الطفل والفراشة
الشخصيات
-
الحكيم تشوانج تسو.
-
الحكيم هوى تسو.
-
امرأة شابة.
-
طفلها.
(حديقةٌ صينية عامة، الحكيمان تشوانج-تسو وهوى- تسو يجلسان على أريكةٍ في
ظل شجرةٍ ضخمة، يتطلعان إلى أحواض الزهور والفَراشات التي تَحُومُ حولها والأطفال الذين
يجرون وراءها.)
تشوانج تسو
:
آه! مشكلتي صعبة.
هوى تسو
:
آه! مشكلتي أصعب.
تشوانج تسو
:
كيف عرفتَ! إنني لم أَحكِ لكَ شيئًا بعدُ.
هوى تسو
:
وهل من الضروري أن تحكي؟ يكفي أنني سمِعتُكَ تتنهَّد بعُمق.
تشوانج تسو
:
ولكنَّكَ تنهدتَ أعمقَ مني.
هوى تسو
:
هل أَفهمُ من هذا أنكَ أحسَستَ بمشكلتي؟
تشوانج تسو
:
وكيفَ أُحِسُّ بها قبل أن أَعرِفها؟
هوى تسو
:
كما أحسَستُ عندما سمعتُكَ تقول آه.
تشوانج تسو
:
أنا أيضًا سمعتُكَ تقول آه، كانت صادقةً ومن القلب.
هوى تسو
:
وماذا تصوَّرتَ عندما سمعتَها؟
تشوانج تسو
:
بل قل عندما شَعَرتُ بلفح نارها، شَعرتُ أنكَ بدأتَ تحنُّ إلى بلدتِكَ «تشو» وإلى
نهر «هاو» الذي يشقُّها، مع أن زيارتكَ لم تطُل عندنا.
هوى تسو
:
صدقتَ، ولكنني لم أحِنَّ إلى نهر «هاو» نفسه، بل إلى الأسماك التي تسبح
فيه.
تشوانج تسو
:
الأسماك التي تسبح فيه؟ حقًّا إنها لمشكلة.
هوى تسو
:
لا تسخر يا صديقي تشوانج تسو؛ إذ يمكن أن يحدُث لكَ هذا حين تشعُر أنكَ أصبحتَ
سمكة.
تشوانج تسو
(ضاحكًا)
:
هوى تسو الحكيم المشهور في الصين كلها يُصبِح سمكة؟
هوى تسو
:
أو السمكة تُصبِح هي صديقَكَ المشهور في الصين كُلِّها هوى تسو.
تشوانج تسو
:
هي على كل حالٍ مشكلةٌ هينة إذا قِيسَت بمشكلتي.
هوى تسو
:
مستحيل، قلتُ لكَ مستحيل.
تشوانج تسو
:
وكيف تجزم بشيءٍ لم تَرَه ولم تعرفه؟
هوى تسو
:
ولكنني أحسستُ به، قلتُ لك أحسستُ به.
تشوانج تسو
:
وبماذا أَحسستَ؟
هوى تسو
:
هل تظُن أنني لا أعرفكَ بعد هذا العمر الطويل؟ ألم نتعلم معًا عند مُعلِّمٍ
واحد؟
تشوانج تسو
:
بلى بلى، ولكن …
هوى تسو
:
أحسستُ أنكَ حلَّقتَ عاليًا في السماء وطُفتَ العالم فوق سحابة، ثم هبطتَ
فجأة.
تشوانج تسو
:
فجأة؟ أكمل، أكمل.
هوى تسو
:
نعم هبَطتَ في هذه الحديقة، وأخذتَ تنظر مذهولًا إلى الأشجار والزهور والأطفال
التي تجري وراء الفَراشات، والفَراشات التي …
تشوانج تسو
:
تأكَّد مما تقول، لقد كانت فَراشةً واحدة.
هوى تسو
:
فراشة واحدة أو أكثر، لا يهم.
تشوانج تسو
:
إنه أَمْر في غاية الأهمية، لقد كانت فَراشةً واحدة.
هوى تسو
:
المهم أنكَ رأيتَني جالسًا على هذه الأريكة.
تشوانج تسو
:
قلتُ لكَ كانت فراشةً واحدة، هذا أمرٌ في غاية الأهمية.
هوى تسو
:
وما أهميته يا تشوانج تسو؟
تشوانج تسو
:
إن هذه الفَراشة كانت هي تشوانج تسو.
هوى تسو
:
أو كان تشوانج تسو هو هذه الفراشة!
تشوانج تسو
:
بالضبط، وهذه هي المشكلة.
هوى تسو
:
المهم أنكَ صحوتَ من الحُلْم ورأيتَني على هذه الأريكة.
تشوانج تسو
:
الحلم، أَجلْ، أَجلْ، وهذه هي المشكلة.
هوى تسو
:
وماذا في هذا؟ أنا أيضًا رأيتُ ما رأيت في الحُلم.
تشوانج تسو
:
لا يمكن أن تكون قد رأيتَ نفس الحلم، هل تَحوَّلتَ مثلي إلى فراشة؟
هوى تسو
:
بل إلى سمكة.
تشوانج تسو
:
سمكة؟ لكن مشكلتي أصعب.
هوى تسو
:
بل مشكلتي.
تشوانج تسو
:
دعني أَروِي عليك الحُلم.
هوي تسو
:
بل أنا أولًا، سترى بنفسك.
تشوانج تسو
:
لا يُمكِن أن تكون قد رأيتَ ما رأيتُ، اسمعني أولًا.
هوى تسو
:
مُشكِلةٌ أخرى، تَكلَّمْ إذن.
تشوانج تسو
:
تصوَّر يا هوى تسو، بالأمس حَلمتُ أنني تحوَّلتُ إلى فراشة، أنا تشوانج تسو، بكل
شحمي ولحمي، تحوَّلتُ إلى فراشة ترفُّ هنا وهناك، تَصعَد وتَهبِط، تسقُط على حوض
الزهور ثم تُرفرِف وتطير إلى أشجار الورد والتين والبلوط، فراشةٌ حقيقية، بكلِّ ما
في الفراشات من طيش ونقاء وحنين، وكأن وعيي كإنسانٍ قد تعطَّل، كأني دخلتُ في جلدها
وشَعرتُ بأحاسيسها ونبَضَ قلبي بنبضها، كأن ذراعيَّ أصبحتا جناحَين مُلوَّنَين
بألوان قوسِ قُزَح التي تَخلبُ ألباب الأطفال، وكأن فمي صار فم فَراشةٍ لا تشتاق
إلى أكثر من قطرةِ ماء أو رشفةِ ندًى أو نفحةِ شذًا، فَراشة تدور سعيدةً في كل
مكان، وكلُّ مُهمَّتِها في الحياة أن تنقل تحية السماء والآلهة إلى كل زهرة وكل
نسمة وكل عبير، وفجأة …
هوى تسو
:
ماذا؟ لا تقل إنكَ وجدتَ نفسك في كَفِّ طفلٍ صغير!
تشوانج تسو
:
ليتَ هذا ما حدث.
هوى تسو
:
وقعتَ في شبكة صيَّاد أو صيَّادةٍ رقيقة؟
تشوانج تسو
:
قلتُ لكِ ليت هذا هو الذي حدَث.
هوى تسو
:
وماذا حدَث؟
تشوانج تسو
:
إنها المشكلة، لقد صَحَوتُ من النوم فجأة.
هوى تسو
:
مشكلةٌ أن تصحو من النوم؟
تشوانج تسو
:
بل أن أجد نفسي مرةً أخرى كما أنا، تشوانج تسو كما يعرف نفسه ويعرفه الناس،
راقدًا على نفس الفِراش الذي رقَدتُ عليه قبل النوم، لابسًا نفس المنامة التي
لبِستُها قبل أن أتحوَّل إلى فَراشة.
هوى تسو
:
ولم تَستطِع التمييز بين الحلم واليقظة، ولا بين الوهم والحقيقة.
تشوانج تسو
:
ليت الأمر اقتصر على هذا؛ فنحن نعيش ليلَ نهارَ في هذه الحَيْرة الدائمة، لا نعرف
أين هو الحاجز بين الوهم والحقيقة، لا ندري متى ينتهي الحلم وتبدأ اليقظة.
هوى تسو
:
آه! كأنه نفس الحلم.
تشوانج تسو
:
مستحيل، قلتُ لك مستحيل.
هوى تسو
:
وما هو المستحيل يا تشوانج تسو؟
تشوانج تسو
:
مُستحيل يا هوى تسو أن تكون قد واجَهتَ مشكلتي، هل أنا تشوانج تسو أم أنا الفراشة
التي ما زالت تَحوم فوق الزهور والأشجار؟ هل كنتُ أنا الإنسان الذي حَلَم بأنه
فَراشة، أم كنتُ الفَراشة التي حَلمَت بأنها الإنسان؟ هل هناك حاجز بين الإنسان
والفراشة؟ هل تخطَّيتُ هذا الحاجز؟ فتحتُ عينَيَّ وأغمضتُهما، ثم فتحتُهما ورُحتُ
أتحسَّس رأسي ويديَّ وذراعيَّ وساقيَّ وأنا أسأل: إنسان أم فراشة؟ فراشة أم
إنسان؟
هوى تسو
:
هذا أهونُ على كل حالٍ من أن تسأل: إنسانٌ أنا أم سمكة؟ سمكةٌ أنا أم
إنسان؟
تشوانج تسو
:
ولكنكَ لستَ سمكة.
هوى تسو
:
ومن أين عَرفتَ؟
تشوانج تسو
:
أنتَ الآن بجانبي ولستَ في بُحيرة أو نهر.
هوى تسو
:
ذلك ما رأيتُ في الحُلم.
تشوانج تسو
:
أنت أيضًا؟
هوى تسو
:
ألم أقُل لكَ؟!
تشوانج تسو
:
ولكن لا يمكن أن يكون نفس الحُلم.
هوى تسو
:
اسمع واحكُم بنفسك، هل تذكُر نهر «هاو» الذي مَشَينا على شاطئه عندما زُرْتَنا في
«تشين»؟
تشوانج تسو
:
نعم، نعم، وأذكُر الجسر الذي وقَفْنا عليه ورحنا نَتطلَّع إلى دوائر
الماء.
هوى تسو
:
وثعابين السمك الصغيرة التي كانت تَلمَع تحته كأنها نجومٌ ترتدي ثياب السحُب،
أتذْكُر ما قلتُه لكَ عندئذٍ؟
تشوانج تسو
:
لا لا أذكر، لقد كنتَ صامتًا في ذلك اليوم.
هوى تسو
:
ربما. ربما أكون قد قلتُه لكَ في الحُلم.
تشوانج تسو
:
لي أنا؟
هوى تسو
:
نعم، نعم، لقد رأيتُك معي فوق ذلك الجسر، كنا نُطِل على الماء وقلتُ لك: انظر يا
صديقي تشوانج تسو، انظر كيف تتسابق الأسماك، هذا ما أُسمِّيه فرحة الأسماك.
تشوانج تسو
:
ولكنكَ لستَ سمكة، كيف يُمكِنكَ أن تعرف أن للأسماك فرحة؟
هوى تسو
:
وهذا هو الذي قُلتَه أيضًا في الحلم.
تشوانج تسو
:
شيءٌ غريب! أنا قلتُ هذا؟
هوى تسو
:
وأجبتُكَ قائلًا: أنا لستُ أنا، فكيف يُمكِنك أن تعرف أنني لا أعرف فرحة
الأسماك؟
تشوانج تسو
:
معقول؛ فأنا لستُ أنتَ؛ ولهذا لا أعرفك.
هوى تسو
:
وهذا ما قلتَه أيضًا، ثم أضفتَ إلى ذلك أنكَ تعرف شيئًا واحدًا، وهو أنني لستُ
سمكة؛ ولهذا لا يُمكِنني أن أعرف الأسماك.
تشوانج تسو
:
شيءٌ غريب حقًّا، ولكن لنَرجِعْ إلى سؤالكَ.
هوى تسو
:
ورجَعتَ بالفعل إلى سؤالي.
تشوانج تسو
:
وماذا قُلتُ؟
هوى تسو
:
لقد سألتَني: كيف يمكنكَ أن تعرف فرحة الأسماك؟ الواقع أنكَ كنتَ تعرف أنني أعرف،
ومع ذلك أَصررتَ على سؤالكَ.
تشوانج تسو
:
وماذا كان جوابك؟
هوى تسو
:
هو الذي أجبتُكَ به في الحلم.
تشوانج تسو
:
وما زلتَ تذكُره؟
هوى تسو
:
نعم، نعم، كأني نَطقتُ به الآن، أعرفها من الفرحة التي أَشعُر بها وأنا أنظر
للماء.
تشوانج تسو
:
غريب! شيءٌ لا يُصدَّق.
هوى تسو
:
أنني تحوَّلتُ إلى سمكة؟
تشوانج تسو
:
ولكنكَ لستَ سمكة.
هوى تسو
:
وهل أنتَ فَراشة؟
تشوانج تسو
:
إنني أراكَ وأستطيعُ أن ألمسَكَ، أنت هوى تسو.
هوى تسو
:
وأنا أراك وأستطيع أن ألمسَكَ، أنت تشوانج تسو.
تشوانج تسو
:
إنسانٌ أنتَ ولستَ سمكة.
هوى تسو
:
وأنتَ إنسانٌ ولستَ فراشة.
تشوانج تسو
:
ولكنَّي تحولتُ إلى فَراشة.
هوى تسو
:
وأنا تَحوَّلتُ إلى سمكة.
تشوانج تسو
:
كان هذا في الحُلم، أستطيع الآن أن أهزَّ كتفَيكَ أو أضربكَ على رأسكَ فتستَيقِظَ
منه.
هوى تسو
:
أنا أيضًا أستطيع أن أهُزَّ كتفَيكَ أو أَصفعكَ على وجهِكَ وأُوقظكَ من
الحلم.
تشوانج تسو
:
وهل يُثبِتُ لكَ هذا أنكَ لا تحلُم؟
هوى تسو
:
ما دُمتُ لا أتلقَّى الصفعة.
تشوانج تسو
:
إذن فخُذ هذه (يصفَعه) هل أنت الآن في اليقظة
أم في الحُلم؟
هوى تسو
:
وأنتَ، خذ هذه (يركُله ركلةً شديدةً في بطنه)
هل ما زلتَ تحلُم أم استيقَظتَ؟
(يدخل طفلٌ يجري ليُمسِكَ بفَراشةٍ وهو يصيح):
الطفل
:
الفَراشة، الفَراشة، أمسِكْها أيها السيد، ساعدني، أنتَ يا سيد.
هوى تسو
:
ألستَ فراشة؟ ساعِده أن يُمسِكَ بكَ.
تشوانج تسو
:
تعالَ يا ولدي، تعالَ.
هوى تسو
:
تقدَّم يا بني، هذه هي الفراشة.
تشوانج تسو
:
من حُسن الحظ أنني لَستُ سمكة.
هوى تسو
:
ولكنكَ ما زلتَ تَحلُم.
تشوانج تسو
:
وأنتَ، هل استيقظتَ من حُلمِكَ؟
هوى تسو
:
على الأقل عندما ركلتُكَ في بطنِكَ.
تشوانج تسو
:
كانت ضربةً شديدة.
هوى تسو
:
وصَفعتُكَ أشد.
تشوانج تسو
:
معذرةً يا صديقي، هوى تسو، لا بُد أنني كنتُ أحلُم.
هوى تسو
:
معذرةً يا صديقي تشوانج تسو، اختلَط عليَّ الحلم واليقظة (يتعانقان، الطفل ينظر إليهما مُتعجِّبًا، تدخُل أمه على
عَجَل).
الأم
:
ولدي، ولدي، ماذا تفعل؟
هوى تسو
:
ها هو ابنُكِ، لا تخافي.
تشوانج تسو
:
كان يجري وراء الفَراشة.
هوى تسو
:
لقد حَسِب هذا السيد فَراشة وأراد أن يُمسِك به.
تشوانج تسو
:
ولو كان معه سنارةٌ لأمسك بكَ.
الأم
:
معذرةً أيها السيدان، أخشى أن يكون قد أزعَجَكما، كنتما في شِجارٍ على ما
أظن.
تشوانج تسو
:
أبدًا، أبدًا، مجرد اختلاف في الرأي.
هوى تسو
:
أو في الحُلم.
الأم
:
اختلاف في الرأي أو في الحُلم؟
تشوانج تسو
:
رأى هذا السيد في الحُلم أنه سمكة.
هوى تسو
:
ورأى هذا السيد أنه فَراشة.
الأم
(ضاحكة)
:
فَراشة وسمكة؟ كنتما تحلُمان!
هوى تسو
:
ولا نعرف حتى الآن إن كنا في حُلمٍ أم في يقظة.
الأم
:
في حُلمٍ أم يقظة؟
تشوانج تسو
:
ألا تحلُمين أيتها المرأة؟ ألا يحلُم طفلُكِ؟
الأم
:
هذا الغبي، كم رأى في الحُلم أنه تَحوَّل إلى فراشة!
تشوانج تسو
:
سَمِعتَ؟
هوى تسو
:
وأنتِ يا سيدتي، هل تحلُمين أيضًا؟
الأم
:
أنا لا أحلُم أيها السيدان، نحن الفقراء لا نحلُم، إنني أُوقِظ ولَدي من
حُلْمه.
تشوانج تسو
:
ولماذا تُوقظِينه؟ لماذا لا تتركينَه يحلُم بأنه فَراشة؟
هوى تسو
:
أو بأنه سمكة؟
الأم
:
آه! الحياة قاسيةٌ بما فيه الكفاية.
تشوانج تسو
:
تَقصِدين أنكَ في يقظةٍ دائمة؟
هوى تسو
:
أم إنكِ لا تستطيعين التفرقةَ بين اليقظة والحُلم؟
الأم
:
أَقصِد؟ لا أدري ماذا أقصِد، أمثالُنا ليس لديهم الوقت ليُفكِّروا في هذا.
تشوانج تسو
:
أسألك بكل احترام: ماذا تَعنينَ بقولكِ هذا؟
هوى تسو
:
وأنا أسألكَ بكل خضوعٍ نفس السؤال.
الأم
:
تعالَ يا ولدي، إنني لا أفهم السؤال ولا أعرف الجواب، لا أعرف إلا أن أمثالنا لا
يُفكِّرون في هذه الأمور، إنهم يشقَوْن فحَسبُ.
تشوانج تسو
:
تَشقَونَ فحسب، هذا مفهوم، ولكن في الحُلم أم في اليقظة؟
هوى تسو
:
نعم نعم، في الحُلم أم في اليقظة؟
الأم
:
تعالَ يا ولدي.
الطفل
:
الفَراشة يا أمي، الفَراشة.
الأم
:
قلتُ تعالَ، أتُريد أن تحلُم مثلَهم؟
(تشُدُّ طفلها بعنفٍ وتمضي.)
(تشوانج تسو ينظُر صامتًا إلى هوى تسو.)
(هوى تسو ينظر في صمت إلى تشوانج تسو.)
هوى تسو
:
هل تعرف يا صديقي تشوانج تسو؟
تشوانج تسو
:
ماذا يا صديقي هوى تسو؟
هوى تسو
:
لقد شَعَرتُ بالخجَل أمام هذه المرأة.
تشوانج تسو
:
وأنا شَعَرتُ بالخَجَل أمام الطفل.
هوى تسو
:
لأنكَ لم تكن فراشةً كما أراد.
تشوانج تسو
:
ولأنني لا أعرف إن كنتُ فراشةً تحوَّلَت إلى إنسان، أم إنني إنسان تحوَّل إلى
فَراشة، وأنتَ أيضًا.
هوى تسو
:
نفس الشيء يا صديقي، ما زلتُ لا أدري إن كنتُ الإنسانَ الذي شَعَر بفَرحة السمكة
أم السمكة التي أحسَّت بفرحة الإنسان، هل تدري السبب في حَيْرتنا؟
تشوانج تسو
:
وما هو السبَب؟
هوى تسو
:
كلانا لم يَتحوَّل بعدُ.
تشوانج تسو
:
نعم، نعم، كلانا لم يَتحوَّل بعدُ.
هوى تسو
:
ما زِلنا أطفالًا في بداية الطريق.
تشوانج تسو
:
وليتَنا استطَعنا أن نَتحوَّل إلى أطفال، هل تَذكُر مُعلِّمنا العجوز؟
هوى تسو
:
كونج-فو-تسو؟ ومن يُمكِنه أن ينساه؟
تشوانج تسو
:
وتذكُر الحوارَ الذي دار بيني وبينه ورحتُ أبكي بعد انتهائه وأنتَ تُربِّتُ على
ظهري وتَمسَح دموعي؟
هوى تسو
:
كم فَعلتَ هذا! لقد كُنتَ كما قال طفلًا صغيرًا، أنا أيضًا كنتُ طفلًا على بداية
الطريق.
تشوانج تسو
:
ما زلتُ أذكُر ذلك الحوارَ كأنه دار بيننا صباحَ اليوم.
هوى تسو
:
أما أنا فقد نَسِيتُ، مَرَّت سنواتٌ طويلة شاب فيها شَعرُ الأطفال.
تشوانج تسو
:
وما زلنا أطفالًا لم نتعلم بعدُ، دخلتُ عليه في صباح ذلك اليوم فوجدتُه كما
تعوَّدنا أن نراه، وديعًا ساكنًا كأنه شجرةٌ عظيمة، شجرةٌ ممتدة الجذور وارفة
الظلال، لم يَتَحرَّك من مكانه ولم ينظر إليَّ، سألتُ نفسي يومها: هل صار المُعلِّم
سحابةً مُحلِّقة فوق العالم؟ أم أَصبَحَ أُمًّا تَحتضِن الكائنات والأشياء كأنها
تَحتضِن أولادها؟
هوى تسو
:
وتربَّعتَ على الأرض أمامه ورُحتَ تنظر إليه، كانت هذه هي عادتكَ، بدلًا من أن
تَسألَه عن حاجته.
تشوانج تسو
:
بل تَشجَّعتُ في ذلك اليوم وتقدَّمتُ منه وسألتُ سيدي، إنكَ تجلس في هدوء فأجلس
في هدوءٍ مثلَكَ، تمشي خطوةً فأمشي خطوة، تُسرِع في السير فأُسرعُ معك، تركضُ
فأركُض، ولكن عندما تَخرجُ من حدود التراب أرتبِكُ وأتوقَّفُ وأكتفي بأن أُحدِّق
فيك، ضحك وقال (مُقلدًا صوت المُعلِّم): أجل
أجل، كما تَفعَل الآن.
تشوانج تسو
:
كيف يحدُث لكَ هذا؟
صوت المعلم
:
ماذا تَقصِد بسؤالِك؟
تشوانج تسو
:
أَقصِد هذا، عندما تَتكَلَّم أتكَلَّم، وعندما تُقيمُ الحُجَّة أُقيم الحُجَّة،
وعندما تعلَم الطريق، أَعلَم الطريق مثلَك، ولكن عندما تخرج من حدود التراب
أَتوقَّف مذهولًا وأُحدِّق فيك.
صوت المعلم
:
سألتُكَ: ماذا تَقصِد؟ ماذا تُريد أن تقول؟
تشوانج تسو
:
أُريد يا مُعلِّمي أن تُفسِّر لي هذا السر؛ إنك تلوذ بالصمت ولا تتكلم، ومع ذلك
يُصدِّقك الجميع، لا تَتحمَّس ولا ترفع صَوتكَ، ومع ذلك يُوافِقكَ كل إنسان، لا
تُحاوِل أن تجذب أحدًا، ومع ذلك ينجذب الجميع إليك؛ هذا هو اللغز الذي لا أفهمه،
اللغز الذي يُؤرِّقني ويَلسَعني كالشوكة.
صوت المعلم
:
اللغز؟ الشوكة؟ ولماذا لا تُحاوِل أن تصل إلى أصله وجذوره؟ توقَّعتُ أن تُجهِد
عقلكَ وروحكَ لتَعرِفه؛ فليس في الدنيا شيءٌ أدعى إلى الحُزن من موت العقل والروح،
إن موت الجسد لا يُقاس بموت الروح.
تشوانج تسو
:
تهوَّرتُ ورفعتُ صوتي قائلًا: أهو لغزٌ آخر يا مُعلِّمي؟ تطلَّع في صمتٍ أمامه
ولم يُحرِّك شفتَيه، حَدَّق في الفراغ حتى شَعَرتُ أنه أصبح جزءًا منه، بعد لحظاتٍ
نظَر إليَّ وقال:
صوت المعلم
:
إن الشمس تُشرِق في الشرق وتَغرُب في الغرب، ما من شيءٍ يفلت من تأثيرها، ما من
حيٍّ يُمكِنه أن يخرج على نظامها، وكلُّ من له عيونٌ وأقدام يتعلق بها ليحيا حياته
ويتم عمله؛ فعندما تظهر تظهر الحياة، وعندما تختفي تختفي معها الحياة.
تشوانج تسو
:
سألتُ في حَيرة: وما العلاقة بين الشمس والروح؟ ما العلاقة بينهما يا
مُعلِّمي؟
صوت المعلم
:
العلاقة واضحة يا بُني، في كل إنسانٍ شمسٌ تُشرق وتَغرُب، شمس الروح التي تتعلق
بها حياته وموته، إن ذهبَت مات، وإن رجعَت عادت إليه الحياة، هذا هو الذي أُسمِّيه
التحوُّل الذي يُجدِّد الحياة ويُحافِظ عليها، فإن جررتُ جسدي نحو النهاية دون أن
أُحقِّق ذلك التحوُّل الذي يُجدِّد الحياة، إن تركتُ نفسي أُستهلَك ليلَ نهارَ
كأنني شيء من الأشياء، إن لم أشعر بالموت الأبدي الذي يتم في كل لحظة، إن أحسستُ أن
شمسي الروحية قد انطفأَت وأنه لا يُوجد شيء يمكنه أن يُنقِذني من القبر؛ عندئذٍ
تَضمَحِل شمسي وتُصبِح شمعةً ضعيفةً تذبُل وتَلفِظ أنفاسها، حتى يُفاجئنا الموت
فنشعُر أنتَ وأنا كأن أكتافنا قد تلامسَت مرةً واحدة قبل أن نفترق إلى الأبد! أليس
هذا شيئًا مُحزِنًا؟
تشوانج تسو
:
قلتُ: هو شيءٌ مُحزن يا معلمي، غير أنني ما زلتُ لا أفهمُكَ.
صوت المعلم
:
قل إنكَ لا تفهم نفسكَ، إنكَ الآن تنظر إليَّ.
تشوانج تسو
:
بل أُحدِّق فيكَ يا معلمي، ألم أقُل إنني أَفعَل هذا كلما شَعَرتُ أنكَ تخطيتَ
حدود التراب؟!
صوت المعلم
:
نعم قلتَ هذا، ولكنَّكَ تُحدِّق ببصركَ الآن لكي ترى فيَّ شيئًا قد اختفى عندما
نظرتَ إليَّ، ومع ذلك ظَللْتَ تُحدِّق فيَّ بحثًا عن شيء قد تلاشى، وكأنكَ رجلٌ
ذهَب إلى السوق ليبحث عن خيولٍ بِيعَت قبل وصوله، انظُر!
تشوانج تسو
:
قلتُ: ما زلتُ أنظر يا سيدي.
صوت المعلم
:
إنَّ ما يُعجِبني فيكَ قابلٌ للتحوُّل، وما يُعجِبك فيَّ قابلٌ للتحول. لماذا
تحزن إذن؟ إذا كانت نفسي تموت في كل لحظة، فعليَّ أن أُحوِّلَها في كل لحظة لكي
تكون أبديَّة، وإذا كنتَ تُريد الأبدية، فعليكَ أن تَتحوَّل.
هوى تسو
:
نعم، نعم، صَدَق مُعلِّمُنا العجوز، ما زال علينا أن نَتحوَّل.
تشوانج تسو
:
وما زال الطريق بعيدًا عنَّا (يبكي).
هوى تسو
:
ونحن بعيدون عنه، ربما كان هذا هو سر حُزنِكَ يا تشوانج تسو.
تشوانج تسو
:
وحُزنكَ أيضًا يا هوى تسو، هل تُنكِر؟
هوى تسو
:
وحزني أيضًا (يبكي) ولكنني تحوَّلتُ إلى سمكة،
ألم أشعُر بفرحة الأسماك؟!
تشوانج تسو
:
كان مجُرَّد حُلم، أنا أيضًا …
هوى تسو
:
لا تقل تحوَّلتَ إلى فراشة.
تشوانج تسو
:
مِثلكَ تمامًا، في الحُلم!
هوى تسو
:
ولهذا لم يَستطِع الطفل المسكين أن يُمسِكَ بكَ.
تشوانج تسو
:
وهذا هو سِرُّ حُزني.
هوى تسو
:
وحُزني أيضًا، هل يغُرُّكَ أنني أضحك؟ لقد تحوَّلنا في الحُلم. ثم عَجزْنا أن
نتَحوَّل في اليقَظة!
تشوانج تسو
:
عُدتَ إلى الحلم واليقظة؟ أين الحُلم من اليقظة؟ وأين اليقظة من الحُلم؟ آه! أكاد
أُجَن.
هوى تسو
:
بدلًا من أن تُجَن، حاول أن تَتعلَّم كيف تَتحوَّل.
تشوانج تسو
:
وأنتَ؟ هل حاولتَ هذا؟ هل تحوَّلتَ منذ أن مات مُعلِّمُنا؟ هل وصلتَ إلى الأبدي؟
هل أصبحتَ الأبدي؟
هوى تسو
:
أصبحتُ سمكة؛ أي إنني الآنَ على الطريق.
تشوانج تسو
:
سمكة أم إنسان؟ إنسان أم سمكة؟
هوى تسو
:
لأنكَ لم تتحوَّل؛ لأنكَ ما زلتَ مثاليًّا كما كنتَ.
هوى تسو
:
وأنا، واقعيٌّ ما زلتُ.
تشوانج تسو
:
ولكنني مثاليٌّ واقعي، مثالي.
تشوانج تسو
:
بل أنا الواقعي، والموضوعي.
هوى تسو
:
أنا موضوعيٌّ مثالي.
تشوانج تسو
:
وأنا مثاليٌّ موضوعي.
هوى تسو
:
وهل هُنالكَ فَرق؟
تشوانج تسو
:
وأيَّ فَرْق!
هوى تسو
:
قُلْه إذن أيها الفراشة!
تشوانج تسو
:
قُلْه أنتَ أيها السمكة!
هوى تسو
:
أنا يقِظ يحلُم، وأنتَ تحلُم في اليقظة.
تشوانج تسو
:
بل أنتَ الذي تحلُم، هل يمكن أن يشعُر إنسانٌ بفرحة الأسماك؟
هوى تسو
:
وهل يُمكِن أن يتحوَّل سمينٌ مثلك إلى فَراشة؟
تشوانج تسو
:
تُعيِّرني بشحمي ولحمي؟ أَشرفُ لي على كل حالٍ أن أكون فراشة.
هوى تسو
:
وأشرفُ لي أن أتركَ بلدكَ وأَسبحَ في مياهِ نهرِ هاو.
تشوانج تسو
:
يَقِظٌ يحلُم مفتوحَ العينَين.
هوى تسو
:
أَفضلُ من حالمٍ لا يستيقظ.
تشوانج تسو
:
مثاليٌّ موضوعي.
هوى تسو
:
موضوعيٌّ مثالي.
(يُوشِكان أن يتضاربا عندما يدخل الطفل الصغير فجأة ووراءه أمُّه
التي تُحاوِل أن تَلحَق به.)
الطفل
:
لن تُمسِكيني قبل أن أُمسِكَ الفراشة.
الأم
:
تعالَ، قُلتُ لكَ تعالَ.
الطفل
:
ساعِداني أيها السيدان.
الأم
:
دعِ السيدَين في حالهما.
تشوانج تسو
:
تعالَ يا صغيري، تعالَ.
الطفل
:
هل وَجدتَ الفراشة؟
تشوانج تسو
:
أنا الفراشة، إذا أردتُ صِرتُ فراشة.
الطفل
:
أنتَ؟! انظري يا أمي! هذا السيد فراشة!
تشوانج تسو
:
وإذا أردتُ صِرتُ طفلًا!
الطفل
:
طفلٌ أم فراشة؟ تعالَي يا أمي.
الأم
:
معذرةً أيها السيد، معذرة.
تشوانج تسو
:
إنه لا يُزعِجنا على الإطلاق.
الأم
:
لقد قطَع حديثكما، معذرةً يا سادة.
هوى تسو وتشوانج تسو
:
بل أيقَظَنا من حُلمٍ طويل، نحن الآن …
الأم
:
معذرة، معذرة، ليس لدينا وقت، لا بُد أن أَشقَى لأُطعِم هذا الطفل اليتيم، تعالَ
أيها الملعون، العمل ينتظرنا ويحلُم بأنه فَراشة.
الطفل
:
هذا السيد هو الفراشة.
تشوانج تسو
:
أُعاهِدكَ على هذا يا بُني، سأكون فراشة إذا شئتَ.
هوى تسو
:
وأنا أيضًا، ألا تُحب السمكَ يا بُني؟
الطفل
:
أمي، أُريدُ سمكة، هذا السيد سمكة.
الأم
:
عفوًا أيها السيدان، هذا الصغير لا يعرف ما يقول، إنه لا يريد فراشة ولا سمكًا،
هل تعرفان ما يريد؟
تشوانج تسو وهوى تسو
:
ماذا يُريد؟
الأم
:
يُريد رغيفًا يملأ بطنه، سَقفًا يُدفِئ جسَده.
تشوانج تسو
:
حقًّا، حقًّا، رغيف يملأ بطنه، سقف …
هوى تسو
:
يُدفئ جَسَده.
الأم
:
تعالَ يا بُني، تعالَ.
(تَسحَب ابنها من يده بشدة وتنصرف.)
تشوانج تسو
:
أيتها الأم المبجَّلة.
هوى تسو
:
أيتها الأم الحكيمة، نَعِدُكَ أن نَتعلَّم.
تشوانج تسو
:
نَعدُكِ أن نَتحوَّل.
هوى تسو
:
أن نَتحِد بكل شيء.
تشوانج تسو
:
ونُعانِق كل شيء.
هوى تسو
:
أن نُصبِحَ مثلكِ أُمًّا تَحتضِن جميع الأطفال.
تشوانج تسو
:
تَحتضِن جميع الأشياء.
هوى تسو
:
أن نُصبح أرضًا وسماء.
تشوانج تسو
:
سقفًا ورغيفًا.
هوى تسو
:
لابنِكِ ولكلِّ الأبناء.
تشوانج تسو
:
سأكون أنا فراشة.
هوى تسو
:
وأنا سمكة.
تشوانج تسو
:
الفراشة أولًا.
هوى تسو
:
بل سمكة، سمكة.
تشوانج تسو
:
قُلتُ فَراشة.
هوى تسو
:
وأنا قُلتُ سمكة.
تشوانج تسو
(ضاحكًا)
:
عندما نتحوَّل سنَكُون كل شيء.
هوى تسو
(ضاحكًا)
:
نعم، نعم، كل شيء.
تشوانج تسو
(يُمسِك يده)
:
كل الفَراشات والأسماك، كل الأطفال.
هوى تسو
:
كل الأطفال الفقراء.
(يضحكان، يضع كلٌّ منهما يده في يد الآخر وينصرفان.)