الفاعل المجهول!
أعلن كمبيوتر المقر عن حضور الأقطاب الثلاثة «أحمد» و«إلهام» و«عثمان»، وما إن اقتربت سياراتهم من بوابة المقر حتى انفتحت، وعبروها جميعًا إلى الممر الموصل إلى الجراج، حيث غادروا سياراتهم متجهين إلى مركز معلومات المقر.
وما إن عرف «قيس» بحضورهم حتى أبلغ بقية الزملاء … وتمَّ عقد اجتماع عاجل استعرضوا فيه تقرير فرقة «العمليات الخاصة»، والذي يوضِّح بالرسم الكروكي الحالة التي وجدوا عليها الخزان.
ورأى «أحمد» أن استدعاء خبير من أعضاء الفريق ومناقشته، سيعينهم كثيرًا على فهم ما حدث.
وقد استجابت قيادة المنظمة على الفور لمطلبهم، وأرسلت لهم السيد «مشعل» أحد أهم الخبراء الذين عاينوا الحادث.
وبعد أن رحَّبوا به، ورغم شغفهم لمعرفة الكثير عن الحادث، إلا أنهم انتظروا أن يبدأ «أحمد» معه الحوار.
وبعد فترة صمت قصيرة، قال «أحمد»: سيد «مشعل» … هل رأيت الخزان المنفجر؟
مشعل: نعم.
أحمد: لقد جاء في تقريركم أن الانفجار وقع نتيجة تعرُّض الخزان لضغط هائل على سطحه.
مشعل: نعم، وتعرَّض أيضًا لخلخلة الهواء من حوله.
أحمد: من الذي وضع هذا التصور؟
مشعل: إنه ليس تصورًا، إنه استنتاج.
إلهام: وما الفرق؟
مشعل: التصور يُبنى على رؤى.
عثمان: والاستنتاج؟
مشعل: يُبنى على حقائق ومعطيات.
أحمد: وما هي الحقائق والمعطيات التي بنيتم عليها استنتاجكم؟
مشعل: يجب أن ترَوا الحادث على الطبيعة لكي يمكنني شرح ذلك.
أحمد: وهل يمكنك الانتقال معنا إلى هناك؟
مشعل: لا داعي لذلك؛ فلدينا فيلم مصوَّر للموقع وللخزان قبل وبعد الانفجار.
أحمد: أمر جيد … وأين هو؟
مشعل: سأطلب من القيادة عرضه.
وقام «مشعل» بالاتصال بقيادة المنظمة، وطلب منهم عرض الفيلم على الشاشة الرئيسية لمركز المعلومات.
وانتقل الجميع إلى المقاعد المواجهة للشاشة، والتي ظهر عليها شعار قيادة المنظمة صغيرًا، ثم أخذ ينمو حتى ملأها، ثم اختفى وظهر بدلًا منه شعار فرقة «العمليات الخاصة» في أعلى يمين الشاشة … وفي صدارتها ظهر خزان الوقود قبل أن ينفجر.
وبعصًا رشيقة أشار السيد «مشعل» على الخزان وقال: هذا هو الخزان، ويبلغ ارتفاعه ثلاثون مترًا، وقطر قاعدته أكثر من عشرين مترًا ببضعة سنتيمترات … وسمك جداره متر ونصف المتر، وهو يسع أطنانًا من وقود الطائرات كما ترون.
أحمد: وهل يمكن خلخلة الهواء حول هذا المبنى الضخم؟!
تغيَّرت الصورة على الشاشة وظهر الخزان بعد الانفجار، وهو عبارة عن أشلاء متناثرة في مساحة شاسعة، وكذا الوقود كان يفترش مساحةً شديدة الاتساع، ممَّا تسبَّب في اندلاع النار في أبنية تبعد عن الخزان بخمسة كيلومترات.
اندهشت أعين الشياطين، وتقلَّصت عضلات وجوههم، وهدأت أنفاسهم وهم يتابعون آثار الحادث وضخامته وغرابته؛ فقد تناثر الوقود لمسافات بعيدة، وأيضًا جدران الخزان الشديد الضخامة، ممَّا دفع «أحمد» لأن يسأل «مشعل» قائلًا: ولماذا لا يكون سبب الانفجار داخليًّا؟
مشعل: لو كان كذلك لانفجر سقف الخزان وتناثر إلى أشلاء.
أحمد: وما الذي حدث للسقف إذن؟
مشعل: لقد سقط إلى أسفل وتحطَّمت أركانه والتصق بالأرض.
إلهام: لقد كنت أظنه قاعدة الخزان!
عثمان: معكم حق في هذا الاستنتاج، ولكن ألم يمكنكم وضع تصور لسبب حدوث ذلك؟
مشعل: لا أستطيع أن أقول غير أنها ظاهرة فريدة.
ريما: أليس من المحتمل أن يكون سلاحًا بشريًّا؟
مشعل: لا أحد يستطيع الجزم بذلك. صدقوني، المهمة صعبة وتحتاج لتضافر الجهود.
أحمد: غير أن النتيجة قد تكون صفرًا.
عثمان: ولكن علينا أن نعمل.
مشعل: وفَّقكم الله.
انطفأت الشاشة، وغادر السيد «مشعل» القاعة، والتف الشياطين حول «أحمد» يطلبون منه الاتصال برقم «صفر»، وأن يخبروه برغبتهم في عقد اجتماع عاجلٍ في المقر … لا على شبكة الإنترنت.
أحمد: أي إنكم تطلبون منه الحضور إلى هنا؟
ريما: ولمَ لا؟
زبيدة: كلنا نشعر أننا في حاجة ماسة إليه.
أحمد: إنه معنا حتى وهو بعيد.
عثمان: إنهم يريدون أن يشعروا بدفء قربه.
إلهام: إن الخطر عندما يكون غيبًا يصير مرعبًا.
قيس: نعم؛ فنحن على استعداد لمواجهته، بل ومطاردة أعتى المجرمين وأخطر العصابات.
مصباح: وعلى استعداد لتحدي الأخطار الطبيعية مهما عظمت، ولكن تكون أخطارًا مرئية.
أحمد: وما أدراكم أنها غيبية؟
إلهام: ما حدث للخزان عمل غير طبيعي.
ريما: وتصادف حدوثه مع ما أخبرنا به «بيتر» من أن قوًى خفية كانت تحيط به أثناء طيرانه.
عثمان: لقد نسينا أن «بيتر» في مصر، أين هو إذن؟
قيس: لقد اختفى واختفت طائرته.
هزَّ الخبرُ «أحمد»، فالتفت جزعًا إلى «قيس» يسأله قائلًا: ماذا تعني بأنه اختفى؟
قيس: لقد قامت أجهزة المراقبة في المقر بتتبُّعه، وكان في طريقه إلى «الفيوم» بعد أن طلبنا منه تغيير مساره.
إلهام: ولماذا طلبتم منه تغيير مساره؟
قيس: لأنه أخبرنا بشعوره أن هناك من يتتبَّعه.
أحمد: وهل تابعتم الاتصال به؟
قيس: نعم.
إلهام: وهل كان يشكو من هذا المجهول الذي يتتبَّعه؟
قيس: نعم، إلى أن وقع الانفجار.
أحمد: انفجار الخزان؟
قيس: نعم … واختفى بعدها من على شاشة الكمبيوتر، وانقطع الاتصال به.
ريما: إذن هناك علاقة وثيقة بين هذه القوة أو هذا المجهول وبين انفجار الخزان، واختفاء «بيتر».