الانفعالات
«سأقتل … الشركة التي رفعت أسعارها ٢٠ في المائة!»
خرجت هذه الجملة من شابة في دراسة بحثية أجريتها. كان قد قيل لها إن شركةً ما رفعت أسعارها بنسبة ٢٠ في المائة دون أي سبب مشروع. وقد أثار انتهاك الشركة لمعيار اجتماعي استجابتها الانفعالية الحادة.
لكن لاحظ أن الاستجابة الانفعالية كانت إزاء ظلم، لا عدل؛ فالعدل يستدعي قدرًا بسيطًا من الانفعال، وهو مقبول بوصفه المعيار السائد. إن الظلم هو ما يتسبب في الانفجار الانفعالي.
سلسلة الاستجابات الانفعالية
ظهرت بوضوح سلسلة الاستجابات الانفعالية المتصاعدة إزاء الأسعار الجائرة في مجموعات الأبحاث النوعية الأربعة التي عقدتُها في الولايات المتحدة. أخبرت المشاركين أن ثمن إحدى الخدمات قد زيد بنسبة ٢٠ في المائة. لم تختلف استجابتهم الفورية عن استجابة الشابة التي كانت مستعدة لقتل الشركة. وافق الآخرون مبدِين دهشتهم وتبرُّمهم من السعر الأعلى من المتوقع؛ مما يُعتبر جائرًا على المستوى الشخصي: «عشرون في المائة زيادة سخيفة»، «زيادة العشرين في المائة تضايقني»، «إن الزيادة بنسبة عشرين في المائة مُبالَغ فيها.»
بسبب زيادة العشرين في المائة، أبدى المشاركون في مجموعة الأبحاث النوعية ضيقهم الشديد. كانت أكثر تعليقاتهم تكرارًا: «سأشعر بالضيق حينها»، «سيصيبك الضيق لأنك ستشعر بأنك أقل من مستواك المادي، ستشعر أنك لا تجني المال الكافي لتقيم أَوَدَك»، «أنا محبط من هذه الزيادة»، «لست سعيدًا بتلك الزيادة»، «ما كنت لأتقبل هذا الأمر كذلك!»
ثم طلبوا تبريرًا لهذه الزيادة: «سيكون أول رد لي: «ولِمَ؟»» «لِمَ يزيدون أسعارهم بنسبة ٢٠ في المائة؟»، «هل لي أن أعرف سببًا للزيادة؟»، «أعتقد أن إخباري بسببٍ لزيادة السعر سيُوجِد مبررًا لها!»
ما اعتبرته مجموعات التركيز البحثية أكثر التبريرات مشروعية لزيادة السعر كان الإنصاف، المعيار الاجتماعي الذي يقضي بالعدل في المعاملة: «عندما أسمع بزيادة السعر، ينتابني الفضول لمعرفة إذا كنت سأحصل على شيءٍ إضافيٍّ»، «إذا أعطوك قيمة إضافية مقابل نقودك، وقدموا لك مزيدًا من الخدمات، فستكون الزيادة مبررة»، «إذا لم يوجد ما يعوِّض الزيادة في السعر، فلا أعتقد أن الخدمة تستحق الزيادة!»
من المجحف اجتماعيًّا أن تزيد الشركة من سعر الخدمة دون تحسينها، فهذا ينتهك معيار الإنصاف. وهذا ما أثار ثائرة المشاركين: «هذا يثير غضبي»، «أشعر بالانزعاج وبأنني أتعرض للاستغلال تمامًا»، «أشعر بالغدر من الشركة»، «هذا تلاعب في الأسعار»، «سأغضب كثيرًا حينها»، «وأنا أيضًا!»
وكانوا على أهبة الاستعداد للانتقام: «لن أستمر في طلب الخدمة»، «إذا كان بوسعي التخلي عن هذا المنتج فسأتخلى عنه!»
فصل الاستجابات الانفعالية
متجر للخردوات يبيع مجرفة الجليد مقابل ١٥ دولارًا. في الصباح التالي لعاصفة ثلجية شديدة، رفع المتجر سعر المجرفة إلى ٢٠ دولارًا. من فضلك صنِّف هذا الفعل: عادل تمامًا، مقبول، جائر، جائر جدًّا.
أجريتُ دراسة ملحقة لفصل العدالة الشخصية عن العدالة الاجتماعية التي تناولها كانمان وزملاؤه بالدراسة. ولفصل هذين النوعين من العدالة، سألتُ مجموعة السؤال ذاته الذي طرحه كانمان، وتكررت النتيجة التي خرج بها كانمان من دراسته؛ إذ وصف ٨٦ في المائة من المشاركين زيادة سعر مجرفة الجليد بعد عاصفة ثلجية بأنها جائرة، وهذه إشارة إلى العدالة الاجتماعية. ولفصل العدالة الشخصية للسعر وحدها، سألتُ مجموعة أخرى عن ردود أفعالها حال رفع البائع سعر المجارف في وقت ليس فيه عاصفة.
متجر للخردوات يبيع مجرفة الجليد مقابل ١٥ دولارًا. رفع المتجر سعر المجرفة إلى ٢٠ دولارًا. من فضلك صنِّف هذا الفعل: عادل تمامًا، مقبول، جائر، جائر جدًّا.
زيادة السعر | بدون العاصفة الثلجية (جائرة على المستوى الشخصي) | مع العاصفة الثلجية (جائرة على المستوى الاجتماعي) |
---|---|---|
ثبات السعر عند ١٥ دولارًا | ٨٪ | ١٢٪ |
زيادة من ١٥ إلى ١٧ دولارًا | ٤٥٪ | ٦١٪ |
زيادة من ١٥ إلى ٢٠ دولارًا | ٦٩٪ | ٨٦٪ |
بدون عاصفة ثلجية، صنَّف ٦٩ في المائة الزيادة في السعر على أنها جائرة؛ مما يشير إلى أن المشاركين اعتبروا رفع السعر في حد ذاته جائرًا على المستوى الشخصي، فيما اعتبرت نسبة ١٧ في المائة أخرى من المشاركين الزيادة جائرة عند هبوب عاصفة ثلجية، فرفع السعر بعد هبوب العاصفة استغلال لحاجة المستهلك؛ مما يُعتبر جائرًا اجتماعيًّا.
وظيفة الاستجابات الانفعالية
كما يشرح داماسيو، فإن السبب وراء عدم تمكُّن المريضين من بلوغ قرار، كان افتقارهم إلى العواطف بسبب إصابات بالمخ. كان كلاهما يستطيع التفكير بعقلانية، لكن لم يكن لديهما أساس عاطفي ليتخذا على أساسه القرار.
التفكير المنطقي وحده لا يكفي للوصول إلى قرارات، والعواطف ضرورية لتمييز الجيد من السيئ، والصواب من الخطأ. يذهب داماسيو إلى أن المنطق والعواطف يجب أن يعملا معًا. حينها فقط يستطيع المرء إعداد الخطط المستقبلية التي ستحقق له أقصى استفادة من أجل البقاء، ومن يفتقرون إلى العواطف لا يتسنَّى لهم التخطيط.
لم يكن دور العواطف حاضرًا في المنهج التقليدي لاتخاذ القرار الاقتصادي؛ فعلى مستوى تقييم السعر، يُفترض أن يتحلى الناس بالمنطق، ويتخذون القرارات بناءً على مصالحهم الخاصة وحدها، فهذا فعل عقلاني، والعقلانية في حد ذاتها معيار اجتماعي للتبادل الاقتصادي. نُنصح بأن «نحافظ على رباطة جأشنا» و«ألا ندع انفعالاتنا تسيطر علينا.» لكن داماسيو يوضح أن اتصاف المرء بالعاطفية يمكن أحيانًا أن يضر باتخاذ القرار، أما افتقاره للعاطفة فيمكن أن يكون مدمرًا.
تؤثِّر العواطف كذلك على ما إذا كان المرء يطبِّق المعايير الاجتماعية؛ لأن كل معيار يتصل بما يُعتقد أنه بمثابة بطاقة عاطفية، وتشير هذه البطاقات إلى أن اتباع المعيار الاجتماعي أمر له أهميته. ونتيجة هذه البطاقات، نشعر بأهمية ما إذا كان موقع أمازون يحصِّل مبالغ مختلفةً من مختلف الأشخاص، ونعتقد أنه من الضروري أن تستخدم شركات المحمول خطوط كتابة كبيرة في إعلاناتها لتيسير قراءتها، ونرى أنه ينبغي أن نهتم بما إذا كانت أسعار شركات الطيران معقولة.
كما تشير البطاقات العاطفية إلى مقبولية أفعالٍ مختلفةٍ: السرقة مذمومة، فرض السعر ذاته على الجميع محمود، استغلال الفقراء مذموم، وما إلى ذلك. وبناءً على هذه البطاقات العاطفية، يتكون لدى العملاء حدس بشأن السعر، فلا يستغرقون وقتًا للإجابة منطقيًّا على ما إذا كان السعر أو سياسة التسعير صحيحة أم خاطئة، عادلة أم جائرة. إنهم يدركون ذلك في لحظتها.
موجز الفصل
تمثل العدالة الجانب العاطفي من صنع القرار الاقتصادي. إذا اعتبر المستهلك السعر جائرًا على المستوى الشخصي، فسيشعر بضيق شديد، وسيكون لديه الدافع للبحث عن السبب، وسيتحقق ما إذا كان الظلم على المستوى الشخصي تبرره عدالة اجتماعية أم لا، فإن اكتشف أن السبب عادل اجتماعيًّا، فسيقرر إتمام عملية الشراء، أما إذا كان السبب جائرًا على المستوى الاجتماعي، فسيزداد ضيقًا على ضيق، وستثور ثائرته بشكل غير معقول. وكالطفل الصغير مفرِط الحس، سيقول لك دون تفكير: «أنت لست عادلًا وأنا أكرهك!»