الوثائق السياسية الرسمية
جَمَعَ القومندان جورج دوين وطَبعت الجمعية الجغرافية تحت رعاية جلالة الملك الوثائِقَ السياسية الرسمية عن حرب سوريا في سنة ١٨٣١–١٨٣٣ في ثلاثة مجلدات ضخمة. والمجلدان الأولان — وكل واحد منهما يقع في نحو ٧٠٠ صفحة — يتضمنان الوثائق الفرنساوية من تقارير القناصل والسفراء ورجال البَر والبحر، والبلاغات الرسمية المصرية، وأقوال الصحف الرسمية، وبلاغات الحكومة المصرية … إلخ، وما يقوله ويعمله قناصل الدول الأخرى وسفراؤها وحكومة مصر وحكومة الباب العالي.
والمجلد الثالث بقلم أنجلو ساماركو في الموضوع ذاته، وهو يتضمن الوثائق السياسية الرسمية الطليانية، وهذا المجلد هو المجلد الثامن للمؤلف ذاته عن حكم محمد علي في مصر، وهو الحكم الذي يقول المؤرخ إنه بدأ في شهر يوليو من سنة ١٨٠٤، والمجلد الواحد يقع في نحو ٣٠٠ صفحة.
ولا مندوحة لنا عن شكر المسيو مونيه سكرتير الجمعية، الذي تَكَرَّم علينا بهذه الوثائق التي استمددنا منها الكثير عندما أخذنا ذكرى السنة المائة لفتح البطل الفاتح إبراهيم سوريا، فتابعنا القراء في مراجعة تلك الذكرى مع الفخر والإعجاب. وذكرى البطولة والأبطال تشحذ الهمم وتُنير البصائر وتوسِّع الأفق لعيون الناظرين الذين يتخذون من الماضي عبرة للحاضر ومن الحاضر سراجًا هاديًا للمستقبل. وقد أحسنت الجمعية الجغرافية كلَّ الإحسان بعنايتها بنشر هذه الوثائق كلها؛ فإن التاريخ المصري بأشد حاجة إليها، ولأن هذا التاريخ مجهول، ولأن الموجود منه قلما يستند إلى وثيقة رسمية، فهو «روايات الأفراد» لم تمحص. أما الآن — وهذه الوثائق تنشر تباعًا — فلنا الأمل أن نتوصل بعناية جلالة الملك المعظم الذي وضع العمل تحت ظله ورعايته، إلى أن تكون لنا مكتبة تاريخية كاملة تحتوي على الوثائق الرسمية، فيستمد منها الكاتبون والمؤرخون، ويعرف منها المصريون التاريخ الصحيح لبلدهم ورجال هذا البلد.
ولم يكن بالإمكان الوصول إلى هذه الغاية بغير عناية جلالة مَلِكنا وهمة المؤلفين المؤرخين العلماء، كالقومندان دوين صاحب المؤلفات الشهيرة عن مصر والبحر المتوسط وحملة بونابرت وأسطول محمد علي ومصر المستقلة والبعثة الفرنساوية العسكرية في جيش محمد علي، ومهمة البارون بواليكنت عند محمد علي (١٨٣٣)، وإنكلترا في مصر (١٨٠٧)، ومحمد علي وحملة الجزائر (١٨٢٩-١٨٣٠)، وإنكلترا ومصر وسياسة المماليك (١٨٠٣–١٨٠٧). وقد راعى القومندان دوين في نَشْر الوثائق أن يُصَدِّر كل فصل بخلاصة تاريخية يجعل الوثائق وفصولها سندًا لها.
ولا مندوحة لنا في هذا المقام عن التنويه بفضل حضرة صاحب السعادة أمين سامي باشا صاحب تقويم النيل؛ فقد جَمَع في المجلدات الثلاثة المُتْقنة التي أصدرها وثائِقَ رسمية ذات قيمة كبيرة يستطيع الكاتبُ أن يرجع إليها وأن يعتمد عليها في تدوين تاريخ حياة مصر التي جددها ذلك الرجل النابغة محمد علي، سواء كان غرضُ الكاتب أن يراجع تاريخ الدارس أو الضائع أو الحروب أو الفتح أو الزراعة أو أي فرع من فروع الحياة.
على أن «الدفترخانة» المصرية لا تزال طافحة غاصَّةً بمثل هذه الوثائق التي لم تُترجم، وأكثرُها باللغة التركية القديمة. وهذه اللغة تزول الآن وتضمحل وتحل محلها اللغة الحديثة، لا بصور الحروف فقط، بل بالتعبيرات التي تنقل عن الإفرنجية. وإذا كانت وزارة المالية تستخدم بعض المترجمين، فإن عددهم قليل لا يكفي للقيام بهذه المهمة. والحجةُ بقلة المال حجةٌ غير قائمة؛ لأن النفقة قليلة، والفائدة من وراء ذلك كبيرة جزيلة. وهذه الفائدة التي يمكننا الوصول إليها اليوم قد تفوتنا غدًا للسبب الذي بسطناه، فالمأمول بوزارة المالية ألا تَضِنَّ بالمال القليل لاستخراج تلك الكنوز من كنانها.