الخدعة الكبرى!
وقف الضابط مشدوهًا وهو يرى ما يحدث أمامه، وهو لا يستطيع التصرُّف ومن حوله الجنود ينظرون في ذهول ﻟ «أحمد» وزملائه، وقد ابتلعتهم الرمال كما ابتلعت «ريما» من قبل.
وقد اتصل بقيادته وشرح لهم الأمر، وكيف أن «أحمد» طلب منه عدم اعتراضه فيما يقوم به، وإنه على استعداد لأن يوقِّع على وثيقة تخلي مسئوليته إذا ما حدث له ولزملائه سوء. وبناءً على رغبته أيضًا وقَّع باقي الزملاء.
فطمأنته القيادة بأن موقفه سليم، وأنه فعل الصواب … وهم بدورهم سيبلغون قيادة المنظمة بما حدث.
وفي السادسة صباحًا شعر الموجودون في المقر من الشياطين بوخز في رسغهم من ساعات أيديهم، فاستيقظوا وأصابعهم على زر الاستقبال، وفي خلال ثوانٍ معدودة كانوا قد استعادوا كامل يقظتهم، وتلقَّوا رسالة رقم «صفر» الموجزة، والتي أبلغهم فيها بضرورة تواجدهم في مركز المعلومات خلال دقائق؛ لأن لديه أخبارًا مهمة.
وقد استغرق الأمر أقل من دقائق، وعندما أداروا أجهزة الكمبيوتر … شاهدوا الخطوط البيانية المتراصة تملأ الشاشة … فأصابتهم الدهشة؛ فها هو رقم «صفر» يجلس في انتظارهم إلى أن يتموا استعدادهم لعقد الاجتماع … وما إن اكتمل عددهم حول الأجهزة حتى أعطاه «عثمان» إشارة الاستعداد … فتحرَّكت الخطوط على الشاشة مع صوت رقم «صفر» الذي قال لهم: صباح الخير أولًا … طبعًا هذا ميعاد استيقاظكم المعتاد … ولم أوقظكم قبله حتى تكونوا اليوم في كامل لياقتكم.
وكان «قيس» قد استرد عافيته، وجلس بين الشياطين ليحضر الاجتماع، فقال له: الزملاء كلهم في باطن الأرض يا زعيم.
رقم «صفر»: كيف حال ذراعك يا «قيس»؟
قيس: لم يكن الأمر خطيرًا، ولكن الخطير هو أن كثيرًا من الزملاء ابتلعتهم الرمال!
التفتت كل العيون إلى «قيس» في دهشة وقلق؛ فقد كان الخبر جديدًا عليهم.
فقال لهم رقم «صفر»: لقد اتصلت بكم لأجل ذلك، وقد اتصلت إدارة المراقبة الجوية وأخبرتنا أن طائرة «بيتر» لم تعبر الأجواء المصرية، ولم تطلب طائرة خاصة بالأمس العبور … إلا الطائرة التي تحمل الأرقام الكودية التي أعطيناها ﻟ «بيتر» … غير أنها لم تكن ﻟ «بيتر».
فصاح «عثمان» مستنكرًا: معنى ذلك أننا تعرَّضنا لخدعة كبرى!
رقم «صفر»: يبدو ذلك، ويبدو أن من قام بهذا هم أعضاء من «سايبر سبيس»؛ لأنهم تجسَّسوا على موقعكم على الشبكة وعرفوا بميعاد وطريقة قدوم «بيتر».
قيس: وماذا استفادوا من ذلك؟
رقم «صفر»: التسهيلات التي طلبوها ﻟ «بيتر» حصلوا عليها في عبور الأجواء المصرية ومعهم أسلحة غير تقليدية.
عثمان: مثل ماذا؟
رقم «صفر»: هذا ما سيخبرنا به «أحمد».
قيس: كيف وهو تحت الأرض؟!
رقم «صفر»: هذا شأنه هو … أمَّا أنتم فلا تفارقوا المقر ولا مركز المعلومات.
عثمان: سيحدث ذلك يا زعيم.
رقم «صفر»: شكرًا مع تمنياتي بالتوفيق.
اختفت الخطوط البيانية من على شاشات الكمبيوتر … والشياطين في ذهول؛ فها هو «بيتر» الذي كانوا يعتبرون البحث عنه طريقهم للوصول إلى «ريما» … لم يدخل مصر.
وها هي القوى الغامضة التي كانت تطارده، والتي بنَوا عليها كل تصوراتهم في القضية تصبح خيالًا من صنع رجال أذكياء، وأعضاء في أخطر عصابة عرفوها حتى الآن … وأخرجهم «قيس» من ذهولهم عندما قال لهم: هل لاحظتم معي أن فيما يقوله رقم «صفر» عن «أحمد» ما يدل على أنه يعرف ما لا نعرفه؟
هدى: تقصد أن الأرض لم تبتلعه؟
قيس: نعم أقصد هذا، و«ريما» أيضًا لم تغرق في الرمال.
بو عمير: لقد رأيناها بأنفسنا!
قيس: وكنت أنا معكم … وكنت أظن مثلكم أن الرمال ابتلعتها.
زبيدة: أليس هذا حقيقيًّا؟
قيس: لا … وإلا ما كان ذلك مصير «أحمد» ومن معه أيضًا.
عثمان: تقصد أن ما حدث ﻟ «ريما» بالمصادفة قم به «أحمد» عن عمد؟
قيس: نعم.
في هذه الأثناء كان «أحمد» وزملاؤه يسيرون في نفق مظلم، وقد اشتدَّت درجة الحرارة حولهم، وازداد عطشهم، ورغم أن عيونهم اعتادت الظلام، إلا أنهم لم يتمكَّنوا من رؤية شيء في هذا النفق المظلم.
وقد طال بهم السير … ورغم أن النفق لم يكن من صنع البشر كما اكتشفوا، إلا أنه كان ممهَّدًا بما لا يعوق السير فيه.
وعندما حاول «أحمد» العودة مرةً أخرى إلى نقطة البداية، بعد أن يأس من الوصول إلى نهاية النفق، اعترض مَن معه من الزملاء؛ فهم يشعرون أن نقطة الوصول قريبة منهم.
ويبدو أن ذلك كان حقيقيًّا؛ فقد كانوا يشعرون كل حين ببعض نسمات الهواء البارد تأتي لهم من مكان قريب.
وكانوا كلما تقدَّموا في السير ازدادت تلك النسمات بشدة، حتى وصلوا إلى قاعة يُنيرها ضوء القمر؛ أي إنها بلا سقف، ولكن جدرانها عالية، وقد نُقش عليها زخارف حديثة تخلَّلتها رسوم فرعونية، وكتابات هيروغليفية يحفظونها تامًا، ويعرفون السمات التي تميِّز النقوش القديمة من الحديثة.
وقد كان دليلهم الأكبر على ذلك أنهم وجدوا رموزًا لمخترعات لم تكن موجودةً حتى في العصر الحديث، إلا منذ فترة قصيرة.
وأيضًا رموزًا لمعادلات في الفيزياء الحديثة، ورغم أنها لم تُنقش باللغة العلمية الصريحة إلا أن الرموز التي تُشير إليها استطاع الشياطين أن يفهموها؛ فهي غريبة عن الرموز الفرعونية المعروفة.
واكتشفت «إلهام» معادلةً أذهلها مضمونها؛ فهي تتحدَّث عن انفجارات تُحدثها قوى جذب جارفة.
وكان هذا أيضًا حال «أحمد» الذي اكتشف معادلات غايةً في الخطورة … لأسلحة تؤدِّي بمن يمتلكها إلى حافة الجنون؛ لأنه إن لم يتمكَّن من إخضاع البشر بها، فسيدمِّر بها الحياة على الأرض.
وكذلك بقية الشياطين كانوا في حالة ذهول.
وبعد فترة من الوقت، وكثير من الجهد، انتبه كل منهم إلى أن المعادلات ليس لها نهاية، وأنها تحمل كل واحد منهم إلى متاهة، وقد حدث بالفعل أنهم تاهوا عن بعضهم، وأنهم وقعوا ضحية خدعة كبرى.