تحالف الذئاب!
كانت المعلومات التي حصل عليها الشياطين مذهلة، لدرجة أن «إلهام» هتفت في عدم تصديق: مستحيل أن تكون كلُّ هذه الأحداث قد جرَت في إحدى عواصم «أوروبا» وهي معقل الديمقراطية والحرية في العالم!
أجابها رقم «صفر» من مكانه الخفي: طالما ظلت النقود قادرة على أن تشتريَ ذمم وضمائر البعض، فإن الشر لن يختفيَ من العالم … إن المهندس «حلمي عبد القادر» هو ضحية دون شك … فتهمةُ تهريب مواد حربية ممنوعة هي تهمة ملفَّقة قُصد بها إلقاء القبض عليه ومنع تلك المواد من الوصول إلى «مصر» … أما تهمة الجاسوسية فالغرض منها هي التخلص منه … بإعدامه!
عثمان: هؤلاء الأوغاد الخونة!
وتساءل «أحمد» في هدوء: ولكن مَن يقف وراء هذه العملية؟!
رقم «صفر»: إن أصابع الاتهام تُشير إلى «الموساد» دون شك … فهي التي حاولَت اغتيال «حلمي» من قبل وتصفيته بأي ثمن … تمامًا كما فعلَت مع د. «سميرة موسى» في الخمسينيات، وكانت عالمة ذرة شهيرة تدرس في أمريكا، وتم تدبير حادث سيارة لها، وأيضًا د. «يحيى المشد» منذ سنوات قليلة؛ حيث تم اغتياله في أحد فنادق «باريس»… وهو من أعظم علماء الذرة العرب … ولكن، ولأن الموساد تتعامل بحذر وذكاء، وبعد فشلها في اغتيال المهندس «حلمي»؛ لذلك دبرت له تلك التهمة، وببعض الرشاوى أمكنها إقناع البعض بالقبض على «حلمي» وتوجيه تلك التُّهم إليه.
هدى: ولكن بإمكان المهندس «حلمي» الحصول على البراءة عند محاكمته … فالجاسوسية بالذات تهمة خطيرة تستلزم أدلة كافية لإدانة مَن يمارسها.
رقم «صفر»: ومَن قال إن الموساد لم تجهز هذه الأدلة مسبقًا … فهي جهاز مخابرات نشط وقوي وفي حوزتها إمكانات هائلة بحيث تستطيع تزوير عشرات الأدلة ضد أي شخص … ولكن الموساد تنوي اتباع خطة مختلفة هذه المرة!
وساد صمت قصير بعد كلمات رقم «صفر» ثم أضاف: إنهم يخططون لاغتيال المهندس «حلمي» في السجن … بحيث تحين نهايته … قبل أن تبدأ محاكمته.
قال «خالد»: هؤلاء الأشرار!
رقم «صفر»: إنهم يخشون أن تكشف أقوالُ المهندس «حلمي» تورُّطَهم في الأمر أثناء المحاكمة … ولهذا فهم يقومون بقتل المهندس «حلمي» قتلًا بطيئًا كل يوم … من خلال تعريضه لجرعات قليلة من السم في طعامه تتسبَّب في تدهور صحته ببطء شديد … وخلال شهر على الأكثر تتوقف أعضاؤه الحيوية عن العمل ويسقط ميتًا … وبالطبع لن يتمكن أحدٌ باكتشاف سبب الوفاة الحقيقي إذا ما دُفعت الرشاوى المناسبة لطبيب السجن لكي يذكرَ في تقريره أن وفاة المهندس «حلمي» كانت طبيعية؛ فقد مر أسبوعان حتى الآن على بدء ذلك المخطط الجهنمي … ويبقى لبطلنا أسبوعان فقط على قيد الحياة!
قطب «أحمد» حاجبَيه في غضب قائلًا: من الضروري الإسراع بإنقاذ المهندس «حلمي» بأسرع ما يمكن … مهما كانت النتائج!
قال رقم «صفر»: هذا صحيح؛ فإن أية دولة لن تعترف بتلفيق التُّهم وسجن الأبرياء … خاصة إذا كانت تتظاهر بالصداقة لبلادنا … وللمنطقة العربية بأكملها.
قالت «زبيدة» في حدة: إذن لا يتبقَّى أمامنا غير اللجوء إلى الوسائل الأخرى … لاستعادة هذا البطل من قبضة الأشرار!
قال رقم «صفر»: بالضبط … ولهذا كان اجتماعنا … فأنتم الورقة الأخيرة والوحيدة … التي نراهن بها على كسب هذه المعركة … وحتى رجال المخابرات ما كانوا يستطيعون التدخل لإنقاذ المهندس «حلمي»، لأنه في حالة سقوط أحدهم في أيدي هؤلاء الزبانية، فيسدعمون به قضيتهم ضد المهندس «حلمي» باعتباره جاسوسًا … ليصير الحكم بإعدامه مؤكدًا … سواء بالسم أو رميًا بالرصاص.
قال «قيس»: وهل نقلَت الموساد المهندس «حلمي» إلى بلادها؟
رقم «صفر»: لا … إنهم ليسوا من الغباء ليفعلوا ذلك؛ فهم لا يريدون الظهور في الصورة بأي شكل … ولكنهم وضعوا خطة أخرى لنقل «حلمي» إلى أحد السجون الخاصة ليكون تحت أعينهم وسيطرتهم.
والتفت رقم «صفر» إلى الخلف وهو يضغط زرًّا إلى جواره، فأضيئَت شاشة سينمائية عريضة إلى اليسار ارتسمَت فوقها خريطةٌ لجنوب «إيطاليا».
بدأت الصورة تكبر تدريجيًّا مبيِّنة تفاصيل جزيرة «صقلية» وما يتبعها من جزر … وارتسمَت دائرة حمراء حول جزيرة «أوستيكا» على مسافة مائة كيلومتر من «باليرمو» عاصمة «صقلية».
وتعلَّقت أعين الشياطين بالجزيرة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن عشرة كيلومترات وتُحيطها الصخور من كل جانب.
وقال رقم «صفر»: هذه هي الجزيرة السجن … «أوستيكا».
قال «أحمد» في دهشة: ولكن هذه الجزيرة تابعة للمافيا الإيطالية! … إنهم هم الذين يحكمون هذه الجزيرة الإيطالية لقربها من «صقلية» موطن نشأتهم … وقد أقاموا فيها سجنًا رهيبًا من الصخر والفولاذ يستحيل اختراقه، بالإضافة إلى الأسماك المتوحشة التي تعجُّ بها شواطئ الجزيرة … وهم لا يُرسلون إلى هذا السجن إلا كلَّ مَن يريدون التخلص منه بالسجن مدى الحياة … أو إطلاق كلاب السجن المتوحشة عليه لتنهشَه حيًّا!
قال رقم «صفر»: إن كل ما ذكرته صحيح يا «أحمد» … فهذا السجن أنشأَته المافيا للتخلص من بعض أعدائها بتلفيق التُّهم لهم أمام المحاكم الإيطالية؛ لكي يصدر الحكم بسجنهم داخل هذا السجن الذي تسيطر عليه الحكومة الإيطالية ظاهريًّا، ولكنه في حقيقة الأمر يخضع لقبضة وأوامر المافيا مباشرة … ولم يحدث أن دخله أيُّ شخص … وخرج منه حيًّا!
اتسعَت عينَا «إلهام» في دهشة بالغة، وقالت: ولكني لا أفهم ما هي علاقة المافيا بالموساد؟!
رقم «صفر»: إنها قوى الشر في العالم وقد تحالفَت معًا … فما أكثر العمليات التي قامت بها المافيا لحساب الموساد أو العكس! … فالمصالح بينهما متبادلة والهدف واحد؛ فالتعاون بين الموساد والمافيا أشبه بتحالف الأوغاد … ولهذا ليس عجيبًا أن قامَت الدولة الأوروبية التي ألقَت القبض على «حلمي» بترحيله إلى «إيطاليا» حسب أوامر الموساد؛ حيث تم تزوير تهمة جديدة ضد «حلمي» باختراق القوانين الإيطالية ليصدر قرارٌ من القاضي بحبسه في سجن «أوستيكا» انتظارًا لمحاكمته … وبذلك تكون الموساد قد حققت هدفها كاملًا.
غمغم «بو عمير» في دهشة: هؤلاء الشياطين … أي عقل جهنمي يملكون؟!
أجابه «قيس»: مهما كانت براعة عقول الأشرار فلن نترك لهم الساحة خالية يملئونها شرًّا وجريمة … ولا بديل أمامنا غير إنقاذ المهندس «حلمي» مهما كان الثمن!
قال رقم «صفر» في هدوء: بالضبط … هذه هي مهمتكم القادمة … فعلينا أن نُثبت للموساد أننا قادرون على حماية أرضنا ومواطنينا … وأن ضربتهم سترتدُّ إليهم.
تساءل «خالد» في قلق: ولكن هل صودرت شحنة الألياف الكربونية؟!
قال رقم «صفر»: نعم … وإن كنا قد تعاقدنا على شحنة غيرها ستصلنا في أقرب وقت.
قالت «إلهام»: وعائلة المهندس «حلمي» … هل عادت إلى «مصر»؟!
قال رقم «صفر»: هذا صحيح أيضًا، فبعد أن وقع ربُّ العائلة في قبضة الموساد، لم يَعُد يهمُّها أمر الزوجة والأطفال … وإن كانت حالتهم النفسية في غاية السوء!
قالت «هدى»: سوف يعود المهندس «حلمي» إلى أسرته الصغيرة قريبًا بإذن الله.
قال رقم «صفر»: سوف تغادر مجموعة منكم مكوَّنة من خمسة، هم «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«هدى» و«قيس» إلى «صقلية» في طائرة المساء … وهناك ستجدون كل الإمكانات متوفرة لكم في عمليتكم، وسيقدم لكم عميلنا الأول في روما رقم «٧٧» كلَّ التسهيلات والأسلحة اللازمة … ولديكم كافة الصلاحيات في هذه المهمة.
نهض «أحمد» وهو يقول: ثِق أننا سنؤدي هذه المهمة على خير وجه يا سيدي … وسنعود سالمين بإذن الله لكي نحتفلَ بانتصارنا معًا.