصحابة والتابعون، وأصبحت سنةً حية في الممارسة اليومية التاريخية.
- (ب)
سماع أخبارها ومخالفتها يُسقط حجة الرواية؛ فالأولى بقاء عمل أهل المدينة ونسخه للأخبار المخالفة التي لم تعش في الممارسة، نُقلت أم لم تُنقَل، وهو بمثابة خبر تم الاتفاق عليه.
- (جـ)
نقل خبر يُناقض حكمًا، ولكن غلبة الظن تقضي بأن الخبر لا يخفى عن الجميع لنزول الوحي بالمدينة ومعرفة أهلها بالسنة؛ لذلك كان الناس إذا اختلفوا في شيءٍ احتكموا إلى أهل المدينة.
- (د)
نقل خبر على خلاف القضاء والقياس على غير ذلك يوقع النفس في التردد بين الخبر والقياس، مثل القصاص بين الحر والعبد وبين الكافر والمسلم «يجري في النفوس من أحد الجانبين»، في حين لا يجري القصاص بينهما في الأطراف إذا وقعت فيها الجراح؛ فالنفس مقدَّمة على الأطراف، تقديم الكل على الجزء. وهو قول جمهور الفقهاء، الفقهاء السبعة، وإن كان القياس يقضي إلحاقها بالنفوس. ولمالكٍ قولٌ مُشابه، ولكن الأشهر الأول بناءً على خبر. وقد أقرَّ الشافعي بإقراره خبرًا عن علي لأنه لا يفعل إلا عن توقيف؛ فما أُنكرَ على مالك هو عين مذهب الشافعي وطريقته في تغليب جهة الظن.
- (هـ)
أن يُصادف القضاء لا على خلاف خبر منقول أو قياس يدعو إلى التمسك بالخبر لأجل مخالفة القياس. والصواب عدم ترجيح العمل المنقول وترجيح النظر سواء كان مُوافقًا أو مُختلفًا معه. وقول أحد المُناظرين إنه أعلم من الغير جنوحًا إلى التقليد من غير دليل، وهو مُناقض للاجتهاد.
(٧) «مسألة مرسومة في إجماع أهل المدينة» للقاضي الربعي المالكي (٦٣٢ﻫ)٧٠
(٨) «عمل أهل المدينة» للإمام القرافي (٦٨٤ﻫ)٧٢
- (أ)
المقصود من تلك الأقوال أو الأفعال المنقولة عن الرسول من السلف إلى الخلف، ومن الآباء إلى الأبناء. وقد سأل مالك أبا يوسف الذي سأل أبناء الصحابة عن الأذان وأوقاف الصحابة فأقرُّوها، فرجع أبو يوسف عن مذهب أبي حنيفة؛ ومن ثَم يخرج الحديث المنقول عن الواقعة عن الظن والتخمين إلى حيِّز العلم واليقين، وعلى أقل تقدير يرتقي عمل أهل المدينة إلى مستوى خبر الآحاد الذي يؤسِّس العمل اليقيني وإن بقي العلم ظنيًّا.
- (ب) المقصود أكثر من ذلك، وهو الاتفاق على نقلٍ سواء كان فعلًا أم لا. ويقوم على الأحاديث التي قد تكون منسوخة، ويكون النقل المتفَق عليه ناسخًا. ولا عبرة بالمكان، ولو تغيَّر المكان لظل النقل صحيحًا، لا خصوصية إذن للمكان. ومع ذلك يرجِّح أهل الحديث الأحاديث الحجازية على الأحاديث العراقية، حيث قال البعض «إذا تجاوز الحديث الحَرة انقطع نخاعه». فالمدينة مهبط الوحي، والضبط فيها أكثر، وإذا بعُد المكان كان احتمال الخلط أكثر. ولو سكن هؤلاء الرواة بغير الحجاز لظلَّت روايتهم صادقة. ولا تُستعمل أدلةٌ نقلية، بل الاعتماد على العقل وحده في هذا العصر المتأخر. ومن الأعلام يتقدم مالك على أبي يوسف الذي يتقدم على أبي حنيفة،٧٣ ومن الفِرق يُذكَر أهل الحديث والمحدِّثون والعلماء وأبناء الصحابة وأوقافهم،٧٤ ومن الأماكن الحَرة والحجاز.٧٥
خامسًا: القياس
(١) «إبطال الاستحسان» للشافعي (٢٠٤ﻫ)٧٦
وقد بدأ الجدال حول القياس الشافعي نظرًا لموقفه من تثبيت الأدلة النقلية، الكتاب والسنة، على حساب الأدلة العقلية مثل القياس، خاصةً إذا كان في شكله الحر، وهو الاستحسان في قوله الشهير «من استحسن فقد شرَّع»، وهو في العادة ملحق لكتاب «الأم» في الفقه. وهو كتابٌ صغير يضمُّ عنوانين «كتاب إبطال الاستحسان» و«باب إبطال الاستحسان». وهو مُتقطع إلى فقراتٍ يفصلها «قال الشافعي»، وكأن شخصًا آخر هو الذي روى عن الشافعي؛ فهو جزء من «الأم» وليس كتابًا مستقلًّا، وكأن أصول الفقه قد تولَّد من رحم الفقه، ومجموعة من المبادئ الكلية لتنتظم الأفعال الجزئية؛ لذلك تظهر فيه بعض الأمثلة الفقهية. يُقيم تعارضًا بين القرآن وما دونه، ويجعل الاستحسان تعبيرًا عن الأهواء البشرية اعتمادًا على تفرقة القرآن بين «الحق» و«الهوى»، وهو في النهاية لفظٌ قرآني يصعب شكلًا وموضوعًا، لفظًا ومعنًى، أصلًا وفرعًا. يعتمد على القيل والقال والرد مسبقًا على الاعتراضات من أجل قدر ولو بسيط من الاتساق العقلي. ينقد المشرقيين من أهالي خراسان لأنهم يعتمدون على العقل أكثر من النقل، ويقصد بهم الفقهاء الأحناف.
ولا تُذكَر أسماء أعلام من الفقهاء أو المتكلمين باستثناء الرواة لإثبات صحة السند؛ فالحديث حجةٌ قطعية مثل القرآن، وما دون النص وخارجه يبطل.
(٢) «القياس الشرعي» لأبي الحسين البصري (٤٣٦ﻫ)٧٨
(٣) «ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل» لابن حزم (٤٥٦ﻫ)٨٣
ونظرًا لأهمية إبطال القياس في المذهب الظاهري عند ابن حزم فإنه لخَّص باب «إبطال القياس» من «الإحكام» في هذا الكُتيب الجزئي الخاص، وهو في الحقيقة موضوعٌ واحد، هو الدليل الرابع في علم الأصول الاجتهاد في صيغة القياس الذي يقوم على التعليل عند الشافعية وكل أشكال الاجتهاد الأخرى، مثل الرأي عند الحنفية والاستحسان عند المالكية.
والتلخيص هنا، وهو نوعٌ أدبي، ابتدعه الفلاسفة أولًا، وسار فيه المتكلمون والأصوليون والصوفية بعد ذلك. وهو ليس مجرد اختزال لباب «القياس» في «الإحكام» كما فعل ابن سينا في تلخيص «الشفاء» في «النجاة»، وانتقاء فقرات دون أخرى، بل هو إعادة كتابة النص مع التركيز على الحجج دون إسهاب وتطويل.
(٤) «شفاء الغليل في بيان الشَّبه والمخيل ومسالك التعليل» للغزالي (٥٠٥ﻫ)٩٤
ويتَّضح من «شفاء الغليل» أن علم أصول الفقه قد نشأ ليس فقط لضبط أحكام القرآن كما هو الحال عند الشافعي والجصاص، بل أيضًا من أجل ضبط الخلافات الفقهية عند المُجتهدين، وإيجاد منطق مشترك للفقهاء؛ منطق لغة مثل الشافعي، أو منطق استدلال مثل الجصاص، أو جمعًا بينهما مثل الغزالي.
(٥) «رسالة المصالح المرسلة» لنجم الدين الطوفي (٧١٦ﻫ)١١٢
(٦) «القياس في الشرع الإسلامي» لابن تيمية (٧٢٨ﻫ)١١٦
(٧) «القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد» للشوكاني (١٢٥٥ﻫ)١٣٤
(٨) «القول السديد في الاجتهاد والتجديد» لرفاعة رافع الطهطاوي (١٨٧٣م)١٤٤
(أ) ابن فورك، الحدود في الأصول (٤٠٦ﻫ).
(ب) الباجي، الحدود في الأصول (٤٧٤ﻫ).
(ﺟ) أبو الحسين البصري، القياس في الشرع الإسلامي (٤٣٦ﻫ).
(د) الغزالي، شفاء الغليل في بيان الشَّبه والمخيل ومسالك التعليل (٥٠٥ﻫ).
(ﻫ) القرافي، العقد المنظوم في الخصوص والعموم (٦٨٤ﻫ).
(و) الطوخي، المصالح المرسلة (٧١٦ﻫ).
(ز) الشوكاني، القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد (١٢٥٥ﻫ).
(ﺣ) الطهطاوي، القول السديد في الاجتهاد والتجديد (١٢٧٣م).
ومن النوع الثاني:
(أ) الشافعي، إبطال الاستحسان (٢٠٤ﻫ).
(ل) ابن حزم، ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل (٤٥٦ﻫ).
(ﺟ) ابن حزم، مراتب الإجماع (٤٥٦ﻫ).
(د) ابن تيمية، نقد مراتب الإجماع (٧٢٨ﻫ).