«بيتر» ليس في مصر!
هدى: لماذا لا نتصل ﺑ «قيس» فقد يكون لديه أخبار؟
عثمان: سأتصل أنا به.
وعندما تلقَّى «قيس» الاتصال كان يقف وحده أمام سيارته، وقد أضاء كشافاتها الأمامية ليؤنس نفسه في ظلام المنطقة البهيم … فقال له «عثمان»: كيف الحال عندك؟
قيس: لقد اقتربت المواجهة.
عثمان: المواجهة مع مَن؟
قيس: انتظر قليلًا يا «عثمان».
وسمع «عثمان» صوت عدة سيارات مسرعة، وفرامل قوية، وطلقات رشاش تنطلق من هنا ومن هناك، ولم يسمعه «قيس» وهو يناديه ويسأله عمَّا يجري عنده … فقد كان طريح الرمال تنزف منه الدماء، وتليفونه المحمول قد تدحرج منه تحت السيارة.
وبعد صمت قصير، وقد اطمأن لابتعاد السيارات وبها من هاجموه، سمع عن بُعد صوت محركاتها مرةً أخرى تزمجر في شراسة، وفراملها تصرخ فتملأ هدوء المكان فزَعًا وضجيجًا.
فتحامل على نفسه وقد كان كتفه ينزف من أثر رصاصة أصابته، فاستند على مقدمة السيارة، وبعد محاولات مضنية وقبل أن تقترب منه تلك السيارات، كان قد نهض وفتح باب السيارة واستقرَّ بداخلها … خلف عجلة القيادة.
هذه السيارة التي يعشقها … ويعرف جيدًا كيف يُبعد بها الخطر عن نفسه وعن زملائه، وانتظر قليلًا إلى أن اقتربت منه السيارات القاتلة، فضغط على الفرامل، وأعطى السيارة أقصى سرعة لها.
وما إن أصبحوا في مواجهته، حتى رفع قدمه عن الفرامل، فانطلقت السيارة كالمارد في الاتجاه المقابل … فطاش صواب قائدي السيارات القاتلة … واندفعت كلها ذات اليمين وذات اليسار لتنقلب بعد ذلك على ظهرها كالسلحفاة، وبعدها نزل «قيس» من سيارته، وسحب أمان مسدسه، وانتظر خروجهم من تحت سياراتهم.
إلا أنهم شعروا بما يحدث، فصرخوا يطلبون تسليم أنفسهم.
فقال لهم «قيس»: ليس الآن؛ فأنا وحدي … وأنتم لا أمان لكم … ابقَوا في مكانكم حتى يحضر باقي زملائي ومن سيخرج منكم … فليس له عندي غير ذلك. ثم أطلق رصاصةً في الهواء.
فتعالت صرخاتهم تطلب الرحمة … فمنهم من ينزف ومنهم من لا ينطق.
فعرض عليهم أن يتفقوا فيما بينهم، على أن يخرج واحد منهم فقط رافعًا يدَيه.
وتعالت أصواتهم وتداخلت وهم يشرحون ظروفهم وأيهم أحق في الخروج، ممَّا أثار أعصابه، فأطلق رصاصةً في الهواء … فتوقَّف الصوت فجأة … وساد الهدوءُ المكان.
وكان الجرح في كتفه لا يزال ينزف، وشعر بقواه تخور … وقدمَيه لا تقويان على حمله، غير أنه تحامل على نفسه … وبكل ما تبقَّى لديه من قوة صرخ قائلًا: هل بينكم نساء؟
وسمع صوت امرأة تصرخ قائلة: إن عظام رقبتي تكسَّرت.
فقال لها: اخرجي وحدك ومن سيخرج معك سأقتله.
فصرخت قائلة … لا، لا، لن يخرج أحد غيري.
ومن تحت إحدى السيارات المقلوبة، زحفت سيدة شقراء، ترتدي تي شيرتًا أسود ملطَّخًا بالدماء، وبنطلون جينز أسود أيضًا.
وما إن رآها «قيس» حتى قال لها: ابقَي مكانك جالسة.
فجلست المرأة مكانها على الرمال.
فقال لها: هل تنزفين؟
المرأة: نعم هناك جرح نافذ في رقبتي.
قيس: إن كتفي ينزف أيضًا.
المرأة: دعني أربطه لك.
قيس: هل في حزامك هذا تليفون محمول؟
المرأة: نعم.
قيس: أيمكنني استعارته؟
المرأة: بالطبع!
وقبل أن تضع يدها على التليفون … كان «قيس» قد استعد لقتلها؛ فقد اكتشف في اللحظة الأخيرة أن ما ستلقيه له … هو قنبلة صغيرة.
وارتفع صوت صراخ المرأة مع صوت انطلاق الرصاصة، وسقطت بعدها على الأرض جثةً هامدة.
وبدأت قدرة «قيس» على الرؤية تقل، وكذلك قدرته على التركيز واتخاذ القرار، فرأى أن يموت وهو يحاول إنقاذ نفسه، أفضل من أن يموت مستسلمًا.
وبصعوبة بالغة وجهد مضن، استطاع الوصول إلى سيارته، فقام بتسلُّق مقدِّمتها، والاستناد عليها حتى فتح الباب، وألقى بنفسه على المقعد خلف عجلة القيادة.
وكأن السيارة هي الأخرى كانت مصابة … فعن بُعد رآها «رشيد» وهي تترنَّح في الطريق وكل كشافاتها مضاءة.
وبصعوبة بالغة … لمحه «قيس» الذي كاد يدخل في نوبة إغماء شديدة، يسد عليه الطريق ويشير له.
وفي آخر لحظة وقد كاد أن يصدمه … أوقف السيارة … واستسلم للإغماء.
وفي جراج المقر كان «قيس» يشعر بكل ما حدث وكأنه حلم، وعندما أفاق من تخدير عملية إخراج الرصاصة من كتفه، وجد بجانبه في عيادة المقر «هدى» و«زبيدة»، فأغلق عينيه مرةً أخرى في سعادة.
غير أنه فتحهما مرةً أخرى في فزع وهو يقول: هل ماتت «ريما»؟
زبيدة: لا يا «قيس» لم تمت.
قيس: هل عثرتم عليها؟
هدى: نعم … عثر عليها «أحمد» في نفس الموقع.
في هذه الأثناء كان «عثمان» و«بو عمير» يحاولان الاتصال ﺑ «بيتر»، وعندما عرفا بعودة «قيس» و«رشيد» قرَّرا الاجتماع بهما فورًا لتقييم الوضع الذي أصبحوا فيه.
غير أنه علم بحالة «قيس» الصحية، فقرَّر الاجتماع ﺑ «رشيد» فقط.
وكان الليل قد بدأ يلملم أستاره السوداء، ليطل الصبح بنوره الهادئ الرقيق.
وشعر الجميع بإرهاق شديد، وبأنهم في حاجة ماسة إلى النوم.
غير أن «عثمان» رفض فكرة النوم وهو لم يعرف بعدُ مصير «ريما» ولا بقية زملائه خارج المقر.
ولولا اتصال من رقم «صفر» أبلغهم فيه أن كل الأمور تحت السيطرة، وعليهم أن يأخذوا قسطًا وفيرًا من النوم … لأن لديهم عملًا كثيرًا … ما غادر «عثمان» مركز المعلومات.
وفي غرفة نومه، وعندما أصبح أمام سريره، اكتشف أن من كان يحادثه لم يكن رقم «صفر».