بين اليأس والأمل!
عندما وصل «أحمد» إلى موقع «ريما» لم يرَ منها فوق سطح الأرض الرملية غير كفِّها الذي ما لبثت أن غاصت في سرعة وقوة، وكأنها تسقط في بئر عميقة.
وتعالت صيحات مَن حولها، وصرخات الجزع من زميلاتها.
وصرخ «أحمد» فيمن حوله قائلًا: نريد حفارًا!
الضابط: الحفار قد يقتلها!
أحمد: يجب أن نجد حلًّا سريعًا.
الضابط: أعتقد أن أي حل لن يُجدي؛ فحتى لو أخرجناها فلن تخرج حية.
انزعج «أحمد» من كلام الضابط وصاح غاضبًا: لا يمكن أن تموت!
الضابط: أنا أقدِّر مشاعركم، ولكني أفعل ما بوسعي، وقد أبلغت قيادتي ليتصرَّفوا.
وبعد أن استمع لكلام الضابط قرَّر ألَّا يستسلم للصدمة، وأن يعجِّل بالتصرُّف، فصاح ينادي «عثمان»، فأخبرته «إلهام» أنه عاد إلى المقر لإحضار كلاب التفتيش، فلمعت عيناه وظهرت على وجهه علامات الارتياح، فسألته قائلة: ألديك أمل؟
أحمد: أن تخرج حية؟
إلهام: نعم؟
أحمد: بل أنا متأكِّد من ذلك.
ومن حوله رأى الجنود والشياطين يتدافعون، فسأل الضابط عمَّا يحدث، فأخبره أن زملاءه يريدون أن يحفروا بحثًا عن «ريما»، والجنود يمنعونهم فقد يغرقون هم أيضًا.
فقال له «أحمد»: إذن يجب أن نجرِّب.
الضابط: نجرِّب ماذا؟
أحمد: نجرب السير في المنطقة، ونرى إن كنا سنغرق أم لا.
الضابط: ومن سيسمح لكم بذلك؟ إنكم مسئوليتي.
أحمد: أهي منطقة رمال متحرِّكة؟
الضابط: بالطبع لا … ولكن هناك فجوات صنعها الانفجار، قد تكون أخطر من الرمال المتحرِّكة.
أحمد: إذن نجرِّب بمعدات.
ولم ينتظر ليسمع رأي الضابط، بل جرى إلى سيارته، وقفز بداخلها، وأضاء كل أنوارها، وضغط بكل قوته على آلة التنبيه، فلم يُفسح له الجنود طريقًا للمرور، فانطلق بالسيارة غير عابئ بهم، إلا أنهم لم يتحرَّكوا من مكانهم إلا عندما أمرهم الضابط أن يدعوه يمر.
وعندما مرَّ به شكره، فقال له الضابط: أنا أقدِّر موقفك، ولكن ما تفعله خطر عليك.
أحمد: لا تخشَ شيئًا؛ فالسيارة لن تغوص بي فجأة.
الضابط: وفَّقك الله.
وشيئًا فشيئًا، اقترب «أحمد» من الموقع الذي غرقت فيه «ريما»، والضابط من بعيد يطلب منه أن يتحرَّك ببطء، وزملاؤه ينظرون له في قلق، ومن داخلهم يتمنَّون أن يصل إلى نتيجة.
وعندما وصل إلى موقع غرقها، لم يشعر بتغير في توازن السيارة، بل أحسَّ أن الأرض تحتها ثابتة راسخة.
فأكمل سيره بجوار قاعدة جدار الخزان المحطم، والضابط يناديه قائلًا: يا سيد «أحمد» ألَا يكفيك هذا؟
أحمد: سأُكمل الدوران حول المبنى، وأرجو ألَّا تعترضني.
ماذا كان يدور في رأس «أحمد»؟! لقد كان الجميع يشعرون أن في رأسه حسابات خاصةً للموقف، وكانوا أيضًا يشعرون بيقينه من نجاة «ريما».
وعندما ابتلعه الظلام وهو يكمل دورته حول الخزان، شعرت «إلهام» بقلق خفي وطلبت من الضابط أن تعود الطائرة لإضاءة المكان مرةً أخرى.
ووعدها الضابط بالاتصال بالقيادة وطلب ذلك؛ فتصريح عمل الطائرة قد انتهى موعده، ممَّا جعل قائدها ينصرف بها.
وفي الوقت الذي سمعوا فيه نباح الكلاب التي أتى بها «عثمان»، سمعوا صوت انفجار يأتي من ناحية «أحمد».
ومرةً أخرى يتدافع الشياطين إلى موقع الخزان، والجنود يمنعونهم تنفيذًا لأوامر الضابط.
فقال له «مصباح»: يجب أن نعرف ماذا حدث!
فقال الضابط: سأعرف أنا.
وتركهم وانصرف، وما هي إلا ثوانٍ حتى عاد مرةً أخرى ولكن بسيارته الجيب.
فتوقَّف للحظات يتحدَّث مع أحد جنوده، ثم انطلق في أثر «أحمد».
وفي هذه الأثناء كان «عثمان» قد وصل وبصحبته كلاب في حجم الحصان الصغير.
فتقدَّم منه «قيس» وأخذ منه أحدها، وربت على ظهره، فتوقَّف على قدمَيه الخلفيتَين، ووضع الأماميتَين على كتفه في تحية حارة.
وقبل أن يصل إلى وجهه … كان «عثمان» قد دفعه من الخلف وهو يقول له: هيا بنا.
وفي موقع غرق «ريما» دارت الكلاب حول بعضها تُشمشم في المكان، وتتفرَّق مرةً هنا وأخرى هناك … ثم تعود مرةً أخرى لنفس المكان … والكل ينتظر أن يسمع لها نباحًا يدل على أنها عثرت على شيء.
غير أن الدقائق مرَّت، ولم يبدر منها غير صوت لهاثها، قطعه صوت محرك سيارة «أحمد» ومن خلفه الضابط في سيارته الجيب.
وبداخله شعر ببعض الراحة عندما رأى الكلاب، فلم ينتظر حتى يصل إليها، بل أوقف السيارة، وقفز منها جاريًا إليها، فلم تلتفت إليه؛ فقد كانت منهمكةً في عملها.
وعندما رفع عينَيه عنها، رأى «عثمان» ينظر إليها في حزن.
فسأله «أحمد» قائلًا: منذ متى وأنت هنا؟
عثمان: منذ نصف ساعة.
أحمد: وهذه الكلاب منذ متى تعمل؟
عثمان: لها ربع ساعة.
أحمد: إذن ليس هناك خطورة من الحفر.
ثم التفت إلى الضابط وقال له: حضرة الضابط … ها أنت تأكَّدت من عدم وجود زميلتنا في المكان.
الضابط: قد توجد أجسام قابلة للانفجار.
أحمد: وما الحل؟
الضابط: ألَا زلت تريد الحفر هنا؟
أحمد: نعم.
الضابط: سنحتاج إلى مجسات وموجات فوق صوتية لفحص المكان.
أحمد: وهل يمكنك التصرُّف؟
إلهام: ماذا ولدينا الحل، والمقر قريب منا؟!
أحمد: وما هو الحل؟
إلهام: السيارة البراق.