السقوط في الفخ!
استمع الشياطين الأربعة ورقم «٧٧» إلى الحوار الذي دار بين «إلهام» والكولونيل «فريدريك» من خلال جهاز الإرسال الدقيق جدًّا المثبت في سترة «إلهام»، والذي لم ينتبه أحد إلى حقيقته داخل السجن، وانتفض «أحمد» في غضب وهو يقول: هؤلاء الأبالسة الأوغاد! … لقد اكتشفوا حقيقة «إلهام» بسرعة … وعلينا أن نتدخل لإنقاذها.
قال «عثمان» في حماس: علينا أن نقوم بشنِّ هجوم خاطف بالهليكوبتر ونرجم هؤلاء الأوغاد بالصواريخ والقنابل.
ولكن «أحمد» هز رأسه رافضًا للفكرة، وقال: هذه الخطة خطرة؛ فقد تُصيب قذائفنا «إلهام» والمهندس «حلمي»، وأيضًا ربما رصدتنا الأجهزة والصواريخ المضادة للطائرات المثبتة فوق أسوار السجن.
والتفت إلى «علا» قائلًا: هل يمكنك أن تساعدينا يا رقم «٧٧» بأية معلومة عن هذا السجن وحرَّاسه لم تخبرينا بها من قبل؟
قطَّبت «علا» حاجبَيها مفكرة للحظات، ثم قالت: إن هناك تبادلًا للحراس يجري كل أسبوع، فيتسلم عشرة من الحراس أماكنهم داخل السجن خلال زورق سريع من جزيرة «صقلية»، ويحصل زملاؤهم على إجازة ويعودون بالزورق إلى الجزيرة … وهذه العملية تجري فجر كل يوم أحد.
التمعت عينَا «أحمد» وقال: إن غدًا هو الأحد … وعلى ذلك ليس أمامنا غير ساعات قليلة على القيام بالمهمة!
تساءلت «هدى» في حيرة: ماذا تقصد يا «أحمد»؟!
أحمد: سوف تفهمين كلَّ شيء في الطريق؛ فلا وقت للضياع … والآن عليك أن تقودينا يا رقم «٧٧» إلى النقطة التي ينطلق منها الحراس بزورقهم للسجن.
هبَّت «علا» واقفة وهي تقول: إنها ليست بعيدة من هنا … هيَّا بنا.
واستقلوا سيارة التاكسي … وخلال الطريق أخذ «أحمد» يشرح للباقين تفاصيل خطته، وهم يستمعون إليه في إنصات.
واقتربوا من الهدف المحدد، فأوقفَت «علا» سيارتها بعيدًا … وتسللوا إلى الشاطئ … كان هناك زورقٌ كبير مشدود إلى مرساة صغيرة بالشاطئ، وليس هناك أحد إلى جواره. همس «عثمان»: إنهم لم يأتوا بعد … علينا أن نكمن في انتظارهم.
ومرَّ الوقت سريعًا … وأخيرًا بدأ توافد الحراس بزيِّهم الخاص ومدافعهم الرشاشة … ولحسن الحظ أنهم أتَوا واحدًا بعد الآخر … وكان هذا مما سهل مهمة الشياطين … فقد تكفل كلُّ واحد منهم باثنين من الحراس، وفي ضربات سريعة قاصمة انتهى الجزء الأول من المهمة، ورقد الحراس فاقدي الوعي لشدة ما نالوه من ضربات.
وقام الشياطين بتقييد الحراس العشرة وأخفَوهم خلف بعض الصخور بعد أن استولوا على ملابس خمسة منهم وارتدوها … وأخفَت «علا» شعرها تحت قبعة الحارس الذي استولَت على ملابسه ولطَّخَت وجهَها ببعض الشحم لإخفاء رقة ملامحها … وخلال دقائق كان زورق الحراس يشقُّ طريقَه إلى جزيرة السجن مبكرًا عن موعده بساعة كاملة، وما كاد الزورق يقترب من شواطئ الجزيرة حتى سلطت عليه الأضواء الكاشفة من بقعة بأعلى أسوار السجن. وقفز الشياطين إلى الشاطئ واقتربوا من بوابة السجن ودقوها، انفتحَت البوابة الكبيرة بعد دقائق، وأطل حارس عابس يغالب نومه وهو يقول: لقد جئتم مبكرين عن موعدكم المعتاد وأيقظتموني من نومي!
أجابه «أحمد»: نحن أيضًا، أيقظونا من نومنا.
أجابه «عثمان» بابتسامة عريضة كشفَت عن بياض أسنانه: أرى أنك استعدت وعيك سريعًا يا صاح وليس هذا في صالحك!
وطارت قبضته لتهشم فكَّ حارس البوابة وتُلقيه على الأرض بلا حراك … وهمس «أحمد» لزملائه: علينا بالانتشار سريعًا داخل السجن، واستعادة «إلهام» والمهندس «حلمي» دون صوت لمغادرة السجن بأسرع ما يمكننا، وحاذروا من إطلاق الرصاص وإلا انكشفت حيلتنا.
هزَّ الباقون رءوسهم بنعم … ثم تسللوا كالفهود ليختفوا في أعماقه.
كان السجن واسعًا مترامي الأطراف … وكان من الصعب تحديد مكان «إلهام» بداخله، خاصة وأنها كانت فاقدة لوعيها ويستحيل مساعدتها لزملائها.
وكان على «أحمد» أن يعتمد على حاسته السادسة … وهي لم تخذله قط من قبل … وأخذ طريقه جهة الشرق في حذر … وشاهد اثنين من الحراس يجوبان فناء السجن وهما يضحكان وقال أحدهما: كانت خدعة هذه الفتاة المصرية بارعة حقًّا … ولكن الكولونيل يمتلك من الخدع ما هو أشد براعة!
فأجابه الثاني: إنها إلى جانب مهارتها بارعة الجمال أيضًا … ولسوء الحظ أن الكولونيل يرغب في التخلص منها سريعًا دون أن يُتيحَ لنا فرصة بعض اللهو معها!
وفجأة التفت الاثنان على الصوت الذي جاء من خلفهما يقول: ما رأيكما في بعض اللهو البديل أيها الوغدان؟
استدار الحارسان في لحظة واحدة … وفي اللحظة التالية أو ربما في نفس اللحظة امتدَّت يدان من الظلام لتضربهما معًا … فترنَّح الاثنان ثم سقطَا على الأرض دون حراك.
وقفز «أحمد» إلى الأمام … وعلى ضوء يسير بعيد شاهد الشبح المعلق في الهواء من سقف الزنزانة … شبح «إلهام»!
دق قلب «أحمد» سريعًا وأحسَّ بألم شديد لما يجري ﻟ «إلهام»، واندفع نحوها … كان المهندس «حلمي» راقدًا على الأرض قريبًا منها بلا حراك، ولم يكن هناك أيُّ حراس قريبين من المكان … خان بعضُ الشك «أحمد»، ولكن كان عليه التحرك سريعًا، وقبل أن يلتقط سكينته الصغيرة المثبتة في حزام ساقه سقطَت شبكة كبيرة فوقه من السقف وشلَّت حركته.
جمُد «أحمد» مكانه من المفاجأة لحظة واحدة! وعندما أدرك الخدعة التي سقط فيها، امتدت يداه إلى مدفعه الرشاش، ولكن عددًا من الحراس قفزوا فوقه وتكاثروا عليه، وأخذوا يشلون حركته وهو داخل الشبكة مثل أسد جريح.
وضاقَت الشبكة على «أحمد» فلم يَعُد قادرًا حتى على الحراك، فتعالَى صوتُ لهاثه كأنه ينفث نارًا محرقة … وعلَت ضحكة عالية من الأمام … ضحكة ساخرة إلى أقصى حد … وظهر شخص يخترق الظلام إلى حيث بقعة الضوء المتسعة التي سُلِّطت على «أحمد» داخل الشبكة.
وكان الشخص القادم هو الكولونيل «فريدريك» … واقترب من «أحمد» وهو يتأمله متلذذًا، وقال: مرحبًا بك أيها الشيطان في عريننا … لقد كنت أتوقع وصولك؛ فقد خمنت أنك لن تقف ساكنًا بعد سقوط زميلتك بين أيدينا، وستسارع بإنقاذها، وهو ما دعاني إلى عدم انتزاع جهاز الإرسال الصغير المثبت على سترة زميلتك، حتى تكتشف ما حدث لها، وتسارع بإنقاذها.
جمُدت ملامح «أحمد» ولم ينطق … ففي تلك اللحظة أدرك ما للكولونيل من مهارة وقدرة على الخداع … وانطلق الكولونيل ضاحكًا بشدة وهو يضيف: ولهذا أعددت لك شركًا خداعيًّا صغيرًا بالقرب من زميلتك، وأنا موقن أنك ستسرع إليها حالما تطأ قدماك السجن.
أجابه «أحمد» قائلًا: أيها الوغد، ثق أنك ستلاقي عقابك في النهاية، وبأسرع مما تتصور، والمهم هو من يضحك في النهاية.
ارتسمت نظرة ساخرة في عينَي الكولونيل وقال: إذا كنت تقصد بقية زملائك مَن تسللوا إلى السجن فيُسعدني إبلاغك نبأ سقوطهم أيضًا داخل شراكنا!
وأشار الكولونيل بيده، فظهر عدد من الحراس وهم يدفعون أسراهم بغلظة … كان بقية الشياطين قد سقطوا في الأسر أيضًا … «عثمان» و«قيس» و«هدى» وكذلك «علا»… وقد كبَّلَتهم جميعًا شباك من البلاستيك الذي يستحيل تمزيقه!
ترامق الشياطين من داخل الشباك في غضب حارق، وقال الكولونيل ﻟ «أحمد» ساخرًا: لقد توقعت أن يكون لك ولزميلتك بعضُ الأعوان في هذه المهمة … وفكرت طويلًا لو أنني كنت مكانكم فكيف يمكنني دخول السجن دون أن ألفت الأنظار أو أضطر لإطلاق رصاصة واحدة، وعلى الفور هداني تفكيري إلى خدعة تبديل جنود الحراسة، وهو ما قمتم به بالضبط … فساعدتموني للقبض عليكم دون أن تدروا!
وأشار بسيجاره المتوهج إلى وجه «أحمد» مواصلًا: كما قلت أنت … فالمهم من يضحك أخيرًا … وسوف أؤجل ضحكتي الأخيرة إلى الصباح عندما يتم إعدامكم جميعًا رميًا بالرصاص.
أما ذلك الرجل الذي سعيتم لإنقاذه، فلا أظن أن أجله سيمتد حتى الصباح وهو يعاني من سكرات الموت بسبب تأثير السم وأزمته القلبية.
وتقدَّم الكولونيل خطوة إلى الأمام، وتوقف أمام «علا». وحدق فيها بعينَين ملتهبتَين ثم قال لها: أما أنت أيتها الخائنة فلا أظن أن إطلاق الرصاص عليك سيشفي غليلي وكل رجال المافيا في «صقلية»؛ فقد خدعتنا طويلًا ولكننا اكتشفنا خيانتك لحسن الحظ في النهاية … وفي الصباح سأجعلك تندمين على أنك فكرت في خيانتنا للحظة واحدة!
وصرخ الكولونيل في رجاله: خذوا هؤلاء الأسرى إلى الزنزانة … وجهزوا فرقة إطلاق النار في الصباح لتقوم بعملها المعتاد.
قام الحراس بتخليص الشياطين من الشباك، وكاد «عثمان» أن يصوب ضربة قوية إلى الكولونيل «فريدريك»، ولكن نظرة محذرة من «أحمد» أوقفته عما كان سيفعله … وقام الحراس بإنزال «إلهام» وتخليصها من الحبال، وكانت لا تزال فاقدة الوعي، فحملتها «هدى» فوق كتفها وقد امتلأت عيناها بالدموع، على حين حمل «قيس» المهندس «حلمي» فوق ذراعيه، وسار الشياطين ورقم «٧٧» تحت فوهات المدافع الرشاشة نحو زنزانة ضخمة، جدرانها من الصخر، وبابها من الصلب … وانغلق عليهم في عنف … وأطل حارس مسلح من نافذة صغيرة مسدودة بالقضبان الحديدية إلى الشياطين في تهكم قائلًا: إذا كانت لديكم رغبة أخيرة فيسعدني تحقيقها لكم قبل أن تُزهق أرواحكم في الصباح.
أجابته «هدى» في غضب: إن رغبتنا الوحيدة هي أن تريحنا من رؤية وجهك القذر أيها الوغد! فأطلق الحارس ضحكة عالية ساخرة وابتعد عن المكان.
وانتفض «عثمان» غاضبًا وقال ﻟ «أحمد»: لماذا منعتني من قتل هذا الكولونيل الوحشي … لقد كان في ذلك فرصتنا الأخيرة للنجاة!
ولم ينطق «أحمد» على الفور، وتعلَّق بصرُه بكاميرا تليفزيونية مخفاة بمهارة في السقف لم يكن هناك من شك أنها تنقل تحركاتهم وأن هناك ميكروفونًا سريًّا ينقل حديثهم إلى الكولونيل مباشرة … وبلغة الأصابع أجاب «أحمد» «عثمان»: إن هجومك على الكولونيل ما كان سيفيد بشيء غير تنفيذ حكم الإعدام فينا فورًا بدلًا من الصباح!
واصل «عثمان» حديثه في غضب: وهل سنترك هؤلاء الأشرار يقتلوننا ويفرحون بانتصارهم علينا؟!
أجابه «أحمد» في غموض: علينا أن ننتظر إلى الصباح.
قال «قيس» في حزن وهو يُلقي نظرة على المهندس «حلمي»: إنه قد لا يظل حيًّا حتى الصباح، فهو بحاجة إلى جراحة عاجلة وأجهزة طبية متطورة، ولكني سأبذل معه كلَّ جهدي.
وأخذ يقوم بتدليك للقلب ليحافظ على نشاطه أطول فترة ممكنة … أما «هدى» فأخذت تهز «إلهام» في رفق، و«علا» تقوم بتدليك معصمي «إلهام» مكان القيود التي أدمتها … وفتحَت «إلهام» عينَيها بعد قليل، وبدَا أنها تستعيد وعيَها شيئًا فشيئًا … وارتسمَت في عينَيها نظرة فيها ذهول، وعندما وقع بصرها على بقية زملائها ورقم «٧٧» داخل الزنزانة معها … ولم تكن في حاجة إلى مَن يخبرها بما حدث … وأن زملاءها بذلوا أقصى ما يستطيعون لإنقاذها فسقطوا في الشرَك أيضًا.
وامتلأَت عينَا «إلهام» بدموع ساخنة … دموع يأس وألم!