بين الوهم والحقيقة!
وكأنهم يخضعون لعقل كلي أعمى يُفكِّر لهم ويوجههم … تحرَّك الشياطين في اتجاهات متوازية … وقد نسوا أنهم تفرقوا، وانتبهوا فقط لقراءة تفاصيل المعادلات لعلهم يصلون إلى معرفة سر انفجار الخزان.
وفي نفس اللحظة التي شعر فيها «أحمد» أن هناك عيونًا ترقبه، شعرت أيضًا «إلهام» بذلك، وكذلك بقية الشياطين.
وقد كانت الردهات التي يسيرون فيها مكتظةً بالتماثيل النصفية والكاملة … ومنها المصنوع من البرونز ومنها الحجري.
ولو أراد أحد أن يبحث عن مراقبيه بين هذه التماثيل فسيصل حتمًا.
وقد راودتهم جميعًا هذه الفكرة إلا أنهم تخلصوا منها بسرعة؛ فأصحاب هذه المعادلات المعقدة، وهذا الفكر المتقدم، لم يلجئوا إلى هذه الوسائل البدائية، وسيستخدمون وسائل أكثر تقدمًا بكثير.
وهذا ما دفعهم لتجنب استخدام وسائل الاتصال الحديثة الموجودة بحوزتهم، وانصرفوا لاستكمال عملهم في تسجيل ما يقرءونه من معادلات.
إلى أن انحرف «أحمد» إلى إحدى الغرف المظلمة … وانزلقت قدمه على أرضية ملساء، فسقط فيما يشبه التابوت الحجري، ولم يقوَ على النهوض مرةً أخرى؛ فقد وضع أحدهم غطاءً ثقيلًا لذلك التابوت.
وشعر «أحمد» أنها نهايته؛ فساعة واحدة في هذا التابوت تكفي لأن يختنق ويموت، وليست هناك وسيلة لإنقاذه غير استعمال ساعته، ولكن ذلك كان يحتاج أن يصل بيده اليمنى لأزرار الساعة في اليد اليسرى، وغطاء التابوت لن يسمح له بذلك.
إلا أنه شعر بوخز في رسغه، وعرف أن أحد زملائه يتصل به … فضغط الساعة في جدار التابوت، فأضاءت شاشتها واستقبلت الاتصال، وعرف منه أن «ريما» في مكان ما بجوارهم، وهي تتابع كل ما يجري وستتدخل في الوقت المناسب.
فشعر بسعادة بالغة، ليس فقط لوجود أمل في النجاة، ولكن لاطمئنانه على سلامة «ريما» وعلى أنها حرة الحركة، حتى إنها استطاعت أن تراسلهم. وشعر أن التابوت يتحرَّك به، فسرت في جسده قشعريرة؛ فقد صاحب هذه الحركة موسيقى جنائزية قديمة، تتردَّد في ثنايا التابوت.
ورغم هَول الموقف، إلا أنه ابتسم رغمًا عنه … فقد شعر أنهم يجهِّزونه للتحنيط، وأن هذه هي الطقوس التي تسبقه.
وما جعله يتأكَّد من ذلك، أن رائحة نبات الصندل العطرية بدأت تنساب من مسام التابوت إلى أنفه، شعر بعدها بمخدِّر يجتاح جسده، فأُصيب بهلع؛ فهذا ما لم يحسب له حسابًا، إنهم ليسوا شرفاء؛ فقد كان يجب أن يحاربوه وهو متيقِّظ لهم … ولا يذبحونه وهو لا حول له ولا قوة!
وبينما «أحمد» في غيبوبة بسيطة، سمع صوتًا وكأنه يأتيه من العالم الآخر يقول له ستموت شريفًا، ستموت محاربًا؛ فأنت رجل شجاع … لذا يجب أن يخلد جسدك … ولكن روحك يجب أن تصعد إلى بارئها … فقد رأيتَ وعرفت أكثر ممَّا يجب.
وفتحوا له فتحةً برأس التابوت فرأى أمامه وجوهًا نحاسية، لأجساد ترتدي أرديةً سوداء … تقول له: لك طلب مجاب قبل أن تفارق الدنيا.
فنظر لهم «أحمد» في ذهول ثم قال: أريد أن أعرف كيف انفجر الخزان؟
الصوت: انفجر بقنبلة الثقب الأسود!
أحمد: قنبلة ماذا؟
الصوت: قنبلة الثقب الأسود.
أحمد: لا أفهم.
الصوت: ألم تسمع عن قنبلة الثقب الأسود؟
أحمد: بل أعرف عنها الكثير!
الصوت: وهل تعرف أن لها قوًى جاذبية هائلة … تستطيع أن تبتلع آلاف الكواكب.
أحمد: نعم.
الصوت: وكذلك قنبلة الثقب الأسود، إنها نتاج زواج الحضارة الفرعونية والحضارة الغربية الحديثة.
أحمد: وهل الفراعنة هم الذين صنعوا هذه القنبلة؟
الصوت: الفراعنة لم يستخدموا هذه النظريات في التفجير.
أحمد: واكتشفتموها أنتم في مقابرهم … واستخدمتموها في التفجير!
الصوت: لقد عرفت أكثر من اللازم الآن …
وقبل أن يكمل كلامه سمع صوتًا نسائيًّا يقول له: والآن افتح هذا التابوت واخرج منه.
رقص قلب «أحمد» في صدره؛ فقد عرف صاحبة هذا الصوت، إنها «ريما»، وبقَدْر ما استطاع، ألقى عليها نظرة، فوجدها ممسكةً بمسدس لم يرَه من قبل.
وقد امتثل أصحاب الرءوس النحاسية لأوامرها وفتحوا التابوت، وأخرجوه، غير أن أحدهم أمسك به ليجعله رهينة، إلا أن «أحمد» استعاد لياقته بسرعة شديدة.
فقد طار في الهواء، وقبل أن يصل إلى الأرض كان قد طوَّح هذا الرجل إلى آخر الردهة.
وفي اللفة الثانية كان قد وصل إلى جوار «ريما» التي طلبت من الرجل أن ينام في التابوت.
ورفض الرجل، فأطلقت عليه قذيفةً من مسدسها، فتقلَّص رأسه وأصبح في حجم البرتقالة، وسقط على الأرض جاحظ العينَين … وقد برزت أسنانه إلى الخارج.
وخرجت «ريما» مسرعةً يتبعها «أحمد» الذي قال لها: أين كنتِ وكيف وصلتِ إلى هنا؟
ريما: لقد خلَّف التفجير فقاعةً هوائية ضخمة هي التي ابتلعتني وأتت بي إلى هنا.
أحمد: أين كنت؟
ريما: لقد تهتُ مثلكم إلى أن قبضوا عليَّ بالطريقة التمثيلية التي قبضوا بها عليك.
أحمد: وأين الباقون؟
ريما: لقد رأيت «إلهام» في أحد التوابيت.
أحمد: منذ متى؟
ريما: منذ ساعة، ولكن لا تخف؛ فموت زميلهم سيجعلهم ينشغلون بالبحث عنا.
أحمد: وباقي الزملاء؟
وقبل أن يسمع إجابتها دفعته بقوة، ففقد توازنه واصطدم بالجدار ولحقته طلقة من مدفع رجل يطاردهم، ولولا «ريما» لأصابته الطلقة.
غير أن اصطدامه بالحائط أو اصطدام هذه الطلقة به، جعلت أحد أحجار الجدار تنخلع عنه، ويرى من خلالها بقية زملائه.