أولًا: السمات العامة لأصول الفقه الشيعي
(١) البداية المتأخرة والازدهار المتأخر
وضع السُّنة «علم الأصول» بفضل «الرسالة» للشافعي (٢٠٤ﻫ) واضع العلم بحق،
وتأخَّر الشيعة في المساهمة في صياغة العلم؛ فأول مصنِّف شيعي كامل في علم
الأصول هو «التذكرة بأصول الفقه» للشيخ المفيد (٤١٣ﻫ)، ثم «الذريعة إلى أصول
الشريعة» للشريف المرتضى (٤٣٦ﻫ)، أي في القرن الخامس الهجري، والذي كاد أن
يقترب فيه أصول الفقه السني من الذروة في «المستصفى» عند الغزالي (٥٠٥ﻫ)، وبعد
أن وُضعت أصول الجصاص والكرخي والبزدوي من قبل.
وبعد أن انتهى أصول الفقه السُّني أو كاد في «الموافقات» للشاطبي، وبدأ عصر
الشروح والملخصات، ازدهر أصول الفقه الشيعي في القرنين الرابع عشر والخامس عشر،
حتى ليكاد يُسمى القرن الرابع عشر الهجري بحقٍّ قرن أصول الفقه الشيعي. بدأ
أصول الفقه السُّني مُبكرًا في القرن الثاني، وانتهي مُبكرًا في القرن السابع،
في حين بدأ أصول الفقه الشيعي مُتأخرًا في القرن الخامس ولم ينتهِ بعد، بل
ازدهر في القرن الرابع عشر، وما زال مُزدهرًا في القرن الخامس عشر.
١
وقد نشأت نفس الظاهرة في علوم الحكمة عندما توقَّفت عند ابن رشد (٥٩٥ﻫ) عند
أهل السنة، واستمرَّت عند الشيعة حتى صدر الدين الشيرازي (١٠٥٠ﻫ) على مدى أربعة
قرون، حيث ازدهرت العلوم الرياضية خاصة، مثل الطوسي وغيره من أعلام العلوم
الرياضية والمنطقية.
وكَوْن أصول الفقه الشيعي قد تأخَّر في الظهور عن أصول الفقه السُّني بقرنين
من الزمان لا يحتاج إلى دفاع لارتباط أصول الفقه السني بالسلطان، وأصول الفقه
الشيعي بالمعارضة، ولاستمرار أصول الفقه الشيعي وازدهاره في القرنين الثالث عشر
والرابع عشر، في حين توقَّف أصول الفقه السني باستثناء بعض الشروح والملخصات
والحواشي، والموضوعات الجزئية لا تكون علمًا، خاصةً وأن علم أصول الفقه اعتمد
على علوم اللغة والحديث والقرآن. صحيحٌ أن هناك «الألفاظ ومباحثها» لهشام بن
الحكم، ولكنها أقرب إلى علم اللغة، و«اختلاف الحديث ومسائله» ليونس بن عبد
الرحمن، ولكنها أقرب إلى علم الحديث. ولم يصعد علم الأصول ثم ينزل في هذه
الفترة المُبكرة قبل الشيخ المفيد بجيلين، الشيخ الخليل حسن بن علي ابن أبي
عقيل، وجعفر بن محمد بن قولويه صاحب كتاب «كامل الزيارات» و«المتمسك بحبل آل
الرسول»، وأحد مشايخ الشيخ المفيد. وصحيح أيضًا وجود «تهذيب الشريعة لأحكام
الشريعة» للإسكافي، ولكن ذلك كله أقرب إلى الفقه منه إلى أصول الفقه. إنما
البداية لعلم أصول الفقه الشيعي هو الشيخ المفيد الذي يُعادل الشافعي عند أهل
السنة، ثم السيد المرتضى ثم الطوسي.
٢
ويمكن افتراض عدة أسباب وراء هذه الظاهرة العكسية في تاريخ أصول الفقه
السُّني الذي بدأ مُبكرًا وانتهى مُبكرًا، وأصول الفقه الشيعي الذي بدأ
مُتأخرًا ولم ينتهِ بعدُ في الآتي:
-
(١)
إسراع أهل السنة في التشريع من أجل تثبيت الأمر الواقع وتثبيت
الفكر الأصولي لصالح السلطة القائمة، كما فعل الشافعي في «الرسالة»
بعد سقوط الأمويين، وتدعيم الدولة، وتقنين الفكر، ووضع الأصول،
وتثبيت القواعد، في حين انشغل الشيعة بمعارضة آل البيت للسلطة
القائمة من أجل تغييرها. انشغل السنة بالتقنين وإيجاد شرعية
للسلطة، بينما انشغل الشيعة بالتغيير وزعزعة السلطة القائمة من أجل
العودة إلى الشرعية المغتصَبة.
-
(٢)
السلطة في موقع الدولة تكون أحوج إلى وضع الشرائع والقوانين
وتنظيم المجتمع، في حين أن السلطة في المعارضة تُحافظ على وجودها
كأقليةٍ سِرية تعصي القانون وتعتبره ظالمًا؛ فالموقفان مختلفان بين
القانون وعصيانه، بين فرض القانون والثورة عليه.
-
(٣)
انشغال الشيعة بتثوير العقائد أكثر من تثوير الشرائع خاصةً
الإمامة؛ أي السلطة السياسية التي أصبحت في قريش بيعةً خاصة ثم
عامة، وليست نصًّا أو تعيينًا بالاسم أو بالرسم، بالشخص أو بالوصف.
ووضعوا عقائد الغيبة والعصمة والتقية، وغالت بعض الفِرق بوضع عقائد
الألوهية والحلولية في الأئمة. وتثوير العقائد أولى من تثوير
الشرائع؛ فالعقائد تصوُّرات للعالم، والشرائع قواعد للسلوك.
-
(٤)
بروز «التأويل» في مُقابل «التنزيل»، والصعود إلى أعلى في مُقابل
النزول إلى أسفل، والتوجه إلى الله كردِّ فِعل على التكالب على
العالم، والرغبة في الشهادة ضد التمسك بالحياة، وعشق الآخرة ضد شبق
الدنيا، وتكوين مجتمع مثالي «مدينة الله» يقوم على الأبدال
والأقطاب، بدلًا من الدولة الظالمة «مدينة الأرض» التي تقوم على
الجند والشرطة.
-
(٥)
وربما ازدهر علم الأصول في القرن الرابع عشر، قرن العلم، نظرًا
لبداية تحرُّك المجتمع الإيراني في العصر الحديث ضد نظام التسلط
والقهر الذي مثَّله الحكم الشاهنشاهي من أجل الثورة عليه، ثم ازدهر
هذا العلم من جديد في القرن الخامس عشر بعد نجاح الثورة والرغبة في
إعادة بناء العلم بحيث يكون مُواكبًا للثورة، وبحيث لا يكون علم
أصول الفقه أقل ارتباطًا بالثورة من علم أصول الدين، سواء في
البداية أو في النهاية، حتى بعد ظهور «ولاية الفقيه» التي هي جمع
بين أصول الدين والفقه. ومع ذلك ما زال تثوير «أصول الفقه» بعيد
المنال.
(٢) أصول الفقه الشيعي
ولأول مرة يتمُّ دراسة أصول الفقه الشيعي داخل علم الأصول، ليس بقصد الحِجاج
ولا حتى المقارنات، بل من أجل إكمال المادة العلمية، ورؤية الصورة الكلية،
ومعرفة البدائل في تأسيس العلم، والخروج على النمطية المذهبية وأحادية النظرة،
والاقتراب من باقي المذاهب والفِرق استمرارًا في اتجاه التقريب الذي بدأ في
الجيل السابق، وما زال مستمرًّا في هذا الجيل.
٣
وأصول الفقه الشيعي هي الأصول الإمامية؛ فلم تَرِد مصنَّفاتٌ شيعية أخرى غير
الإمامية، ولا تُعرَف مصنَّفات في أصول الفقه الإسماعيلي، والزيدية بين
الإمامية والمعتزلة، ويصرِّح كل مصنِّف شيعي بأنه مصنِّف على مذهب الإمامية.
٤
وكما أن أصول الفقه قد يكون نقلًا لقواعد العقائد في علم أصول الدين، وهي
طريقة الأصوليين المتكلمين، فإنه يكون أيضًا استقراءً للكليات من الجزئيات، وهي
طريقة الأصوليين الفقهاء. وإذا كان السؤال حول الطريقة الأولى: هل هناك صلة بين
أصول الفقه وقواعد العقائد عند كلٍّ من المذهبين، السنة والشيعة؟ فإن السؤال
يتكرر: هل هناك صلة بين أصول الفقه والفقه السني، أو بين أصول الفقه الشيعي
والفقه الشيعي؟ والحقيقة أن علم أصول الفقه في الحالتين قد وصل إلى حدٍّ من
التجريد المنطقي بحيث أصبحت الأمثلة الفقهية فيه قليلة للغاية، بل لقد حاول علم
أصول الفقه الشيعي الانتقال إلى علم القواعد الفقهية أو إدخالها ضِمن العلم مثل
قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، أو «نفي الضرر»، أو «قاعدة الميسور»، والتي سمَّاها
أهل السنة «عدم جواز تكليف ما لا يُطاق»، أو قاعدة «الفراغ والتجاوز» … إلخ،
ومع ذلك تظهر بعض الأمثلة الفقهية كما تبدو في أصول الفقه السني، مثل الماء
المضاف، والمتعة، ومعنى اللباس، وفقه الرضا، ومسألة الكر، والخلل الواقع في
الصلاة، ومنابع الفقه، والصلاة في المكان المغصوب، وهو ما سمَّاه أهل السنة
الصلاة في الدار المغصوبة.
وتظهر بعض عقائد الشيعة على استحياء في علم الأصول الشيعي، وأحيانًا يُعلِن
صراحةً عن «وجوب التمسك بمذهب الإمامية» وضرورة «اتباع الأئمة»، وأخذ «الأصول
عن الأئمة»، و«صدور العبادة من النبي والأئمة»، وحجية فتوى الأئمة، كما يتم
التركيز خاصةً على دور الإمام المعصوم في الأصول، وذكر «الآيات والأخبار على
انحصار الأدلة في السماع عن المعصوم»، كما يُعتبر «عمل المعصوم» أحد مصادر
التشريع، ويمكن استنباط الأحكام بطريقة «الحمل على التقية»، كما يمكن «إخبار
الأئمة في زمن الغيبة».
٥ وقد خفَت هذه العقائد في تطور علم الأصول من البداية إلى النهاية،
ولم تعد إلى الظهور إلا عند الإمام الخميني.
٦ ومع ذلك توجد مصنَّفاتٌ قليلة في أصول الإمامية.
٧
وتنقسم مصنَّفات الشيعة إلى نوعين؛ كلية وجزئية، والجزئية الأقل كما هو الحال
في مصنَّفات السنة. ويغلب التصنيف الجزئي في الموضوعات التي تحرَّكت نحوها
البنية مثل الاستصحاب، والتسامح في أدلة السنن، ومباحث الألفاظ، والأمر والنهي،
والمشتق، وطرق الاستنباط، والتعادل والتراجيح.
٨
ومصنَّفات الشيعية مثل مصنَّفات السنة متون وشروح وحواشٍ، والشروح والحواشي أقل.
٩ وتعدد الأشكال الأدبية بين أشهرها مثل الشروح والحواشي، وما يتميز
به التأليف الشيعي مثل التحرير والتقرير، ويشترك السنة والشيعة في «التعليق»،
وقد يجتمع نوعان أدبيان مثل التوضيح والتعليق.
١٠
وكما أن التقليد هو السائد في أصول الفقه السني، وأن الخلاف في الأصول بين
الأصوليين قليل، كذلك فإن التقليد هو السائد في أصول الفقه الشيعي؛ فالخلاف بين
المصنَّفات في أصول الفقه الشيعي قليل، يكرِّر الكل بعضه بعضًا، ويكون الفضل في
واضع العلم الأول الشافعي عند أهل السنة (٢٠٤ﻫ)، والشيخ المفيد عند الشيعة
(٤١٣ق). وقد لا تكون لهذه الفروق الصغيرة أية دلالات أصولية عند الأصولي، بل
عند المؤرخ الذي يرصد بنية الأصول وتطورها من داخلها في بنية العقل ذاته، أو من
خارجها بالعودة إلى مصادرها التاريخية وإطارها الاجتماعي والسياسي.
وقد كُتبت معظم مصنَّفات أصول الفقه الشيعي بالعربية، باستثناء بعض
المصنَّفات في القرن الخامس عشر التي كُتبت بالفارسية بعد تأسيس الدولة الوطنية
وظهور الفكر القومي، وإن كانت النسبة ما زالت ضعيفة.
١١ ومع ذلك ظلَّت مصطلحات العلم كلها عربية. وربما كان أحد الأسباب هو
التأليف المدرسي لمقتضيات التعليم في الحوزات العلمية، حيث الفارسية هي اللغة
الوطنية، لغة التأليف والتعليم.
وقد تميَّزت المصنَّفات الأصولية الشيعية بحسن التحقيق وإعداد الفهارس
الكاملة للآيات والأحاديث والأقوال المأثورة والأشعار وأسماء الأعلام والرواة
والكتب المُحال إليها في المتن، وأسماء الفِرق والطوائف والمذاهب الإسلامية
وغير الإسلامية، وأسماء البقاع والبُلدان والأمصار، بالإضافة إلى مصادر البحث
والتحقيق؛ مما يساعد الباحث الحديث على تحليل المضمون. ومع ذلك لا تُغْني هذه
الفهارس عن قراءة النص نفسه لمعايشته ومعرفة أسلوبه وشكله الأدبي وطريقة عرضه
وسجاله وترتيبه ومسار فكره ووحدة عمله داخل إطار وحدة مشروع المؤلف في إطار
وحدة العلم نفسه أولًا ثم وحدة الحضارة ثانيًا.
(٣) تحريك البنية إلى الداخل
وتعني «تحريك» البنية هز البنية القديمة التي تم تثبيتها في عصر الشروح
والملخصات، والتي استقرَّت وأصبحت هي بنية علم أصول الفقه ذاته؛ فقد توقَّف
بعدها، وانتهى الإبداع في العلوم في المرحلة الأولى للحضارة الإسلامية في
القرون السبعة الأولى التي أرَّخ لها ابن خلدون، ثم بدأ التقليد في المرحلة
الثانية، في القرون السبعة الثانية، والتي يُحاول مشروع «التراث والتجديد»
إنهاءها من أجل بداية المرحلة الثالثة في قرونٍ سبع قادمة نحو عصر ذهبي ثانٍ
يكون في الأمام وليس في الخلف، مُتجهًا نحو المستقبل وليس عائدًا إلى
الماضي.
وكانت هناك عدة مصطلحات مطروحة مثل «تبديل» البنية، أو «البنية البديلة».
والحقيقة أن بنية أصول الفقه الشيعي ليست بنيةً بديلة؛ لأنها ما زالت تقوم على
البنية القديمة مع تحريك لها وإعادة تأسيسها طبقًا لأولويات جديدة بناءً على
عقائد الشيعة؛ فالصلة بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه عند السنة والشيعة
قائمة، وإن أصول التشريع إنما تُستمد من قواعد العقائد. ولما كانت العقائد
أيضًا توظيفًا سياسيًّا للدين، وكان للسنة والشيعة موقفان سياسيان مختلفان،
موقع السلطة وموقع المعارضة، أتت قواعد العقائد، ومن ثَم أصول التشريع، تعبيرًا
عن الموقف السياسي لكل فريق؛ ومن ثَم كان لفظ «تعديل» البنية أقرب إلى الواقع
منه إلى «تبديل البنية».
وهو أفضل أيضًا من لفظ «تجديد» البنية؛ فاللفظ ينطبق على «الموافقات» للشاطبي
الذي أعاد بناء علم أصول الفقه بناءً على مفهومٍ جديد، هو «المقاصد»، مقاصد
الشارع ومقاصد المكلف. لم يجدِّد أصول الفقه الشيعي بنية العلم الذي وضعه
السنة، بل حاول فقط تعديلها أو تغييرها أو العمل في إطارها، والتحرك في
ميدانها، وإعادة النظر في أولوياتها.
أما ألفاظ الإثارة مثل «هز» أو «تغيير» أو «رفض» أو «تفكيك» البنية، فإنها
غير مُطابقة لواقع أصول الفقه الشيعي التي تقدِّم مجرد تغيير نِسبي في نظام
الأولويات لأصول الفقه السُّني على عكس الفروق بين العقائد، خاصةً حول
الإمامة.
أما «تمييع» البنية وطمس معالمها فإنه حكم قيمة، وإن كان أيضًا وصفًا لواقع؛
فقد وضع أهل السنة أصولًا جامدة ممثَّلة في الأدلة الشرعية الأربعة ومنطقٍ
مُحكَم للألفاظ، بالإضافة إلى تقنينٍ خماسي مُحكَم لأحكام التكليف، وأراد
الشيعة التخفف من هذه الحدة والأحكام في التشريع من أجل مرونة أكثر في ترتيب
الأدلة ومنطق اللغة ومعايير السلوك.
وقد تم هذا «التحريك» إلى الداخل، إلى الأسس المعرفية للعلم، بحيث تحوَّل
أصول الفقه الشيعي إلى فلسفةٍ نظرية في الأصول تبحث عن اليقين النظري، وليس عن
التوجه العلمي، كما هو الحال في أصول الفقه السني؛ لذلك كان الأدق هو «تحريك
البنية إلى الداخل»؛ أي «استبطان البنية»، والبحث عن يقينها المعرفي الخالص؛
لذلك أيضًا كانت مقولاتها الرئيسية القطع والظن والشك، والأدلة النظرية والأصول
العملية بمعنى الأدلة أيضًا.
والحقيقة أنه لا يوجد خلافٌ جوهري بين أصول الفقه السني وأصول الفقه الشيعي؛
فقد حاول كل فريق تأصيل الأصول بصرف النظر عن قواعد العقائد؛ فأهل السنة
يتحدثون عن «الشارع» أو «واضع الشريعة» كي لا يدخلوا في الإلهيات كما فعل
الشاطبي، وكان الشيعة أيضًا حريصين على ذلك بالرغم من تسرُّب بعض العقائد، مثل
العصمة للإمام والتقية وبعض مسائل التوحيد.
وتربط المعتزلة بين العلمين؛ فقد ساهَم المعتزلة في وضع أصول الفقه مثل
«العمد» للقاضي عبد الجبار، و«المعتمد» لأبي الحسين البصري، وأقاموا مباحث
الأمر والنهي على أصل التحسين والتقبيح العقلي. وتستمد الشيعة، بل والخوارج،
أصول التوحيد والعدل من المعتزلة، وتُقيم أيضًا مباحث الأمر والنهي على قاعدة
التحسين والتقبيح العقليين؛ فالأمر يقتضي المصلحة، والنهي يقتضي الفساد.
البنية في العلمين واحدة، وإنما التغير في أهمية الموضوع ونظام الأولويات؛
مباحث الألفاظ عند الشيعة، والأدلة الأربعة عند السنة؛ الإجماع والاستصحاب عند
الشيعة، والكتاب والسنة عند السنة.
وبتحليل مضمون معظم مصنَّفات أصول الفقه الشيعي يمكن رصد تحريك البنية نحو
مباحث الألفاظ بعيدًا عن الأدلة الشرعية الأربعة؛ أي نحو طرق الاستثمار وليس
المثمر بمصطلحات «المستصفى»؛ فلا يوجد خلافٌ كبير حول مصادر التشريع، بل الخلاف
في تأويلها وكيفية استخدامها. ليس الخلاف في الأدلة، أربعة أم ثلاثة، ولو أن
أصول الفقه الشيعي أحيانًا يعتبر الأدلة ثلاثة باعتبار أن دليل العقل أو
الاستصحاب ليس دليلًا، بل هو أساس الاجتهاد الأول، وكما فعل الغزالي من قبلُ في
«المستصفى».
(أ) مباحث الألفاظ١٢
وتبدأ مباحث الألفاظ بوضع المفاهيم والمقدمات والكليات قبل الدخول في
التفصيلات؛ مما يدل على أهمية التصورات أو الصياغات النظرية.
١٣ ويأتي الأمر والنهي أولًا من حيث الأولوية والأهمية. إذن يجتمع
الأمر والنهي في صيغٍ واحدة، «افعل» و«لا تفعل»، الإثبات والنفي،
١٤ ثم يتلو الأمر النهي، جمعًا ومفردًا، معناه ودوامه وأقسامه.
١٥
ثم يتقدم النهي الأمر جمعًا «النواهي» أكثر منه مفردًا. ويتم إبراز دلالة
النهي على الفساد أو اقتضاء النهي الفساد بناءً على قاعدة الحسن والقبح
العقليين عند المعتزلة، مثل النهي عن اتباع الرأي، والتي تُذكَر صراحةً
باعتبارها أساس الأمر والنهي.
١٦ ويكون النهي في العبادات وفي المعاملات، وفي العبادات أكثر.
وهي في النهاية ألفاظ وأحكام.
١٧
وتبدأ مباحث الألفاظ بالعموم والخصوص ومشتقاتها، مثل الصحيح والأعم، وهو
الأغلب، وتعارض العموم والخصوص والجمع بينهما،
١٨ ومنهما يتولد المطلَق والمقيَّد ومشتقاتهما كمفاهيم وعمليات
مثل الإطلاق والتقييد،
١٩ ومنهما يتولد المجمَل والمبيَّن، وتأخر البيان عن وقت الحاجة،
٢٠ ثم يأتي الظاهر والمئوَّل بمفهومَي الظواهر والظهور وحجية كل
منهما، وهي ظواهر الكتاب، أي القرآن، في مُقابل التأويل والواقع؛ فالنص
مشدود بين العقل والواقع، بين التأويل والتنزيل،
٢١ ثم يأتي مفهومَا الحقيقة والمجاز كاستعمالين للنص ودورانه بينهما،
٢٢ ويكاد المحكَم والمُتشابه لا يُذكَران،
٢٣ ثم يتحول المفهوم المزدوج إلى مفهومٍ مفرد مثل الاشتراك والاستثناء،
٢٤ ويُضاف إليهما المشتق والوضع،
٢٥ ويُضاف إليهما أيضًا مفهومَا الشرط والوصف.
٢٦
وقد تم الوصول لهذه المفاهيم من تحليل خطاب الشارع.
٢٧ والخطاب لغة، وربما عدة لغات تتعارض أحوالها،
٢٨ يحكمه منطق القول اللغوي؛ أي قول أهل اللغة.
٢٩ وقد استمدَّ منهم الأصوليون نحوهم، مثل أقسام الكلمة، الفعل، الجملة.
٣٠ ويتكون الخطاب من ألفاظ،
٣١ وكل لفظ له حالات، معانٍ وسياقات. وقد تتعارض أحوال الألفاظ،
٣٢ وهذه الأحوال تنتظمها أصول؛ أي مبادئ عامة.
٣٣ وكل لفظ له معنًى، كما أن لكل منطوق مفهومًا.
٣٤ ويُستعمل اللفظ في أكثر من معنًى واحد؛ فالألفاظ للاستعمال،
وتتحدد معانيها بالاستعمال في الأكثر،
٣٥ ويتحدد الاستعمال بالعُرف والعادة؛ بعرف المجتمع، وعرف الشارع
أو اصطلاحه.
٣٦ ولكل لفظ معنيان؛ معنًى حرفي ومعنًى دلالي، مثل الواو.
٣٧ العلم بمدلول الألفاظ وباقتناص الدلالة؛
٣٨ لذلك كانت الأدلة على أنواع؛ الدليل اللفظي، والدليل البرهاني،
والدليل الاستقرائي، والدليل المحرز. الأول دليل اللغة، والثاني دليل
العقل، والثالث دليل الواقع، والرابع هو اجتماع الأدلة الثلاثة في دليلٍ
لغوي وعقلي وواقعي؛ أي هو الدليل النافع.
٣٩ والدليل للاستقراء هو الذي سمَّاه الشاطبي في الموافقات
«الاستقراء المعنوي»، وقد تم تفصيله ابتداءً من نقد الاستقراء التجريبي
الساذج في «الأسس المنطقية للاستقراء».
٤٠ وقد تتعارض الأدلة كما تتعارض الأحوال، وقد يدور الأمر بين
المحذورين، ولكن عدم الدليل لا يعني دليل العدم.
٤١ وأخيرًا يتم الانتقال من المبادئ اللغوية إلى المبادئ المنطقية
إلى المبادئ الإحكامية أو الحكمية. ولما كان الحكم تصورًا وتصديقًا يتم وضع
المبادئ التصورية الإحكامية والمبادئ التصديقية الإحكامية.
٤٢
(ب) القطع والظن
ويتأسَّس العلم على نمطين من أنماط الاعتقاد والقطع والظن. والقطع هو
اليقين، والظن مثل الشك. القطع حجة حتى ولو كانت غير متعارَف عليها، وهو
على أنواع.
٤٣ وفي مُقابل القطع أو العلم الظنُّ المطلَق أو الظن، وهو خارج
ميدان أصول الدين؛ إذ لا يجوز التعبد بالظن، أو إمكانية التعبد به، أو
الإفتاء على أساسه مطلق الظن موجود. وهو حجة ودليل، ولكن في الأمور
المعتبَرة، وليس في القرآن؛ فالظن على أقسام.
٤٤ والشك قرين الظن، ويكون في القضايا الجزئية والشرطية، وليس في
القضايا الكلية المطلَقة؛ ولا يكون في التكليف، بل في المكلَّف به؛ وهو ليس
في النظر، بل في أوجه العمل.
٤٥ ويقوم الشك على شبهاتٍ محصورة وغير محصورة. ويذهب الشك بالتمسك
بالعام أو بالمصلحة، بالعقل أو بالواقع.
٤٦ كما يضيع الشك بحجية الأمارات، وهي الأسباب أو المعرِّفات،
وتقوم مقام القطع مثل الأصل، وتتأسس عليها الأمور العملية؛ لذلك يجوز التعبد بها.
٤٧ وهذا هو التجري،
٤٨ وهو مفهومٌ رئيسي في طرق الاستنباط في أصول الفقه الشيعي
بالرغم من استعمال مفهوم تنقيح المناط.
٤٩ وتتفرع هذه الطرق اعتمادًا على الأصل في الأفعال؛ فقد يتنافى
الأصلان أو يتعارضان أو يتزاحمان.
٥٠ وقد تتفرع إلى درجة التجريد، وكأن أصول الفقه قد تحوَّل إلى
منطقٍ صوري خالص.
٥١ كما يظهر مفهومٌ جديد آخر في أصول الفقه الشيعي هو مُتمم
الجعل؛ ويعني ما يتم به إجراء الفعل.
٥٢ كل ذلك هو العلم الإجمالي، إنجازاته وفروعه وحججه على العالم
ووجوب العمل بالعلم، ومع ذلك يجوز التعبد بغيره.
٥٣
(ﺟ) الأدلة الشرعية
وفي الأدلة الشرعية الأربعة هناك أولويةٌ مطلَقة للاستصحاب وللإجماع على
الكتاب والسنة؛
٥٤ فقد أصبح «الاستصحاب» عنوانًا لأصول الفقه الشيعي وإن كان
المصطلح قد ظهر من قبلُ في «المستصفى» في الأصل الرابع، دليل العقل أو الاستصحاب؛
٥٥ فهو قاعدة وأصل، قاعدة للاستدلال وأصل ودليل. هو استصحاب الكلي
في حالة غياب حكم للجزئي؛ لذلك يوصف بأصالة الاستصحاب؛ أي إنه أصلٌ مستقل
وليس مجرد فرع. هو استصحاب للحال في حالة النفي، استصحاب للعدم الأزلي، وهو
لا يتعارض مع الدليل، ولكنه يفي بغرضه في حالة غيابه. وفي الاستصحاب يبقى
الموضوع ولا يتم التضحية به. هو مصاحبة الأشياء وصحبتها، والإبقاء على
وحدتها دون تجزئتها، وهو يقوم بدور القياس والبراءة الأصلية، وقد يتعارض
الاستصحاب مع اليد أو مع الصحة. وللاستصحاب أشكال عدة؛ استصحاب تعليقي بعد
تعليق الحكم، واستصحاب في الفرد المبرود؛ أي مصاحبة الموضوع بعد انتفاء
الحكم، وأقسام الاستصحاب. وأحيانًا يُستبدل بالاستصحاب دليل العقل أو
الدليل العقلي، فردًا أو جمعًا، أو الملازمات العقلية.
٥٦
وقد تم تقنين المصحف بالإجماع، وجمع السنة بالإجماع، والاتفاق على الشهرة
بالإجماع؛ فالإجماع هو المصدر الأول وراء المصدرين الأولين، الكتاب والسنة،
ثم تصبح القضية إجماع مَن؛ الإجماع العام أم الإجماع الخاص، إجماع الأمة أم
إجماع أهل العترة، إجماع أهل الحل والعقد أم الإجماع الذي يشارك فيه المعصوم؟
٥٧
ثم يظهر الاجتهاد والتقليد، وتصالح من يكون الترجيح، وشرائط الاجتهاد
وتاريخه والفرق بينه وبين الإفتاء، وتقليد الحي وجواز تقليد الميت بالرغم
من تغير العصر، وجواز التقليد في العبادات دون المعاملات نظرًا لتغير المصالح،
٥٨ والتعادل والتراجيح، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة،
ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا، وكل ما يتعلق بالمصدر الرابع؛ فالقضية ليست
في الأدلة، بل في تعارض الأدلة؛ مما يستلزم الترجيح بينها.
٥٩
وقد حدث الإجماع والاجتهاد ويتحد والحوادث وتغير الأزمان، وفضَّل آخرون
التمسك بالنصوص وعدم تجاوزها إلى غيرها.
٦٠ ومع ذلك فقد ذمَّ بعض القدماء الاجتهاد اعتمادًا على الآيات
والأخبار، وعلى أقوال إخوان الصفا، وعلى خطورة نتائجه.
٦١
ثم تأتي بعد ذلك في الأهمية صور الاجتهاد المختلفة مثل القياس، وأشكاله
الحرة مثل الاستحسان والمصالح المرسلة، أو أشكال التقليد مثل مذهب الصحابي
وشرع من قبلنا.
٦٢ وقد يُضَم أكثر من شكلٍ حر للقياس، مثل الاستحسان والمصالح
المرسلة، الرأي والقياس، الاستقراء والقياس، القياس والاستحسان. وتتفرع
أنواع القياس إلى قياس الأولوية، والقياس المشكوك فيه. وأحيانًا يكون الجمع
بين شكلين مع اختلاف الأولوية، مثل الرأي والقياس، أو القياس والرأي. وقد
يأخذ شكلٌ واحد تعبيرين، شرع من قبلنا أو شريعة السلف، المصالح المرسلة أو
فتح الذرائع وليس سدها.
٦٣
ثم يأتي الدليل الثاني في صورة خبر الواحد نظرًا للخلاف حول حجيته عندما
تتعارض الأدلة عند السنة والشيعة على حدٍّ سواء؛ فهو عند أهل السنة ظني في
النظر، يقيني في العمل، وهو عند الشيعة ظني في النظر والعمل على حدٍّ سواء.
٦٤ أما التواتر فلا إشكال فيه بين السنة والشيعة، يُعطي اليقين في
النظر والعمل معًا؛ لذلك كان التالي في الأهمية.
٦٥ وكلاهما يدخلان تحت نظرية عامة في الأخبار؛ أي في الرواية
والمعارف السمعية، في التبليغ وخبر الثقة وصحة الأخبار وحجية الخبر وتعارض
الأخبار أو صحتها جميعًا والجمع بينها، والفرق بين الخبر والإنشاء،
والرواية عن فعل والرواية عن خيال، والصلة بين الخبر والإجماع وكيف أن صِدق
أحدهما مرهون بصدق الآخر. فقد عُرِف الخبر بالإجماع، وعُرِف الإجماع
بالخبر. كما يرتبط الخبر بالسنة؛ فقد عُرِف الخبر بالسنة، وعُرفت السنة بالخبر.
٦٦ فالخبر في النهاية هو نظرية في اليقين السمعي وصدق الرواية؛ أي
المعرفة التاريخية في مُقابل المعرفة العقلية، الرواية في مُقابل الدراية،
والعدل والثقة بالرواة وتزكيتهم والحاجة إلى علم الرجال.
٦٧ ويتم تناول الخلاف بين الإخباريين والمجتهدين في أصول الفقه
الشيعي المعاصر.
٦٨
والأفعال تالية في الأهمية للأخبار.
٦٩ وربما كانت أهم الأخبار في خبر الواحد الذي يعتمد عليه أهل
السنة لإثبات «الإمامة في قريش»، ويعتمد عليه الشيعة لإثبات النص على علي
في خلافة الرسول؛ فخبر الواحد سلاحٌ ذو حدين عند الفريقين المُتنازعين في
الإمامة.
ويتقدم الكتاب السنة، والنسخ الكتاب، والكتاب القرآن. ويرتبط القرآن
بالإجماع؛ فقد عُرِف القرآن بالإجماع، وعُرِف الإجماع بالقرآن.
٧٠ والكتاب والسنة قرينان؛ فالتمسُّك بالكتاب والسنة، والعلم
بالكتاب والسنة. وأحيانًا تنحصر الأدلة في القرآن والحديث وحدهما؛ فقد كمل
الدين قبل قبض النبي.
٧١ فالأدلة نصية، الكتاب والسنة، ثم حدثت ظروفٌ استدعت الإجماع والاجتهاد.
٧٢
ثم تأتي السنة، خاصةً «التسامح في أدلة السنن»، و«التسامح» هو اللفظ
الشائع عن «التساهل»، وأحيانًا يُستعمل اللفظ جمعًا «السنن»؛ أي مجموع
الأقوال والأفعال. وترتبط السنة بالإجماع؛ لأن الإجماع على السنة، والسنة
عليها إجماع.
٧٣ ويُضَم إليهما أيضًا السكوت والتقرير، وهو ما سمَّاه أهل السنة الإقرار.
٧٤ ويتم إبراز حديث الرفع.
٧٥
(د) الأحكام الشرعية
وفي نهاية المطاف تأتي الأحكام الشرعية التي سمَّاها المستصفى «الثمرة»،
وجعلها في بداية العلم، وتدخل تحت مقولة «الحقيقة الشرعية»، بل و«الحقيقة»
على الإطلاق، وعلاماتها وعلائمها، وتأتي جمعًا ومفردًا. وأهم شرط لها
«مناسبة الحكم للموضوع»؛ أي الحكم للفعل. وهي أحكامٌ منصوصة عليها، ومع ذلك
ترتبط بالمصالح الشرعية. وحكم الله في كل واقعة؛ مما يقلِّل من أهمية
القياس وأشكال الاجتهاد الحر. ولا يجوز أن تقوم المنامات مقامها كما يدَّعي
بعض الصوفية.
٧٦ وهي تجمع بين الشرع والعقل؛ فهي أحكامٌ شرعية وعقلية في آنٍ
واحد نظرًا للملازمة بين أحكام الشرع وأحكام العقل؛ فالحكمان مُتلازمان
بالرغم من المستقلات العقلية اعتمادًا على الأدلة العقلية،
٧٧ في حين ترتبط الأدلة الشرعية باللغة وبالقول اللغوي. والحكم
والحكومة شيءٌ واحد، وكذلك الطاعة والورود.
٧٨ والفعل مبادرة وانصراف.
٧٩
والأحكام الشرعية أصولٌ عملية، والحكم الشرعي أصلٌ عملي.
٨٠ يُفترض حرية الاختبار دون الخبر، بحيث يتبع القضاء الأداء؛
٨١ لذلك تقوم التكاليف على الإقناع والتوسط والتخيير وتوافر
النية، ولا يجوز فيها السهو والنسيان.
٨٢ وتتعلق بالأسباب الإرادية والقدرة الشرعية،
٨٣ وتعدد الأسباب والمسبَّبات، ولكلٍّ أصلها.
٨٤ وتتضمن أصالة التعبد التخطئة والتصويب من أجل أصالة الصحة، صحة
الفعل أو فساده؛
٨٥ فإذا ما حدث «انسداد»، انسداد في العلم يمنع من الفعل أي
«الاشتغال»، يقع التخيير، التخيير العقلي أو التخيير الشرعي؛ مما يدل على
أصالة التخيير.
٨٦ وبالرغم من عدم جواز التعدي على متون النصوص إلا أنه وُضعت
القواعد الشرعية من أجل الحفاظ على الحياة، مثل قاعدة نفي الضرر بصياغاتها
المُتعددة، وقاعدة الميسور ومشتقاتها، مثل رفع العسر والحرج، وعدم جواز
تكليف ما لا يُطاق، وقاعدة المقتضي والمانع؛ المقتضي الذي يؤدي إلى الفعل،
والمانع الذي يمنع من الفعل.
٨٧ وهناك قواعد أخرى تميَّز بها علم الأصول الشيعي، مثل قاعدة
الفراغ والتجاوز، والتي قد تجمع قواعد اللاضرر وأصالة الحل والصحة، وقاعدة
اليد، وقاعدة القرعة، وقاعدة الترتيب، وقاعدة الصحة.
٨٨ ومجموع هذه المفاهيم تُعادل أحكام الوضع في أصول الفقه عند
السنة؛ السبب والشرط والمانع، والعزيمة والرخصة، والصحة والبُطلان. والصحة
قد تكون للنفس أو الغير.
ثم يأتي ما يُعادل أحكام التكليف الخمسة عند أهل السنة، الفرض والمحرَّم
والمندوب والمكروه والمباح، وهي مقدمة الواجب أو الوجوب، وعدم إجزاء النفل
عن الفرض، وأقسام الواجب، الواجب تجاه النفس والواجب تجاه الغير،
٨٩ وعكسه الحرام مع العزم على المعصية بالرغم من حق الطاعة، وهو
أقل ذكرًا من الواجب،
٩٠ ثم يأتي المندوب باتحاد الطلب والإرادة، وهو أقل ذكرًا من المكروه،
٩١ ثم يأتي المكروه في العبادات والمعاملات، في التعبدي والتوصلي.
٩٢ والأحكام الأربعة السابقة يصدُق عليها المدح والذم في الأفعال.
٩٣ وهنا يبرُز مفهومٌ أصولي جديد عند الشيعة، وهو مفهوم الاحتياط
في العبادات والمعاملات، رجحانه، والعمل به، أصالته وأصله، وأنواعه،
الاحتياط العقلي والاحتياط الشرعي؛
٩٤ ثم يأتي المفهوم الخامس وهو الإباحة، أصالتها ومقابلتها بالحظر،
٩٥ ومعه يأتي مفهوم البراءة الأصلية كنوع من حسم الاحتياط؛ إذ
تعني البراءة نفي الحكم أصلًا، العالم قبل الأحكام؛ فالبراءة هي أصالة
النفي، وهي براءةٌ أصلية تنفي أي حكم مسبق، وهي تدفع إلى العمل والاشتغال،
وتنقسم إلى براءةٍ عقلية وبراءة شرعية؛ مما يدل على اتحاد حكم العقل وحكم الشرع.
٩٦ وتتَّضح من مقاصد الشارع، وضع الشريعة للامتثال، بتعبير
«الموافقات» للشاطبي؛ إذ يتصرف الشارع في دائرة الامتثال ومراحله.
٩٧
وفي المصنَّفات المتأخرة عندما بدأ علم أصول الفقه الشيعي كتابة تاريخه،
وتحويل الأصولي نفسه إلى مؤرخ وعارض، يعرف الأصول وعلم الأصول، ويكتب تاريخ
الأصول وتاريخ علم الأصول، والفرق بين طريقة القدماء والمتأخرين.
٩٨ ويتم التعريف أيضًا بالفقه ووجوب التفقه، وشرط الفقيه، ورعاية
الأهم فالمهم فيما يُعرَف باسم فقه الأولويات،
٩٩ ثم يتم تحديد موضوعات العلم وبيان فضيلته، ووجوب تعلم أحكامه،
وتأصيله في علم الدراية، كما يتم الحديث عن حياة المصنِّفين في السيرة،
والسيرة التاريخية، وسيرة المُتشرعة، ومشيخة الصدوق، تحولًا من الموضوع إلى
الشخص، ومن العلم إلى العالم، ومن المرام إلى الأعلام.
١٠٠ كما يعبِّر عن الأشكال الأدبية، مثل مسائل مُتفرقة، والحواشي
على الأصول، وحواشي المؤلف، والمباحث الرجالية.
١٠١ كما يُحال إلى بعض المصادر التي استقى منها المؤلف مادته، له
أو لغيره.
١٠٢
ثانيًا: البنية الرباعية
وتغلب على المصنَّفات الشيعية قبل الثورة الإسلامية البنيةُ الرباعية من البداية
إلى النهاية.
(١) «اختلاف أصول المذاهب» للقاضي النعمان بن محمد (ت: ٣٥١ﻫ)١٠٣
تتخلق البنية الرباعية وسط أجزاء ثمانية في إطار جدل أصول الفِرق، أصول
الشيعة في جدلها مع أصول السنة؛ إذ ينقسم الكتاب إلى ثمانية أجزاء، وينقسم كلٌّ
من الجزأين الأول والثاني فقط إلى ثلاثة أبواب؛ الجزء الأول بأبوابه الثلاثة عن
علة الاختلاف وأقوال المختلفين والرد عليهم، وهو ما يُعادل التعارض والتراجيح
في آخر باب الاجتهاد في بنية الأصول بعد «المستصفى». والجزء الثاني بأبوابه
الثلاثة عن مذهب أهل الحق، والرد على أصحاب التقليد، والفرق بين التقليد والرد
إلى أُولي الأمر، فحلَّ التعارض في تصويب مذهب، وتخطئة المذاهب الأخرى. والثالث
والرابع عن أصحاب الإجماع ووجه الحجة فيه. والخامس حتى الثامن عن القائلين
بالنظر والرد عليهم، والرد على أصحاب القياس والقائلين بالاستحسان والاستدلال
والاجتهاد والرأي. تتضمن الأجزاء الثمانية إذن موضوعات أربعة؛ الاختلاف بين
الفِرق، والحق لدى الفِرقة الناجية، والإجماع، والقياس. وكأن الاختلاف بين
الفِرق يُعادل القرآن المصدر الأول، والتقليد يُعادل المصدر الثاني، السنة. ومن
حيث الكم القياس أولها ثم الإجماع ثم الحق والتقليد ثم الاختلاف.
١٠٤ وتغيب مباحث الألفاظ لبُّ طرق الاستثمار نظرًا لغياب الرأي
والقياس، كما تغيب أحكام التكليف نظرًا لأن طاعة الإمام تجبُّ الأوامر
والنواهي؛ فالبنية تدور حول النص في التاريخ من أجل تحريره من استئثار فِرقة
السلطان به، والعودة بالنص من الخارج إلى الداخل كما هو الحال في
التصوف.
وهو كتابٌ حِجاجي مثل «المعتمد في أصول الفقه» لأبي الحسين البصري، و«الإحكام
في أصول الأحكام» وملخص «النبذ» و«ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان
والتقليد والتعليل» لابن حزم. يعبِّر عن موقف ولا يؤصِّل القواعد، يحمل دعوة
ولا يؤسِّس نظرًا، يذكر الخلاف حول الأصول دون تنظير لها، بالرغم من أنه يُعلِن
أنه يريد الجمع بين الفِرق كما أراد الشاطبي بعد ذلك في «الموافقات». يغلب عليه
الرفض، رفض الإجماع والقياس وتقليد أهل السنة في الرواية؛ مما يميِّز فكر
المضطهَدين ونبرته العالية. يعتمد على الأدلة النقلية لدرجة غياب الأدلة
العقلية، ومعظمها من القرآن على التوالي أكثر من الحديث خشيةً من رُواته الذين
ربما كانوا من أصحاب الأهواء. وتدل كثرة الشواهد النقلية على أنه سلفي شيعي كما
تفعل المدرسة السلفية منذ أحمد بن حنبل مرورًا بابن تيمية وابن القيم حتى محمد
بن عبد الوهاب، وهي أدلةٌ انتقائية، كل فِرقة تختار ما يُناسبها لتدعيم موقفها،
وتئوِّلها وتُخرج مناطها لتنطبق عليها.
والعجيب أن أصول الشيعة لا تختلف عن أصول أهل الظاهر في البنية والاتجاه؛
فكلاهما يرفض القياس والنظر والتعليل والرأي والاستحسان، الشيعة باسم تقليد
الإمام المعصوم، وأهل الظاهر باسم النص، وخوفًا من فقهاء السلطان، وإيجاد نظر
في مُقابل نظر واجتهاد في مواجهة اجتهاد، وإجماع خاص على نقيض إجماع عام؛
فالعقل وسيلة إخراج النقل من سوء تأويله في التاريخ لدى فِرقة السلطان.
(٢) «العُدة في أصول الفقه» لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت: ٤٦٠ﻫ)١٠٥
ويُعتبر أول متن أصولي عند الشيعة يُعادل «الرسالة» للشافعي عند السنة،
ومُتأخر عنه بحوالَي قرنين ونصف من الزمان، وإن كان سبقه «التذكرة بأصول الفقه»
للشيخ المفيد (٤١٣ق)، و«الذريعة إلى أصول الشريعة» للشريف المرتضى (٤٣٦ق).
١٠٦ ويتميز النص بالوضوح والترتيب المنطقي والبداية بالتعريفات.
١٠٧ والمؤلف على وعي بالترتيب المقصود وإن لم يكن على وعيٍ كامل بالبنية،
١٠٨ ويدل على نضجٍ عقلي ووضوحٍ نظري. وتُذكَر الأقوال دون نسبتها إلى
أصحابها، بل بصيغة المبني للمجهول، حتى قلَّ ذكر أسماء الأعلام والفِرق. كما
يهدف إلى الاقتصار والقول المُفيد دون إسهاب أو تطويل.
ويستعمل النص أسلوب القيل والقال، والرد على الاعتراضات مسبقًا دون الوقوع في
السجال المذهبي العقائدي أو الفقهي. يكفي الحِجاج الداخلي النظري العام من أجل
اتساق المذهب وإحكام البرهان. ولا تصدر أحكامٌ قطعية بالصواب أو الخطأ، تصويب
النفس وتخطئة الغير، بل تصدر أحكامٌ احتمالية بعد مناقشة كل الآراء واختيار
أفضلها، ثم يُقال «وهذا هو الأقوى».
١٠٩ ويقوم الخطاب على القسمة العقلية وعد الحجج وإحصائها الأدلة؛
فالأدلة هي وحدات الخطاب الأولى. ويتم الرد على الشبهات وذكر الأجوبة عليها.
وكثيرًا ما يستعمل برهان الخلف، إثبات خطأ الآخر إيجابًا من أجل إثبات رأي
النفس سلبًا. ونادرًا ما تصدر أحكام بالتخطئة، وأقصى ما يُقال «وهذا غير صحيح».
١١٠ وكثيرًا ما يترك الموضوع تساؤلًا دون إصدار حكم فيه.
١١١
ومع ذلك يخلو النص من السجال والاستبعاد، وتفنيد المذاهب المخالفة الفقهية أو
الأصولية أو الكلامية. وإذا كان أهل السنة يقومون بتفنيد أصول الشيعة الكلامية
والفقهية كما يفنِّدون المذاهب السنية مثل الظاهرية والحنفية، فإن الشيعة لا
يقومون بتفنيد الأصول السنية، والأولى عدم وصول الأمر إلى حد الاستبعاد
والإقصاء والتكفير.
ونظرًا لارتباط العلمين، علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، تظهر العقائد
الكلامية ضِمن التحليلات الأصولية حتى ولو كانت على استحياء وبقدر محسوب،
ومحصورة في الإمام المعصوم ودوره في الرواية حتى تصح، وفي الإجماع حتى يصدق،
وفي الاجتهاد حتى يُصيب. اختفى الغُلاة الذين يجعلون للإمام المعصوم دورًا في
تلقِّي الوحي، وبقي دوره في الرواية من أجل ضمان صحتها مثل التواتر.
١١٢ ودوره في الإجماع واضح حتى يصح، سواء كان الإجماع العام أو الإجماع
الخاص لأهل العترة؛ لذلك تبدأ كل فقرة ببيان الرأي في الموضوع عند الفقهاء
والمتكلمين أي عند الأصوليين، علماء أصول الفقه وعلماء أصول الدين. ويعترف
المصنِّف أنه يكتب في علم الأصول «على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا».
١١٣ ويتَّضح ارتباط العلمين في تخصيص الفصل الخامس في المقدمة الأولى
«في ذكر ما يجب معرفته من صفات الله وصفات النبي وصفات الأئمة حتى يصح معرفة مرادهم».
١١٤
ولا تفترق أصول الفقه السُّني عن أصول الفقه الشيعي إلا في موضوعاتٍ صغيرة لا
تؤثِّر في بنية العلم؛ فالأصول واحدة وإن تعدَّدت الأولويات؛ فالأصل عقلي، ولا
خلاف بين المذاهب في العقل خاصةً وقد ربط الاعتزال بين المذهبين، السنة
والشيعة. وبالرغم من ذكر التقية والغيبة إلا أنهما لا يؤثِّران كثيرًا في علم
الأصول، بالرغم من التعارض الظاهر بين الوظيفة التاريخية والمعرفية للإمام
المعصوم وبين تقيَّته التي قد تصل إلى حد عدم الصدق والتمويه، وغيبته التي لا
نفع منها إذا ما دعت الحاجة إلى ظهور الإمام.
ويعي المؤلف البنية باعتبارها ترتيبًا منطقيًّا مُتسقًا، يخرج اللاحق من
السابق على نحوٍ طبيعي؛ فالوحي خطاب، أي قولٌ لغوي، كلامٌ ذو معنًى. وليس كل
قول خطابًا وإن كان كل خطاب قولًا. ويعبِّر الخطاب عن إرادة المخاطِب؛ إذ إن
الخطاب اقتضاء أمر، ويتجلى في الكتاب والسنة، وهو على خمسة أنواع؛ الأوامر
والنواهي، والعموم والخصوص، والمطلَق والمقيَّد، والمجمَل والمبيَّن، والناسخ
والمنسوخ؛ مما يدل على أولوية مباحث الألفاظ بالرغم من أن الناسخ والمنسوخ لا
يتعلَّقان بصيغة الخطاب، بل بزمن الخطاب، والأخبار طريق الوصول إليها. ولما كان
الخطاب اقتضاء فِعل جاءت الأفعال. أما الإجماع والقياس والاجتهاد وصفة المفتي
والمستفتي والخطر والإباحة فهي خارجة عن بنية العلم عند الإمامية؛ لأن صحة
الإجماع تأتي من المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ ولا يخلو الزمان منه، ومعرفته
بالعقل وليس بالسمع. والقياس والاجتهاد ليسا بدليلين، بل يُحظَر استعمالهما.
الأدلة إذن اثنان، الكتاب والسنة، وليس الإجماع والقياس. أما الحظر والإباحة
وهما القطبان السالب والموجب في أحكام التكليف ويُعرَفان بالفعل. وتقدَّم
الأخبار على الخطاب حتى تثبت صحة الخطاب تاريخيًّا أولًا، وكأن الوعي التاريخي
سابق على الوعي التأملي. أما المقدمة فهي تمهيد لمعرفة معنى العلم والنظر،
واليقين والظن؛ فنظرية العلم تسبق تأسيس العلم. وتدخل الحقيقة والمجاز في
المقدمة، وليس في مباحث الألفاظ، ثم يدخل أصول الفقه الشيعي المخاطب؛ أي نظرية
الذات والصفات والأسماء والأفعال، وهي ما يعتبره أصول الفقه عند السنة أدخل في
علم أصول الدين منه إلى علم أصول الفقه للتمايز بين العلمين، أصول النظر وأصول العمل.
١١٥
ولا ينقسم النص إلى أبواب أو مقاصد أو مطالب أو مباحث كليةً، بل إلى أحد عشر
كلامًا بالإضافة إلى المقدمة، وهي: الأخبار، والأوامر، والنهي، والعموم
والخصوص، والبيان والمجمَل، والناسخ والمنسوخ، والأفعال، والإجماع، والقياس،
والاجتهاد، والحظر والإباحة. أكبرها العموم والخصوص، وأصغرها الاجتهاد.
١١٦ وبإعادة تركيب هذا «الكلام» يمكن اكتشاف تعديل البنية بحيث تتقدم
مباحث الألفاظ على كلٍّ من الأدلة الشرعية الأربعة، بدءًا من السنة ثم القياس
ثم الكتاب (الناسخ والمنسوخ) ثم الإجماع، وتأتي أحكام التكليف (الحظر والإباحة)
في آخر المطاف،
١١٧ وتغيب أحكام الوضع تمامًا. ويدل ذلك على أولية العقل على النقل من
أجل تحرير النقل من تأويل السلطان، ويظل ذلك على حساب الفعل في العالم والتحقق
في الواقع.
وتكثر الحجج النقلية، الآيات والأحاديث، كما تكثر الأدلة العقلية، الشبهات
والأجوبة عليها.
١١٨ ومن أسماء الأعلام يتقدم الرسول بطبيعة الحال، يتلوه أبو هاشم
الجبائي، مما يدل على اعتماد أصول الفقه الإمامي على الاعتزال، ثم أبو علي،
وأبو عبد الله البصري، وعبد الجبار، ويتلو أبو هاشم الشافعي والكرخي، مما يدل
على الاحترام الكامل للفقه السُّني، يتلوه أبو حنيفة ومالك دون ذكر ابن حنبل.
ومن الصحابة يأتي علي في المقدمة، يتلوه عمر، ثم عبد الله بن عباس، ثم أبو بكر
وعبد الله بن مسعود، ثم معاذ، ثم أبو هريرة. وفي مقدمة فقهاء الشيعة يأتي
المرتضى، ثم الشيخ المفيد، ثم الإمام الصادق، أقلية شيعية وسط أغلبية سنية، ثم
يتداخل الفقهاء والأصوليون والصحابة بلا تمييز بين المذاهب والفِرق، مثل داود
الظاهري وعيسى بن أبان وأبي القاسم البلخي وأبي موسى الأشعري، ثم يُذكَر عشرات
منهم؛ مما يدل على وحدة المادة الأصولية عند المذهبين.
١١٩
ومن الفِرق يتقدم الفقهاء والمتكلمون، أي الأصوليون، وأهل الكلام نظرًا
لارتباط العلمين، ثم يأتي الصحابة باحترامٍ كامل دون ما يُشاع بالطعن عليهم، ثم
أصحاب الشافعي بعد أن استقرَّت الشافعية كمذهبٍ رسمي عند أهل السنة، ثم أهل
اللغة والأئمة والعلماء قبل «أصحابنا»، مما يدل على اتجاهٍ لا مذهبي وموقفٍ لا
طائفي في علم الأصول الشيعي، ثم يأتي المعتزلة الذين يمدُّون أصول الفقه الشيعي
بأساسها النظري، فكلاهما مع الخوارج من المعارضة على تنوع أشكالها وطرقها، ثم
تظهر الطائفة الحقة دون تعيين لها، ثم يظهر أهل العلم والعقلاء قبل الإمامية مع
أهل الظاهر والواقفة والمجبرة، ويأتي أصحاب الحديث مع النصارى، والبصريون مع
اليهود، مما يدل على انفتاح على الفِرق غير الإسلامية، ثم يأتي الشيعة مع أصحاب
الأشعري وأصحاب الظاهر وأصحاب مالك ومجموع الأصوليين والبغداديين والتابعين
والمفسرين والنحويين … إلخ، ويظهر آل البيت مع أصحاب الجمل والأعجمية والأنصار
وأهل الرأي وأهل العراق وأهل القبلة وأهل القدر والتناسخية والجهمية والروم
والزنادقة والملحدة والقرامطة والمجوس والعجم والعرب، دون تفضيل لأحدهم في
الأولوية على الآخر؛ مما يُعطي صورة لأصول الفقه الشيعي واعتداله مخالفةً لصورة
أصول الدين.
١٢٠
ويُحيل الطوسي إلى الكتب المقدسة وعديد من المتون الأصولية، وبطبيعة الحال
يأتي القرآن في المقدمة، ثم «العمد» لأصول الفقه للقاضي عبد الجبار، مما يدل
على اعتماد أصول الفقه الشيعي على أصول الفقه الاعتزالي قبل الثورة، ولكتاب
«الرسالة» للشافعي، ولا تُذكَر مصنَّفات أصول الفقه الشيعي إلا بعد ذلك، مثل
أمالي المرتضى والتذكرة للمفيد وغيرها ومع الإنجيل.
١٢١ ويدل ذلك على وحدة العمل الفكري للمؤلف أو وحدة المشروع الحضاري
كله. ومن الأماكن والبقاع يأتي بيت المقدس في المقدمة، وليس غدير خم، ثم قباء
والكعبة، ثم القبلة وبغداد واليمن، ثم بدر والبصرة والسقيفة وعرفات والشام
والصين والهند ومكة مع خراسان.
١٢٢
(٣) «تهذيب الوصول إلى علم الأصول» للعلامة الحلي (ت: ٧٢٦ﻫ)١٢٣
وهو مثل «العُدة» للطوسي، أقرب إلى التعريفات المنطقية الواضحة وتأصيل
الأصول. ويتم الرد على الحجج بعد إحصائها وعدها دون سجال أو استبعاد، بل مع
احترامٍ كامل للآراء المخالفة للمذهب الإمامي الذي لا يظهر إلا في الإمام
المعصوم وإجماع أهل العترة.
١٢٤
وينقسم إلى اثنَي عشر مقصدًا، وهو تعبير الإيجي في «المواقف»،
١٢٥ وينقسم كل مقصد إلى فصولٍ مُتفاوتة؛ أكبرها الأمر والنهي، وأصغرها
التعادل والتراجيح.
١٢٦ وبتجميع بعض الأبواب في أصولٍ عامة تصبح الأولوية لمباحث الألفاظ،
ثم للدليل الرابع وملحقاته، القياس والتعادل والتراجيح والاجتهاد، دون ذكر
للاستصحاب إلا في بحثٍ من فصل من المقصد الثاني عشر عن الاجتهاد بعنوان «في
حجية استصحاب الحال»،
١٢٧ ثم ما يُعادل الدليل الثاني الأخبار والأفعال، ثم ما يُعادل الدليل
الأول وهو النسخ، وأخيرًا الإجماع مع المقدمة.
١٢٨ وتغيب أحكام التكليف وأحكام الوضع على حدٍّ سواء. ويدل ذلك أيضًا
على أولوية العقل، أي التأويل، على النقل من أجل تحرير النقل من تأويل السلطان،
ويظل الفعل محاصَرًا بين العالم الخارجي والعالم الداخلي.
ويعتمد النص على عديد من الحجج النقلية، القرآن والحديث، ويندر الشعر العربي.
ومن الأعلام يتقدم الشريف المرتضى بطبيعة الحال عالم الشيعة المرموق، ثم
أبو الحسن البصري المعتزلي، مما يدل على ارتباط التشيع بالاعتزال، وكلاهما
حركتا معارضة، ثم يظهر أبو حنيفة باعتباره المذهب السني العقلي، ثم الشافعي
المذهب السني الرسمي، ثم الأشعري الذي أعطى الأساس العقائدي للشافعية فيما بعد،
ثم أبو علي الفارسي، ثم يتوالى المعتزلة والأشاعرة والأحناف والشافعية على
التبادل؛ فمن الأصوليين الأحناف يتصدر الجصاص ثم الكرخي ثم ابن أبان وابن شريج،
ومن المعتزلة يتصدر أبو عبد الله البصري وأبو الهذيل وعبد الجبار ثم أبو علي
وأبو هاشم الجبائي والجاحظ وأبو الحسين البصري والخياط وعباد بن سليمان وعمرو
بن عبيد، ومن الأصوليين الأشاعرة والشافعيين يتصدر الباقلاني ثم الإسفراييني
والغزالي وابن فورك، ومن النحويين يأتي ابن جني والفراء، ومن الشيعة لا يظهر
إلا الطوسي مع باقي فقهاء أهل السنة مثل مالك وأحمد.
١٢٩
ومن الفِرق والطوائف يتقدم الحنفية ثم الأشاعرة، وليس الشيعة أو الإمامية،
كما يتقدم الفقهاء والجبائيان، وليس أئمة الشيعة وعلماءهم، ثم تأتي الإمامية في
المرتبة الثانية مع المعتزلة، في البصرة وبغداد، وأخيرًا يأتي الحنابلة
والظاهرية أو الظاهريون والحشوية والسمنية وأهل اللغة والنحويون والبصريون والشيعة.
١٣٠
(٤) «معالم الأصول (معالم الدين وملاذ المجتهدين)» للشيخ حسن بن زين الدين
الشهيد الثاني (ت: ١٠١١ﻫ)١٣١
وهو متنٌ يجمع بين الأسلوب الفلسفي المجرد والأسلوب الصوفي المعروف في
الفلسفة الإلهية، يعدِّد الحجج والأدلة والردود والأجوبة عليها، وفي نفس الوقت
يعتمد على كثير من الروايات والعنعنات عن الأئمة الأعلام، جمعًا بين العقل
والذوق والنقل. وقد بدأت ألقاب التعظيم للمؤلفين عند الشيعة كما عند السنة،
وتزايدت عبر العصور. وتظهر عقيدة المعصوم كالعادة في الإجماع مما يجعل الإجماع
زائدًا عن الحاجة؛ لأن صحته في وجود المعصوم، وهو يستغني عن الإجماع،
١٣٢ وهو كل شيء، راوٍ ومجمع ومجتهد، وعند بعض الغلاة ينزل عليه الوحي.
وهو رد فِعل على الإمام الظالم المدلس في الرواية، المزور للإجماع، الناكر
للوحي. ولدى المؤلف إحساسٌ قوي بالانتماء إلى المذهب، ومع ذلك لا يُصدِر
أحكامًا قاطعة بالصواب أو بالخطأ، ولا يستبعد أو يُقصي أو يُكفر أحدًا كما يفعل
أهل السنة مع بعضهم البعض ومع غيرهم؛ فالتكفير سلاح السلطة وليس المعارضة، بل
يُقال «وهذا الكلام جيد»، «والتحقيق عندي»، «وكلام المحقق هو الأقوى، ووجه
واضح، ولا يحتاج إلى البيان».
١٣٣ ويتم الربط بين المقاصد والمطالب بلازمات الإيمان، مثل «الله أعلم»
و«إن شاء الله».
١٣٤ ويتضح في الفقرة الأخيرة هذا الانتماء المذهبي إشارةً إلى التقية
من أحوال الأئمة، والدعوة إلى النبي وآله الطيبين المعصومين المطهَّرين المكرمين.
١٣٥
وتميل البنية كالعادة في أصول الفقه الشيعي نحو مباحث الألفاظ، والتي لها
الأولوية على الأخبار (السنة) والاستصحاب (القياس) والإجماع والنسخ (الكتاب)؛
١٣٦ إذ ينقسم الكتاب إلى مقصدين غير مُتساويين؛ الأول «في بيان فضيلة
العلم»، والثاني «في تحقيق مهمات المباحث الأصولية» لصالح الثاني؛
١٣٧ فالقسمة ثنائية على ما تبدو؛ نظرية العلم وموضوع العلم. الأولى كيف
أعلم، والثاني ماذا أعلم؛ ثم ينقسم المطلب الثاني إلى تسعة مطالب،
١٣٨ أكبرها الأوامر والنواهي ثم العموم والخصوص ثم المطلَق والمقيَّد
والمجمَل والمبيَّن.
١٣٩ وهذا يبين أولوية التأويل على النص، حتى ولو كان على حساب الفعل في
العالم والتحقق في الواقع.
ويعتمد النص على عديد من الشواهد النقلية، الآيات والأحاديث،
١٤٠ ويضم إليها أقوال الأئمة، وأكثرهم اقتباسًا أبو عبد الله ثم علي ثم
الرسول ثم علي بن الحسين ثم أبو جعفر ثم أبو الحسن موسى.
١٤١ ومن الأعلام يُذكَر أولًا الشريف المرتضى ثم ابن سعيد ثم العلَّامة
الحلي ثم الطوسي ثم الشيخ المفيد، ثم سيبويه من النحاة، وأخيرًا يذكر أبا حنيفة
والشافعي وآخرين من الصحابة والتابعين.
١٤٢ ومن الفِرق والطوائف يأتي بطبيعة الحال أولًا «الأصحاب»،
«أصحابنا»، «أصحابنا الكلامية»، «جمع من الأصحاب»، «أصحابنا معاشر الإمامية»،
«قديم الأصحاب وحديثهم»، «قدماء الأصحاب»، لبيان الانتماء المذهبي عِلمًا بأن
المذهب قد تطوَّر من القدماء إلى المُحدَثين، ثم تأتي العامة، جميعها أو بعضها،
قوم أو شرذمة، ثم أهل الخلاف والأئمة والأئمة المعصومون، ثم الإمامية وقدماؤها،
والمحققون أكثرهم وجمعهم وجمهورهم وبعضهم، ثم الفقهاء أكثرهم وفقهاء الأمصار
و«فقهاؤنا» انتماءً إلى المذهب، ثم المتأخرون جمهورهم بعضهم وجماعة منهم
ومحققوهم، ثم الأصوليون أو بعضهم، ثم جمهور وعلماء الإسلام أو العلماء أو علماء
الشيعة الإمامية أو المتقدمون، مما يدل على تطور المذهب، ثم الطائفة أو الطائفة
المحقة انتسابًا إلى الحق واختيارًا للفِرقة الناجية، ثم الأمة والتابعون
والمتقدمون أكثرهم أو بعضهم، ثم أهل البيت وأهل العصر وأهل اللغة والصحابة
والمتكلمون وأوائلهم ومحققو المتأخرين والنصارى واليهود من الفِرق غير
الإسلامية، وأخيرًا يأتي أصحاب الحديث والسلف والأنبياء والصحابة والتابعون
والرواة، أو بعض الفِرق مثل الشيعة والناووسية أو النحاة، أو إصدار الأحكام على
فاسدي المذاهب والمعصومين.
١٤٣
ونظرًا لأهمية الرواة فإن لكلِّ فِرقةٍ رواتهم التُّقاة، خاصةً فيما يتعلق
بخبر الواحد الذي يؤيد عقائد كل فِرقة؛ لذلك أفرد بعض محققي متون الشيعة فهرسًا لرواتهم.
١٤٤ وكل فِرقة تدَّعي أنها تطبِّق الجرح والتعديل وعلم ميزان الرجال.
والرسول ضِمن الرواة راويًا، وهم معصومون؛ لذلك تصح روايتهم.
ويُحيل النص إلى عدد من المتون الأصولية السابقة، مثل «النهاية» و«التهذيب»
و«الذكرى» و«جواب المسائل التبانيات» والقرآن (الكتاب) والشافي وغيرها من
المتون الأصولية الشيعية.
١٤٥
(٥) «كفاية الأصول» لمحمد كاظم الخراساني (ت: ١٣٢٩ﻫ)١٤٦
هو متنٌ أقرب إلى المتون الأولى لأهل السنة والشيعة، يمتاز بالتركيز
والاقتصار، والوضوح والترتيب. كما يستعمل أسلوب القيل والقال والرد على
الاعتراضات مسبقًا من أجل الاتساق العقلي والبرهان المنطقي، مع حصر الأدلة
والحجج؛ لذلك تكثر ألفاظ الوضوح والتجلي والتأمل والتدبر والتعرف والتفطن
والنظر والمراجعة والتنبيه وعدم الغفلة والتذكر … إلخ،
١٤٧ ويكون ذلك عادةً في نهاية الفقرة، وأحيانًا في أولها.
١٤٨ فكل مراجعة لدليلٍ الهدف منها التوضيح وبيان الإشكال ثم حله.
١٤٩ وكما يكون الحكم بالوضوح يكون الحكم أيضًا بالفساد والقبح
والمعارضة للعقل والنقل.
١٥٠ ومسار الفكر منطقي استدلالي طبيعي.
١٥١ ويُطالب المؤلف بمشاركة القارئ في التأمل والتدبر؛ فالفكر تجربةٌ مشتركة.
١٥٢
وفي نفس الوقت يقوم النص على التجميع والاقتباس، وذكر لفظ «انتهى»، أو عبارة
«انتهى موضع الحاجة من كلامه»، «انتهى كلامه رُفع مقامه»، للدلالة على نهاية
الاقتباس؛ لذلك لا يستبعد أحدًا، ولا يُصدِر أحكامًا بالإدانة أو التخطئة أو
الكفر الصُّراح على عادة أهل السنة في استعمال سلاح التكفير. ويحمل عددًا من
ألقاب التعظيم والتفخيم، مثل الأستاذ الأعظم والمحقق الكبير، الأخوند الشيخ،
قدَّس سره، وهو مِثل كل عالم آخر فريدُ عصره وأوحد زمانه. ونظرًا لتلخيصه
الشديد فإنه كان موضع عديد من الشروح والحواشي والترجمات والتعليقات.
١٥٣
ويقوم الوعي على بنيةٍ ثلاثية محكَمة؛ المقدمة والمقاصد والخاتمة؛ فقد أُدخلت
كل موضوعات علم الأصول في المقاصد، وهي ثمانية؛ الأوامر، النواهي، المفاهيم،
العام والخاص، المطلق والمقيد، الأمارات، الأصول العملية، تعارض الأدلة
والأمارات. أكبرها الأصول العملية، وأصغرها المطلق والمقيد.
١٥٤ وكل مقصد به فصول، ويمكن ضم هذه المقاصد الثلاثة في ثلاثة؛ مباحث
الألفاظ التي تضم الأوامر والنواهي والمفاهيم والعام والخاص والمطلق والمقيد،
والأدلة التي تضم الأمارات وتعارض الأدلة والأمارات، والتكليف؛ أي الأصول
العملية. وكالعادة في أصول الفقه الشيعي تتقدم مباحث الألفاظ على الأدلة،
والأدلة على أحكام التكليف.
١٥٥ وذلك يعني أولوية التأويل على النص، وأولوية النص على الواقع، سواء
في أصول الفقه السني أو الشيعي.
ويستعمل المتن عددًا قليلًا من الشواهد النقلية، الآيات والأحاديث والأشعار،
لطغيان التأمل العقلي والرغبة في الإيضاح الفكري، والأحاديث أي الروايات أكثر
من الآيات.
١٥٦ ومن أسماء الأعلام يتقدم المرتضى على الرسول، وعشراتٌ آخرون من
أئمة الشيعة باستثناء بعض السنة.
١٥٧ ويُحال إلى عديد من المتون الأصولية، في مقدمتها الأصول، ويندر أن
يكون من بينها متنٌ أصولي سني مثل «الفصول» و«فواتح الرحموت» و«المستصفى».
١٥٨
وتنتهي بعض الفقرات باللازمات الدينية، مثل «إن شاء الله تعالى»، «الحمد لله
على كل حال».
١٥٩
(٦) «فرائد الأصول» للشيخ مرتضى الأنصاري (ت: ١٣٨١ﻫ ق)١٦٠
وهو متنٌ مُسهب يبدأ سلسلة من المتون المطوَّلة المكوَّنة من عدة أجزاء، حتى
لَيشمل كل موضوع جزءًا أشبه بمتن «البحر المحيط» للزركشي عند أهل السنة، كدائرة
معارف أصولية، ويصل إلى حد ثمانية أجزاء في «التحريرات في الأصول» للشهيد مصطفى
الخميني. يتميز بالإسهاب والتطويل، بل إن الموضوع الجزئي قد يشمل عدة أجزاء،
وهو الذي يستدعي فيها بعض التلخيص والتركيز.
وقد انعكس ذلك على الأسلوب؛ أسلوب القيل والقال، والرد على الحجج المعارضة
داخل أصول الفقه الشيعي وليس مع أصول الفقه السني. كما يقوم على التأمل الذاتي
من أجل البحث عن الاتساق الداخلي دون تعريفات منطقية واضحة؛ فالأسلوب السيَّال
شيء، والمسار المنطقي شيءٌ آخر.
لذلك سادته التأملات النظرية إلى درجة الاتساع دون العمق، وكلما اتَّسع النظر
ضاق العمل، وكلما أوغل في التأملات النظرية اختفى الواقع العملي بالرغم من ظهور
مفهوم الواقع، ولكنه واقعٌ نظري، وليس واقعًا عمليًّا.
١٦١ وليست المسائل العملية نظرية إلى هذا الحد بالرغم من التخيير
والتجري والاستصحاب والبراءة الأصلية، والإغراق في التحليل النظري في النهاية
ابتعاد عن الواقع العملي؛ لذلك قال الشاطبي في «الموافقات»: «إن كل مسألة نظرية
لا ينتج عنها أثرٌ عملي فوضعُها في أصول الفقه عارٍ.» أي زائد لا لزوم
له.
وهو إسهاب خالٍ من الإبداع يقوم على التجميع والنقل عن الآخرين، والاقتباس من
المتون السابقة بعلامة «انتهى» لبيان نهاية الاقتباس.
١٦٢ وهذا أحد أسباب تضخُّم العمل في مجلداتٍ أربعة.
ويقترب أحيانًا من الأسلوب الشفاهي، الأمالي التي تعوَّد عليها علماء الشيعة
في الحوزات العلمية، وجمَعها الطلاب. وهو ليس عيبًا في ذاته في ثقافة شفاهية
سابقة على التدوين حتى إلى وقتٍ مُتأخر؛
١٦٣ لذلك تظهر بعض التعبيرات الشفاهية، مثل «وينبغي التنبيه على أمور»
أو «الكلام في أمور».
١٦٤ وتبدأ بعض الفقرات بلفظ «اعلم»؛ فالأسلوب الشفاهي في حاجة إلى
مُتكلم ومخاطَب.
١٦٥
ويتوجه مسار الفكر إلى الداخل وليس إلى الخارج، والرد على الاعتراضات من
الداخل وليس من الخارج؛ فالحوار مع النفس وليس مع الآخر.
وقد اتَّسم المتن بالنمنمات الجزئية دون الرؤية الشاملة للموضوع، والتوهان في
الجزئيات دون تركيز على الكليات بالرغم من التذكير بمسار الفكر أحيانًا في
أواخر الفصول.
١٦٦
ويُغرِق المتن في الروايات عن الأئمة المعصومين عليهم السلام أكثر من
الأحاديث المتواترة عند أهل السنة. ويستوي الشيعة والسنة في كثرة ألقاب التعظيم
والتمجيد والتقديس، ويتم التحول من «رحمه الله» إلى «قدَّس الله روحه» أو
«قدَّس سره»، ومن «رضي الله عنه» إلى «عليه السلام». ويدل تعظيم الأئمة في كلتا
الحالتين على تقدير العلم والعلماء. والإمام المعصوم قطب الرحى في الرواية
والإجماع، وما يتصف به من تقية وغيبة ورجعة ردُّ فِعل على المدلس في الرواية
والمزور في الإجماع.
وتنتهي كثير من الفصول والفقرات باللازمات الدينية المعهودة، مثل «إن شاء
الله تعالى» و«الله العالم».
١٦٧
وتظهر بعض المفاهيم الأصولية عند الشيعة، مثل القطع والظن والشك والاستصحاب
والتجري ومنجزية العلم والفتوائية وأصالة البراءة والاشتغال والاحتياط والتخيير
والاحتياط والانسداد والأمارات والحجية والحكومة والرجالية والصدور والأجزاء
والشهرة والتسامح والمحصورة وغير المحصورة والمانعية والقاطعية والظنية
والركنية وقاعدة الفراغ والتجاوز وقاعدة اليد … إلخ، بالرغم مما قد يبدو من
تعارض بين بعضها البعض، مثل التجري والبراءة الأصلية، وأيضًا مثل الفقهاني
والانحصار ومجاري الأصول والاستحباب والتوليدية، وهناك بعض المشاكل الخاصة
بأصول الفقه الشيعي مثل الخلاف بين الإخباريين والاجتهاديين، وهو ما يُعادل عند
أهل السنة التقابل بين النقل والعقل، وبين المأثور والمعقول، وبين الأثر
والرأي، وبين الرواية والدراية كأحد آليات الإصلاح في العصر الحديث.
ويُحاور النص المعاصرين أكثر مما يُحاور القدماء في التراث الأصولي الشيعي.
ويعتمد على المصادر الشيعية أكثر مما يعتمد على المصادر السنية. ويغوص في أصول
الفقه الشيعي، مفاهيمه وأصوله وقواعده، أكثر من اللحاق بالأصول الأولى للشافعي
والجصاص والكرخي والبزدوي عند السنة، وأصول الطوسي والمفيد والمرتضى عند
الشيعة، حيث يبدو علم الأصول في المذهبين من حيث القواعد علمًا واحدًا قبل أن
ينشغل علم الأصول الشيعي بالانفراد من أجل تصحيح مسار التاريخ وليس التشريع،
تحريك الأمر الواقع وليس تثبيته، العودة إلى الاحتمالات ضد التقنين، والدخول في
الذاتية ضد الموضوعية، والتأويل في مُقابل التنزيل.
ولأول مرة يُعاد بناء العلم كله على أسسٍ معرفية نظرية، في حين أن علم أصول
الفقه هو تأسيس العمل وليس تأسيس النظر؛ إذ يقوم العلم على ثلاثة مقاصد؛ القطع
والظن والشك، بالإضافة إلى مقدمة عن الأصول العملية، وخاتمة عن التعارض
والتراجيح، بل إن الاستصحاب نفسه، وهو ما يرتكز عليه أصول الفقه الشيعي، إنما
يدخل في هذه البنية الثلاثية المعرفية؛ فالمكلَّف إذا ما التفت إلى الحكم
الشرعي يحدث له الشك أو القطع أو الظن، طرفان ووسط. والمرجع في الشك إلى
القواعد الشرعية، وهي الأصول العملية، وهي مُنحصرة في أربعة احتمالات؛
الاستصحاب في حالة ملاحظة الشك، والثاني البراءة إذا كان الشك في التكليف،
والثالث الاحتياط إن لم يكن الشك في التكليف، والرابع التخيير.
١٦٨ والأولية للظن على الشك، وللشك على القطع من أجل القضاء على قطع
السلطان والشك فيه وإيجاد البدائل؛ فالكل ظنون، وليس ظن السلطان الذي حوَّله
إلى قطع بأولى من ظنون مُعارضي السلطان.
ويكون التأسيس على المعرفة الشعورية الخالصة وأنماط الاعتقاد، القطع والظن
والشك. والظن أكبرها ثم الشك، والقطع أقلها لأنه صعب المنال.
١٦٩ وفي مقاصد الشك يتم الإعلان عن البراءة والاشتغال دون تناولهما،
ويتم عرض باقي موضوعات علم أصول الفقه من خلال هذه البنية الثلاثية المعرفية،
مثل مباحث الألفاظ والأدلة الشرعية الأربعة. والقطع لا ينقسم إلى موضوعات، بل
يضم مجرد مباحث عن التجري والقطع الحاصل من المقدمات العقلية وقطع القطاع
والعلم الإجمالي، في حين أن الظن ينقسم إلى مقامين؛ إمكان التعبد بالظن ووقوع
التعبد بالظن، كما يتضمن الأدلة الثلاثة الأولى، الكتاب والسنة والإجماع،
ممثَّلةً في حجية ظواهر الكتاب وقوله اللغوي والإجماع المنقول وحجية الشهرة
الفتوائية وجر الواحد ومطلق الظن ودليل الانسداد وكون الظن جابرًا أو موهنًا أو
مرجحًا. ويتضمن الشك الشك في نفس التكليف، والشك في المكلَّف به. ويضم الأول
الشبهة التحريمية، والشبهة التحريمية الموضوعية، والشبهة الوجودية، والتمييز
بين أدلة البراءة وأدلة الاحتياط. ويتضمن الثاني الشبهة المحصورة وغير
المحصورة، ودوران الأمر بين المُتباينين، وبين الأمر والأكثر، وبين المحذورين
في الشك الأول. وتضم الخاتمة العمل بالأصل، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار. والمقام
الثاني في الشك هو الاستصحاب دون أن يكون أصلًا مستقلًّا؛ أخباره، والأقوال في
حجيته، وشرائط العمل به، والتنبيه عليه، والتعارض بين الاستصحابين أو بينه وبين
سائر الأمارات والأصول، بالإضافة إلى قاعدة الفراغ والتجاوز، وأصالة الصحة في
فعل الغير. وتضم الخاتمة «في التعادل والتراجيح» قاعدة «الجمع مهما أمكن أولى
من الطرح»، والتمييز في الأدلة بين المُتكافئين والراجح والمرجوح، والأخبار
العلاجية التي يتم بواسطتها الجمع، والمرجحات المنصوص عليها، وأنواع المرجحات
الداخلية والخارجية والدلالية، ثم الترجيح بموافقة الأصل.
ونظرًا لهذا التأمل الداخلي تقل الأدلة النقلية، الآيات والأحاديث، والأحاديث أكثر.
١٧٠ ويعتمد النص على روايات الشيعة التي تُسمى «الروايات الموصوفة»،
والتي تُعادل الإصحاحات الخمسة عند أهل السنة، وهي الصحيحة وفي مقدمتها روايات
زرارة، والحسنة وفي مقدمتها رواية حسنة بن المغيرة، والموثقة مثل موثقة
ابن أبي يعفور وعمار، والمقبولة وهي التي تضم روايات مقبولة عمر بن حنظلة،
والمكاتبة مثل القاساني، والمرسلة مثل مرسلة الفقيه، والمرفوعة مثل زرارة،
والروايات مثل النبوي وعبد الأعلى مولى آل سام وأبان بن تغلب وأبي بصير وحفص بن غياث.
١٧١ ومن الأنبياء والأئمة المعصومين الإمام علي ثم النبي ثم الأئمة ثم
أبو عبد الله ثم رسول الله ثم الإمام الصادق. وقد يأخذ الرسول أكثر من لقب؛ فهو
النبي والرسول ونبينا ونبيه ومحمد، كما يأخذ عليٌّ أكثر من لقب؛ فهو الإمام
وأمير المؤمنين والوصي، ويأخذ آل النبي أكثر من لقب؛ آل محمد وأهل العترة وأهل
البيت وأهل الذكر والحجج المعصومون والأئمة وأهل بيت الوصي والأوصياء، مع
الدعوة لبعض الأئمة بأن يعجِّل الله فرجهم؛
١٧٢ فقد أسرَه الظالمون وهو يُقاوم الظلم.
ويُذكَر عددٌ آخر من الرواة في مقدمتهم زرارة ثم محمد بن مسلم ثم
ابن أبي يعفور ومئات من الرواة الثقات لا يروي عنهم أهل السنة.
١٧٣
ومن أسماء الأعلام يتقدم الطوسي ثم الحلي المؤسِّسان مع المفيد لعلم أصول
الفقه الشيعي، ثم المرتضى ثم الشهيد الأول، ثم يتوالى باقي الأصوليين مثل
الخوانساري والقمي والسبزواري والطبطبائي وغيرهم. ويظهر الغزالي وأبو حنيفة وسط
أعلام الشيعة كجزء من علم الأصول الجامع للفِرق. ويُسمى العلَم باسم مؤلَّفه،
مثل صاحب الفصول، صاحب القوانين، صاحب الذخيرة، صاحب المسالك، شارح المختصر،
وصاحب الزبدة، وصاحب الوافية … إلخ. ويختلط الاسم باللقب، مثل الفاضلان،
المشايخ الثلاثة، الشهيد الأول، الشهيد الثاني، الصدوق، الأستاذ، أمين الإسلام،
فخر الدين … إلخ.
١٧٤
ومن الجماعات يتقدم العلماء ثم جماعة من العلماء تقديرًا للعلم والعلماء، ثم
الأصحاب ثم العقلاء مما يدل على إمكانية الجمع بين المذاهب باسم العقل، ثم
الإخباريون التقليديون في صراعهم مع الاجتهاديين؛ لذلك كان الحوار قائمًا بين
القدماء والمُحدَثين، بين المتقدمين والمتأخرين. ويظل الحديث مُتأرجحًا بين
مذهبنا، أصحابنا، علمائنا، مشايخنا، فقهائنا، وبين الصحاب والعلماء والمشايخ
والفقهاء والأصوليين والعقلاء والمتأخرين والمتقدمين والمعاصرين وأهل اللغة
وأهل اللسان وعلماء الإسلام وأصحاب الجملة وأهل الشرائع وأصحاب الحديث والأنصار
وأهل الخبرة وأهل العرف وأهل النار والمحققين والمتكلفين الذين لا ينتسبون إلى
مذهب معيَّن، والذي يدل على إمكانية تجاوز المذاهب.
١٧٥
ومن ضِمن الجماعات المذكورة مرةً واحدة جماعات العلم واللغة واللسان والعلم
والدين، تعظيمًا للعلماء بصرف النظر عن المذهب، وتقديرًا لعلماء مذهب بعينه هو
مذهب الإمامية، وهم علماء الاجتهاد والاستدلال والنظر والفتيا الذين جمعوا بين
المعقول والمنقول، وهم أهل الحق، مُتفرقون في الأمصار والأعصار، منهم المتقدمون
والمتأخرون، القدماء والمعاصرون. وقد تكون المعاصرة مع علَم من الأعلام، الفارق
في التاريخ، من يأتي قبله أو بعده، من يلحق به أو يفوته.
١٧٦
ومن البُلدان يتقدم العراق دون خصومة أو ضغينة، ولا تتجاوز خراسان باقي مدن
العراق، بغداد والبصرة والنجف، والحجاز ومكة والمدينة واليمن.
١٧٧ كما يرتبط علم الأصول بالبيئة الحيوانية العربية؛ الكلب، والغنم
إيجابًا، والخنزير سلبًا.
١٧٨
ومن المذاهب والفِرق والطوائف تتقدم العامة، مما يدل على دور العامة في تكوين
المادة الأصولية قبل الشرع والشريعة والإسلام والمسلمين، بل وقبل المذهب
كالإمامية والشيعة، وقبل تنظير الخاصة في مذاهب، وقبل المؤمنين والكافرين،
اليهود والنصارى وأهل الكتاب، وقبل الأشاعرة والشافعية من أهل السنة، والغلاة
من الشيعة، وقبل انقسام الأمة شيعًا وطوائف خوارج ومرجئة وحشوية … إلخ.
١٧٩
ويُحال إلى عديد من المتون الأصولية السابقة كبداية للتراكم التاريخي،
١٨٠ ويأتي في المقدمة بطبيعة الحال الكتاب وكتاب الله والقرآن باعتباره
المصدر الرئيسي للعلم، ثم «العدة»، ثم «معارج الأصول»، ثم «معالم الدين في
الأصول» و«تذكرة الفقهاء» و«نهاية الوصول» وعشراتٌ أخرى من المتون في الفقه والتوحيد.
١٨١
(٧) «أصول الفقه» للشيخ محمد رضا المظفر (ت: ١٣٩٥ﻫ ق)١٨٢
وهو كتابٌ تعليمي مدرسي يخلو من أي موقف، ولا يُحاجج أي مذهب أو اتجاه،
تجريدي نظري خالص، هادئ وواثق، لا ينفعل بشيء، ويكتفي بالعرض النظري الفلسفي
الخالص، بل يخلو من الأمثلة الفقهية أو الواقع المعاصر، وهو ابن الثورة
الإسلامية. وكان بالإمكان التحول إلى أصول فقه الثورة خاصةً بعد الحديث عن
المغصوب في الفقه القديم.
١٨٣ ومع ذلك يبدو منطق الاستدلال من تحليل بعض الألفاظ المميزة، مثل
استدلال، نتيجة، إبطال، توليد، زيادة إيضاح، دفع وهم، تنبيه، وباقي ألفاظ
الشعور.
ونظرًا لهذه السمة البارزة في أصول الفقه الشيعي في مُقابل أصول الفقه السني،
تقابل بين الداخل والخارج، بين القطع والشك، بين القياس والاستصحاب، بين
الاحتمال واليقين، بين العقل والشعور، بين الوضوح والغموض، بين الألفة والغرابة
في المصطلحات، بين التركيز والإسهاب، بين الأدلة الشرعية الأربعة ومباحث
الألفاظ. وهو تقابل له ظروفه التاريخية ودوافعه النظرية؛ فأصول الفقه السني فقه
الدولة مُتجه إلى الخارج، قاطع، يقوم على القياس والاحتمال نظرًا لأن اليقين في
السلطة. وهي أصولٌ عقلية؛ فالعقل للتشريع، واضحة لسهولة الحكم، أليفة اللغة حتى
يفهمها الناس، مركَّزة، تقوم على الأصول الشرعية الأربعة المعطاة سلفًا، في حين
أن أصول الفقه الشيعي أصول مُعارضة تتَّجه إلى الداخل وعالم الشعور، ميدان
الحرية؛ تشك وتظن فيما ظنَّه أهل السنة قطعًا ويقينًا. تتجه إلى الشعور حيث
التأويل والاشتباه دون حسم العقل وتشريعه، وتُوحي بالغموض لأنه مدعاة إلى
التساؤل، وتُوهم بالغربة اللغوية من أجل الدهشة والاستغراب، وتُسهب حتى يسهل
زحزحة التركيز، وترفض السجن داخل المصادر الشرعية الأربعة، وتنطلق في رحاب
اللغة والأصول العملية.
والبنية رباعيةٌ تدور حول أربعة مقاصد؛ الأول مباحث الألفاظ، والثاني
الملازمات العقلية، والثالث مباحث الحجة، والرابع الأصول العملية. وأكبرها
الثالث مباحث الحجة.
١٨٤ وتشمل مباحث الألفاظ المشتق، والأوامر، والنواهي، والمفاهيم،
والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وأكبرها الأوامر ثم العام
والخاص، وأصغرها النواهي.
١٨٥ والملازمات العقلية تنقسم إلى قسمين؛ المستقلات العقلية، وغير
المستقلات العقلية، والثانية أكبر.
١٨٦ ومباحث الحجة تتضمن ما يُعادل الأدلة الشرعية الأربعة عند أهل
السنة، الكتاب والسنة والإجماع والقياس، بالإضافة إلى بعض فروعها مثل الدليل
العقلي والشهرة والسيرة والتعادل والتراجيح وهو أكبرها؛
١٨٧ فالتأويل هنا هو ركيزة البنية، وله الأولوية على النص والواقع.
ابتلعت الذاتية الموضوعية، واختفى الوجود في المعرفة.
وفي الشواهد النقلية تغلب عليه الآيات أكثر من الأحاديث، ويأتي الشعر على
استحياء؛ إذ إن التجربة الشعرية تجربةٌ إنسانية عامة مثل الوحي،
١٨٨ وهي تجربةٌ شعرية عربية لا فرق بين عرب وعجم.
وبتحليل الأسلوب ومسار الفكر يتَّضح التركيز على النتيجة ثم تتساوى الألفاظ،
الإيضاح وانتفاء السر، ودفع الوهم، وبيان المقصود، ونهاية الاستغراب. وبعد
التنبيه والتحقيق وتبديد الوهم يظهر المختار في المسألة. وتتم مخاطبة القارئ
للاحتفاظ به. وأثناء مسار الفكر يتم البيان والإيضاح والشرح والتعبير بعدة
عبارات، والتنبيه على مواطن الزلل.
١٨٩ ومع ذلك تظهر على استحياءٍ بعض المصطلحات الأصولية الشيعية الخاصة،
مثل الدليل الفقهائي، والجهتي، والمقدمية، والطريقية … إلخ.
١٩٠ ويتم إبراز مراحل الفكر وتطوره المنطقي وتمفصلاته، وإحالة السابق
إلى اللاحق، واللاحق إلى السابق.
١٩١
وأسماء الأعلام كثيرة تتراوح بين أصوليِّي الشيعة ورواتهم؛ فمن الأصوليين
يتقدم الأنصاري ثم النائيني ثم الطوسي ثم الأخوند ثم الشريف المرتضى ثم القمي
والكاظمي، ثم صاحب الكفاية وصاحب الفصول نسبةً إلى مؤلفاتهم، وعشرات آخرون من
علماء الأصول.
١٩٢ ومن رواتهم وثقاتهم وعلمائهم أصحاب الإصحاحات والموثوقات يتقدم
زرارة، ثم ابن عبد الله وابن إدريس والطبرسي، وعشرون آخرون مثل محمد بن مسلم
والصادق وإسماعيل الصدر والحلي والمجلسي والكراكجي وابن طاوس وابن زهرة والقاضي
وعبد الله الصادق وأبان؛ فالروايات عن أئمة الشيعة مثل الرواية عن الرسول،
والأقوال عن الأئمة مثل الأقوال عن الرسول، الأوائل عليهم السلام، والثاني عليه
الصلاة والسلام.
١٩٣ ومن آل البيت يتقدم المعصوم فعلًا وقولًا والحسين.
١٩٤ ومن أهل السنة يُحال إلى ابن حزم في «إبطال القياس» و«الإحكام»،
والغزالي في «المستصفى»، وأبي حنيفة.
١٩٥
ومن الطوائف والفِرق يُحال إلى الأشاعرة والعدلية (المعتزلة) والإمامية
والإخباريين والفقهاء وعلماء اللغة والمعتزلة والشيعة الإمامية وفقهاء الشيعة،
ومن الفلاسفة الشيخ الرئيس.
١٩٦ ومن كل فِرقة وطائفة هناك المتقدمون والمتأخرون، القدماء
والمحدَثون؛ مما يدل على الإحساس بالتاريخ والتقدم وتوالي الأجيال؛
١٩٧ فالأئمة في العصر، والعصر عصر الأئمة.
١٩٨
ويُحال إلى بعض المتون الأصولية القديمة المشهورة والأقل شهرة، وتتم مراجعتها
والحكم عليها؛ «وهذا الكلام صحيح».
١٩٩ كما يُحال إلى بعض المتون المعاصرة، مثل «مدخل إلى الفقه المقارن»
لتقي الدين الحكيم.
٢٠٠
وتتأكد وحدة العمل والصلة بين الأصول والمنطق طبقًا للتراث الأصولي التقليدي،
والذي أبرزه محمد باقر الصدر، كما يُحال إلى باقي الكتب المنطقية.
٢٠١
(٨) «منتهى الأصول» للبجنوردي (١٣٩٦ﻫ ق)٢٠٢
وهو مؤلَّفٌ جامعي مدرسي مثل المتن السابق، لا اتجاه له ولا يمثِّل مدرسة، من
نوع الموسوعات التي تضيق وتتَّسع طبقًا لحجم المادة المنقولة؛ لذلك يتَّسم
بالرزانة والهدوء، وغياب السجال مع المذاهب والفِرق داخل الشيعة وخارجها، ويظهر
الاعتزال على استحياء في شكر المُنعم،
٢٠٣ كما يظهر المستوى الشعوري للتحليل في وصف الكلام النفسي.
والبنية ثنائية طبقًا للجزأين؛ فالأول يتضمن مقاصد ستة؛ الأوامر والنواهي،
والمفاهيم، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين. وهي مباحث
الألفاظ. أكبرها الأوامر ثم النواهي ثم العام والخاص مع المفاهيم ثم المطلق
والمقيد، وأصغرها المجمل والمبين؛ فقرة واحدة.
٢٠٤ والثاني ثلاثية القطع والظن والأصول العملية بديلًا عن الشك.
وأكبرها الأصول العملية، وتشمل أصالة البراءة وأصالة الاشتغال والاستصحاب.
وينتهي الجزء بخاتمة في التعادل والتراجيح، وفي الاجتهاد والتقليد.
٢٠٥ وهناك وعي بالبنية الثلاثية؛ القطع والظن والشك.
٢٠٦ وليس الغرض من مباحث الألفاظ استنباط حكم، بل تأسيسها على اليقين
أو الظن أو الشك. وهو أقرب إلى التعريفات المنطقية والأسلوب التعليمي منه إلى
التجديد والتطوير لأصول الفقه الشيعي. وأحيانًا يجعل المؤلف البنية ثلاثية؛
المقدمة والمقاصد والخاتمة. ويدمج الجزأين معًا في قسمٍ واحد في المقاصد الست
بالإضافة إلى القطع والظن والأصول العملية.
٢٠٧
وهناك تشابه واختلاف بين البنية الثلاثية في أصول الفقه عند السنة وعند
الشيعة؛ فعند السنة يبدأ الوعي التاريخي في الأدلة الشرعية الأربعة، حوامل
الوحي، الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم يأتي الوعي النظري الذي ينجلي في
مباحث الألفاظ، وأخيرًا يتحقق الوعي العملي في المقاصد والأحكام. أما عند
الشيعة فتبدأ مباحث الألفاظ، أي الوعي النظري، لأولوية النظر على العمل،
والمعرفة على السلوك، ثم تأتي أنماط الاعتقاد والقطع والظن والشك كبديل عن
الوعي التاريخي؛ فليس المهم هو الأدلة الأربعة، بل صحتها ويقينها وقطعها خارج
الظن والشك، ثم تأتي الأصول العملية، البراءة والاستصحاب، كبديلين عن المقاصد والأحكام،
٢٠٨ وعن طريقهما يتم التحول من النظر إلى العمل؛ فاللغة لها الأولوية
على التاريخ عند الشيعة، في حين أن التاريخ له أولوية على اللغة عند السنة؛
فالسنة أصحاب سلطة، ومن يملك التاريخ يتحكم في اللغة، والشيعة أهل معارضة، ومن
يملك اللغة يحرِّك التاريخ.
مباحث الألفاظ مشتركة بين السنة والشيعة تُغْني عن الأحكام، أحكام التكليف
خاصةً، عند الشيعة، ولا تُغْني عنها عند السنة، وهي مشتركة بين الفِرقتين. ولما
كانت الأحكام من وضع الحاكم الجائر عند الشيعة وخاضعة للغة، توجد مطويةً داخل
مباحث الألفاظ. والأدلة الأربعة أيضًا خاضعة لمباحث الألفاظ، خاصةً الكتاب
والسنة، ورواية الإمام المعصوم، وضرورة وجوده في الخبر، وفي الإجماع، ويُغْني
عن القياس الشكلي والصوري عند أهل السنة؛ لذلك تعطي الأصول العملية حريةً أكثر
في السلوك عند الشيعة أكثر مما تُعطيه أحكام التكليف الخمسة عند السنة، بعدما
طوَّر الشيعة المباح إلى البراءة، والمندوب والمكروه إلى الاستصحاب.
وبتحليل الأسلوب يتَّضح أولوية «وبعبارةٍ أخرى»؛ مما يدل على الإسهاب
والتطويل والشرح بأكثر من صياغة، كما يظهر بوضوح أسلوب القيل والقال، والرد على
الاعتراضات مسبقًا من أجل اتساق الفكر، ثم يظهر خطاب الجمهور والدعوة إلى
المشاركة في الفكر والمساهمة في المعرفة. ويكشف المؤلف عن السر، ويبيِّن ما
خفي، ويحل الإشكال، وينبِّه على الغامض، ويدفع التوهمات، ويُزيل الشكوك،
ويبيِّن الصحيح، ويُنصف في الحكم، ويُعطي الأدلة، ويُوجز الكلام، ويعبِّر عن
المراد والمقصود. ويُحيل السابق إلى اللاحق تأكيدًا على وحدة العمل وترابط
الأجزاء وشمولية النظرة.
٢٠٩ ومعظم اللازمات في أول الفقرات وليس في آخرها.
ويعتمد النص على عديد من الآيات والأحاديث، والآيات أكثر.
٢١٠ ويغيب الشعر العربي كليةً بالرغم من التقارب بين التجربتين
الشعريتين العربية والفارسية. وتكثُر أقوال الأئمة المعصومين، وقد تفوق
الأحاديث النبوية. كما يستعمل أسلوب القيل والقال والرد على الاعتراضات مسبقًا.
٢١١
وتكثُر الأعلام بأسمائها أو ألقابها، والألقاب أكثر. ونظرًا لتكرار بعضها مثل
شيخنا، أستاذنا، العلامة، المحقق، الفقيه، فإنه يتم التداخل بين أصحابها. وقد
يأخذ نفس الشخص أكثر من لقب، كالمحقق والعلامة والفقيه والشيخ والأستاذ. ويتقدم
أساتذة المؤلف، مثل «شيخنا الأستاذ»، أستاذنا المحقق، شيخنا الأعظم (النصارى)،
ثم المؤلفون بمؤلَّفاتهم وليس بأسمائهم، مثل صاحب الكفاية ثم صاحب الفصول ثم
صاحب المعالم ثم صاحب الحاشية ثم صاحب المدارك وصاحب الجواهر … إلخ. كما يظهر
المؤلفون بألقابهم وأسمائهم، مثل المحقق الطوسي، الفقيه (المحقق) الهمذاني،
المحقق النائيني، المحقق الشريف … إلخ.
٢١٢ كما تتم الإحالة إلى محدثي الشيعة ورواتهم وأئمتهم المعصومين، مثل
زرارة وأبي عبد الله وأبي جعفر وغيرهم،
٢١٣ ويُضاف إليهم النبي. ويظهر بعض علماء السنة وفِرقهم، مثل
أبي حنيفة، وأبي هاشم، والفارابي من أصحاب الاتجاه العقلي.
٢١٤
ومن الطوائف والفِرق يتقدم الإخباريون ثم الأئمة والمعتزلة، لقرابة الشيعة
بالاعتزال، ثم الأشاعرة.
٢١٥
ويُحال إلى عديد من المؤلَّفات في معظمها شيعي، مثل الكفاية للخراساني
والعديد من الحواشي عليه، وعوالي اللآلي للأحسائي، والعدة للطوسي، وغيرها من المتون.
٢١٦
وتظل بعض مصطلحات الأصول الخاصة بالشيعة في صيغة المصدر الصريح، مثل
الهوهوية، والتمامية، والتلبسية، والداعوية، والمانعية، واللاحرجية، والقهرية،
والفتوائية، والمنجزية، أو في صيغة النسبة مثل الأعمى المولدي (الأمر)، المقدمي.
٢١٧
رابعًا: هل تغيَّرت البنية بعد الثورة؟
وقد تعدَّدت مؤلَّفات أصول الفقه الشيعي عند قائد الثورة الإسلامية في إيران
وثُوارها الذين فجَّروها، والسؤال هو: هل كان أصول الفقه الشيعي بمفاهيمه عن
الاستصحاب والتجري، والبراءة والاحتياط، والتخيير، والشك والقطع والظن، أحد عوامل
تفجير الثورة الإسلامية في إيران؟ ولماذا ازدهر أصول الفقه الشيعي بعد اندلاع
الثورة؟ وهل هناك علاقة بين التشيع والثورة في علم أصول الفقه، أم أن العلاقة
بينهما في العلاقة بين الأصول النظرية التقليدية والممارسة الثورية المعاصرة كما هو
الحال عند الإمام الخميني؟ وإن كان الجواب بالنفي، فكيف يقود الثورةَ مُحافظٌ نظري
وثوري عملي؟ هذا هو الخُلف بين النظرية والممارسة، بين النظر والعمل، بين الرؤية والتطبيق.
٣٢٦ هل تغيَّرت البنية الرباعية بعد الثورة؟ فإن كان الرد بالإيجاب، فما هي
البنية الثورية الجديدة؟
لقد كُتبت المؤلَّفات الأصولية للإمام الخميني قبل الثورة عندما كان أستاذًا بقم
أولًا، أو بعد نفيه إلى النجف الأشرف ثانيًا؛ لذلك تغيب الأصول الثورية التي تهدف
إلى «تثوير» علم الأصول ونقله من المستوى النظري إلى المستوى العملي، ومن مباحث
الألفاظ إلى التكاليف، وتغيير ترتيب الأدلة الأربعة من الترتيب التنازلي إلى
الترتيب التصاعدي، كما يغيب الواقع الثوري والتحليل الإحصائي، وتطبيق مسالك العلة
في الواقع الإيراني خاصة، والإسلامي عامة، حتى يمَّحي هذا الانفصال بين الخطاب
الأصولي والخطاب السياسي.
وربما غابت الثورية من الأعمال الأصولية للإمام الخميني لأنها من مستلزمات
الوظيفة والدرجة العلمية، أو من مقتضيات المهنة، سواء كان كُتِب قبل الثورة أو
بعدها، وفي الأغلب قبل الثورة عندما كان الخميني أستاذًا في الحوزة العلمية في قم
أو في النجف الأشرف؛ فالأصول مهنة، والثورة رسالة. العلم صنعة، والثورة قضية.
التدريس حرفة، والثورة دعوة. الحوزة نظام، والثورة انقلاب. ومع ذلك يتطور الفكر
ويتغير المفكر تبعًا لأحداث الزمان، وإن لم ينعكس ذلك بوضوح على موضوع الفكر وبنية الأصول.
٣٢٧
ليس المهم آثار الثورة في الشباب المُقاتل والتحول من الترف إلى الجدية والدفاع
عن الثورة ضد خصمها، فهذه هي الثورة على المستوى العملي وليس على المستوى النظري.
وليست أهمية اشتهار عقائد الشيعة في العالم، فهذا مكسبٌ طائفي، أو ارتباط التشيع
بالثورة على الحاكم الظالم، فهذا ما يعرفه القاصي والداني.
٣٢٨
وتتراءى المقاصد الثورية عند الإمام الخميني في عباراتٍ قصيرة وأمثلةٍ نادرة؛ ففي
خاتمة «مناهج الوصول» يُضيف الإمام إلى البسملة التقليدية «بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، «ولعنة الله على أعدائهم».»
٣٢٩ كما يضرب المثل بيزيد الفاسق،
٣٣٠ وكان يمكن استمرار تحديث أمثلة الفسق المعاصر من الحكام
الظالمين.
ونادرًا ما تظهر مصطلحات الثورة، مثل «المستسلمون من مشايخنا»، «المستضعفون».
٣٣١ كان من الممكن تحليل ظاهرة استسلام الأئمة خوفًا من الحاكم الظالم
وإيثار السلامة، وعزل الدين عن الحياة اكتفاءً بإيمان العجائز.
وتُضرَب الأمثلة الخاصة بالعسكر وسوقهم لفتح الأمصار؛ فالغرض لا يتعلق بواحدٍ
واحد، بل بمجموع العسكر الموجب لإرعاب الأهل.
٣٣٢ كان يمكن تطوير هذا المثال إلى ما كان يفعل رجال «السافاك» عسكر الشاه
لإرعاب المثقَّفين واصطياد المُناضلين في الداخل والخارج حتى تتجدَّد مادة الأصول؛
فلربما أثَّر ذلك على تجديد بنية الأصول؛ فالعمل يفرض نفسه على النظر، والواقع يفرض
نفسه على الفكر.
وكان يمكن تثوير علم الأصول عن طريق ما سمَّاه الفقه الحنفي «الصلاة في الدار
المغصوبة»، وعدم جوازها لاستحالة الجمع بين الحسن والقبيح في نفس الوقت، حسن الصلاة
وقبح الاحتلال، وهي ممكنة عند الشيعة بالرغم من الدفاع عن الحسن والقبح العقليين
اعتمادًا على المعتزلة وضد الأشاعرة.
٣٣٣ والأمثلة واضحة في الواقع المعاصر؛ ففلسطين وكشمير وسبته ومليليه دورٌ
مغصوبة، ومال الأغنياء مالٌ مغصوب من عمل الفقراء، وعائدات النفط مغصوبة من ثروات
الأمم.
ومن مقدمات الثورة التمييز بين القديم والجديد، بين القدماء والمحدَثين، بين
المتقدمين والمتأخرين، إحساسًا بالتطور والزمن. والثورة علامةٌ فارقة تحوِّل التطور
الكمي إلى تغيُّر كيفي، وإلا انتهى مسار التطور إلى مجرد الإصلاح.
ويظهر لفظ «الواقع» عند الإمام الخميني وإن لم يظهر مضمونه، مثل «إجزاء الظاهري
عن الواقع»، أو «إجزاء الاضطراري عن الواقع». وهو الواقع الفردي عندما تكون له
الأولوية على الفعل الشرعي الظاهر؛ فالضرورات تُبيح المحظورات.
٣٣٤ لم يتم استثمار اللفظ، وتغيير أولويات الأصول كلها ابتداءً من الواقع
كما هو الحال في «من النص إلى الواقع».
لذلك غلب على أصول الفقه الشيعي الجانب النظري المعرفي الداخلي التأملي أكثر من
الجانب العملي الوجودي الخارجي، وهو أقرب إلى فكر الجماعات السِّرية التي تنشأ تحت
الأرض، وليس إلى فِرقة السلطان التي تتحكم في الأرض، وهو نفس الطابع في الكلام
والفلسفة والتصوف. أصول الفقه السني يبغي السيطرة على العالم من خلال الأوامر
والنواهي والتكاليف الشرعية المستقطبة بين الحلال والحرام، في حين أن أصول الفقه
الشيعي يبغي التحرر من قبضة العالم الخارجي عن طريق المعرفة؛ فالتكاليف فهم،
والأوامر والنواهي مباحث لفظية، والتكاليف براءة واصطحاب وقواعد أصولية عامة. ويظهر
البعد الشعوري في علم أصول الفقه الشيعي بالإحالة المستمرة إلى الوجدان، الرؤية
الوجدانية والمعرفة الوجدانية.
٣٣٥
ويُكثِر علم الأصول الشيعي من استعمال المصدر الصريح بطريقةٍ تبدو اصطلاحية، وهي
في الحقيقة غربةٌ لغوية لم تتعوَّد عليها الأذن العربية، وليست جزءًا من مصطلحات
العلم، مثل الفورية، الكاشفية، التصرفية، الإخطارية، الإيجادية، الهوهوية، القيدية،
المقدمية، التمامية، الطولية، الاستعجالية، المحكومية، أصولية المسألة، كبروية النزاع.
٣٣٦ وتُستعمل النسبة بشكلٍ غير مألوف، مثل الرابطي، الآلي والاستدلالي،
المقامي، الصحيحي، الأعمِّي، الاقتضائي، التعليقي، التهيُّئي،
٣٣٧ بل ويؤخذ اسم الإشارة نسبةً مثل الكذائي،
٣٣٨ ويثنَّى الاسم بطريقةٍ غير مفهومة مثل اللحاظان،
٣٣٩ ويُستعمل الجمع أيضًا بنفس الطريقة مثل اللبيات.
٣٤٠
وأحيانًا تكون الغربة في المصطلح ذاته مثل «الإمكان المزبور»، والخميني على وعي
بهذا الاسم المصدري وكثرة استعماله.
٣٤١ وأحيانًا تدل بعض الألفاظ على معانٍ حرفية وليست عرفية، مثل المجتمع
الذي يعني الاجتماع، وليس جماعة من الناس.
٣٤٢،٣٤٣
وهناك نوعان من مؤلَّفات أصول الفقه عند الإمام الخميني؛ الأول متونٌ كتبها
بنفسه، سواء نشرها في حياته أم حقَّقها أحد تلاميذه أو أعوانه بعد وفاته. وهي
نوعان؛ كليةٌ مثل «مناهج الأصول» و«أنوار الهداية في التعليق على الكفاية»، أو
جزئيةٌ مثل «الاجتهاد والتقليد» و«الاستصحاب» و«التعادل والتراجيح». والثاني تقارير
كتبها؛ أي ألَّفها تلاميذه وخلفاؤه عن دروس في الحوزة العلمية، سواء كاملة أو
ناقصة، مثل «معتمد الأصول» و«جواهر الأصول» و«تنقيح الأصول». تُعطي الأولوية في
عرضها إلى مؤلَّفات الخميني التي كتبها بنفسه الكلية أولًا مثل «مناهج الأصول»،
والجزئية ثانيًا مثل «الاجتهاد والتقليد»، والتعليقات على الآخرين ثالثًا مثل
«أنوار الهداية في التعليق على الكفاية»، ثم التقارير رابعًا طبقًا لسنوات نشرها،
ابتداءً من «جواهر الأصول» إلى «تنقيح الأصول» حتى «معتمد الأصول». ولما كان مصطفى
الخميني كثير الإحالة إلى مؤلَّفات الوالد، جد أولادي، وإعلان الانتساب إليه، فقد
أضيف ضِمن المدرسة الخمينية.
وهي طريقة تأليف يتميز بها أصول الفقه الشيعي، الأفكار من إمامٍ عالم، والتحرير
من أحد طلابه وخلصائه، كما هو الحال في علاقة الأفغاني بمحمد عبده في «العروة
الوثقى»، أفكار الأفغاني وتحرير محمد عبده. «معتمد الأصول» دروس الخميني وتحرير
اللنكراني. يصف المحرِّر فِكر المُحاضر ويعرض آراءه. وهذا التأليف المزدوج؛ واحد
للمعنى والثاني للعبارة، يضع تساؤلات عدة، مثل: هل كان المُحاضر يتكلم بالعربية أم
بالفارسية؟ هل كان المحرِّر يدون أثناء سماع الدروس أم أن كان يسترجعها بعد السماع؟
هل كان المُحاضر يُلقي الدروس شفاهًا أم أنه كان يقرأ من مذكراتٍ جمَعها المحرِّر؟
هل كان المُحاضر يتكلم ببطء ويُملي حتى يُعطي للمستمع الفرصة للتدوين، أم أن
المدوِّن مجرد ملخِّص للدروس كما حفظتها الذاكرة؟ هل كان المحرِّر يدوِّن أثناء
السماع أو بعد ذلك آخر النهار أو آخر الأسبوع، قصُرت المدة أم طالت؟ إلى أي حد يكون
المعنى من المُحاضر والأسلوب من المُحرر، أم أن المُحرر حافَظ قدر الإمكان على
أسلوب المُحاضر وألفاظه وطريقة إلقائه؟ هل أسلوب التحرير يرجع إلى المُحاضر أم أنه
أسلوبٌ نمطي في هذا النوع من التأليف يستعمله كلٌّ المُقررين، مثل النائيني في
تقريره عن «الخراساني» في «فوائد الأصول»؟ هل هو تلخيص يتجاوز الأسلوب الشفاهي
ويحوِّله إلى أسلوب التدوين، ويعتمد على الاقتباس بين الحين والآخر بدليل وجود لفظ
«انتهى»؟ هل التقرير شرح فقرات من المُحاضر والربط بينها؟ وهل الإحالة إلى المصادر
من المُحاضر أو من المُقرر؟ وهل النقد والمراجعة من المُحاضر أو من المُقرر؟ هل
وظيفة المُقرر مجرد النقل والتدوين مثل الراوي أم أنه أيضًا له موقفه ورأيه ونقده
لما يسمع؟ هل مراجعة الأدبيات ونقدها من المُحاضر أو المُقرر؟
٣٤٤
ويكون الإشكال عندما يتم التحدث بالشخص الأول؛ من المتحدث، المُحاضر أم المُقرر،
المتكلم أم السامع؟ وأحيانًا يتم التحدث بالشخص الثالث، فمن هو المشار إليه؟ هل
يصبح المُقرر هو المؤلف، والمُحاضر هو الآخر؟
وليس التقرير مجرد عرض أو تأييد، بل هو أيضًا نقد وتفنيد، سواء من المُحاضر أو من
المُقرر، يكشف عن أغلاط المقدمات، وأخطاء الاستدلال، وتناقض النتائج.
٣٤٥
وفي كلتا الحالتين تتمُّ الإحالة إلى المصادر في الهوامش كالدراسات الحديثة، لا
فرق بين المصدر والمرجع، كما يتم شرح النفس والاعتماد على المصادر للمؤلف أو للمقرر
بالإضافة إلى الإحالة إلى مصادر الآخرين.
٣٤٦
(١) «مناهج الوصول إلى علم الأصول» للإمام الخميني (ت: ١٤٠٩ق/١٣٦٨ش)٣٤٧
وهو تَكرار لنفس المادة الأصولية الموجودة في باقي المؤلَّفات الأصولية
للإمام أو في التقارير التي ألَّفها المُريدون، وهو مكتوب بمنهجٍ جامعي حوزوي
هادئ رصين يكشف عن شخصية الإمام. يتكلم من علٍ، وينظر إلى الموضوع من أعلى. يدل
على معرفة صاحبه بأصول الصنعة ومقتضيات الحرفة. وأقل استعمالًا للأسلوب النمطي
للتقارير، خاصةً في لازمات العبارة في الأوائل والأواخر. ومع ذلك يظهر أسلوب
القيل والقال، والسؤال والجواب، والشُّبه والردود، والتوهمات والدفوع،
والإشكالات والحلول، والإيقاظات والتنبيهات. ولا يتنازل عن منهج الإيضاح بتحليل
العبارات وضرب الأمثلة.
٣٤٨ وفي نفس الوقت يغلب على التحليل اللغوي التحليلُ الفلسفي الصوفي
الخالص؛ أي الرؤية الإشراقية للعلم؛ فالإمام إشراقي النزعة، تلميذ صدر
المُتألهين حتى ولو كان منطقيًّا أصوليًّا.
٣٤٩ ومع ذلك يعتمد على العقل أكثر من النقل، وأقل استعمالًا لتراث
السابقين، ويُضيفه إلى آخر الكتاب مرةً واحدة كنوعٍ من مراجعة الأدبيات.
٣٥٠ وهو ما زال مرتبطًا بالفقه والأمثلة الفقهية.
٣٥١
ويقوم «مناهج الأصول» على قسمةٍ خماسية للعلم كلها في مباحث الألفاظ؛
الأوامر، النواهي، المفاهيم، العام والخاص، المطلق والمقيد. أكبرها الأوامر،
وأصغرها المطلق والمقيد.
٣٥٢ ويُضاف إليها مقدمةٌ وافية من عدة أوامر لتحديد موضوع العلم والوضع
وبعض مباحث الألفاظ، مثل المجاز والاشتراك ومعاني الألفاظ؛
٣٥٣ فالتأويل كل شيء للنص وللفعل، والتأويل قادر على تحريك كل
شيء.
ويعتمد الأسلوب في أول الجملة أو الفقرة على القيل والقال، والسؤال والجواب،
والشبهة والدفع، والبحث والتحقيق، والتنبيه والإيقاظ؛ وذلك من أجل توضيح السر
وبيان الغامض وحل الإشكال ودفع الوهم ودحض دعوى، فلا يخفى شيء، وبيان وجه
الدفع. ويتم ذلك بإيراد الأدلة والتحقق من صِدقها في مضمونها، وإيراد العمدة في
الموضوع. ويتم الاستنتاج من المقدمات إلى النتائج؛ فإذا عُرفت المقدمات عُرفت
النتائج، فتحصل النتيجة، ويظهر من القول. ويتم وصف الخطوات بأنها بحث وتحقيق،
نقل وتنقيح ونقل كلام، نقل وتحصيل. وتأتي النتائج بالجملة في رؤيةٍ كلية
وخاتمةٍ نهائية، ثم يُضاف تكميل أو تتميم، تذكرة أو تتمة أو تذبذب. وتتم مشاركة
القارئ بدعوته إلى التأمل والتدبر والتذكر والمراجعة والفهم وعدم الغفلة،
وعادةً ما يكون في آخر الكلام، والقارئ خبير بالموضوع، ثم يصدر الحكم في
النهاية بالصحة أو الفساد، بالإمكان أو الامتناع، وهو حكمٌ يقوم على الإنصاف.
ويتم الإعلان عن الخطوة القادمة في مسار الفكر. ويتم التعبير عن النتيجة بعدة
صياغات حتى تتَّضح الأمور دون تطويل، كما يتم اقتباس أقوال بنصها أو بمعانيها
والإعلان عن نهايتها، من المتقدمين والمتأخرين نظرًا لتطور العلم، ثم يُعلن عن
الحمد والمشيئة الإلهية، فكل شيء بيده. وأهم خطوة في مسار الفكر هو التحقق من
صِدق الأدلة والنتيجة العامة، والإعلان عن نهاية الاقتباس من أقوال الآخرين، مع
أهمية عمليات الإيضاح والبيان ومشاركة القارئ.
٣٥٤
ويعتمد «مناهج الأصول»، وأصول الفقه الشيعي عامةً، على شواهد نقلية أقل، وعلى
حججٍ عقلية أكثر؛ فقد احتكر السلطان النقل، واعتمدت المعارضة على العقل. ويعتمد
على الآيات أقل من الاعتماد على الأحاديث؛ فالآيات محكَمة يصعب تأويلها، في حين
أن الحديث يمكن التلاعب بصحته، خاصةً وأن لكل فِرقة إصحاحاتها، الإصحاحات
الخمسة عند السنة، وإصحاحات زرارة وحنظلة وغيرها عند الشيعة، كما يستعمل القليل
من الشعر نظرًا لخصوصية التجربة الشعرية.
٣٥٥ ويوضع الأئمة مع الأنبياء، ويأتي علي بطبيعة الحال بعد النبي،
ويأتي جعفر الباقر، ثم أبو عبد الله الصادق، ثم سيد الشهداء والإمام الحجة ولي
العصر «عجَّل الله فرجه»، ثم الإمام الرضا والإمامان الصادقان قبل الأنبياء مثل
إبراهيم وموسى ويحيى ويوسف، ومعهم باقي أئمة الشيعة، مثل السجاد والكاظم
والجواد والهادي والعسكري،
٣٥٦ وأحيانًا يتم الإشارة إلى الشيخ الأعظم أو شيخنا العلامة، وإلى بعض
المحققين أو الأعاظم على العموم.
٣٥٧
ومن أسماء الأعلام يأتي الخراساني أولًا، ثم الأنصاري ثم الحائري ثم الحائري
صاحب الفصول ثم الهمداني والطبطبائي ثم الشيرازي، ثم يدخل الفلاسفة مثل
ابن سينا نظرًا للطابع الفلسفي المنطقي لأصول الفقه الشيعي، والجبائي
(أبو هاشم) من المعتزلة نظرًا لاعتماده أيضًا على أصول الاعتزال في التوحيد
والعدل وخاصةً الحسن والقبح العقليين، مع الأصوليين مثل العراقي والأصفهاني
والكمباني محقق المحشِّي والمرتضى، وبعض علماء اللغة السنة مثل السكاكي، ثم
يأتي الشيخ الطوسي صاحب «العدة» والبهائي والقمي (الشيخ الصدوق) والشيخ المفيد
والنائيني والطهراني (المحقق) والأصفهاني (شيخ الشريعة) وصاحب المعالم، ومعهم
أبو حنيفة النعمان فقيه أهل السنة، والزركلي صاحب الأعلام الحديث،
٣٥٨ ثم يتوالى باقي الأصوليين الشيعة، مثل الحلي (العلامة) والمحقق
الرشتي والمحقق الهمذاني والاسترابادي والحلي (فخر المحققين) وكاشف الغطاء
والبهبهاني، ومعهم بعض مُتكلمي السنة معتزلة وأشاعرة، مثل الأشعري والبصري والباقلاني،
٣٥٩ ثم يتوالى باقي الأعلام من الأصوليين الشيعة، مثل إبراهيم النخعي
وأسعد الدواني والميرزا باقر والأعرجي والخوئي والخوانساري والبروجوردي
والنيسابوري والسبزواري والأراكي والأعرجي والداماد والشهيد الأول، ومن
الفلاسفة الكرماني، ومن المحدِّثين زرارة، مع أصوليِّي أهل السنة مثل القاضي
عبد الجبار ومالك ومحمد بن حسن الشيباني وأبي الحسين البصري وأبي الحسن الأشعري
وأبي موسى الأشعري والتفتازاني والرازي والغزالي، مع بعض الشعراء مثل امرئ
القيس، والصوفية مثل الحلاج، ومن فلاسفة اليونان أفلاطون وأرسطو.
٣٦٠
كما يلجأ الخميني إلى التجربة البشرية التاريخية كأساس لعلم الأصول، مثل
بساطة الحياة الأولى حين الحديث عن «الواضع وكيفية الوضع» في أول العلم، وهو ما
يُعادل نظرية التوقيف والإصلاح في اللغة في أصول الفقه السني.
٣٦١
ومن الطوائف والفِرق تأتي الشيعة أولًا بطبيعة الحال، ثم الفُرس والإمامية
والأشاعرة، ثم العرب، ثم قريش، ثم المذاهب الفقهية مثل الشافعية ومذهب
أبي حنيفة ومذهب مالك والحنابلة، وفِرق المعتزلة مثل البهشمية والجبائية،
والخوارج، وأهل المدينة، وبنو أمية، والقميون.
٣٦٢
ومن الأماكن يأتي النجف الأشرف لوفرة علمائها، ثم تتداخل مدن البصرة والكوفة
وبغداد وسامراء وكربلاء من العراق، مع مدن أصفهان وقم من إيران، والصحن المطهر
(قبر علي) مع شيراز، ودمشق ومكة مع أراك وهمدان وإيران كيف،
٣٦٣ ثم تتداخل المدن العربية مع الإيرانية مع قلة من مدن اليونان.
٣٦٤
وقد أُحيلَ إلى مئات من النصوص الأصولية القديمة، يأتي في مقدمتها كفاية
الأصول للخراساني ثم فوائد الأصول، وتجمع بين الأصول والتاريخ مثل وسائل
الشيعة، والعقائد مثل معالم الدين، وبين المتون والشروح والحواشي مثل «حاشية
البرجوردي على كفاية الأصول»، وتضم المعاجم مثل «لسان العرب»، والقواميس وكتب
الأعلام مثل ابن خلكان والزركلي، القدماء والمحدَثين، كما يُحيل الإمام الخميني
إلى بعض رسائله مثل الاجتهاد والتقليد، ورسالة الاستصحاب، ورسالة التعادل
والتراجيح، ورسالة الطلب والإرادة، وإلى بعض كتب الفقه الشيعي مثل كتاب الصلاة
للحائري والأنصاري، كما تضم بعض كتب التاريخ مثل تاريخ بغداد وأعيان الشيعة،
كما يُحيل إلى بعض النصوص الفلسفية مثل الشفاء والإشارات والنجاة والقانون في
الطب لابن سينا، وإلى بعض متون المنطق مثل «البصائر النصيرية»، وكتب التاريخ
مثل البداية والنهاية لابن كثير، وكتب التفسير مثل «البرهان في تفسير القرآن».
٣٦٥
كما يُحيل إلى عديد من المصادر السنية مثل المذاهب الفقهية الأربعة، وكتب
الإصحاحات الخمسة، ومسند أحمد بن حنبل، وإلى بعض متون أصول الفقه عند أهل السنة
مثل المنخول للغزالي، وإلى بعض المؤلفات الفقهية والأصولية للمعتزلة مثل الشامل
في الفقه وتذكرة العالم لأبي هاشم الجبائي، ومن الكتب الكلامية المِلل والنِّحل
للشهرستاني واللوامع الإلهية في المباحث الكلامية، وبعض دواوين الشعر العربي
مثل ديوان امرئ القيس، ويُحيل إلى بعض متون اللغة مثل ألفية ابن مالك، كما
يُحيل إلى بعض متون التصوف مثل «توليفات على نصوص الحِكم» و«حلية الأولياء»
ومفاتيح الغيب وشواهد الربوبية لملاصدرا، كما يُحيل إلى بعض دوائر المعارف
العربية مثل دائرة المعارف للبستاني، ودائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد
وجدي، والموسوعة الفلسفية؛ فعلم أصول الفقه جزء من منظومة العلوم الإسلامية
كلها عند الشيعة والسنة.
(٢) «الاجتهاد والتقليد» للإمام الخميني٣٦٦
وهو موضوعٌ جزئي مثل رسالة الاستصحاب، ورسالة التعارض والتراجيح. وتدل كثرة
الألقاب المُعطاة له، مثل «فخر المجتهدين»، «ملجأ المؤمنين»، «زعيم المسلمين»،
«آية الله العظمى»، «السيد»، «روح الله»، «الإمام» … إلخ، على تعظيم المؤلف على
حساب العمل. يتبع فيه أسلوب القيل والقال، والرد على السؤال، والإجابة عن
الشبهة. يقدِّم فكرًا إشكاليًّا يقوم على السجال والحِجاج. ومع ذلك يتكلم
الإمام من علٍ، باسم سلطة خفية باطنية، يضع الحقائق أكثر مما يُبرهن
عليها.
ويغلب عليه الأسلوب النمطي عند الشيعة الذي يبدأ بوضع الإشكالات، ودفع
التوهم، والتنبيه والإيقاظ، والتوضيح وعدم الإخفاء، والتحقق من الأدلة، والعمل
بالجمل، وتحصيل النتائج وظهورها، وتبديد الأسرار، ومشاركة القارئ، والاعتماد
على خبرته من أجل إصدار الحكم المُنصف.
٣٦٧
وهو في مادة الاجتهاد وليس في شكله، في موضوعه وليس في بنيته. يتراءى فيه
موضوع المفضول والأفضل من علم أصول الدين، كما تظهر بعض عقائد الشيعة خاصةً
الغيبة التي تبرِّر الاجتهاد، غيبة ولي العصر، وزمان الغيبة.
٣٦٨ ومع ذلك يُشير إلى العلوم العربية وعلوم العرب.
٣٦٩
ويظهر البعد السياسي في استعمال ألفاظ الحكم والحكومة والحاكمية والسلطان
الجائر، أي السلطة، وذكر الأحاديث عنه مع أهل الجور والأمراء والسلاطين.
٣٧٠
والبنية خماسيةٌ تدور حول شئون الفقيه، أي شروطه، وشرط الحياة، وتبدل
الاجتهاد، والتخيير، واختلاف الحي والميت في مسألة البقاء.
٣٧١ ولما كان الحي والميت يتكرران فتُرَد البنية الخماسية إلى رباعية؛
الشروط، والحياة والمحك، وتبدل الاجتهاد، والتخيير. أكبرها الأول، وأصغرها الرابع.
٣٧٢ وفيها تكون الأولوية للتأويل والنظر والاجتهاد دون قطع أو حرفية أو
ثبات لنص أو لفعل.
ومن الأنبياء والأئمة يتقدم أئمة آل البيت ثم الإمام الصادق ثم الرسول ثم
الرضا ثم أمير المؤمنين ثم الباقر والهادي والعسكري وداود،
٣٧٣ ومن الأعلام يتقدم أبو خديجة ثم زرارة،
٣٧٤ ومن الكتب يُحال إلى الفهرست، ثم إلى تفسير العسكري وعيون أخبار
الرضا ومعاني الأخبار وغيرها.
٣٧٥
ويعتمد على عدد من الآيات والأحاديث.
٣٧٦ ويقطِّع الحديث عبارةً عبارة لشرحه على نحوٍ جزئي للاستدلال به.
٣٧٧ ويتحقق من صِدق الرواة؛ لذلك يُكثِر ذكرهم. ويعتمد على السابقين
بألقابهم، حتى لقد تختلط الأسماء نظرًا لتكرار الألقاب، مثل العلامة (للحلي
وللحائري)، والمحقق (للخراساني وللنائيني). ومع ذلك يقلُّ تردد الأسماء.
٣٧٨ كما يقلُّ ذكر المذاهب والفِرق باستثناء الإخباريين والصدوقين. كما
تُذكَر بعض إصحاحات الشيعة، مثل مقبولة حنظلة وصحيحة زرارة وكتب الأعاظم وكتب
ابن فضال وعيون الأخبار (العيون) وكتاب أبي نصر والفهرست.
٣٧٩ وتُذكَر المؤسسات مثل المشيخة، مع التفرقة بين المتقدمين
والمتأخرين. كما يعتمد على بعض الخبرات الخاصة والروايات الشفاهية من أعاظم العلماء.
٣٨٠
(٣) «أنوار الهداية في التعليق على الكفاية» للإمام الخميني٣٨١
وهو ليس متنًا أو تقريرًا، بل تعليق على «الكفاية» للخراساني، وهو نفس النوع
الأدبي في أصول الفقه السني، يبدأ بأول المتن دون عبارة كاملة مُنفصلة عن
التعليق، ثم يبدأ التعليق كما هو الحال في تفسير القرآن بورود آية كاملة، أو
الشرح الكبير لابن رشد بالفصل بين المتن والشرح كما هو الحال في «تفسير ما بعد
الطبيعة»، وأحيانًا يكون جزءًا من المتن داخل التعليق استنادًا إليه. وهو لا
يشرح العبارة لفظًا لفظًا لغويًّا، مُضيفًا إليه معلومات من النحو أو الفقه
وباقي العلوم النقلية، بل يدخل في موضوع المتن ويُعيد دراسته، أشبه ﺑ «الجوامع»
عند ابن رشد، وينقد المتن الأول، ويُقارن بينه وبين متون أخرى؛ فالتعليق أقرب
إلى الاستقلال عن المتن الأول منه إلى التبعية، على عكس شروح وحواشي وتعليقات
أهل السنة. ويرد على التساؤلات، ويدفع الشبهات، ويبدِّد الأوهام، ويحل
الإشكالات بأسلوب القيل والقال والردود المسبقة على الاعتراضات المفترَضة.
ويقوم التعليق أحيانًا بتلخيص المتن دون اقتباس مباشر منه.
والعنوان إشراقيٌّ خالص «أنوار الهداية»، بالإضافة إلى الإحالة إلى صدر
المُتألهين وأستاذه الداماد؛ مما يجعل الخميني حفيدًا للتلميذ والأستاذ معًا.
ويُغرِق في الفلسفة الإلهية، ويتحدث عن عالم الملكوت، وباطن النفس، والمادية
الهيولانية والهيولى.
٣٨٢ لا تظهر عقائد الشيعة ومصطلحاتهم إلا نادرًا مثل المعصوم.
٣٨٣
ويتَّسم الأسلوب بنفس خصائص أسلوب أصول الفقه الشيعي المتون أو التقارير؛ إذ
يدل تحليل الألفاظ في أول العبارات والفقرات وأواخرها على أن أهم شيء هو
النتيجة الكلية والرؤية العامة التي تحصل بعد انتهاء تحليل الموضوع، واقتباس
الفقرات بعلامة «انتهى»، فيتَّضح الأمر وضوحًا تامًّا فلا يخفى على أحد، ويراه
القارئ أو المُستمع. ويظهر السر بعد المعرفة والعلم، فيظهر الخفي وينكشف السر
بعد التحقق من الأمر. ويتم التعبير عنه بطرقٍ عديدة وعباراتٍ مختلفة بعد
الاستدلال والإقناع وتحاشي الدَّور. ويصدر الحكم بالإنصاف، والاختيار بعد
السؤال والجواب، والاعتراض والرد في الكلام الدقيق جدًّا مع حذر من التطويل
ورغبة في الاختصار. وتتم إحالة اللاحق إلى السابق، والسابق إلى اللاحق، وختامًا
بألفاظ المشيئة والإرادة الإلهية.
٣٨٤ وفي أخر الفقرات تدل ألفاظٌ أخرى على مشاركة القارئ، مثل: فتدبر،
فتأمل وراجع، فانتظر، وغيرها.
٣٨٥
ولا ينقسم التعليق إلى أبواب أو فصول مرقَّمة أو غير مرقَّمة، بل يقوم على
بنيةٍ ثلاثية تقليدية هي بنية علم أصول الفقه الشيعي التي تُعادل بنية أصول
الفقه السني؛ مباحث القطع، ومباحث الظن، ومباحث الشك. وأكبرها مباحث الشك، ثم
مباحث الظن.
٣٨٦ تشمل مباحث القطع التجري والإرادة، ومباحث الظن على الظاهر
والمئول، ومباحث الشك على الأدلة الأربعة وبعض مباحث الألفاظ. مباحث القطع
تُعادل أحكام التكليف عند أهل السنة، ومباحث الظن تشمل مباحث الألفاظ، ومباحث
الشك تشمل الأدلة الأربعة.
٣٨٧ والثلاثة تقع تحت عنوان الأمارات المعتبَرة عقلًا أو شرعًا؛ فكل
أبعاد الشعور الثلاثة أمارات، أي علامات، لا فرق بين أحكام وأدلة وألفاظ؛
فالبنية الثلاثية في الأصول الشيعية بنيةٌ معرفية خالصة تبتلع النص
والفعل.
ويعتمد التعليق على الآيات والأحاديث، والأحاديث أكثر.
٣٨٨ ويغيب الشعر الذي يتناقص مع تجربة التعليق، وليس إبداع النص
الجديد. ويتقدم النبي على الأئمة، كما يتقدم أبو عبد الله الصادق على الباقر
والكاظم والحسين وعلي،
٣٨٩ ثم يتقدم أعلام الشيعة مثل الكاظمي ثم الأنصاري ثم الحائري ثم
الخراساني ثم الصدوق ثم السيد الإمام ثم الطوسي وغيرهم، بالإضافة إلى عديد من
الصحابة والفلاسفة والنحاة، سنة وشيعة على حدٍّ سواء.
٣٩٠ ويُحال من الفِرق إلى المتأخرين والإخباريين.
٣٩١
ومن المؤلَّفات يُحال إلى «فوائد الأصول» ثم «الكفاية» ثم «فرائد الأصول» ثم
«الوسائل» ثم «الكافي» ثم «درر الفوائد» ثم «نهاية الأفكار» ثم «التهذيب» إلى
آخر أمهات أصول الشيعة، بالإضافة إلى بعض التفاسير وبعض الموضوعات الجزئية،
التسامح في أدلة السنن، وبعض أصول السنة للرازي والسرخسي، مع بعض الشروح
والتفاسير وعلم ميزان الرجال.
٣٩٢
ويُضاف إليهم بعض كتب الصوفية مثل «شواهد الربوبية» لصدر الدين الشيرازي
و«القبسات»، والقواميس مثل «لسان العرب»، وكتب أصول الفقه السني مثل «المحصول»،
كما يُحال إلى كتب إبطال القياس عند الظاهرية والشيعة، وإلي كتب أصول أهل السنة
مثل «الإحكام» لابن حزم و«المحصول» للرازي، وإلى عشرات الحواشي على الكفاية،
وأصول الفقه للشيخ المفيد، والمعالم الجديدة للأصول لباقر الصدر، وإلى كتب
الفِرق مثل الردود على الديانات المنحرفة وكتاب الغيبة، وإلى كتب الفلسفة مثل
الإشارات والشفاء لابن سينا خاصةً الطبيعيات، وإلى إصحاحات أهل السنة كالبخاري،
وإلى كتب التصوف مثل «إحياء علوم الدين» للغزالي و«حلية الأولياء»، ومن كتب
النحو «القاموس المحيط»، ومن كتب المصطلحات القديمة «التعريفات» للجرجاني، ومن
كتب التاريخ «تاريخ الطبري»، ومن كتب القواميس المحدَثة «أعلام
الزركلي».
(٤) «جواهر الأصول» للإمام الخميني٣٩٣
وهو من نوع التقارير التي ألَّفها الخلصاء من دروس الإمام الخميني، وهو غير
كامل، يتضمن فقط المقدمة (أربعة عشر أمرًا) والمقصد الأول فقط «في الأوامر»؛
لذلك لا يمكن الحكم على بنيته إلا قياسًا على باقي الأعمال الأخرى، متونًا أو
تقارير. يتَّسم بنفس الأسلوب، سواء كان الأسلوب الشفاهي للخميني أو المدوَّن
للمحرِّر. يعتمد على القيل والقال، والحوار الداخلي. كما يتَّسم بالطابع
التأملي، والانكشاف نحو الذات، والعثور على بناءٍ معرفي داخلي، وليس وضع نظرية
في الفعل في العالم الخارجي. والتأليف حديث، يُحيل إلى الدراسات الحديثة،
المصادر والمراجع في الهوامش.
لذلك يُحال إلى الفلسفة والمنطق والتصوف، الشيخ الرئيس ابن سينا وملاصدرا.
ولما كان لكل علم مصطلحاتُه تُعرَض الفكرة مرةً باصطلاح المنطق، ومرةً أخرى
باصطلاح الفلسفة. ويتم الإحالة إلى «إيساغوجي» في الشفاء لابن سينا. وينقد
الفكر باستعمال الدَّور المنطقي، بل إنه يتم التطرق إلى موضوع الله والعالم كما
هو الحال في الفلسفة أو التصوف، مقام الثبوت والفرق بينه وبين مقام الإثبات، بل
يتم ذكر العرفانية، وهو التيَّار الأثير عند الإمام الخميني والذي ينتسب إليه.
٣٩٤
وتستمر المصادر الصريحة على غير العادة في المصطلحات الفلسفية العربية، ومما
يكشف عن بعض التكلف اللغوي،
٣٩٥ وقد يكون الاشتقاق عن طريق النسبة.
٣٩٦
ويظهر نفس الأسلوب الذي يكشف عن مسار الفكر، والذي يهدف إلى الرؤية الشاملة
والحصيلة النهائية «بالجملة» بعد التوضيح، توضيح النظر والعبارة، وإظهار الخفي
ورؤيته، والمعرفة والعلم من أجل «الحصول» على النتائج بعد انقداح النظر وترتيب
المقدمات. والعلم شعوري في حاجة إلى إيقاظ وبيان وتنبيه على الوهم، ودفعه أو
إزاحته، وكشف السر، والظهور الجلي، والتحقق من صدق الرؤية، ودفع الإشكال
والإجابة عليه، والانتهاء إلى الحكم بالصحة أو الفساد، بالإمكان أو الامتناع.
وبعده ذكر وتعقيب أو تذنيب أو نقل وتعقيب. ونظرًا للاعتماد على الاقتباسات يظهر
لفظ «انتهى» ملخصًا أو محررًا. ويُعاد التعبير عن الموضوع بعدة عبارات. وتُطلَب
مشاركة القارئ الخبير والتدبر والمراجعة والملاحظة والفهم والتأمل والترقب،
ويصدر الحكم بالإنصاف. ويُعلن عن اللاحق بالإضافة إلى عبارات النقل من موضوع
إلى آخر، والتعبير عن المشيئة الإلهية، وطلب الاستعانة والتوفيق.
٣٩٧
ويتم التطرق إلى بعض الموضوعات الحديثة مما تُوحي بوجود الواقع الحي والعالم
الخارجي، والتأسف على ما نُشاهد في عصرنا، ونقد الاتجاه التقليدي في التأليف،
والخلط بين العقل والأصول، وعدم الخبرة.
٣٩٨ ولا تتطور هذه الجزيئات إلى نظرةٍ كلية ثورية كاملة بالرغم من وجود
بعض عناصرها.
ويتم الاستشهاد بالآيات والأحاديث، والآيات أكثر.
٣٩٩ ويُستشهد بالشعر العربي، ومرةً واحدة بالشعر الفارسي؛
٤٠٠ فالشعر تجربةٌ وجدانية، والتحليل الوجداني أحد مستويات التحليل في
علم الأصول، تحليل الشعور؛ إذ يتحدث الإمام عن الأثر الوجداني والأمر الوجداني.
٤٠١
ومن أسماء الأعلام يتقدم العراقي ثم الخراساني ثم النائيني ثم الحائري ثم
الأنصاري والأصفهاني ثم الخميني ثم صدر المتألهين ثم الطوسي، وعشرات آخرون من الأصوليين.
٤٠٢ وقد يُكتفى باللقب لشهرته، أو بأنه مؤلف أو صاحب هذا الكتاب أو
ذاك، فردًا أو جماعة، مثل «صاحب الفصول».
٤٠٣ كما يُذكَر رُواة الشيعة مثل عبد الله وزرارة، ثم ابن إدريس وغيرهم.
٤٠٤ ويُذكَر أئمة آل البيت، ثم الإمام والمعصوم والإمام الصادق والأئمة
المعصومون وأمير المؤمنين والمتشرعة والإمامية.
٤٠٥ ويُحال إلى عديد من المصادر مثل «المقالات» و«وقاية الأذهان»
و«الفصول» و«الكفاية»، وغيرها من التعليقات والحواشي.
٤٠٦
(٥) «تنقيح الأصول» للإمام الخميني تأليف الاشتهاردي٤٠٧
وهو تقريرٌ ضخم مكوَّن من أربعة أجزاء للمؤلف عن دروس الإمام كما هي العادة.
يعتمد على الأسلوب المعروف لكتابة التقارير، القيل والقال، ويتم الردود على
الاعتراضات، والاعتراض يُسمى توهمًا، والرد يُسمى دفعًا.
٤٠٨ وبالرغم من أصول الفقه الشيعي فإن الخميني يرد على غلاة الشيعة في
العقائد وفي الأصول على حدٍّ سواء،
٤٠٩ ويتم ذلك باحترامٍ كامل، والصحيح لديه هو المختار.
٤١٠ وبالرغم من الحديث عن التأثير بين العلوم تظهر بعض مصطلحات الصوفية
مثل مقام الثبوت؛
٤١١ لذلك يظهر العلم الوجداني؛ أي تحليل العلم على مستوى
الشعور.
وتظهر بعض مصطلحات علم أصول الفقه عند أهل السنة خاصةً الشاطبي، مثل «المناط»
و«الأحكام الوضعية»،
٤١٢ كما تظهر مصطلحات المعتزلة، مثل الحسن والقبح، واللطف بعد أن يتحول
إلى قاعدة.
٤١٣
وينقسم الكتاب إلى مطالب وليس إلى مقاصد، ستة مطالب؛ الأوامر، والنواهي،
والمنطوق والمفهوم، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والأمارات المعتبَرة عقلًا
وشرعًا، وتشمل القطع والظن والبراءة مع الاشتغال، ويُضاف إليها الاستصحاب،
والتعارض واختلاف الأدلة، وخاتمة في الاجتهاد والتقليد. وأكبرها الاستصحاب ثم
البراءة والاشتغال، وأصغرها المطلق والمقيد.
٤١٤ فواضحٌ أن الأمارات العقلية والشرعية هي ما يُعادل الأدلة الأربعة
عند أهل السنة، وأن أهم ما فيها هي القطع والظن والشك، أي الأساس المعرفي مع حل
التعارف بين الأدلة، والاجتهاد والتقليد، وما دون ذلك في مباحث الألفاظ، وهي
الأصغر حجمًا، تصل إلى ما يقرب الثلث.
٤١٥ وألفاظ القطع والظن والشك، وهي البنية الثلاثية المعرفية في أصول
الفقه عند الشيعة، ألفاظٌ قرآنية، مثل الأصول والفروع والكتاب والسنة والإجماع
والقياس عند السنة؛ فالبنية كلها تقوم على التأويل لتحريك النص والتاريخ
والفعل.
وهناك وعي بالبنية.
٤١٦ وتقوم الأمارات على الأصول جوهر الأصول عند الشيعة.
٤١٧ وتظهر عبارات «التمفصلات»، الإعلان عن اللاحق والتذكير بالسابق، مع
بعض اللازمات الدينية، والدعوة بالتوفيق على ما تم إنجازه، والاستعانة على ما
لم يتم إنجازه بعد.
٤١٨
ويُحال إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والآيات تتجاوز الأحاديث عدة أضعاف؛
٤١٩ فالقرآن كدليلٍ مدعاة للثقة أكثر من الحديث؛ فصحة القرآن أعلى درجة
من صحة الحديث. ويقلُّ الشعر للغاية؛ فالشعر ديوان العرب، ومخزونٌ ثقافي للعرب
العاربة قبل العرب المستعربة، مع أن العروبة هي اللسان.
ومن الأعلام يتقدم النائيني ثم العراقي ثم الحائري ثم الكليني ثم الخراساني،
ويظهر بعض أعلام السنة مثل أبي الحسين البصري والغزالي والرازي والسيوطي، بل
يظهر أكابر فقهائهم مثل أبي حنيفة والشيباني، ومن أعلام السيرة ابن هشام، ومن
الأنبياء إبراهيم.
٤٢٠ ويقل عدد الأنبياء في الأصول بالرغم من كثرتهم في العقائد، وتحويل
مراحل النبوة إلى فلسفة في التاريخ.
٤٢١
وقد يتحول الاسم إلى لقب، ونظرًا لشهرته يُكتفى باللقب دون الاسم. ولما شاع
لقب المحقق والعلامة والشهيد الأول والثاني تداخلت الألقاب، فاختلطت الأسماء
أفرادًا وجماعات، ويأتي في مقدمتها الشيخ الأعظم.
٤٢٢
وتُذكَر أسماء الأعلام بأكبر قدر من الاحترام والتبجيل دون طعن أو تكفير لأحد
كما يبدو ذلك أحيانًا في مؤلفات بعض أهل السنة خاصة ابن حزم وابن تيمية، وتلحق
بعد اسم كل علَم عبارات مثل «قدَّس سره»، «رحمه الله»، وأحيانًا يكون اسم
العلَم عنوانًا لفقرة لما يُمثله من اتجاه.
ويُحال إلى مؤلَّفات أسماء الأعلام بأشخاصهم أو بألقابهم، يتقدمها «الكفاية»
ثم «الدرر» ثم «دعائم الإسلام» ثم «الفصول»، وغيرها من أمهات المتون الأصولية،
وتغيب متون أهل السنة.
٤٢٣
ومن الفِرق يتقدم الإخباريون الذين يُعادلون أهل الأثر في مُقابل أهل الرأي،
أو أهل النقل في مُقابل أهل العقل، أو أهل التقليد في مُقابل أهل التجديد عند
أهل السنة، ثم المتأخرون إحساسًا بتطور العلم في التاريخ من المتقدمين إلى
المتأخرين ومتأخري المتأخرين وهم المعاصرون، كما تظهر فِرق الفلاسفة (الحكماء)
والمتكلمين، أشاعرة ومعتزلة، ويُسمَّون أيضًا العدلية؛ أي أنصار العدل
والإمامية، بل تظهر الشافعية كمذهبٍ فقهي.
٤٢٤
ويأخذ آل البيت ومحدِّثو الشيعة مكانةً بارزة، ويتقدم الإمام على العموم، ثم
المعصوم وهي أول صفة له، ثم الصدوق وهي أيضًا إحدى صفاته، وألقاب الأئمة على
الإطلاق أو على التعيين. والأئمة في الزمان، ولهم أعصارهم وأزمانهم، وصاحب
الزمان هو ما ظهر في الصلة بين النبوة والتاريخ في علم العقائد.
٤٢٥ وبطبيعة الحال يظهر علي بلقبه أمير المؤمنين، أو باسمه علي، ثم
يتوالى باقي الأئمة مثل الرضا والحسن والصادق والباقر، دون تقابل بين الترتيب
الزماني والترتيب الكمي الكيفي. ويوصف أئمة آل البيت بالطاهرين والمعصومين،
وتُخصَّص فاطمة الزهراء. ومن أهل السنة يتقدم أبو بكر ثم خديجة؛ فالصِّديق لا
يقل عن الصادق والصدوق، وخديجة التي نزل في منزلها الوحي لا تقلُّ عن فاطمة الزهراء.
٤٢٦
وللشيعة محدِّثوهم ورُواتهم الثقات وصحيحاتهم، مثل زرارة وحنظلة، المُتباينة
عن رُواة أهل السنة ومحدِّثيهم وإصحاحاتهم الخمسة المعروفة مثل البخاري ومسلم.
ويتقدمهم أبو عبد الله ثم محمد بن الحسن ثم أبو جعفر ثم زرارة ثم أحمد بن سعيد،
وغيرهم مما لا يذكرهم أهل السنة، كما لا يذكر الشيعة رواة أهل السنة مثل
أبي هريرة وغيره؛
٤٢٧ فصحة المتن في صحة السند، ويكثران في الجزأين الثالث والرابع
الخاصين بالقطع والظن والشك والاستصحاب، وهي أركان أصول الفقه الشيعي
بالأصالة.
وبتحليل عناصر الأسلوب، ألفاظ أوائل الجُمل، يتقدم لفظ «وبالجملة» من أجل
إعطاء الرؤية الكلية للموضوع، وبيان نهاية التلخيص أو الاقتباس في التقرير.
ولما كان التقرير يُتابع استدلال الفكر فإنه ينتهي إلى الحاصل؛ أي النتيجة من
المقدمات، سواءٌ الظاهرة أو الخفية. وقد يكون الاقتباس ملخَّصًا أو «محرَّرًا»
وليس نصًّا. ويتم الاستدلال والانتهاء إلى النتيجة بعد التحقق من صِدقها، وحل
الإشكال بعديد من العبارات مع التنبيه ودفع التوهمات، واشتراط المشاركة في
المعرفة بالرغم من قلة الدعوة إلى ذلك في آخر الفقرات، ثم يصدر الحكم بالإنصاف
بعد الكشف عن الفاسد والمخدوش والعويص وغير المقبول والممنوع والمغالطة
والدَّور والخلط والبُطلان والتناقض، وعلى هذا النحو تتحقق الفائدة القائمة على
دقة النظر. ونادرًا ما يطلب مشاركة القارئ ومطالبته بالمراجعة.
٤٢٨ كما تظهر بعض العبارات الإنشائية مثل «ليت شعري»، «لعمري»، وبعض
اللازمات الإيمانية.
٤٢٩
(٦) «معتمَد الأصول»، تقرير وأبحاث الأستاذ الأعظم والعلامة الأفخم آية الله
العظمى السيد روح الله الموسوي الإمام الخميني، تأليف آية الله الحجة الشيخ
محمد الفاضل اللنكراني٤٣٠
وتدل أيضًا كثرة الألقاب على مدى تعظيم المؤلف على حساب العمل؛ مما يجعل نقد
العمل وتطويره أمرًا صعبًا نظرًا لعظمة المؤلف، كما تبدو من ألقاب صاحب الفكر
وصاحب القلم، مبدع الأفكار وكاتب التقريرات. ويتَّسم بالاختصار، جزء واحد
بالرغم من اعتماده على الأدبيات السابقة. ومع ذلك يستعمل أسلوب القيل والقال
للحِجاج النفسي الداخلي، ويبقى الاختصار وعدم إطالة العرض. ويتم التلخيص،
ويُعلن عن اللاحق ويذكِّر بالسابق فيما يُسميه المغاربة «التمفصلات».
٤٣١
وهو حِجاجي سجالي. يتَّسم بنفس السمات الأسلوبية للتقارير، مثل تقرير «فرائد
الأصول» للنائيني عن «كفاية الأصول» للخراساني. ولا يوجد ذكر لأصول الفقه
السني، ولا مراجعة له، إنما الخلافات داخل أصول الفقه الشيعي في دقيقات، وليس
في بنيته الكلية.
ومن ثَم بدا فلسفيًّا تأمليًّا حوارًا مع الداخل، أقرب إلى «المونولوج» منه
إلى «الديالوج»، إلى الحديث مع النفس أكثر من الحديث مع الآخر؛ فأصول الفقه
الشيعي تهدف إلى معرفة الحقيقة النظرية قبل التوجه العملي؛ لذلك تقدَّمت مباحث
الألفاظ على بنية علم الأصول على الأدلة الأربعة وعلى التكاليف بعد أن أصبحا
هما أيضًا من الأمور النظرية، كما أن معظم المفاهيم الأصولية الشيعية الجديدة،
مثل التجري والاستصحاب والبراءة، إنما هي قواعد معرفية أكثر منها قواعد عملية،
وأصبح علم الأصول كله دراسة لأنماط الاعتقاد، القطع والظن والشك، وتكون
الأولوية المطلقة للمعرفة على النص والفعل.
وتظهر بين الحين والآخر تعريفاتٌ لغوية منطقية تأكيدًا لهذا الطابع النظري
المعرفي للأصول، خاصةً وأن المؤلف أستاذ للمنطق والفلسفة، ويعتمد على فساد
الدَّور المنطقي في الحِجاج «وهو دور صحيح».
٤٣٢ كما يتم البحث في اللغة بحثًا نظريًّا خالصًا، ووصف الكلام من حيث
هو كلام أشبه باللسانيات المعاصرة في الغرب.
٤٣٣
وتكشف لازمات العبارات والفقرات في البداية والنهاية عن الطابع المعرفي
الخالص لعلم أصول الفقه الشيعي؛ فاللازمات عن الوضوح مثل: كما هو واضح، وهذا
واضح جدًّا، وهذا واضح، ولعمري إن هذا واضح جدًّا، والوجه فيه واضح تأتي في
المقدمة. وبعدها لازمات كشف السر وعدم الخفاء، مثل: كما لا يخفى، أظهر من أن
يخفى، كما هو واضح لا يخفى، جمعًا بين الوضوح وعدم الخفاء. ثم تأتي لازمات الحق
والتحقيق ثم الظهور، مثل الظاهر ويظهر وظهر.
٤٣٤ ثم يأتي الانقداح في الظهور والبيان والتنبيه، والوهم والدفع
والشك. ونظرًا للاعتماد على الاقتباس فإن لفظ «انتهى» يتكرر كثيرًا، وكذلك
الألفاظ التي تدل على الوصول إلى النتيجة، مثل: الحاصل، ويتحصل، والجملة،
والتفصيل. ويتم ذلك بشرط المعرفة وشروطها، مثل: «إذا عرفت»، «كما عرفت». ثم
يصدر الحكم في النهاية بالإنصاف مع بيان فساد الأحكام الأخرى وامتناعها،
٤٣٥ بالإضافة إلى التذنيب والتعبير بعباراتٍ أخرى.
٤٣٦
ويشترك الآخر مع المؤلف في المراجعة والاستدلال والحكم مثل «وأنت خبير»،
والدعوة إلى التأمل والنظر واليقظة.
٤٣٧ هذا بالإضافة إلى العبارات التي تفيد «التمفصلات» والربط بين
السابق واللاحق.
٤٣٨
والبنية ثمانية، يتقدمها الأوامر ثم النواهي ثم المفاهيم ثم العام والخاص ثم
المطلق والمقيد ثم أحكام القطع ثم أحكام الظن ثم مبحث البراءة. وأكبرها النواهي
ثم الأوامر، وأصغرها البراءة.
٤٣٩ فالأولوية لمباحث الألفاظ كما هي العادة في أصول الفقه الشيعي.
وتدخل الأدلة الأربعة في أحكام الظن، كما تدخل أحكام التكاليف في الأوامر؛ ومن
ثَم يكون للتأويل الأولوية المطلَقة على النص والفعل.
ويعتمد على عدد قليل من الحجج النقلية، الآيات والأحاديث.
٤٤٠ ويغيب الشعر العربي كليةً لأنه يعبِّر عن التجربة الإنسانية العامة
كما صاغها العرب خاصةً. كما يعتمد على كثير من الأدبيات الأصولية الشيعة في
معظمها، والسنة في أقلها. ومن الأصوليين الأعلام يأتي النائيني ثم العراقي ثم
الخراساني، ثم صاحب الفصول اكتفاءً به كمؤلَّف وليس كعلَم، ثم الأنصاري وآخرون،
٤٤١ ومعهم من الفلاسفة ابن سينا، ومن السنة الغزالي والرازي وأبو حنيفة
والشيباني وعدد من الرواة.
٤٤٢ وتأتي الألقاب بدلًا من الأسماء جمعًا أم مفردًا، مثل بعض الأعاظم،
بعض المحققين في الحاشية على الكفاية.
٤٤٣ وفيهم المتقدمون والمتأخرون إحساسًا بتطور العلم في التاريخ.
٤٤٤
ويُحال إلى مؤلَّفات الأصول على العموم مثل حاشية على الكفاية، أو على الخصوص
مثل «الدرر».
٤٤٥ ولا تظهر عقائد الشيعة إلا على استحياء في ألفاظ مثل: الأئمة،
الإمام المعصوم، قائمهم، صاحب الأمر، زمانهم.
٤٤٦
(٧) «تحريرات في الأصول» لمصطفى الخميني (ت: ١٣٩٧ق/١٣٥٦ﻫ ش)٤٤٧
وهو عملٌ ضخم مكوَّن من ثمانية أجزاء، ولم يكتمل بعد، تفصيلي تجميعي تقليدي.
٤٤٨ يخلو من الفهارس العامة مما يجعل تحليل مكوِّناته صعبًا للغاية
اعتمادًا على الجهد الفردي. يقوم على الاقتباسات من السابقين بين معقوفتين أسوة
بالتأليف الحديث مع الإحالة إلى المصادر في الهوامش وأرقام الصفحات.
٤٤٩ هو أقرب إلى التأليف التقليدي، نقل العلم دون تطويره أو الإبداع
فيه. يصعب فيه تحليلٌ كامل للمضمون لضخامته، تكفي الدلالات الكيفية دون تحليل
كمي كامل خاصةً لقلة الدلالات، سواء من حيث الأسلوب أو المكوِّنات. تظهر فيه
اللازمات الشائعة في مصنَّفات الشيعة، وتدور كلها في إطارٍ معرفي واحد. يعتمد
على القيل والقال أكثر من التحليل المباشر للموضوع. ويُحيل اللاحق منها إلى
السابق، والسابق إلى اللاحق، كما يتم الإعلان عن النقلات والتمفصلات إبرازًا
لبنية الموضوع.
٤٥٠ ويبدو بعض التحذلق في الأسلوب، مثل «بعد اللتيا واللتي»، مشهوريًّا
أو متصرمة.
٤٥١
وتقلُّ الشواهد النقلية بالرغم من تكرار الآيات والأحاديث، وتقطيعها
للاستدلال بها فقرةً فقرة أو عبارةً عبارة أو حتى لفظًا لفظًا،
٤٥٢ وتفوق الآيات الأحاديث نظرًا لأن الشيعة لهم إصحاحاتهم الخاصة، مثل
حنظلة وزرارة وغيرهم، بالإضافة إلى إصحاحات أهل السنة. كما يتم الاستشهاد
بالشعر العربي خاصةً الشعر التعليمي.
٤٥٣ ويتم الاعتماد على تحليل اللغة العربية اعتمادًا على سيبويه،
والمقارنة بينها وبين الفارسية.
٤٥٤ وأهم ما في الأسلوب هو القدرة على نحت المصطلحات الجديدة مثل
المصادر الصريحة، والإكثار منها كما يفعل المستشرقون أحيانًا، أو صيغ مثل
الهوهوية والمفهومية،
٤٥٥ والنسبة مثل اللحاظي والكذائي والأعمِّي،
٤٥٦ كما تبدو بعض المصطلحات غريبة على الأذن مثل «المزبور»،
٤٥٧ وأيضًا المنجز، المعلق، التحري، الجعل، الاشتغال، المولوي …
إلخ.
وهي مجموعة من الحوائط الفكرية سابقة التجهيز، تخلو من الوقائع السياسية
والاجتماعية بالرغم من جهاد الإمام الشهيد ودوره في الثورة الإسلامية واستشهاده؛
٤٥٨ فهي نموذج انفصال العلم عن العمل، والأصول عن الواقع، بالرغم من
ظهور لفظ الواقع، والمصالح والمفاسد، والتقابل بين القدماء والمحدَثين،
والمتقدمين والمتأخرين، إحساسًا بالزمان والتطور وبضرورة التجديد.
٤٥٩ كما تكثُر الإحالة إلى موضوع «الصلاة في الدار المغصوبة» الذي كان
يمكن أن يكون النواة الأولى لأصول فقه تحرير الأراضي المحتلة. وتظهر الثورة فقط
في البسملة والحمدلة الأولى.
٤٦٠ وإذا كانت الصحة والفساد من الأمور الواقعية فقد كان يمكن الخروج
من النظر إلى العمل، ومن عالم الأذهان إلى عالم الأعيان.
٤٦١ وتطول الأبحاث النظرية في الضرر مع أن الأمر العملي واضح.
٤٦٢
وقد دخلت كثير من العلوم النظرية الكلامية والفلسفية، والتي لا ينتج عنها أي
أثر عملي، في علم أصول الفقه؛ فالعلم عند الشيعة نظري معرفي خالص متوجِّه إلى
الداخل، ربما تحت أثر الباطنية والمقاومة من الداخل لسيطرة الخارج، في حين أنه
عند الشيعة متوجِّه إلى الخارج ربما تحت تأثير الدولة والسلطة القائمة والرغبة
في السيطرة على العالم؛ فمثلًا توجد مباحث نظرية طويلة في الإرادة، «سيكولوجية»
الإرادة وليس فعل الإرادة، إلى الداخل وليس إلى الخارج، نوعًا من
الباطنية.
وبالرغم من عدم اكتمال الكتاب إلا أن البنية واضحة تجمع بين غلبة مباحث
الألفاظ عند السنة، والقطع والظن والبراءة والاشتغال والاستصحاب عند الشيعة.
تشمل مباحث الألفاظ ستة مقاصد بعد التعريف بموضوع العلم وبمباحث الألفاظ، وهي
الأوامر، والنواهي، والمفاهيم (التعليل والوصف، والغاية والحصر، واللقب والعود،
والموافقة)، والعام والخاص، والمطلق والمقيد. وتشمل أصول الفقه الشيعي خمسة
مقاصد؛ القطع والظن والبراءة والاشتغال والاستصحاب ودون الشك. ولمباحث الألفاظ
الأولوية من حيث الكم على الأصول المعرفية.
٤٦٣ وأكبر مباحث الألفاظ الأوامر ثم التعريف ثم المبادئ العامة للألفاظ
ثم النواهي ثم العام والخاص ثم المفاهيم ثم المطلق والمقيد،
٤٦٤ وأكبر مباحث الأصول المعرفية التي اشتهر بها الشيعة الاشتغال ثم
الظن ثم البراءة ثم الاستصحاب ثم القطع،
٤٦٥ وهي مقولاتٌ مستمَدة من القرآن؛ فالأولوية هنا أيضًا للتأويل على
النص والفعل.
ويُحيل العمل إلى بعضه البعض تأكيدًا على وحدته لتجاوز ضخامته، كما يُحيل إلى
باقي أعمال المؤلف تأكيدًا على وحدة الرؤية.
٤٦٦ كما يبدو التحليل الشعوري المعرفي في تكرار الحديث عن الكلام النفسي.
٤٦٧ وبالرغم من ضخامة الكتاب إلا أنه كان حريصًا على الاقتصار دون التطويل!
٤٦٨
وفي أسماء الأعلام يتقدم الوالد أستاذ المؤلف ومُعلمه ومُلهمه ومُرشده وقائد
الثورة، وكأن العلم وراثة من حفيد عن أب عن جد، وطلب العلم عند الشيعة مثل طلب
الطاعة عند السنة. وله ألقابٌ عديدة؛ الوالد، السيد الوالد، السيد، السيد
الأستاذ، المحقق الوالد، الوالد المحقق، المحقق الفحل، سيدنا الوالد المحقق
الأستاذ، السيد الوالد المحقق الوالد الخميني، الوالد المؤسس، الوالد المعظم
الجليل مد ظلَّه تعالى … إلخ، وأحيانًا يُحال إليه كجد الأولاد، مثل: جد
أولادي، شيخ مشايخنا جد أولادي، السيد جد أولادي الكوة كمري … إلخ،
٤٦٩ ثم يأتي النائيني بألقابه المُتعددة، العلامة، الميرزا، ثم
الأراكي؛ ثم البروجردي وألقابه المُتعددة، السيد، الأستاذ، أستاذنا، سيدنا
الأستاذ، الفقيه الكبير؛ ثم الأصفهاني مع ألقابه المتعددة، مثل العلامة المحقق،
الشيخ، شيخ الشريعة، العلامة المحشِّي، الوصية المحشِّي، ثم العلامة المحقق
الخراساني؛ ثم الشيخ المعظم الأنصاري مع لقب العلامة شيخنا، مع جدي العلامة
وجدي الأعلى؛ ثم الكاظمي والعراقي والنراقي، ثم الفشاركي الأستاذ السيد، ثم
الحائري والكليني، ثم صدر المتألهين وألقابه المتعددة، الحكيم المتأله،
والسبزواري والفاضل القمي مع لقب المحقق، والفاضل الإيرواني مع لقب العلامة، ثم
الميرزا الشيرازي وألقابه، مثل العلامة والسيد المجد والتقي النقي والوحيد،
والبهبهاني والفاضل التوني، ثم تتوالى أسماء الأعلام بالعشرات مثل البهائي،
والهمداني، والحلي، والمفيد، وكاشف الغطاء، والسيد المرتضى، والمجلسي،
والطبطبائي، والطوسي، والخونساري، والطبرسي والكاشاني.
ويُذكَر العديد من أعلام أهل السنة مثل الباقلاني والأشعري والهروي، ومن
النحاة السكاكي، ومن المتكلمين الدواني وأبو الحسين البصري، ومن المؤرخين
البلخي وابن الأثير، ومن الفقهاء الأوزاعي وأبو حنيفة وابن مالك، ومن الفلاسفة
ابن سينا وابن حيان، ومن الصوفية الغزالي ومحمد الداماد، ومن فلاسفة اليونان
المُعلم الأول،
٤٧٠ ومن الشعراء عبادة بن الصامت.
ويكثُر ذكر رواة الشيعة وأعلامهم، مثل: أبو عبد الله ثم زرارة ثم أبو جعفر ثم
أبو الحسن ومحمد بن يحيى ثم سمرة ثم حنظلة، وغيرهم من أعلام الشيعة الذين لا
يعرفهم إلا الشيعة،
٤٧١ ومن الصحابة المبجَّلين الحسين والحسن،
٤٧٢ ومن الأنبياء موسى وآدم وإسماعيل.
٤٧٣
وأحيانًا يختفي اسم العلم لصالح اللقب طبقًا لدرجة التعظيم والتبجيل، ويتقدم
لقب الشيخ الذي يمكن أن يُطلَق على أي اسم علَم دون تعيين،
٤٧٤ ويخصَّص الرسول. وتكثُر عند الشيعة ألقاب التعظيم والتبجيل كما هو
الحال في المجتمعات التقليدية؛ مما يمنع أحيانًا من النقد والتطوير ويدعو إلى
النقل والتقليد،
٤٧٥ كما تكثُر الأدعية لهم، مثل «قدَّس سره»، «مد ظله» … إلخ.
وأحيانًا يُذكَر المؤلف منسوبًا إلى عمله نظرًا لشهرته، ولأهمية العمل على
الشخص، مثل صاحب الكفاية ثم صاحب المقالات ثم صاحب الفصول ثم صاحب الحاشية ثم
صاحب الحجة وصاحب الدردير ثم صاحب الحدائق ثم صاحب المعالم ومحشِّي القوانين
وصاحب التقريرات ومُعلق الفصول. ويظهر النوع الأدبي في العنوان، مثل الحاشية
والتقرير والتعليق. ولهذه الإحالات دلالاتٌ خاصة عند أصحاب الثقافة الشيعية،
كمن يقول عند السنة صاحب الرسالة (الشافعي)، وصاحب المُستصفى (الغزالي)، وصاحب
الموافقات (الشاطبي).
٤٧٦
ومن المصادر يُحال في معظمها إلى المصادر الشيعية، مثل الكفاية ثم الدرر ثم
تهذيب الأصول ثم الكافي ثم الأصول ثم الرسائل ثم التقريرات ثم المعالم ثم
التهذيب والوسائل ثم المستدرك … إلخ، ومنها نصوص ومنها حواشٍ وتفاسير، ومن كتب
السنة سنن ابن ماجه ومسند ابن حنبل وسنن النسائي وكتاب أبي الحسين البصري، ومن
مؤلَّفات أهل السنة الأصولية «الرسالة»، وفي التفسير «التفسير الكبير»، ومن
مؤلَّفات أهل السنة اللغوية «تاج العروس»، «القاموس»، ومن المصادر اليونانية
«الإيساغوجي»، ومن الكتب المقدَّسة يذكر التوراة والإنجيل.
٤٧٧
ومن المجموعات مثل الفِرق والطوائف والجماعات، يأتي الأصحاب، أي الشيعة
كطائفة، ثم وجودها في الزمان بين المتقدمين والمتأخرين، بين الأوائل والأواخر،
ثم اختيار بعض الأعلام منهم وبعض الأفاضل أو الفضلاء، ثم الأئمة باعتبارهم أهل
الهدى، والسادة من أساتيذنا، والفقهاء والأصوليون والنحاة واللغويون. ويُذكَر
الإخباريون الذين يُعادلون أهل النقل أو الأثر عند السنة، والمتكلمون، ويخصص
الشيعة بآل البيت، والإمامية والأئمة المعصومون وأبناء التحقيق أو جماعة من
المحققين وصحابة النبي والصادقون وأهل العقول والأساطين. ويُذكَر فِرق السنة
الأشاعرة والمعتزلة وأهل السنة على الإطلاق.
٤٧٨