«ريما» تغرق في الرمال!
اتصل رقم «صفر» بالشياطين وهم في قاعة المعلومات، فكانت فرصة أن يعقد معهم اجتماعًا عاجلًا عبر شبكة الإنترنت.
وكان «أحمد» لا يزال جالسًا لم يغادر موقعه أمام شاشة الكمبيوتر، وعندما ملأت الشاشة الخطوط البيانية المتراصة عرف أن الزعيم قد بدأ الاجتماع.
فقال له: تكرَّر الانفجار يا زعيم!
رقم «صفر»: أنا في حيرة من أمري!
عثمان: لا يمكن أن يختار الثقب الأسود خزانات الوقود بالذات!
إلهام: نعم … فهذا يحتاج إلى قوًى عاقلة. ماذا تريد؟
ريما: ولكن القوى العاقلة تعني أسلحةً بشرية.
رقم «صفر»: حتى الآن لم نسمع عن قنبلة تصنع هذا التفريغ وتؤدِّي إلى هذا الانفجار.
عثمان: ولماذا تكون هذه القوى العاقلة كائنات أرضية؟!
رقم «صفر»: تقصد كائنات فضائية؟!
عثمان: نعم … من سُكان الكواكب الأخرى؟
أحمد: مرةً أخرى يا «عثمان»؟!
عثمان: ماذا تعني بمرة أخرى؟
أحمد: يجب ألَّا نلجأ للغيب لتفسير ظواهر مرئية.
رقم «صفر»: عليك إثبات عكس ذلك يا «أحمد».
أحمد: المهم من أين نبدأ؟
إلهام: أعتقد أن المهمة الآن أصبحت أسهل.
نظر لها «أحمد» في دهشة، فلم يُمهله رقم «صفر» فرصةً كي يعترض عليها، بل قال لهم: طرف الخيط بين أيديكم وعليكم الإمساك به. أتمنَّى لكم التوفيق. مساء الخير.
اختفت الخطوط البيانية من على شاشات الكمبيوتر، والتفت الجميع إلى «إلهام» يطبلون منها تفسيرًا لِمَا قالت، وابتسم «أحمد» لنظرة الفزع التي رآها في عينَيها وقال لها: يجب ألَّا نتكلَّم دون أن نعرف، وإذا قلنا نتحمَّل المسئولية.
إلهام: وأنا أعرف ماذا أقول.
أحمد: وماذا تعرفين أيضًا؟
إلهام: في الانفجار الأول كانت معلوماتنا قليلةً للغاية؛ فليس لدينا إلا آثار حادث الانفجار، وكان لدينا احتمال أن يكون من صنع ظاهرة جوية أو قوًى غير طبيعية أو بتأثير الثقب الأسود كما قال «عثمان».
أحمد: أمَّا الآن فلا بد من وجود قوًى عاقلة.
إلهام: ولدينا طرف الخيط الذي لا ترَونه جميعًا!
عثمان: وما هو؟
ريما: «بيتر» أليس كذلك؟
إلهام: نعم.
كان «بيتر» هو الخيط الوحيد للوصول إلى حل هذا اللغز المدمِّر … فهذه الانفجارات لم تقع إلا بعد حضوره وفي التوقيت الذي مرَّ فيه بمنطقة الخزان … واختفى «بيتر» وتكرَّر الانفجار في نفس المنطقة … ومن المنطقي أن يبدءوا بالبحث عن «بيتر».
غير أن «أحمد» رأى أن يُرجئوا ذلك إلى أن يقوموا بزيارة موقع الانفجار الجديد ويمرون في عودتهم بموقع الانفجار الأول؛ فقد يُقرِّبهم ذلك حتى من «بيتر». وحاز الاقتراح على موافقة الجميع، واتفقوا على أن يُعجِّلوا به، وألَّا يُرجئوه لليوم التالي، وقطعت ضوضاء المحرِّكات صمت الليل في جراج المقر.
وفي أقل من دقيقة، خرجت من بوابة المقر ست سيارات، تحمل ثلاثة عشر محاربًا، يحملون في عقولهم هموم الوطن، وفي صدورهم حبه … عاقدين العزم على ألَّا يتركوا الأخطاء ترتع في جنباته، ولو كلَّفهم ذلك حياتهم.
وقبل أن يغادروا ميدان الرماية قام «أحمد» بالاتصال بالزعيم، وطلب منه أن يبلغ الجهات المسئولة عن هذه الزيارة؛ لكي يقدِّموا التسهيلات اللازمة لهم.
فأبلغهم رقم «صفر» بسعادته لهذه الخطوة الحماسية … ووعدهم بعمل اللازم، وتمنَّى لهم التوفيق.
وبعد مسيرة ربع الساعة في الطريق الممهَّد، انحرف «أحمد» يمين الطريق متوغِّلًا في الرمال، ومن خلفه بقية المجموعة، وقد أضاءوا جميعًا كشافات سياراتهم، فأحالت ليل الصحراء نهارًا … وبدت عن بُعد أشلاء خزان الوقود … رغم أن موقع الخزان كان بعيدًا، ممَّا يدل على قوة الانفجار.
وشيئًا فشيئًا … اقتربوا من الخزان المنفجر … وقد كان محاطًا بسياج من السيارات المدرَّعة، تحيط بها كتيبة من الجنود شاهرين أسلحتهم. وقبل أن يقتربوا منهم بمسافة … أتت إليهم سيارة جيب نزل منها ضابط بالجيش، فتوقَّف «أحمد» وغادر سيارته وقدَّم له بطاقته الأمنية بعد أن حيَّاه.
فرحَّب به الضابط، وطلب منه أن يتبعه هو وزملاؤه.
فعاد إلى سيارته، وقبل أن يركبها أشار لزملائه أن يتبعوه، ثم انطلق يتبع الضابط حتى وصلوا إلى القوة التي تحاصر الخزان.
والتي أفسحت طريقًا لسيارة الضابط، فمرَّ ومن خلفه سيارات الشياطين إلى موقع الانفجار.
كان الظلام شديدًا، ولاتساع الموقع لم تصلح معه كشافات سياراتهم، فطلب منهم الضابط الانتظار لدقائق.
ولم تمضِ دقائق حتى رأوا طائرةً هليكوبتر تضيء عدة كشافات بقاعدتها وقد تعلَّقت في الهواء فوق الموقع، وقد أحالت كشافاتُها ظلام الليل في هذا المكان إلى نهار.
وبالطبع كانت مفاجأةً رائعة … قدَّم عليها «أحمد» الشكر للضابط، وبدأ عمل الشياطين في جمع عينات من الحطام ومن الرمال المحترقة، وأخذوا يتسابقون في الاقتراب من الجزء الذي لا يزال قائمًا من جدار الخزان، ليجمعوا الأدلة وأجزاءً من الحطام.
غير أن الضابط حذَّرهم من الاقتراب أكثر من اللازم، وقد انصهرت الرمال بفعل قوة النار، وتحوَّلت إلى قطع من الزجاج الحاد، والقادر على بتر أقدامهم رغم ما يرتدون من أحذية.
ولاحظت «إلهام» أن «أحمد» يقف مشدوهًا أمام جزء من الجدار وقد غاص جانب كبير منه في الرمال فوقف مائلًا.
وسألته «إلهام» قائلة: هل قوة الانفجار هي التي تشغلك؟
أحمد: بل كيف غاص ذلك الجدار وهو قائم على قاعدة خرسانية مسلحة؟!
إلهام: لأن القاعدة غاصت أيضًا.
أحمد: المفروض ألَّا يحدث ذلك إذا كان سبب الانفجار هو خلخلة الهواء من حول الخزان!
إلهام: هل تشك في شيء؟
أحمد: نعم، ولكن لم أعرفه حتى الآن!
إلهام: قد تعرفه عندما نزور الخزان الآخر.
شرد «أحمد» ولم يرد عليها؛ فقد كانت الأفكار في رأسه تتزاحم، إلى أن ناداه «مصباح» ودفعته «هدى» في كتفه وهي تقول له: «مصباح» يناديك.
وانتبه «أحمد» على أصوات الشياطين تتداخل فزعة، والضابط يصرخ في جنوده، فجرى إليهم وهو يسألهم قائلًا: ماذا حدث؟
فأجابه «عثمان» قائلًا: إن «ريما» تغرق في الرمال!