لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
«فالشاعر الذي تألَّم وجاع وأُهين في مُعسكرات الأَسْر والاعتقال والسُّخرة، وراح يَلتقط أعواد القشِّ أو أدوات التعذيب والعِصيِّ التي ضُرب بها ليصنع منها آلةً موسيقية يَعزف عليها، أو زخرفةً تُعزِّيه عن الجمال الذي حُرِم منه؛ هذا الشاعر لن يُبالي بقِيمة ما يَكتب، لقد تخلَّى عن طُموح سلَفه القديم ودَعاواه العريضة وأحلامه الضخمة، وردَّ الشِّعر إلى وظيفته البدائية عندما كان مُرتبطًا بضرورات الحياة الأوَّلية ارتباطَ الأخ بإخوته.»
يرصد «عبد الغفار مكاوي» تطوُّر الحركة الشِّعرية في ألمانيا خلال القرن العشرين، بدايةً من الحركة التعبيرية التي كانت بمثابة صرخة حارة في سبيلِ أدبٍ جديد يُعبِّر عن إنسانٍ جديد وقِيَم جديدة تُحقِّق العدل والحرية والكرامة، ولكنها لم تستمرَّ كثيرًا؛ إذ ازدهرت وانطفأت في حوالَي عشر سنين نتيجةً للطغيان النازي الذي قضى عليها، وتسبَّب في نفيِ كثيرٍ من شُعرائها، ودفَع آخَرين إلى الهجرة أو الصمت. وظلَّت الحركة الشعرية في حالةِ سكونٍ حتى انتهت الحرب العالمية الثانية، حيث شَهِدت بعدها تطوُّرًا كبيرًا نتيجةً للتغيُّرات الثورية التي أحدَثَها مجموعةٌ من الشعراء الذين أدركوا اللحظة الراهنة بكلِّ تحدِّياتها والأخطار المُحدِّقة بالمجتمع من كل ناحية، وبدءوا الحوارَ النَّقديَّ مع الأسلاف وسؤال النفس وحسابها، فشَهِدت القصيدة الألمانية تغيُّرات شاملة كانت في مجموعها أقربَ إلى روح المغامَرة الجَسُورة.